الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قدامه غاشية سَرْجه فاشمأز بِهِ خاطر السُّلْطَان من هَذَا الْكَلَام وَأمره بالمباحثة مَعَ الْمولى خواجه زَاده فاجتمعا عِنْد السُّلْطَان الْمَذْكُور فأفحمه الْمولى خواجه زَاده روح الله روحهما وَنور ضريحهما
وَمِنْهُم الْعَالم الْعَامِل والفاضل الْكَامِل الْمولى عَلَاء الدّين عَليّ بن يُوسُف بالي ابْن الْمولى شمس الديي الفناري
كَانَ رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِ عَالما فَاضلا متقنا متفننا محققا مدققا حَرِيصًا على الِاشْتِغَال بالعلوم ارتحل فِي شبابه الى بلادالعجم وَدخل هراة وَقَرَأَ على علمائها ثمَّ دخل سَمَرْقَنْد وبخارا وقرا على علمائها ايضا وبرع فِي كل الْعُلُوم حَتَّى انهم جَعَلُوهُ مدرسا هُنَاكَ ثمَّ غلب عَلَيْهِ حب الوطن وأتى بلادالروم فِي أَوَائِل سلطنة السُّلْطَان مُحَمَّد خَان وَكَانَ الْمولى الكوراني يَقُول للسُّلْطَان مُحَمَّد خَان لَا تتمّ سلطنتك الا بِأَن يكون عنْدك وَاحِد من اولاد الْمولى الفناري وَلما جَاءَ هُوَ الى بِلَاد الرّوم اخبر الْمولى الكوراني بمجيئه فَأعْطَاهُ السُّلْطَان مدرسة مناستر بِمَدِينَة بروسه وَعين لَهُ كل يَوْم خمسين درهما ثمَّ اعطاه مدرسة وَالِده السُّلْطَان مُرَاد خَان بِالْمَدِينَةِ الْمَذْكُورَة وَعين لكل يَوْم سِتِّينَ درهما ثمَّ جعله قَاضِيا بِمَدِينَة بروسه ثمَّ اجْعَلْهُ قَاضِيا بالعسكر وَمكث فِيهِ عشر سِنِين وَبَلغت زمرة الْعلمَاء بهمته الْعلية الى وَج الشّرف وتصاعد شرف الْعلم وَالْفضل الى قبَّة السَّمَاء وَبِالْجُمْلَةِ كَانَت ايامه تواريخ الايام ثمَّ عزل وَعين لَهُ كل يَوْم خَمْسُونَ درهما وَفِي كل سنة عشرَة الاف دِرْهَم وَعين لوَلَده الْكَبِير خَمْسُونَ درهما وللصغير اربعون درهما وَجعل قَضَاء ابْنه كول ضميمة لأولاده ثمَّ لما جلس السُّلْطَان بايزيد خَان على سَرِير السلطنة جعله قَاضِيا بالعسكر الْمَنْصُور فِي ولَايَة روم ايلي وَمكث فِي مِقْدَار ثَمَان سِنِين ثمَّ عزل عَنهُ وَعين لَهُ كل يَوْم سَبْعُونَ درهما وَعشرَة الاف دِرْهَم فِي كل سنة وَكَانَ يدرس ايام الاسبوع كلهَا سوى يَوْم الْجُمُعَة وَيَوْم الثُّلَاثَاء وَكَانَ مهتما بالاشتغال بِالْعلمِ وَكَانَ لَهُ مَكَان على جبل فَوق مَدِينَة بروسه وَكَانَ يمْكث فِيهِ الْفُصُول الثَّلَاثَة من السّنة ويسكن فِي الْمَدِينَة الْفَصْل الرَّابِع وَرُبمَا ينزل هُنَاكَ ثلج مَرَّات كَثِيرَة وَلَا يمنعهُ ذَلِك عَن الْمكْث فِيهِ كل ذَلِك
