الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَجوزُ التَطَوُّعُ بغَيرِها فِي شَيء مِنْ هذهِ الْأوْقَاتِ الْخَمسَةِ، إلَّا مَا لَهُ سَبَبٌ؛ كَتَحِيَّةِ الْمَسجِدِ، وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ، وَصلَاةِ الْكُسُوفِ، وَقَضَاءِ السننِ الرَّاتِبَةِ، فَإنها عَلَى رِوَايَتَينِ.
ــ
مسلم (1)، وقِياسا على الوَقْتَينْ الآخَرَين. والثّانِيَةُ، لا يَجُوزُ؛ لحديثِ عُقْبَةَ بنِ عامرٍ، ولِما بينَها وبينَ هذين الوَقْتَين مِن الفَرقِ.
523 - مسألة: (ولا يَجُوزُ التَّطَوُّعُ بغيرِها في شيء مِن هذه
(2) الأوْقاتِ الخمسَةِ، إلَّا ما له سَبب؛ كتَحِيَّةِ المسجدِ، وسُجُود التلاوَةِ، وصلاةِ الكُسُوفِ، وقَضاءِ السُّنَن الرّاتِبَةِ، فإنها على روايَتَين) أرادَ بغيرِ ما ذكَر مِن الصَّلَواتِ، وهي صلاةُ الجِنازَةِ، ورَكْعَتا الطَوافِ، وإعادَةُ الجماعَةِ، وليس في المَذْهبِ خِلاف نَعلَمُه في أنَّه لا يَجُوز أن يَبْتَدِئَ في هذه الأوْقاتِ تَطَوُّعًا لا سَبَبَ له. وهذا قولُ الشافعي، وأصحابِ الرأي.
(1) في: باب كراهة تأخير الصلاة عن وقتها المختار، من كتاب المساجد. صحيح مسلم 1/ 448.كما أخرجه النسائي، في: باب الصلاة مع أئمة الجور، من كتاب الإمامة. المجتبى 2/ 58، 59. وابن ماجه، في: باب ما جاء فيما إذا أخروا الصلاة عن وقتها، من كتاب إقامة الصلاة سنن ابن ماجه 1/ 398. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 147، 149، 160، 161، 168.
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال ابن المُنْذر: رَخَّصت طائِفةً في الصلاة بعدَ العَصرِ، يروَى ذلك عن على، والزُّبَيرِ، وابنِه، وتمِيم الدارِي، والنعمانِ بنِ بَشِيرٍ، وأبي أيُّوبَ الأنْصاري، وعائشةَ، رضي الله عنه، وجَماعَةٍ مِن أهلِ العِلْمِ سِواهم. ورُوِيَ عن أحمدَ، أنه قال.: لا نَفْعَلُه ولا نعِيبُ فاعِلَه؛ لقَوْلِ عائشةَ: ما تَرَك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَكعَتَين بعدَ العَصرِ عندِي قط. وقولِها: وهِمَ عُمَرُ، إنما نَهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَتَحَرَّى طُلُوعَ الشمس أو غُرُوبَها. رَواهما مسلم (1). وقولُ علي، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:«لَا صَلَاة بعدَ الْعصرِ إلّا وَالشمس مُرتَفِعَة» (2). ولَنا، الأحاديثُ المذْكُورَةُ، وهي
(1) الأول، في: باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، من كتاب صلاة المسافرين. صحيح مسلم 1/ 572. كما أخرجه الإمام أحمد، في: المسند 6/ 96.
