الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَحصر نَفسه فِي طلب المعارف الالهية ثمَّ قَالَ لي هَل تُرِيدُ اللحوق الى مقدم هَذِه الطَّرِيقَة الشَّيْخ محيي الدّين فَقلت اني استحيي من هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخ الْكِبَار احدهم شَيْخي والاخر وَالِدي والاخر شيخ وَالِدي فَقَالَ هَذَا طَرِيق الْحق وميدان الْمحبَّة لَا يُرَاعِي فِيهَا خاطر من الخواطر بل كل من يسْلك فِيهَا ويصل اليها يَأْخُذ مِنْهَا بِقدر مَا يقدر عَلَيْهِ فقبضني من جناحي ورماني الى تِلْكَ الارض فَمَا وَقعت الا عِنْد الشَّيْخ محيي الدّين مقدما على الشَّيْخ عبد الرحيم فَرفع رَأسه فَقَالَ أَسَأْت الادب وَتَقَدَّمت على مرتبتك فَقلت مَا جِئْت الى هَذَا الْمَكَان باختياري وَانْظُر الى الَّذِي يقف عِنْد رَأسك فَنظر فَرَأى الشَّيْخ أَبَا يزِيد فَسَأَلَ عَنهُ فَقلت هُوَ الشَّيْخ ابو يزِيد الَّذِي رماني الى هَذَا الْمَكَان واوصلني الى هَذِه الْمنزلَة فَقَالَ سلمه الله وان الامر امْرَهْ فَقَامَ واخذ إزارا وشده فِي وسطي وقلدني سَيْفا فانتبهت وتفكرت فَعرفت الْحَال وفهمت الْمقَال وَهَا انا اورد الرسَالَة الْمُبَارَكَة وَفَاء بالعهد السَّابِق فَعَلَيْك بالفكر اللَّائِق والتأمل الصَّادِق فِيمَا حوته من الاشارات الدقيقة الى الاسرار الانيقة وتنبيهات فائقة الى بَدَائِع رائقة تنكشف بهَا الخطوب وتطمئن بهَا الْقُلُوب حَتَّى تستدل على مقَامه من آثَار أقدامه
صُورَة الرسَالَة بِعَينهَا
اعْلَم ان حُصُول الْمَقْصُود انما يكون بِالتَّوْحِيدِ والفناء وَهُوَ انما يكون بِكَلِمَة التَّوْحِيد لَان السالك لم يصل الى الفناء والبقاء الا بِرَفْع الْحجب فبالنفي ترفع الْحجب وبالاثبات يثبت الْحق لَان التَّنْزِيه شَأْن السالك على الْوَجْه الْخَاص وَهُوَ طَرِيق الْمِعْرَاج كَمَا صرح بِهِ الشَّيْخ الاكبر فِي كتبه واما قَوْلهم الطّرق الى الله بِعَدَد انفاس الْخَلَائق فَمَعْنَاه ان سلوك كل اُحْدُ انما يكون بِحَسب استعداده وقابليته كَمَا يشْعر بِهِ قَوْلهم بِعَدَد انفاس الْخَلَائق وَالذكر اللساني فِي منَازِل النَّفس وَهِي جوهري بخاري حَاصِل من قُوَّة الْحَيَوَان والحس وَالْحَرَكَة الارادية ويسميها الْحُكَمَاء الرّوح الحيواني وَهُوَ وَاسِطَة بَين الْقلب الَّذِي هُوَ النَّفس الْمُجَرَّدَة وَبَين الْبدن المادي ومنبع التجويف الايسر من اللَّحْم الصنوبري وَيُطلق الْقلب عَلَيْهِ فَقَوله عليه الصلاة والسلام حِكَايَة عَن الله عز وجل مَا وسعني
