الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَكُونُ الإِمَامُ أعْلَى مِنَ الْمَأمُومِ، فَإنْ فَعَلَ وَكَانَ كَثِيرًا، فَهَلْ تَصِحُّ صَلَاتُه؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
ــ
580 - مسألة: (وَلَا يَكُونُ الإِمَامُ أعْلَى مِنَ الْمَأمُومِ، فَإنْ فَعَلَ وَكَانَ كَثِيرًا، فَهَلْ تَصِحُّ صَلَاتُه؟ عَلَى
(1) وَجْهَيْنِ) يُكرَهُ أن يكونَ الإمامُ أعْلَى مِن المَأمُومِ في ظاهِرِ المَذْهَبِ، سَواءٌ أراد تَعْلِيمَهم أو لم يُردْ. وهذا قَوْلُ مالكٍ، والأوزاعِيِّ، وأصحاب الرَّأْيِ. ورُوِيَ عن أحمدَ ما يَدُلُّ على أنَّه لا يُكرَهُ. واخْتارَ الشافعيُّ للإمامِ الَّذي يُعَلِّمُ مَن خَلْفَه أن يُصَلِّيَ على الشئِ المُرْتَفِع، ليَراه مَن خَلْفَه، ليَقْتَدُوا به؛ لِما روَى سَهْلُ بنُ سَعْدٍ،
= من كتاب الصلاة. السنن الكبرى 3/ 111.
(1)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال: لقد رَأيْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قام عليه، يعْنِي المِنْبَرَ، فكَبَّرَ، وكَبَّرَ النَّاسُ وراءَه، ثم رَكع وهو على المِنْبَرِ، ثم رَفَع ونَزل القَهْقَرَى، حتَّى سَجَد في أصْلِ المِنْبَرِ، ثم عاد حتَّى فَرَغ مِن آخِرِ صلاتِه، ثِم أقْبَلَ على النَّاس فقال: أيُّهَا النَّاسُ إنَّمَا فَعَلْتُ هَذَا لِتَأتَمُّوا بِي، وَلِتَعَلَمُوا صَلَاِتى». مُتَّفَقٌ عليه (1). ولَنا، ما رُوِيَ أنَّ (2) عَمّارَ بنَ ياسِرٍ، صَلَّى بالمَدائِنِ، فتَقَدَّمَ فقامَ على دُكانٍ، والنَّاسُ أسْفل منه، فتَقَدَّمَ حُذيْفَةُ فأخَذَ بيَدِه، فاتَّبَعَه عَمّارٌ حتَّى أنْزَلَه حُذَيْفَةُ، فلَمّا فَرَغ مِن صلاتِه، قال له حُذَيْفَةُ: ألم تَسْمَعْ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا أمَّ الرَّجُلُ القَوْمَ، فَلَا يَقُومَنَّ في مَكَانٍ أرْفعَ. مِن مَقَامِهِمْ؟» قال عَمَّار: فلذلك اتِّبَعْتُك حينَ أخَذْتَ على يَدَيَّ. رَواه أبو داودَ (3). ولأنَّه يَحْتاجُ أن يَقْتَدِيَ بإمامِه، فيَنْظُرَ رُكُوعَه وسُجُودَه، فإذا كان أعْلَى منه احْتاجَ إلى رَفْعِ بَصَرِه إليه، وذلك مَنْهِيٍّ عنه في الصلاةِ.
(1) تقدم تخريجه في 3/ 612.
(2)
سقط من: م.
(3)
في: باب الإمام يقوم مكانًا أرفع من مكان القوم. من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 141.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فأمَّا حديثُ سَهْلٍ، فالظَّاهِرُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان على الدَّرَجَةِ السُّفْلَى؛ لِئَلَّا يَحْتاجَ إلى عَمَلٍ كَثِير في الصُّعُودِ والنُّزُولِ، فيَكُونُ ارْتِفاعًا يَسِيرًا لا بَأسَ به، جَمْعًا بينَ الأخْبارِ. ويَحْتَمِلُ أن يَخْتَصَّ ذلك بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، لأنَّه فَعَل شيئًا ونَهَى عنه، فيكونُ فِعْلُه لنَفْسِه، ونَهْيُه لغَيْرِه، [ولذلك](1) لا يُسْتَحَبُّ لغيرِه عليه السلام. ولأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ولم يُتِمَّ الصلاةَ على المِنْبَرِ، فإنَّ سُجُودَه وجُلُوسَه إنَّما كان على الأرض، بخِلافِ ما اخْتَلَفْنا فيه.
فصل: ولا بَأسَ بالعُلُوِّ اليَسِيرِ، كدَرَجَةِ المِنْبَرِ ونَحْوِها؛ لِما ذَكَرْنا مِن حديثِ سَهْل، ولأنَّ النَّهْىَ مُعَلَّلٌ بما يُفْضِي إليه مِن رَفْعِ البَصَرِ في الصلاةِ، وهذا يَخْتَصُّ الكَثِيرَ.
(1) في م: «وكذلك» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن كان العُلُو كَثيرا، أُبْطَلَ الصلاةَ في قَوْلِ ابنِ حامِدٍ. وهو قَوْلُ الأوْزاعِيِّ؛ لأنَّ النَّهْىَ يَقتَضِي فَسادَ المَنْهِيِّ عنه. وقال القاضي: لا تَبْطُلُ. وهو قولُ أصْحَابِ الرَّأى؛ لأنَّ عَمّارًا أتَمَّ صلَاته، ولو كانت فاسِدَةً لَاسْتَأْنَفَها، ولأنَّ النَّهْىَ مُعَلَّلٌ بما يُفْضِي إليه مِن رَفْع البَصَرِ، وهو لا يُبطِلُ الصلاةَ، فسَبَبُه أوْلَى.
فصل: فإن كان مع الإمام مَن هو مُساوٍ له، ومَن هو أسْفَلُ منه، اخْتَصَّتِ الكَراهةُ بمَن هو أسْفَلُ مَنه، لوُجُودِ المَعْنَى فيهم خاصَّةً. ويَحْتَمِلُ أن يَتَناوَلَ النَّهْىُ الإمامَ، لكَوْنِه مَنْهيًّا عن القِيامِ في مَكانٍ أعْلَى مِن مَقامِهم. فعلى هذا الاحْتِمالِ تَبْطُلُ صلاةُ الجَمِيع عندَ مَن أَبْطَلَ الصلاةَ بارْتِكابِ النَّهْيِ.
فصل: فإن كان المَأمُومُ أعْلَى مِن الإِمامِ، كالذى على سَطحِ المَسجدِ، أو رَفٍّ أو دِكَّةٍ عالِيةٍ، فلا بَأسَ؛ لأنَّه رُوِيَ عن أبي هُرَيْرَة، أنَّه صَلَّى بصلاةِ الإِمامِ على سَطْحِ المَسْجِدِ (1). وفَعَلَه سالِمٌ. وبه قال
(1) أخرجه البيهقي، في: باب الصلاة المأموم في المسجد أو على ظهره، من كتاب الصلاة. السنن الكبرى 3/ 111.