والثاني، تقدم تخريجه في صفحة 241.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 340.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صَحِيحَة صرِيحَة. وروَى أبو بَصرَةَ، قال: صَلى بِنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صلاة العَصرِ بالمُخَمَّصِ (1)، فقال:«إنَّ هذهِ الصَّلاة عُرِضَتْ عَلى مَنْ كَانَ قَبْلَكم فَضَيَّعُوها، فمَنْ حَافَظَ عَلَيها كَانَ لَهُ أجْرُهُ مَرَّتَينِ، وَلا صَلاةَ بَعدَها حَتَّى يَطْلُعَ الشاهِدُ» . رَواه مسلم (2). وهذا خاصٌّ في مَحَل النزاعِ. وأما حديثُ عائشةَ،، فقد روَى عها ذَكْوانُ مَوْلاها، أنها حَدَّثَتْه، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يُصَلي بعدَ العَصرِ وينْهى عنها. رواه أبو داودَ (3). وعن أمِّ سَلَمَةَ، قالت: سَمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَنْهى عنهما، ثم رأيتُه يُصَليهما، وقال: «يَا بنْتَ ابنِ أبِي أمَيَّةَ، إنَّهُ أتانِيَ نَاس مِنْ عَبْدِ الْقَيس بالإسْلَامِ مِنْ قَوْمِهِم، فشَغَلُوني عَنِ الركْعَتَينِ اللَّتَينِ بعدَ
(1) كذا ضبطه النووي؛ وقال: موضع معروف. شرح صحيح مسلم 6/ 113. وفي معجم البلدان 4/ 444 المَحمِص، طريق في جبل عمر إلى مكة.
(2)
في: باب الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها، من كتاب صلاة المسافرين. صحيح مسلم 1/ 568. كما أخرجه النسائي، في: باب تأخير المغرب، من كتاب المواقيت. المجتبى 1/ 208. والإمام أحمد، في: المسند 6/ 397.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 241.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الظهْرِ، فهُمَا هاتَان». رواه مسلم (1). وهذا يَدُلُّ على أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم إنّما فَعَلَه لسَبَبٍ، وهو قَضاءُ ما فات مِن السنةِ، وأنه نَهى عن الصلاةِ بعدَ العَصرِ، كما رَواه غيرُهما، وحديثُ عائشةَ يَدُل على اخْتِصاص النبيِّ صلى الله عليه وسلم[بذلك، ونَهْيه غيرَه، وهو حُجّة على مَن خالف ذلك، فإن النِّزاعَ في غيرِ النبي صلى الله عليه وسلم](2)، وقد ثبَت ذلك مِن غيرِ مُعارض له، وقَوْلُها: وَهِمَ عُمَرُ. قد أجبنا عنه.
فصل: فأما ما له سَبَب، فالمَنْصُوصُ عن أحمدَ، رضي الله عنه، في الوتْرِ أنَّه يُفْعَلُ بعدَ طُلوعِ الفَجْرِ قبلَ الصلاةِ. رُوِيَ ذلك عن ابنِ مسعود، وابنِ عُمَرَ، وابنِ عباس، وحُذَيفَةَ، وأبِي الدرداءِ، وعُبادَةَ بنِ الصامِتِ، وعائشِة، وغيرِهم، رضي الله عنهم. وبه قال مالكٌ، والثَّوْرِيُّ، والأوْزاعِي، والشافعي. ورُوِيَ عن علي، رضي الله عنه،
(1) في النسخ: «رواهما» .وهو خطأ.
والحديث أخرجه مسلم، في: باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر، من كتاب صلاة المسافرين. صحيح مسلم 1/ 571، 572.كما أخرجه البخاري، في: باب ما يصلى بعد العصر من الفوائت ونحوها؛ من كتاب المواقيت، وفي: باب إذا كلم وهو يصلي فأشار بيده واستمع، من كتاب السهو، وفي: باب، وفد عبد القيس؛ من كتاب المغازي. صحيح البخاري 1/ 153، 2/ 88، 5/ 214. وأبو داود، في: باب الصلاة بعد العصر، من كتاب التطوع سنن أبي داود 1/ 293. والدارمي، في: باب: في الركعتين بعد العصر، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي 1/ 334، 335.
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إنّه خَرج بعدَ طلُوعِ الفَجْرِ، فقال: لنِعمَ هذه ساعَةُ الوتْرِ (1). وقد رُوِيَ عن أبي موسى، أنَّه سُئِل عن رجل لم يُوتِر حتى أذنَ المُؤذنُ، فقال: لا وتر. له. وأنكَر ذلك عَطاء، والنَّخَعِي، وسعيدُ بنُ جُبير. وهو قول أبي موسى؛ لعمومِ النهْي. ولَنا، ما روَى أبو بَصرَة الغِفاري، قال: سَمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «إنَّ الله زَادَكم صلَاة فَصَلُّوها مَا بَينَ الْعِشَاءِ إلَى صلَاةِ الصبحَ، الوتر الوتر (2)» . رَواه الأثْرَمُ، واحتَجَّ به أحمدُ (3). وأحادِيثُ النهْي ليست صَرِيحَة في النهْي قبلَ صلاةِ الفَجْرِ؛ كما حَكَيناه مُتَقَدَّمًا. وقد روَى أبو هُريرةَ (4)، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن نَامَ عن الْوتر
(1) أخرجه عبد الرزاق، في: باب أي ساعة يستحب فيها الوتر، من كتاب الصلاة. المصنف 3/ 18. والبيهقي، في: باب من أصبح، ولم يوتر. . . . إلخ، من كتاب الصلاة. السنن الكبرى 2/ 479.
