الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا تَصِحُّ خَلْفَ عَاجِزٍ عَنِ الْقِيَامِ، إِلَّا إِمَامَ الْحَيِّ الْمَرْجُوَّ زَوَالُ عِلَّتِهِ، وَيُصَلُّونَ وَرَاءُهُ جُلُوسًا،
ــ
556 - مسألة: (ولا تَصِحُّ خَلْفَ عاجِزٍ عن القِيامِ، إلَّا إمامَ الحَيِّ المَرْجُوَّ زَوالُ عِلَّتِه، [ويُصَلُّون وراءَه جُلُوسًا]
(1) ولا تَصِحُّ إمامَةُ العاجِزِ عن القِيامِ بالقادِرِ عليه إذا لم يَكُنْ إمامَ الحَيِّ، رِوايَة واحِدَةً؛ لأنَّه يُخِلُّ برُكْنٍ مِن أركانِ الصلاةِ، أشْبَهَ العاجِزَ عن الرُّكُوعِ، وتَجُوزُ إمامَتُه بمِثْلِه، كما يَؤُمُّ الأُمِّيُّ مِثْلَه.
فصل: فأمّا إِمامُ الحَيِّ إذا عَجَز عن القِيام، فيَجُوزُ أن يَؤُمَّ القادِرَ عليه، بشَرْطِ أن يكون ذلك لمَرَض يُرْجَى زَوالُه؛ لأنَّ اتِّخاذَ الزَّمِنِ، ومَن لا تُرْجَى قُدْرَتُه على القِيامِ إمامًا رَاتِبًا، يُفْضِي إلى تَرْكِهم القِيامَ على الدَّوامِ، وإلى مُخالَفَةِ قَوْلِه عليه السلام:«فَإذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أجْمَعُونَ» (2). ولا حاجَةَ إليه، ولأنَّ الأصْلَ في هذا فِعْلُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وكان يُرْجَى بُرْؤُه. فإذا وُجِدَ فيه هذان الشَّرْطان، فالمُسْتَحَبُّ له أن يَسْتَخْلِفَ؛ لأنَّ النّاسَ مُخْتَلِفُون في صِحَّة إمامَتِه، ففي اسْتِخْلافِه خُرُوجٌ مِن الخِلافِ، ولأنَّ صَلاةَ القَائِمِ أكْمَلُ، وكَمالُ صلاةِ الإِمامِ مَطْلُوبٌ.
(1) سقط من: م.
(2)
تقدم تخريجه في الجزء الثالث صفحة 416. من حديث: «إنما جعل الإمام ليؤتم به».
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإن قِيلَ: فقد صَلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأصْحابِه، ولم يَسْتَخْلِفْ. قُلْنا: فَعَل ذلك لتَبْيِينِ الجَوازِ، واسْتَخْلَفَ مَرَّةً أُخْرَى، ولأنَّ صلاةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قاعِدًا أفْضَلُ مِن صلاةِ غيرِه قائِمًا. فإن صَلَّى بهم قاعِدًا «جاز» وصَلَّوا وراءَه جُلُوسًا. يُرْوَى ذلك عن أرْبَعَةٍ مِن أصْحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ (1) ، وجابِرٌ، وقَيْسُ بنُ قَهْدٍ (2)، وأبو هُرَيْرَةَ. وهو قَوْلُ الأوْزاعِيِّ، وحَمّادِ بنِ زيدٍ، وإسحاقَ، وابنِ المُنْذِرِ. وقال مالكٌ، في إحْدَى الرِّوايَتَيْن: لا تَصِحُّ صلاةُ القادِرِ على الِقيامِ خَلْفَ القاعِدِ. وهو قَوْلُ محمدِ بنِ الحسنِ. قال الشَّعْبِيُّ: رُوِي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «لَا يَؤُمَّنَّ أحَدٌ بَعْدِي (3) جَالِسًا» . أخْرَجَه الدَّارَقُطْنِيُّ (4). ولأنَّ القِيامَ رُكْنٌ، فلا يَصِحُّ ائْتِمامُ القادِرِ عليه بالعاجِزِ عنه، كسائِرِ الأرْكانِ. وقال
(1) أسيد بن حضير بن سماك الأوسى، شهد العقبة الثَّانية، وكان نقيبًا لبنى عبد الأشهل. توفى سنة عشرين. أسد الغابة 1/ 111 - 113.
(2)
قيس بن قهد بن قيس الخزرجى، شهد بدرًا وما بعدما، وتوفى في خلافة عثمان. أسد الغابة 4/ 440، 441.
(3)
في م «بعد» .
