الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
.. وَكَانَت بالعراق لنا لَيَال
…
سرقناهن من ايدي الزَّمَان
جعلناهن تَارِيخ اللَّيَالِي
…
وعنوان المسرة والاماني
…
واكرر كثيرا مَا فِي البال مَا انشده بَعضهم وَقَالَ
…
ليَالِي اللَّذَّات سقيا لَك
…
مَا كنت الا فَرحا كلك
عودي كَمَا كنت لنا اولا
…
نَحن ان عدت عبيد لَك
…
ثمَّ عَاد رحمه الله الى مَدِينَة ادرنه وانتقل بهَا الى رَحْمَة الله تَعَالَى وَدفن بِقرب زَاوِيَة الشَّيْخ شُجَاع وَكَانَ ذَلِك فِي شهر محرم من شهور سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة
كَانَ رحمه الله بحرا من بحار الْحَقِيقَة وكهفا منيعا لارباب الطَّرِيقَة متخليا عَن العلائق الناسوتية متحليا فِي مفاخر الْحلَل اللاهوتية مهبطا للانوار السبحانية ومخزنا للاسرار الالهامية منجمعا عَن النَّاس معرضًا عَن تكلفاتهم وراغبا عَن بدعهم ومزخرفاتهم لَا يطوف بابواب الامراء وَلَا يطْرق مجَالِس الاغنياء مشتغلا بِنَفسِهِ فِي يَوْمه وامسه وَله كشوفات عَجِيبَة واشرافات على الخواطر غَرِيبَة وظني بِهِ كَونه محيطا بِجَمِيعِ احوال من استرشد بِهِ وتشبث بِسَبَبِهِ وَله الْيَد الطولي فِي تصريف قبُول المريدين وتربية المسترشدين وَلَوْلَا تَزْكِيَة النَّفس وَاحْتِمَال التبجح والرياء لذكرت مَا ظهر لي عِنْد اقامتي فِي زاويته الشَّرِيفَة فِي بعض الاوقات المنيفة بانفاسه الطّيبَة وهممه الصيبة وَحكى بعض من اثق بِهِ من الاشراف انه قَالَ كنت معتكفا عِنْده فِي بعض الايام وَلما صليت الصُّبْح جَلَست فِي الْمَسْجِد مشتغلا بِالذكر وَالشَّيْخ رحمه الله فِي الْجَانِب الاخر من الْمَسْجِد مُتَوَجها الى الْقبْلَة مراقبا وَكَانَ يلاحظني بنظره الشريف احيانا ويلتفت الي مرَارًا فَبينا انا على هَذِه الْحَالة اذ عرض لي انجذاب عَظِيم وَتوجه تَامّ وَغلب عَليّ الوجد وَالْحَال وَظهر لي امور غَرِيبَة وآثار عَجِيبَة كَادَت ان تذْهب بلبي وَمن الله تَعَالَى فِي اثناء ذَلِك بمنح لَا يَلِيق ذكرهَا وَاسْتمرّ ذَلِك لي مَا دَامَ الشَّيْخ جَالِسا فِي مَكَانَهُ دَائِما على الْوَصْف السَّابِق
وَله رحمه الله كرامات عَظِيمَة وافعال غَرِيبَة اتبرك مِنْهَا بِذكر نبذ
مِنْهَا مَا ذكره الْمولى الْمَعْرُوف بِالْفَضْلِ والاجادة محيي الدّين المشتهر باخي زَاده قَالَ كنت مدرسا بمدرسة الْجَامِع الْعَتِيق بِمَدِينَة أدرنه فَدخل عَليّ وَاحِد من الصُّوفِيَّة وَقَالَ جئْتُك مبشرا لَك وراجيا مِنْك شيأ استعين بِهِ على كفاف عيالي فَسَأَلته عَمَّا يبشر بِهِ فَقَالَ أَنَّك تكون مدرسا بمدرسة الْوَزير الْكَبِير رستم باشا الَّتِي بناها بقصبة خَيره بولِي فِي الْيَوْم الْفُلَانِيّ ويأتيك الْخَبَر فِي السَّاعَة الْفُلَانِيَّة قَالَ سلمه الله فَعرض لي انكار عَظِيم وازدراء بشانه حَيْثُ اخبرني عَن الَّاتِي وَطلب عَلَيْهِ الاجر فقصدت الى