(2)
سقَط من: م.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 107.
ونحوه حديث خارجة بن حذافة المتقدم في الموضع السابق.
(4)
كذا جاء. وهو من حديث أبي سعيد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فَلْيُصَلِّهِ إذا أصبح». رَواه ابنُ ماجه (1). إذا ثَبَت هذا، فإنه لا يَنْبَغِي أن يَتَعَمَّدَ تركَ الوتْرِ حتى يُصبِحَ؛ لهذا الخَبَرِ، ولأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«فَإذَا خشيَ أحَدُكُم الصبحَ فَلْيُصَل رَكْعَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى» . مُتفَق عليه (2). وقال مالك: مَن فاتَتْه صلاةُ اللَّيلِ، فله أن يُصَلِّيَ بعدَ الصبحِ قبلَ أن يُصَلِّيَ الصبحَ. وحَكاه ابنُ أبي موسى في «الإرشادِ» مَذْهبًا لأحمدَ، قِياسًا على الوتْرِ، ولأن هذا الوَقتَ، لم يَثْبُتِ النَّهْيُ فيه صَرِيحًا، فكان حُكمُه خَفِيفًا.
فصل: فأما سُجُودُ التلاوَةِ، وصلاةُ الكُسوفِ، وتَحِيُّةُ المسجدِ، فالمَشْهُورُ في المَذْهبِ أنه لا يَجُوزُ فِعلُها في شيءٍ مِن أوْقاتِ النَّهْي، وكذلك قَضاء السننِ الراتِبَةِ في الأوْقاتِ الثلاثةِ المَذْكورَةِ في حديثِ عُقْبَةَ بنِ عامِر.
(1) في: باب من نام عن وتر أو نسيه، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 375 أخرجه أبو داود، في: باب في الدعاء بعد الوتر، من كتاب الوتر. سنن أبي داود 1/ 331. والترمذي، في؛ باب ما جاء في الرجل ينام عن الوتر أو ينساه، من أبواب الوتر. عارضة الأحوذي 2/ 252. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 31، 44.
(2)
تقدم تخريجه في صفحة 11، 12 في حديث:«صلاة الليل مثنى مثنى» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذَكَرَه الخِرَقي في سُجُودِ التلاوَةِ، وصلاةِ الكسُوفِ. وقال القاضِي: في ذلك رِوايَتان؛ أصَحُهما، أنه لا يَجُوزُ. وهو قولُ أصحاب الرَّأي. والثانِيةُ، يجُوزُ. وهو قول الشافعيِّ؛ لقَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلم:«إذَا دَخَل أحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يَركَعَ رَكْعَتَينِ» . مُتَفَق عليه (1).
وقال في الكسُوفِ: «فإذَا رأيتُموها (2) فصَلوا» (3) وهذا خاصٌّ في هذه الصلاةِ، فيُقَدمُ على النَّهْي العام، ولأنها صلوات ذَواتُ أسبابٍ أشْبَهتْ ما ثَبَت جَوازُه. ولَنا، أن كل واحِدٍ خاصٌّ مِن وَجْهٍ، [وعام من وَجْهٍ](4) إلَّا أن النهْيَ للتحرِيمِ، والأمرَ للندبِ، وتَركُ المُحَرُّمِ أوْلَى مِن فِعلِ المَنْدُوبِ.
