الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ أَفْقَهُهُمْ، ثُمَّ أسَنُّهُمْ، ثُمَّ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَة، ثُمَّ أَشْرَفُهُمْ، ثُمَّ أَتْقَاهُمْ، ثُمَّ مَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ.
ــ
أحَدُهما أكْثَرَ حِفْظًا، والآخَرُ أقَلَّ لَحْنًا وأجْوَدَ قِراءَةً، قُدِّمَ؛ لأنَّه أعْظَمُ أجْرًا في قِراءَتِه؛ لقَوْلِه عليه السلام:«مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَعْرَبَهُ فَلَهُ بكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَمَنْ قَرَأَهُ وَلَحَنَ فِيهِ فلَهُ بكُلِّ حَرْفٍ حَسَنَةٌ» . رَواه التِّرْمِذِيُّ (1)، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقال أبو بَكْرٍ، وعُمَرُ، رَضىَ اللهُ عنهما: إعْرابُ القُرْآنِ أَحَبُّ إلينا مِن حِفْظِ بَعْضِ حُرُوفِه. وإنِ اجْتَمَع قارِئ لا يَعْرِفُ أحْكامَ الصلاةِ فكذلك، للخَبَرِ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: يقَدَّمُ الأفْقَهُ؛ لأنَّه تَمَيَّزَ (2) بما لا يُسْتَغْنَى عنه في الصلاةِ.
549 - مسألة: (ثم أفْقَهُهم، ثم أسَنُّهم، ثم أقْدَمُهم هِجْرَةً، ثم أشْرَفُهم، ثم أتْقاهم، ثم مَن تَقَعُ له القُرْعَةُ)
متى اسْتَوَوْا في القِراءةِ وكان أحَدُهم أفْقَهَ، قُدِّمَ؛ لِما ذَكَرْنا مِن الحديثِ، ولأنَّ الفِقْهَ يُحْتاجُ إليه في
(1) لم نجده في التِّرْمِذِيّ بهذا اللفظ ولا قريب منه. وقد أورده ابن عدي في: الكامل في الضعفاء، عن عمر ابن الخَطَّاب. انظر: الكامل 7/ 2506.
(2)
في م: «يمتاز» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصلاةِ للإِتْيانِ بواجِباتِها وأرْكانِها وشُرُوطِها وسُنَنِها، وجَبْرِها إنِ احْتاجَ إليه. فإنِ اجْتَمَعَ فَقِيهان قارِيّان، أحَدُهما أقْرَأُ، والآخَرُ أفْقَهُ، قُدِّمَ الأقْرَأُ؛ للحَدِيثِ. نَصَّ عليه. وقال ابنُ عَقِيل: يُقَدَّمُ الأفْقَهُ؛ لتَمَيُّزِه بما لا يُسْتَغْنَى عنه في الصلاةِ. وهذا يُخالِفُ الحديثَ المَذْكُورَ، فلا يُعَوَّلُ عليه. فإنِ اجْتَمَع فَقِيهان، أحَدُهما أعْلَمُ بأحْكام الصلاة، والآخَرُ أعْرَفُ (1) بما سِواها، قُدِّمَ الأعْلَمُ بأحْكامِ الصلاةِ؛ لَأنَّ عِلْمَه يُؤَثِّرُ في تَكْمِيل الصلاةِ، بخِلافِ الآخَرِ.
فصل: فإنِ اسْتَوَوْا في القِراءَةِ والفِقْهِ، فقال شيخُنا (2) ها هنا: يُقَدَّمُ أسَنُّهم. يَعْنِي أكْبَرَهم سِنًّا. وهو اخْتِيارُ الخِرَقِيِّ؛ لقَوْلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لمالكِ
(1) في م: «أعلم» .