ان لَا اتصدق عَلَيْهِ بِشَيْء وارده محروما ثمَّ بدا لي ان اساله عَن كَيْفيَّة حُصُول ذَلِك الْخَبَر فَسَأَلته فَقَالَ أَنِّي رجل من احياء الشَّيْخ مصلح الدّين الْمَعْرُوف بجراح زَاده ذُو عِيَال كَثِيرَة وَقد غلبني الْفقر وركبني الدُّيُون فشكوت اليه من ذَلِك وشرحت حَالي فَقَالَ لي اجْتمعت فِي هَذِه اللَّيْلَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فاخبرني بَان الْمولى محيي الدّين الْمدرس بمدرسة الْجَامِع الْعَتِيق سيوجه اليه مدرسة رستم باشا ويصل الْخَبَر اليه فِي الْيَوْم الْفُلَانِيّ فِي السَّاعَة الْفُلَانِيَّة وانا مَا رَأَيْت ذَلِك الْمدرسَة قطّ وَلَا اعرفه بِشَيْء فَاذْهَبْ اليه وبشره بذلك الْخَبَر فَلَعَلَّهُ يستأثرك بِشَيْء تستعين بِهِ على فقرك وتسد بِهِ بعض جوعتك فاعتمدت عَلَيْهِ وَجئْت اليك لذَلِك الْغَرَض قَالَ سلمه الله فَذهب عني بعض مَا عرض لي من الانكار والانتقاص لما سمعته قبل ذَلِك من محَاسِن الشَّيْخ الْمَزْبُور ومعارفه فاعطيته شيأ وَقلت لَهُ اذا كَانَ الامر كَمَا قلت وَحصل مَا بشرتني بِهِ زِدْت على ذَلِك واتكفل بِبَعْض مهماتك فَذهب الصُّوفِي وَبقيت فِي الامنية والرجاء الى ان وصلت الْبشَارَة فِي ذَلِك الْوَقْت الَّذِي عينه الصُّوفِي وَكَانَ الامر كَمَا قَالَ وَقَالَ ايضا سلمه الله خرجنَا ذَات يَوْم من الْبَلدة المزبورة قَاصِدين الى بعض الْبِقَاع وَكَانَ الْيَوْم شَدِيد الْحر وفقدنا الطَّرِيق فبقينا فِي الْمضيق وغلبتنا الْحَرَارَة وركبنا الْعَطش وَلم يُوجد فِي الرحل مَاء وَلَا من يدلنا عَلَيْهِ فغلبنا الضعْف والحيرة وكدنا ان نموت من الْعَطش والحرارة قَالَ سلمه الله فَنزلت عَن دَابَّتي وَقَعَدت متفكرا فِي امري فاذا بسواد ظهر من بعيد فامعنت النّظر فِيهِ سَاعَة فتيقنت انه انسان يقْصد الينا فَاسْتَقْبلهُ وَاحِد منا وَجَاء بِهِ الينا فَلَمَّا وصل الينا انْزِلْ عَن ظَهره
غرارة واخرج مِنْهَا عدَّة بطاطيخ ووضعها بَين يَدي وَقَالَ ان الشَّيْخ مصلح الدّين المشتهر بجراح زَاده يسلم عَلَيْكُم وَيَقُول لتأكلوا من هَذِه ولتسيروا الى الطَّرِيق الْفُلَانِيّ وَلَا تخْرجُوا بعد ذَلِك الى السّفر بِغَيْر زَاد وعدة فَسَأَلته عَن مَكَانَهُ وَعَن سَبَب مَجِيئه فَقَالَ ان وَرَاء هَذَا الْجَبَل قَرْيَة للشَّيْخ فِيهِ ضَيْعَة وَكَانَ مُقيما فِيهَا اذ خرج من بَيته وَقَالَ ان الْمولى محيي الدّين مدرس الْمدرسَة الْفُلَانِيَّة فقد الطَّرِيق وجهده الْعَطش وَوَقع فِي امْر عَظِيم فَليقمْ مِنْكُم اُحْدُ وليأخذ من هَذِه البطاطيخ مَا يتَحَمَّل وليسارع اليه وليدله على الطَّرِيق فانه مُقيم فِي الْموضع الْفُلَانِيّ فاجبت وقصدت نحوكم فَكَانَ الامر كَمَا رَأَيْتُمْ وَقد حكى وَاحِد من مريديه يُسمى عُثْمَان الرُّومِي قَالَ اوقدت شمعة فِي بعض اللَّيَالِي وادخلتها حُجْرَتي ووضعتها على اسطوانة واخذت فِي شغلي فاخذني النّوم فَلم اتنبه الا وقدا حترقت الاسطوانة وكادت الْحُجْرَة ان تحترق مِنْهَا فَدفعت النَّار وشكرت الله تَعَالَى فِي دَفعهَا وَلم يطلع على ذَلِك اُحْدُ وَمَا اخبرت بذلك احدا فَلَمَّا اصبحت وَحَضَرت مجْلِس الشَّيْخ عَاتَبَنِي وَقَالَ كدت ان تحترق بِالْبَيْتِ لَا تعد الى مثل ذَلِك وَكن على بَصِيرَة وَتحفظ فِي امرك
