الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مكفنا كَأَنَّهُ وضع فِي أمس ذَلِك الْيَوْم فَرفع بعض من حَضَره طرف الْكَفَن عَن وَجهه فاذا بشيخ جميل الصُّورَة صَاحب شيبَة عَظِيمَة لم يتَطَرَّق اليه شَيْء من آثَار التَّفَرُّق كَأَنَّهُ حَيّ نَائِم فتعجبنا مِنْهُ وَغلب علينا دهشة وهيبة فَلم نقدم على نَقله واخراجه من قَبره فتركناه وسطحنا قَبره فَبَقيَ دَاخل الْمَسْجِد والشريف هَذَا من اولاد عَليّ بن ابي طَالب كرم الله وَجهه وَكَانَ اماما فِي علم الْكَلَام والادب وَالشعر وَله تصانيف على مَذْهَب الشِّيعَة ومقالة فِي أصُول الدّين وَله ديوَان شعر وَقد اخْتلف النَّاس فِي كتاب نهج البلاغة الْمَجْمُوع من كَلَام الامام عَليّ رضي الله عنه هَل هُوَ جُمُعَة ام جمع اخيه الرضي وَله الْكتاب الَّذِي سَمَّاهُ الْغرَر والدرر يشْتَمل على فنون من الادب تكلم فِيهَا على النَّحْو واللغة وَغير ذَلِك ولد رحمه الله سنة خمس وَخمسين وثلثمائة وَمَات بِبَغْدَاد سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ واربعمائة كَذَا ذكره ابْن خلكان
وَمن الْعلمَاء العاملين والصلحاء الكاملين شاه عَليّ جلبي ابْن المرحوم قَاسم بك
وَهُوَ من الغلمان الَّذين يخدمون فِي دَار السَّعَادَة العامرة فِي عهد السُّلْطَان مُحَمَّد خَان وَلما خرج مِنْهَا صَار مُتَوَلِّيًا لبَعض العمائر مِنْهَا عمَارَة بولائر وَكَانَ رجلا من ارباب الْفَلاح واصحاب الزّهْد وَالصَّلَاح ونشا ابْنه المرحوم فِي حجر ابيه المرقوم فَلَمَّا فرق الشمَال من الْيَمين وميز الغث عَن السمين وَعلم ان شرف الانسان على مَا نطق بِهِ نَص الْقُرْآن بِالْفَضْلِ والتقى وَالْعلم والنقا وان الدَّهْر فرص وَأَكْثَره غصص وَالْوَقْت سيف قَاطع والعمر برق لامع سَار نَحْو تَحْصِيل الْعُلُوم الظَّاهِرَة وترتيب اسباب السَّعَادَة فِي الاولى والاخرة وَقَرَأَ على الْعَالم الامجد عبد الرحمن بن عَليّ الْمُؤَيد فَلَمَّا حصل مِنْهَا طرفا صَالحا ترك كل مَا يُحِبهُ ويهواه وتمحض لعبادة مَوْلَاهُ وَكَانَ شَابًّا نَشأ فِي عبَادَة الله وَصَاحب ارباب الْحَقِيقَة وَرِجَال الطَّرِيقَة مِنْهُم الشَّيْخ مَحْمُود النقشبندي وَالشَّيْخ جمال الدّين الخلوتي وَثَبت فِي مداحض السلوك وخلص عَن غياهب الشكوك ثمَّ وزع اوقاته بَين الْعِبَادَة والافادة حَتَّى وصل عمره الى خمس وَسِتِّينَ فحصر وقته فِي الْعِبَادَة
ويحكى انه لَازم فِي كل مسَاء وصباح الصَّفّ الاول وتكبير الِافْتِتَاح فِي جَامع اياصوفيه اكثر من اربعين سنة ضاعف الله اجره فَمَا احسنه وَلما لم تكن نَفسه من نوع الرياسة خَالِيَة لم يقبل تدريس مدرسة وَلَا مشخية زَاوِيَة وَكلما طلب الاعيان صحبته واحبوا رُؤْيَته اظهر لَهُم الانقباض وَأرى الاعراض لخلوص جوهره عَن الاعراض وخلو قلبه عَن الاغراض
…
انه لله عبادا فطنا
…
طلقوا الدُّنْيَا وخافوا الفتنا
فَكروا فِيهَا فَلَمَّا علمُوا
…
انها لَيست لحي وطنا
جعلوها لجة وَاتَّخذُوا صَالح الاعمال فِيهَا سفنا
…
وَمِمَّنْ رزق التَّمْيِيز والاشتهار فِي انواع الْفضل وضروبه لَكِن عانق ظُهُوره بخفائه وطلوعه بغروبه شمس الدّين احْمَد ابْن ابي السُّعُود عَامله الله بِلُطْفِهِ فِي دَار الخلود