لمصْلحَة الِاشْتِغَال بِالْعلمِ وَكَانَ لَا ينَام على فرَاش وَإِذا غلب عَلَيْهِ النّوم يسْتَند عل الْجِدَار والكتب بَين يَدَيْهِ فَإِذا اسْتَيْقَظَ ينظر الْكتب كَانَ مَعَ هَذَا الِاشْتِغَال وَمَعَ مَا لَهُ من التحقيقات والتدقيقات لم يصنف شَيْئا الا شرح الكافية فِي النَّحْو وَشرح قسم التَّجْنِيس من علم الْحساب وَكَانَ ماهرا فِي أَقسَام الْعُلُوم الرياضية كلهَا وَفِي علم الْكَلَام وَعلم الاصول وَعلم الْفِقْه وَعلم البلاغة وَكَانَ رجلا عَاقِلا صَاحب ادب ووقار ثمَّ اتَّصل بِخِدْمَة بعض الْمَشَايِخ وَدخل الْخلْوَة عِنْده وَحصل من علم الصُّوفِيَّة ذوقا عَظِيما وَكَانَ ذَلِك الشَّيْخ هُوَ الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه المجذوب السالك الى الله صَاحب كرائم الاخلاق المشتهر اسْمه فِي الافاق الشَّيْخ حاجي خَليفَة قدس سره وَمن انصاف الْمولى الْمَذْكُور مَا حكى الْمولى الْوَالِد عَنهُ انه بعدعزله ذكر يَوْمًا قلَّة مَاله فَقيل لَهُ قد توليتم هَذِه المناصب الجليلة فَأَيْنَ مَا حصل لكم من المَال قَالَ كنت رجلا سَكرَان يُرِيد بِهِ غرور الجاه وَلم يُوجد عِنْدِي من يحفظه قَالَ قَالَ بعض الْحَاضِرين اذا عَاد اليكم المنصب مرّة اخرى عَلَيْكُم بِحِفْظ المَال قَالَ لَا يُفِيد اذا عَاد المنصب يعود مَعَه السكر قَالَ خَالِي رَحمَه الله تَعَالَى لازمت قِرَاءَة الدَّرْس عِنْده عشر سِنِين وَكَانَ يغلب عَلَيْهِ الصمت الا اذا ذكر صحبته مَعَ السلاطين فَعِنْدَ ذَلِك يُورد الحكايات العحيبة واللطائف الغريبة فَسَأَلته يَوْمًا مَا كَانَ اعظم لذائذكم عِنْد السلاطين قَالَ مَا سالني عَن ذَلِك اُحْدُ الى الان وَإنَّهُ أَمر غَرِيب قَالَ سَافر السُّلْطَان مُحَمَّد خَان فِي أَيَّام الشتَاء وَكَانَ ينزل ويبسط لَهُ بِسَاط صَغِير وَيجْلس عَلَيْهِ الى ان تضرب لَهُ الْخَيْمَة واذا أَرَادَ الْجُلُوس عَلَيْهِ يخرج وَاحِد من غلمانه الْخُف عَن رجلَيْهِ وَعند ذَلِك يسْتَند الى شخص معِين وَكَانَت عَادَته ذَلِك وَفِي يَوْم من الايام لم يحضر ذَلِك الشَّخْص فاستند الي وَهَذَا أعظم لذائذي فِي صُحْبَة السلاطين وَقَالَ خَالِي رَحمَه الله تَعَالَى شرعت عِنْده فِي قِرَاءَة الشَّرْح المطول وَكُنَّا نَقْرَأ عَلَيْهِ فِي يَوْم وَاحِد سطرا اَوْ سطرين وَمَعَ ذَلِك يَمْتَد الدَّرْس من الضحوة الى الْعَصْر وَلما مَضَت على ذَلِك سِتَّة اشهر قَالَ ان الَّذِي قرأتموه عَليّ الى الان يُقَال لَهُ قِرَاءَة الْكتاب وَبعد ذَلِك اقرؤا الْفَنّ قَالُوا وَبعد ذَلِك أقرأنا كل يَوْم ورقتين وأتممنا بَقِيَّة الْكتاب فِي سِتَّة اشهر قَالَ وَلما بلغنَا الى فن البديع كَانَ يذكر لكل صَنْعَة عدَّة