(2)
انظر: المغني 3/ 15.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ابنِ الحُوَيْرِثِ: «إذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَلْيُؤَذِّنْ أحَدُكُمَا، وَلْيَؤُمَّكُمَا أكْبَرُكُمَا» . مُتَّفَقٌ عليه (1). ولأن الأسَنَّ أحَقُّ بالتَّوْقِيرِ والتَّقْدِيمِ. وظاهِرُ كَلام أحمدَ، أنَّه يُقَدَّمُ أقْدَمُهما هِجْرَةً، ثم أسَنُّهما؛ لحَدِيثِ أبي مَسْعُودٍ، فإنِّه مُرَتَّبٌ هكذا. قال الخَطّابِيُّ (2): وعلى هذا التَّرَتِيبِ أكْثَرُ أقاوِيلِ العُلَماءِ. ومَعْنَى تَقْدِيم الهِجْرَةِ، أن يكونَ أحَدُهما أسْبَقَ هِجْرَةٌ مِن دارِ الحَرْبِ إلى دارِ الإِسْلامِ، وإنَّما يُقَدَّمُ بها؛ لأنَّها قُرْبَةٌ وطاعَةٌ. فإن عُدِمَ ذلك؛ إما لاسْتِوائِهما فيها، أو عَدَمِها، قُدِّمَ أسَنُّهما؛ لِما ذَكَرْنا. وقال ابنُ حامِدٍ: أحَقُّهم بعدَ القِراءَةِ والفِقْهِ أشْرَفُهم، ثم أقْدَمُهم هِجْرَةً، ثم أسَنُّهم. والصَّحِيحُ ما دَل عليه حديثُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِن تَقْدِيمِ
(1) تقدم تخريجه في 3/ 52.
(2)
في: معالم السنن 1/ 168.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
السّابِقِ بالهِجْرَةِ، ثم الأسَنِّ، ويُرَجَّحُ بتَقْدِيمِ الإسلامِ، كتَقْدِيمِ الهِجْرَةِ؛ لأنَّ في بَعْضِ ألْفاظِ حديثِ أبي مسعودٍ:«فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا» (1). ولأنَّ الإِسلامَ أقْدَمُ مِن الهِجْرَةِ، فإذا قُدِّمَ بالهِجْرَةِ فأَوْلَى أن يَتَقَدَّمَ بالإِسلامِ. فإذا اسْتَوَوْا في جَمِيع ذلك قُدِّمَ أشْرَفُهم، والشَّرَفُ يَكُونُ بعُلُوِّ النَّسَبِ، وبكَوْنِه أفْضَلَ في نَفْسِه وأعْلاهم قَدْرًا؛ لقَوْلِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم:«قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا» (2). فإنِ
(1) تقدم في صفحة 336.
(2)
الحديث في الكامل لابن عدي 5/ 1810. وفي ترتيب مسند الشَّافعيّ للسندى 2/ 194 حديث رقم (691) أول كتاب المناقب. وفي فيض القدير للمناوى 4/ 512 حديث رقم (6109)، وعزاه للطبرانى، وحديث رقم (6110) وعزاه للبزار. وأخرجه ابن أبي عاصم، في السنة حديث (1519، 1520، 1521).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اسْتَوَوْا في هذه الخِصالِ، قُدِّمَ أتْقاهم؛ لأنَّه أشْرَفُ في الدِّينِ، وأفْضَلُ وأقْرَبُ إلى الإِجابَةِ، وقد جاء:«إذَا أَمَّ الرَّجُلُ الْقَوْمَ، وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ، لَمْ يَزَالُوا فِي سَفَالٍ» . ذَكَرَه الإمامُ أحمدُ في «رِسالَتِه» (1). ويُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ الأتْقَى على الأشْرَفِ؛ لأنَّ شَرَفَ الدِّين خَيْرٌ مِن شَرَفِ الدُّنْيا، وقد قال اللهُ تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} (2). فإنِ اسْتَوَوْا في هذا كلِّه أُقْرِعَ بينَهم. نَصَّ عليه؛ لأنَّ سَعْدًا أقْرَعَ بينَ النّاسِ في الأذانِ يومَ القادِسِيَّةِ (3)، فالإِمامَةُ أوْلَى، ولأنَّهم تَساوَوْا في
(1) الرسالة السنية، ضمن مجموعة الحديث النجدية 457.
(2)
سورة الحجرات 13.
(3)
أخرجه البيهقي، في: باب الاستهام على الأذان، من كتاب الصلاة. السنن الكبرى 1/ 429.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الاسْتِحْقاقِ، وتَعَذَّرَ الجَمْعُ، فأْقْرِعَ بينَهم، كسائِرِ الحُقُوقِ. وإن كان أحَدُهما يَقُومُ بعِمارَةِ المَسْجِدِ وتَعاهُدِه فهو أحَقُّ به، وكذلك إن رَضِيَ الجِيرانُ أحَدَهما دُونَ الآخَرِ، قُدِّمَ به، ولا يُقَدَّمُ بحُسْنِ الوَجْهِ؛ لأنَّه لا مَدْخَلَ له في الإِمامَةِ، ولا أثَرَ له فيها. وهذا كلُّه تَقْدِيمُ اسْتِحْبابٍ، لا تَقْدِيمُ اشْتِراطٍ ولا إيجابٍ، بغيرِ خِلافٍ عَلِمْناه.