ولد رحمه الله وآثار السِّيَادَة من ناصيته ظَاهِرَة وأنوار السَّعَادَة فِي جَبينه باهرة يُتْلَى من بَيَاض غرته وصحيفة خَدّه آيَات نجابة ابيه وَعزة جده ويروى من سلسلة هَذَا النجل النبيه حَدِيث الْوَلَد سر ابيه فَلَمَّا وصل اوان التَّحْصِيل وَأَبَان التَّكْمِيل اجْتهد فِي احراز الْفَضَائِل والمعارف واتقان النَّوَادِر واللطائف واستضاء هلاله من شمس ابيه فَصَارَ بَدْرًا واستمد نهره من سواكب مزنه فَأصْبح بحرا وَحصل المعارف الجليلة فِي الازمنة القليلة وَوصل الى فنون عدَّة فِي ادنى مُدَّة وَبِالْجُمْلَةِ لما كَانَت مرْآة طبعه مجلوة اصبحت صور فَضَائِل ابيه فِيهَا مخبوة واشتغل ايضا على الْمولى طاشكبري زَاده ثمَّ صَار معيد الدَّرْس ابيه واكمل كل مَا يهمه ويعنيه وَصَارَ فِي الاشتهار كَالشَّمْسِ فِي وسط النَّهَار وَلما وصل صيته الى سمع الْوَزير الْكَبِير رستم باشا احب رُؤْيَته واستدعاه فَلَمَّا اجْتمع بِهِ اعجبه حسن كَلَامه فاحسن اليه من نفائس الْكتب وتبناه ثمَّ اعطاه مدرسته الَّتِي بناها فِي قسطنطينية بِخَمْسِينَ وسنه اذ ذَاك سَبْعَة عشر فشرع فِي القاء الدُّرُوس واظهر امورا خَارِجَة عَن طوق الْبشر ثمَّ نقل الى احدى الْمدَارِس الثمان ثمَّ الى مدرسة السُّلْطَان مُحَمَّد ابْن السُّلْطَان سُلَيْمَان وَتُوفِّي رَحمَه
الله وَهُوَ مدرس بهَا فِي شهر جُمَادَى الاولى من سنة سبعين وَتِسْعمِائَة وَمَا بلغ عمره ثَلَاثِينَ سنة وَكَانَ سَبَب مَوته انه خالط بعض الاراذل ورغبه فِي اكل بعض المعاجين فاليه وَمَا اصدق قَول من قَالَ
…
لعمرك مَا الايام الا معارة
…
فَمَا اسطعت من معروفها فتزود
عَن الْمَرْء لَا تسْأَل وَأبْصر قرينه
…
فَكل قرين بالمقارن يَقْتَدِي
…
فَلَمَّا ادام اكله تغير مزاجه فركدت انهاره الْجَارِيَة واصبحت حدائقه من النضارة عَارِية ومالت ازهاره الى الذبول وطوالعه الى الْغُرُوب والافول وباخرة طارت عنادله وانطفت قنادله وَقَامَت قافلته الى السَّبِيل ونادى مُنَادِي الْحَيّ الرحيل ولاحظه الزَّمَان بِعَين القهرفاي نعيم لَا يكدره الدَّهْر واي نَهَار لم يعقب بِاللَّيْلِ واي سرُور لم يثن بِالْوَيْلِ فانك لَو ملكت ملك شَدَّاد وَعَاد اليك قدرَة العمالقة وَعَاد ونصرت فصرت فِي تخريب الْبِلَاد وايذاء الْعباد كتيمور وَبُخْتنَصَّرَ وَكسرت كسْرَى وهدمت قصر قَيْصر وتبعك تبع الْيَمَان وَاجْتمعَ على خوانك الخان والخاقان الْيَسْ غَايَة قواك الفتور وَآخر سكناك الْقُبُور
…
هَب ان مقاليد الامور ملكتها
…
ودانت لَك الدُّنْيَا وَأَنت همام
جبيت خراج الْخَافِقين بسطوة
…
وفزت بِمَا لم تستطعه انام
ومتعت باللذات دهرا بغبطة
…
الْيَسْ بحتم بعد ذَاك حمام
فَبين البرايا وَالْخُلُود تبَاين
…
وَبَين المنايا والنفوس لزام
…
وَكَانَ رحمه الله اعجوبة الزَّمَان ونادرة الاوان فِي الْخط والفراسية والشمول والاحاطة صَاحب اذعان صَحِيح ولسان طلق فصيح وَكَانَ رحمه الله غَايَة فِي جَرَاءَة الْجنان وسعة التَّقْرِير وَالْبَيَان وَاتفقَ انه سَافر متنزها وَهُوَ مدرس بمدرسة ابْن السُّلْطَان الى بروسه فَجمع من كَانَ فِيهَا من المدرسين والاعيان وَعقد مَجْلِسا فِي الْجَامِع الْكَبِير فَنقل من كتاب البُخَارِيّ واظهر الْيَد الْبَيْضَاء فِي اتقان وتحرير وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ رحمه الله بِحَيْثُ لَو عَاشَ وامتد لَهُ مُدَّة الانتعاش لبلغ مبلغ الكمل من الرِّجَال ويشد اليه من الاقطار الرّحال وَمَا ظَفرت على شَيْء من نتائج طبعه الْكَرِيم سوى مَا كتبه