ابيات من الفارسية وَقُلْنَا لَهُ يَوْمًا مَا اكثر حفظكم للابيات قَالَ عَادَة الطّلبَة فِي بلادالعجم انهم يَجْتَمعُونَ بعد الْعَصْر فيتذاكرون الشّعْر الى الْمغرب وَالَّذِي قرأته من الابيات مَا حفظته فِي ذَلِك الزَّمَان قَالَ وَلما ارتحلت من بلادالعجم عددت فِي الطَّرِيق مَا حفظته من الْغَزل فَبلغ عشرَة الاف غزل وَمن انصافه ايضا ماحكاه خَالِي عَنهُ اعْترض يَوْمًا على كتاب التَّلْوِيح قَالَ وَقلت لَهُ هَذَا الاعترض لَيْسَ بِشَيْء اني فَكرت فِي منزلي واجبت عَنهُ قَالَ فَنَكس رَأسه وَظهر عَلَيْهِ سِيمَا الْغَضَب وَلم يتَكَلَّم اصلا الى آخر الدَّرْس فَلَمَّا قَامَ الشُّرَكَاء اشار الي بِالْجُلُوسِ فَجَلَست فَلَمَّا ذهب الشُّرَكَاء قَالَ السِّت بأستاذك قلت نعم وَقد كَانَ مَا كَانَ فاختر لي احدالامرين اما ان اذْهَبْ الى مدرس آخر اَوْ احضر الدَّرْس وَلَا أَتكَلّم ابدا قَالَ فَلَمَّا قلت هَذَا الْكَلَام حلف بِاللَّه تَعَالَى انه فعل مَا فعل لَا عَن سخط وَقَالَ قرر مَا ظهر لَك فِي مطالعتك من اللطائف واشتمني بأقبح مَا قدرت عَلَيْهِ وَحلف انه لَا يتكدر خاطره من ذَلِك اصلا وَمن لطائفه مَا حَكَاهُ الْمولى الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى ان السُّلْطَان بايزيد خَان خرج الى بعض جبال قسطنطينية وَقت اشتداد الْحر وَكَانَت تِلْكَ الايام ايام رَمَضَان الْمُبَارك قَالَ فصلينا مَعَه الْعَصْر يَوْمًا وَجَلَسْنَا عِنْده الى الافطار حَتَّى صلينَا الْمغرب وافطرنا مَعَه فَلَمَّا قربت الشَّمْس من الْغُرُوب وَالْيَوْم يَوْم حر وَالْمولى الْمَذْكُور كَأَنَّهُ استبطأ الْغُرُوب وَقَالَ الشَّمْس ايضا لَا تقدر على الْحَرَكَة من شدَّة الْحر وَمن لطائفه ايضا مَا حَكَاهُ خَالِي عَنهُ انه كَانَ يسكن بعدعزله فِي جبل بروسه وَكَانَ يجلس هُنَا الْفُصُول الثَّلَاثَة من السّنة وَنزل الثَّلج عَلَيْهِ عدَّة مَرَّات فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ يَوْمًا للْقِرَاءَة فَرَأَيْنَا قد نزل عَلَيْهِ الثَّلج وعَلى كتبه وَفِي أثْنَاء الدَّرْس احْتَاجَ الى النّظر فِي كتاب فَأخذ ذَلِك الْكتاب بِيَدِهِ وَعَلِيهِ الثَّلج وَقَالَ مَا اشبه هَذَا بمحبوب ابيض اللَّوْن بَارِد الطَّبْع وَحكى خَالِي رَحمَه الله تَعَالَى عَنهُ انه قَالَ يَوْمًا مَا بَقِي من حوائجي الاثلاث الاولى ان اكون اول من يَمُوت فِي دَاري وَالثَّانيَِة ان لَا يَمْتَد بِي مرض وَالثَّالِثَة ان يخْتم لي بالايمان فالى خَالِي رَحمَه الله تَعَالَى قد كَانَ هُوَ اول من مَاتَ فِي الدَّار وَتَوَضَّأ يَوْمًا لِلظهْرِ ثمَّ مرض وَختم مَعَ اذان الْعَصْر قَالَ خَالِي استجيبت دَعوته فِي الاوليين