(1) أخرجه البخاري، في: باب إذا دخل المسجد فليركع ركعتين، من كتاب الصلاة، وفي: باب جاء في التطوع مثنى مثنى، من كتاب التهجد. صحيح البخاري 1/ 120، 121، 2/ 70، ومسلم، في: باب استحباب تحية المسجد بركعتين. . . . إلخ من كتاب صلاة المسافرين. صحيح مسلم 1/ 495.كما أخرجه الترمذي، في: باب جاء إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذي 2/ 112، والنسائي في: باب الأمر بالصلاة قبل الجلوس فيه. من كتاب المساجد. المجتبى 2/ 42. وابن ماجه، في: باب من دخل المسجد فلا يجلس حتى يركع، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 323. والإمام مالك، في: باب انتظار الصلاة، المشي إليها، من كتاب السفر. الموطأ 1/ 162. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 295، 296، 303، 305، 311.
(2)
في تش: «رأيتموهما» .
(3)
يأتي تخريجه في صلاة الكسوف.
(4)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فأما قَضاءُ السُّننِ الرّاتِبَةِ في الوَقتَين الآخَرَين، فالصَّحِيحُ أن رَكْعَتَي الفَجْرِ تُقْضَى بعدَها؛ [إلا أن] (1) أحمدَ قال: أنا أخْتارُ أن يَقْضِيَهما مع الضحَى. كان صلّاهما بعدَ الفَجْرِ أجْزَأه؛ لِما روَى قَيسُ بنُ قَهْدٍ، قال: رَآنِي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأنا أصَلّي رَكْعَتَي الفَجر بعدَ صلاةِ الفَجْرِ، فقال:«مَا هاتَانِ الركْعَتَانِ يَا قَيسُ؟» قُلْتُ: يا رسولَ الله، لم أكُنْ صَلَيتُ رَكْعَتَي الفَجْرِ، فهما هاتانِ. رَواه الامامُ أحمدُ، وأبو داودَ، والترمِذِي (2). وسُكُوتُ النبي صلى الله عليه وسلم يَدُل على الجَوازِ. وفيه رِوايَةٌ أخْرَى، لا يَجُوزُ ذلك. وهو قولُ أصحابِ الرأي، لعُمُومِ أحاديثِ النَّهْي، ولِما روَى أبو هُرَيرةَ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يُصَل رَكْعَتَي الْفَجْرِ فَلْيُصَلِّهمَا بَعْدَ مَا تَطْلُعُ الشمسُ» . رَواه الترمِذِيُّ (3).
(1) في م: «لأن» .
(2)
أخرجه أبو داود، في: باب من فاتته متى يقفط، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 291؛ 292. والترمذي، في: كتاب ما جاء في من تفوته الركعتان قبل الفجر يصليهما بعد صلاة الفجر، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذي 2/ 215. والإمام أحمد، في: المسند 5/ 447. كما أخرجه ابن ماجه، في: باب جاء في من فاتته الركعتان. . . . إلخ، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماحه 1/ 365.
(3)
في: باب ما جاء في إعادتهما بعد طلوع الشمس، من أبواب المواقيت. عارضة الأحوذي 2/ 216.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وحديثُ قَيسٍ مُرسَل، قاله أحمدُ، والترمِذِي. وإذا كان الأمرُ هكذا كان تأخِيرُهما إلى وَقتِ الضُّحَى أحسَنَ؛ ليَخْرُجَ مِن الخِلافِ، ولا يُخالِفُ عُمومَ الحدِيتِ، وإن فَعَلَهما جاز؛ لأنَّ هذا الخبَرَ لا يَقْصُرُ عن الدَّلالةِ على الجَوازِ. والصحِيحُ أن السننَ الراتِبَةَ تُقْضَى بعدَ العَصرِ؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَه، فإنه قَضَى الركْعَتَين اللَّتَين بعدَ الظهْر بعدَ العَصرِ في حَدِيثِ أم سَلمَةَ الذي ذَكَرناه (1)، والاقتِداءُ بما فَعَلَه النبي صلى الله عليه وسلم مُتَعيِّن. ولأن النهْيَ بعدَ العَصرِ خَفِيف، لِما روىَ في خِلافِه مِن الرُّخْصَةِ. وقولُ عائشةَ: إنه كان يَنْهى عنها. معنَاه والله أعلمُ، أنه نَهى (2) عنها لغيرِ بهذا السببِ، أو أنه كان بَفْعَلُها على الدَّوامِ. وهذا مذهب الشافعي. وفيه رِوايَة أخْرَى، لا يَجُوزُ. وهو قولُ أصحابِ الرأي؛ لعُمُومِ النهْي. والأخْذُ بالحدِيثِ الخاص أوْلَى.