ارضي وَلَا سمائي وَلَكِن وسعني قلب عَبدِي الْمُؤمن وَقَوله عليه الصلاة والسلام ان قلب الْمُؤمن بَين اصبعين الحَدِيث نَاظر الى الاول وَقَوله عليه السلام ان فِي جَسَد بني آدم لمضغة اذا صلحت صلح بهَا سَائِر الْجَسَد واذا فَسدتْ فسد بهَا سَائِر الْجَسَد الا وَهِي الْقلب نَاظر الى الثَّانِي وَهِي تكون امارة تميل الى الطبيعة الْبَدَنِيَّة وتأمر باللذات الشهوانية الحسية وتجذب الْقلب الى الْجِهَة السفلية فَتكون مأوى الشَّرّ ومنبع الاخلاق الذميمة والافعال المسيئة فَتكون ارْض الْبدن اَوْ النَّفس حائلة بَين شمس الرّوح وقمر الْقلب وَلم تنعكس انوار الْعُلُوم والمعارف فَيَنْقَطِع الانخساف للْجمع ولوأمة منورة بِنور الْقلب الْمنور من الرّوح بِحَسب زَوَال ميلها الى الطبيعة الجسمانية فتتيقظ من سنة الْغَفْلَة وتبدأ باصلاح حَالهَا مترددة بَين الْجِهَة السفلية فاذا صدرت عَنْهَا سَيِّئَة بِحكم جبلتها الظلمانية يُدْرِكهَا نور التَّنْبِيه الالهي فَتلوم نَفسهَا ثمَّ مطمئنة تنور بِنور الْقلب فيسري النُّور الى الْبدن فَيكون الْكل نورا فَينزل الذّكر الى الْقلب بِالْمَعْنَى الثَّانِي فَيسمع مِنْهُ الذّكر وَالذكر القلبي لَيْسَ هَذَا ثمَّ يحصل الذّكر القلبي وَهُوَ ذكر الافعال أَي تصور نعماء الله تَعَالَى وآلائه فالذكر هَهُنَا لَيْسَ من جنس الْحُرُوف والاصوات لِأَن الْقلب جَوْهَر مُجَرّد فَلَا يكون ذكره الا من جنس الادراك الَّذِي يعجز عَنهُ الْقُلُوب القاسية والعقول المدركة ثمَّ يحصل الذّكر السّري وَهُوَ مُعَاينَة افعال الله تَعَالَى وتصرفاته ومكاشفة عُلُوم تجليات الصِّفَات ثمَّ يحصل ذكر الرّوح وَهُوَ مُشَاهدَة الاسماء وَالصِّفَات مَعَ مُلَاحظَة نور الذَّات اذ الِاسْم باصطلاح اهل الْحق لَيْسَ هُوَ اللَّفْظ بل هُوَ الذَّات الْمُسَمّى بِاعْتِبَار صفة وجودية كَالْعلمِ وَالْقُدْرَة اَوْ عدمية كالقدوس وَالسَّلَام فتظهر للسالك فِي مقَام الرّوح الاسماء الالهية الْكُلية الَّتِي هِيَ مائَة الا وَاحِدًا وَألف وَوَاحِد على وُجُوه مُخْتَلفَة وانحاء شَتَّى لَا يُمكن وصفهَا للمحجوبين فَيسمع من كل اسْم بِلَا جِهَة وحرف وَصَوت وترتيب بِشَيْء اذا خرج السالك الى عَالم الاجسام يكون لفظا مركبا مُرَتبا مثلا يظْهر اسْم الله تَعَالَى فِي صُورَة بَحر يسمع مِنْهُ بِلَا صَوت وحرف وترتيب فاذا عَاد السالك الى مقَام الشَّهَادَة يعبر عَنْهَا عَمَّا سمع بِحرف وَصَوت وترتيب حُرُوف مسموعة