وَلما وصلنا من التَّحْرِير والتسطير الى هَذَا الْمقَام عرض لنا ان نذْكر نبذا من مَنَاقِب الاجلة الْكِرَام الَّذين مر ذكرهم فِي عرض هَذَا الْكَلَام مستمدا من ارواحهم الطّيبَة ومستدرا من سحائب بركاتهم الصيبة وَقد ارْتكب مافي التَّطْوِيل من الكلفة والزحمة مُعْتَمدًا على مَا قيل عِنْد ذكر الصَّالِحين تنزل الرَّحْمَة فاولهم بِحَسب سلسلة الطَّرِيقَة واقدمهم فِي الظَّاهِر وَالْبَاطِن بِحَسب الْحَقِيقَة شهرة الديار والافاق ولي الله تَعَالَى بالِاتِّفَاقِ الشَّيْخ محيي الدّين وَقد ولد ذَلِك الْفَحْل النجيب بقصبة تسمى اسكليب وَنَشَأ طَالبا للمعارف والعلوم فدار فِي بِلَاد الْعَجم وَالْعرب وَالروم وَاجْتمعَ مَعَ كثير من الافاضل السَّادة وفاز مِنْهُم بالتتلمذ والاستفادة وبرز فِي الْفُنُون وَمهر وتضلع من الْعُلُوم وتبحر ثمَّ صرف عنان الْعَزِيمَة عَن الْعُلُوم الرسمية الى المعارف الالهية السمية واتصل بالمرشد السّري الشَّيْخ إِبْرَاهِيم القيصري وَهُوَ من نخب خلفاء الشَّيْخ الْمَعْرُوف بآق شمس الدّين بَين الانام وَهُوَ من
خلص خلفاء الشَّيْخ حَاج بيرام وَالشَّيْخ محيي الدّين الْمَزْبُور وان كَانَ بفضله الْمَشْهُور وكماله الباهر وتقدمه الظَّاهِر مصداق مَا قلت
…
حَاز الْفَضَائِل والمآثر جمة
…
لم تحص لَو ذكرت بِكُل لِسَان
…
الا اني اتبرك بابداء نبذ من بحار مآثره وقطرة من سَحَاب سَمَاء مفاخره واثبت فِي آخر هَذِه التراجم الْمُبَارَكَة رِسَالَة من نتائج طبعه الشريف هَدِيَّة لكل طَالب جالب وماهر عريف مِنْهَا مَا حَكَاهُ الشَّيْخ مصطفى رَحمَه الله تَعَالَى اني ابْتليت بالحمى وانا فِي سِتّ اَوْ سبع من الْعُمر وَقد اشتدت بِي حَتَّى اشرفت على الْمَوْت فاتفق ان الشَّيْخ محيي الدّين الْمَزْبُور جَاءَ الى مَدِينَة ادرنه فَأخذ الدي بيَدي وَجَاء بِي الى مَجْلِسه الشريف فَقبلت يَده وَقمت بَين يَدَيْهِ فَسَالَ وَالِدي فَقَالَ انه ابْني مصطفى وَقد ابْتُلِيَ بالحمى الشَّدِيدَة فايسنا من حَيَاته فنرجو فِي ذَلِك همتكم الْعَالِيَة فَقَالَ الشَّيْخ اذْهَبْ بِهِ الى السُّوق واشتر لَهُ ثوبا من شعر الشَّاء والبسه فانها تتركه ان شَاءَ الله تَعَالَى قَالَ رحمه الله فَذهب بِي وَالِدي الى السُّوق وَفعل مَا وصاه بِهِ الشَّيْخ فتركتني الْحمى من الْيَوْم وَلم تعد الي مَا دمت البس هَذَا الثَّوْب وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْمولى الْعَلامَة محيي الدّين المشتهر باخي زَاده