(1) تقدم تخريجه في صفحة 256.
(2)
في م: «ينهى» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا فَرقَ بينَ مَكَّةَ وغيرِها في المَنْع مِن التطَوُّعِ في أوْقاتِ النَّهْي. وقال الشافعي: لا يُمنَعُ؛ لِما ذَكَرنا مِن حديثِ جُبَيرِ بنِ مُطعم (1)، ولِما روَى أبو ذَر، قال: سَمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَا يُصَليَن أحَدٌ بَعدَ الصبحِ إلى طُلُوعِ الشمس، وَلَا بَعْدَ الْعصرِ إلَى أنْ تَغْرُبَ (2) الشمسُ، إلّا بمَكَّةَ» . قال ذلك ثلاثًا. رَواه الدّارَقطني (3). ولَنا، عُمومُ النهْي، ولأنه مَعنى يَمنَعُ الصلاةَ، فاستَوَتْ فيه مَكَة وغيرُها، كالحَيضِ، وحديثُ جُبَير أرادَ به رَكْعَتَي الطَّوافِ وحديثُ أبي ذَر يرويه عبدُ الله (4) بنُ المُؤملِ، وهو ضَعِيفْ. قاله يَحيَى بنُ مَعِين.
فصل: ولا فَرقَ في وَقتِ الزّوالِ بينَ يومِ الجُمُعَةِ وغيرِه، ولا بينَ الشِّتاءِ والصيفِ. كان عُمَرُ بنُ الخطْابِ يَنْهى عنه، وقال ابنُ مسعود: كُنا نُنْهى عن ذلك. يَعنِي يومَ الجُمُعَةِ. ورَخَّصَ فيه الحَسَنُ، وطاوس والأوْزاعي، والشافعي، وإسحاقُ في يوم الجُمُعَةِ، لِما روَى أبو سعيد، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاةِ نِصفَ النهارِ إلى يومَ الجُمعَةِ. رَواه أبو
(1) تقدم تخريجه في صفحة 250.
(2)
في م: «تغيب» .
(3)
في: باب جواز النافلة عند البيت في جميع الأزمان، من كتاب الصلاة. سنن الدارقطني 1/ 425.
(4)
في تش: عبد الرحمن.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
داودَ (1). ولأن النّاسَ يَنتظِرُون الجُمُعَةَ في هذا الوَقْتِ، وليس عليهم قطْعُ النَّوافِلِ. وأباحَه عَطاء في الشتاءِ دُونَ الصيفِ؛ لأن ذلك الوَقْتَ حينَ تُسْجَرُ جَهنَّمُ. ولَنا، عُموم أحادِيثِ، النهْي، وهي عامَّةٌ في يومِ الجُمُعَةِ وغيرِه، وفي الصيفِ والشتاءِ، ولأنه وَقْتُ نَهْي، فاستوى فيه يومُ الجُمعَةِ وغيرُه، كسائِرِ الأوْقاتِ، وحَدِيثهم في إسناده لَيث (2)، وهو ضَعِيفٌ، وهو مُرسَل أيضًا. وقَوْلُهم: إنهم يَنْتَظِرُون الجُمُعَة. قُلْنا: إذا عَلِم وَقْتَ النهْي فليس له أن يُصَلي، وإن شَكَّ فله أن يصَليَ حتى يَعلَمَ، لأن الأصلَ الإباحَةُ، فلا تَزُولُ بالشكِّ. ونَحوُ هذا قال مالِكٌ. والله أعلمُ.
(1) كذا في النسخ. وإنما أخرجه أبو داود من حديث أبي قتادة، في: باب الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 249. ولفظه: كره الصلاة نصف النهار. . . . إلخ
وأخرج البيهقي نحوه من حديث أبي هريرة، في: باب ذكر البيان أن هذا النهي مخصوص ببعض الأيام دون بعض، من كتاب الصلاة. السنن الكبرى 2/ 464.
(2)
هو ليث بن أبي سليم. انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب 8/ 465.