مرتبَة من جِهَة كَلَفْظِ الله تَعَالَى وَكَذَا غَيره من الاسماء فَيكون ذكر الرّوح مُشَاهدَة الاسماء والتوجه اليها بِالْكُلِّيَّةِ فاذا داوم السالك على الذّكر يكون فانيا فِي اوصافه بَاقِيا بأوصاف الْحق متخلقا باخلاق الله تَعَالَى وَفِي هَذَا الْموضع يحْتَاج الى المرشد الْكَامِل غَايَة الِاحْتِيَاج اذ هُوَ مقَام الْحيرَة فاذا انْكَشَفَ اسْم الله تَعَالَى مثلا يَقُول المرشد الْكَامِل اشْتغل باسم الله تَعَالَى أَي بِالذَّاتِ المستجمع لجَمِيع الصِّفَات فَلَا تلْتَفت الى غير ذَلِك الِاسْم حَتَّى تظهر تفاصيل الاسماء وَالصِّفَات فاذا ظهر اسْم السَّمِيع مثلا تكون مُشَاهدَة اسْم السَّمِيع وَهَكَذَا الى ان تَنْتَهِي الاسماء بِالْكُلِّيَّةِ وَفِي هَذَا الْمقَام قد تحير كثير مِمَّن وصل اليه انه لَا مرتبَة اعلى مِمَّا وجد كحسين بن مَنْصُور حِين ظُهُور اسْم الْحق واتصافه بِهِ فانه قَالَ لَا مرتبَة اسنى أَي اعلى مِنْهَا وَمن اطلاق لفظ الِاسْم على الْمركب من الصَّوْت والحروف وَقع الْبَعْض فِي غلط لقُصُور الْفَهم وَلذَا قَالَ الشَّيْخ الزَّاهدِيّ الكيلاني للشَّيْخ الصافي عَلَيْهِمَا الرَّحْمَة حِين وُصُوله الى اسْم الله تَعَالَى اشْتغل باسم الله تَعَالَى ففهم الشَّيْخ الصافي ان مُرَاده مُشَاهدَة الِاسْم الَّذِي هُوَ عين الْمُسَمّى وَلَا تلْتَفت الى غَيره فان الذّكر فِي ذَلِك الْمنزل مُشَاهدَة الِاسْم وتوهم الْغَيْر كالشيخ عمر الخلوتي ان المُرَاد اشْتغل بِلَفْظ الله تَعَالَى وَكَذَا غَيره من الاسماء فاشتغلوا بالأسماء اللفظية فِي منَازِل النَّفس ولزمهم ان يكون لفظ الله وَحي وَهُوَ غَيرهَا عين مُسَمّى الذَّات الْوَاجِب الْوُجُود فَالْتَزمهُ بعد من يحذو حذوه وَسمعت من بَعضهم يَقُول ان اللَّفْظ الْخَارِج من الْفَم كَهُوَ وَالله هُوَ عين الْمُسَمّى وَقَالَ بَعضهم ان اصل هُوَ الْهَوَاء ومنشأ غلطه انه يفهم من الْهَوَاء الْخَارِج من انفه لَفْظَة هُوَ وَهُوَ اسْم وَالِاسْم عين الْمُسَمّى فَمَعَ هَذَا سيرهم معكوس ومنكوس لَان اسْم الله تَعَالَى اسْم للذات المستجمع لجَمِيع الاسماء المتصف بِجَمِيعِ الصِّفَات وتفاصيل هَذِه الاسماء الاصطلاحية تحصل بالاشتغال بِهِ على تَقْدِير تَسْلِيم السلوك بِهِ وَلَفظ هُوَ اسْم للذات الاحدية أَي اسْم للذات الْمَأْخُوذَة من حَيْثُ انْتِفَاء جَمِيع النّسَب والاضافات والسلوب وَبعده لَا اسْم وَلَا رسم وَلَا لِسَان حَتَّى لَو غير بِلَفْظ الْوُجُود وَغَيره لَا يكون اسْما لَهُ حَقِيقَة فَكيف يشْتَغل بِغَيْرِهِ من الالفاظ ثمَّ الذّكر الْخَفي وَهُوَ مشَاهد جمال