قَالَ اجْتمعت يَوْمًا بالشيخ الْعَارِف بِاللَّه محيي الدّين المشتهر بِحَكِيم جلبي فتحادثنا زَمَانا وانجر الْكَلَام الى ذكر الْمَشَايِخ فَقَالَ المرحوم كَيفَ اعتقادكم فِي الشَّيْخ محيي الدّين الاسكليبي فَقلت اني وان كنت حسن الظَّن وَجَمِيل الِاعْتِقَاد فِيهِ الا اني لم اطلع على شَيْء من مآثره فَقَالَ المرحوم فَاعْلَم انه كَانَ رحمه الله من الرِّجَال الكاملين مملوأ بالمعارف الالهية من فرقه الى قدمه وروحه المطهرة متصرفة الان فِي هَذِه الاقطار وان أَرْبَاب السلوك وطلبة المعارف الالهية مستفيدون من معارفه الجليلة وانا اخبركم بِمَا وَقع لي بَيْنَمَا انا قَاعد فِي الْمِحْرَاب بعد صَلَاة الصُّبْح والمريدون مشتغلون بالاوراد وَفِي الْمَسْجِد ايضا اناس غَيرهم فاذا بالشيخ محيي الدّين الْمَزْبُور دخل من بَاب الْمَسْجِد وَفِي يَده ثوب مَخْصُوص للشيوخ البيرامية فَلَمَّا رَأَيْته قُمْت اجلالا فجَاء الي وَسلم عَليّ فَرددت سَلَامه فَقَالَ ان هَذَا الثَّوْب الَّذِي فِي يَدي ارسله اليك سيدنَا وَسيد الانام مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام لألبسكم اياه فتهيات فَلَمَّا تهيأت البسني هَذَا الثَّوْب فَلَمَّا
لبسته حصل لي من الْفتُوح والكشوف مَالا يحْتَملهُ الْبَيَان ثمَّ قَالَ بَارك الله لَك فِي بلوغك هَذِه الْمرتبَة السّنيَّة فانه كمل طريقك وانْتهى امرك ثمَّ خرج من الْمَسْجِد وَغَابَ من فوره وَبَقِي عَليّ الثَّوْب وَكن ظَنَنْت ان جَمِيع الْحَاضِرين اطلعوا على هَذِه الاحوال فاذا هم غافلون عَن جَمِيع مَا جرى بَيْننَا وَلم يطلعوا على مَجِيء الشَّيْخ وَلم يرَوا قيامي لَهُ قَالَ رحمه الله وَقد لبست هَذَا الثَّوْب مُدَّة حَتَّى تخرق عَليّ وخلفته فِي الْبَيْت (قلت) وَهَذَا غير مستبعد من امثال اولئك الفحول وَقد وَقع نَظَائِره لافرادالناس مِنْهَا مَا حَكَاهُ الشَّيْخ محيي الدّين احْمَد بن إِبْرَاهِيم النّحاس الدِّمَشْقِي فِي كِتَابه الْمُسَمّى بمشارع الاشواق قَالَ تَوَجَّهت الى الاسكندرية فِي سنة احدى وَثَمَانمِائَة فمررت برشيد فرافقني جمَاعَة من اعيانها فمررنا بتل يعرف بتل بوري وَقد كَانَ حصل فِيهِ معركة بَين الْمُسلمين والفرنج وَاسْتشْهدَ بِهِ جمَاعَة فحكوا عَن رجل من اهل رشيد واثنوا عَلَيْهِ خيرا انه مر لَيْلَة بِهَذَا التل فَوجدَ بِهِ عسكرا وخياما ونيرانا فَظن انه السِّرّ كرّ جَاءَ من الْقَاهِرَة وَنزل هُنَالك قَالُوا فَدخل بَينهم فَسَأَلُوهُ الى ايْنَ تتَوَجَّه فاخبرهم انه مُتَوَجّه الى الْقَاهِرَة فَقَالَ لَهُ بَعضهم اني مُرْسل مَعَك كتابا الى أَهلِي فاوصله اليهم ثمَّ كتب الْكتاب وَدفعه اليه وعرفه امارة بَينه وَبَين اهله فَلَمَّا وصلت الى الْقَاهِرَة سَأَلت عَن الْبَيْت فارشدت اليه فَلَمَّا طرقت الْبَاب قَالُوا مَا تُرِيدُ قلت معي كتاب من فلَان فَقَالُوا انت مَجْنُون ان فلَانا قتل فِي الْوَقْعَة برشيد مُنْذُ سِنِين فَلَمَّا ذكرت لَهُم الامارة عرفُوا صدقي وَدفعت اليهم الْكتاب فتعجبوا لذَلِك غَايَة التَّعَجُّب انْتهى كَلَامه