(4)
في صلاة المريض جالسًا بالمأمومين، من كتاب الصلاة. سنن الدارقطني 1/ 398.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثَّوْرِيُّ، والشافعيُّ، وأصحابُ الرَّأْيِ: يُصَلُّون خَلْفَه قِيامًا؛ لِما رَوت (1) عائشةُ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم اسْتَخْلَفَ أَبا بكرٍ، ثم وَجَد في نَفْسِه خِفَّةً، فخرَجَ بينَ رَجُلَيْن، فأجْلَساه إلى جَنْبِ أبي بكر، فجَعَلَ أبو بكرٍ يُصَلِّي وهو قائِمٌ بصلاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والنّاسُ يُصَلُّون بصلاةِ أبي بكرٍ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم قاعِدٌ. مُتَّفَقٌ عليه (2). وهذا آخِرُ الأمْرَيْن مِن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ولأنَّه رُكْنٌ قَدَر عليه، فلم يَجُزْ له تَرْكُه، كسائِرِ الأرْكانِ. ولَنا، ما روَى أبو هُرَيْرَةَ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّمَا جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤْتَمَّ بهِ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، فَإذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا أجْمَعُونَ» . مُتَّفَقٌ عليه. وعن عائشةَ، قالت: صَلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في بَيْتِه، وهو شاكٍّ، فَصَلَّى جالِسًا، وصَلَّى وراءَه قَوْمٌ قِيامًا، فأشار إليهم، أنِ اجْلِسُوا. فلَمَّا
(1) في م: «روى عن» .
(2)
أخرجه البُخَارِيّ، في: باب حد المريض أن يشهد الجماعة، وباب من قام إلى جنب الإمام لعلة، وباب إنما جعل الإمام ليؤتم به، وباب الرَّجل يأتم بالإمام، من كتاب الأذان. صحيح البُخَارِيّ 1/ 169، 174، 175، 176، 182، 183. ومسلم، في: باب استخلاف الإمام. . . . إلخ، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم 1/ 311 - 315. كما أخرجه النَّسائيّ، في: باب الإتمام بالإمام يصلي قاعدًا، من كتاب الإمامة. المجتبى 2/ 77 - 79. وابن ماجه، في: باب ما جاء في صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 389. والدارمي، في: باب في من يصلي خلف الإمام والإمام جالس، من كتاب الصلاة. سنن الدَّارميّ 1/ 287، 288. والإمام أَحْمد، في: المسند 1/ 356، 2/ 52، 6/ 224، 251.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
انْصَرَفَ قال: «إنَّما جُعِلَ الإمَامُ لِيُؤتَمَّ بِهِ، فَإذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإذا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَإذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أجْمَعُونَ» . أخْرَجَه البُخارِيُّ. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: رُوِيَ هذا عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مِن طُرُقٍ مُتَواتِرَةٍ من حَدِيثِ أنَسٍ، وجابِرٍ، وأبي هُرَيْرَةَ، وابنِ عُمَرَ، وعائشةَ، كلُّها بأسانِيدَ صَحِيحَةٍ. فأمّا حَدِيثُ الشُّعْبِي فمُرْسَلٌ، ويَرْوِيه جابِرٌ الجُعْفِيُّ، وهو مَتْرُوكٌ. وقد فَعَلَه أرْبَعَةٌ مِن أصْحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم بعدَه. وأمّا حَدِيثُ الآخَرِين فليس فيه حُجَّةٌ. قاله أحمدُ، لأنَّ أَبا بكرٍ كان ابْتَدَأ الصلاةَ، [فإذا ابْتَدَأ الصلاةَ قائِمًا (1) أتمَّها قائِمًا. فأشار أحمدُ إلى إمْكانِ الجَمْع بينَ الحَدِيثَيْن، بحَمْلِ حَدِيثِهم على مَن ابْتَدَأ الصلاةَ قائِمًا، والثّانِي على مَن ابْتَدَأ الصلاةَ جالِسًا، ومتى أمْكَنَ الجَمْعُ بينَ الحَدِيثَيْن كان أوْلَى مِن النَّسْخِ، ثم يَحْتَمِلُ أن أَبا بكر كان الإمامَ. قاله ابنُ المُنْذِرِ في بَعْضِ الرِّواياتِ. وقالت عائشةُ: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى خَلْفَ أبي بكر في مَرَضِه الذى مات فيه (2). وقال أنسٌ: صَلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم في مَرَضِه خَلْفَ أبي بكرٍ قاعِدًا في ثَوْب مُتَوَشِّحًا به (3). قال الترمِذِيُّ: كلا الحَدِيثَيْن حسنٌ صحيحٌ، ولا
(1) سقط من: م.
(2)
أخرجه التِّرْمِذِيّ، في: باب من قوله: إذا صلى الإمام قاعدًا فصلوا قعودًا، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 2/ 157، 158. والإمام أَحْمد، في: المسند 6/ 159.
(3)
أخرجه التِّرْمِذِيّ، في: باب منه، من أبواب الصلاة. عارضة الأحوذى 2/ 158.