وَله فِي هَذَا الْبَاب نَظَائِر كَثِيرَة اضربنا عَن ذكرهَا وَمن كرامته قدس سره مَا حَكَاهُ الشَّيْخ عَلَاء الدّين الْمَذْكُور وَهُوَ سَبَب دُخُوله فِي سلك التصوف فَإِنَّهُ كَانَ رحمه الله فِي اوائل امْرَهْ من افراد السُّلْطَان بايزيد خَان فاتفق انه غزا مرّة بعض بِلَاد الْكفَّار فسافر هُوَ مَعَهم وَلما قَفَلُوا من هَذِه الْغَزْوَة اخذهم فِي اثناء الطَّرِيق برد شَدِيد وامطار كَثِيرَة وسحائب هاطلة وسيول هائلة فَمر المرحوم قبل الْمغرب بقرية ليضيف اهلها فابوا ان يضيفوه فَذهب عَنْهَا وَقد اقبل بسواده اللَّيْل وأمطر السَّمَاء وَكثر السَّيْل وَأمسى كل وَاد كالبحر
الْعَظِيم وَنزل من السَّمَاء الْعَذَاب الاليم وَالشَّيْخ عَلَاء الدّين المسفور مجد على الْمسير والذهاب متوكلا على الْملك الْوَهَّاب فَانْتهى مسيره الى نهر يعرف بالنهر الاسود وَقد استمد ذَلِك النَّهر من السُّيُول الْجَارِيَة والامطار النَّازِلَة فَاشْتَدَّ طغيانه وَعظم عصيانه وغيب الجسر الْمَبْنِيّ عَلَيْهِ وانبسط فِي أكناف الْوَادي فَدخل المرحوم اوائل المَاء غافلا عَمَّا وَرَاءه من كَثْرَة الْمِيَاه بِسَبَب ظلمَة اللَّيْل وتراكم السحب وَلما ذهب فِي المَاء زَمَانا زَاد ارْتِفَاع المَاء حَتَّى غلب على دَابَّته فخشي الْغَرق فعزم على العودة فقصد الطَّرِيق الَّذِي جَاءَ مِنْهُ فاستولى عَلَيْهِ الْحيرَة وَالِاضْطِرَاب وَلم يشك فِي الْهَلَاك والتباب فاخذ فِي التضرع وَالِاسْتِغْفَار منتظرا للْمَوْت والتبار فاذا بِصَوْت من وَرَائه فَالْتَفت اليه فاذا هُوَ رجل على هَيْئَة اُحْدُ من ارباب السّفر فَسلم على الشَّيْخ عَلَاء الدّين وَقَالَ فقدتم الطَّرِيق ووقعتم فِي الْمضيق فَقَالَ الشَّيْخ نعم فسبقه الرجل وَقَالَ للشَّيْخ سر وَلَا تتخلف عَن اثري سَار الرجل وَالشَّيْخ سَائِر فِي اثره الى ان وصلوا الجسر وعبروه وَسَارُوا فِي المَاء الى ان نزل المَاء الى ركب الدَّوَابّ قَالَ الشَّيْخ فَالْتَفت الرجل وَأَشَارَ بِيَدِهِ الى نَاحيَة فَقَالَ سر الى هَذِه الْجِهَة تنج ان شَاءَ الله تَعَالَى فاذا برق خطف بَصرِي وَلما عَاد نظرت اليه فَلم اره فسرت الى هَذِه النَّاحِيَة وخلصت من تِلْكَ الورطة الهائلة وانا فِي غَايَة الْعجب من حَال الرجل الدَّلِيل ودلالته الى السَّبِيل وَقَالَ رحمه الله ثمَّ اني لما وصلت الى محمية ادرنه وَمضى عَليّ ايام واخذ العساكر السُّلْطَانِيَّة يجيؤن اليها اجْتمع عَليّ طَائِفَة من اهل الْمحلة وَاتَّفَقُوا على ضِيَافَة فسألتهم عَن سَببهَا فَقَالُوا ان للسُّلْطَان شَيخا يُقَال لَهُ الشَّيْخ محيي الدّين الاسكليبي رجل شرِيف من اولياء الله تَعَالَى نقصد التَّبَرُّك بِصُحْبَتِهِ والتشرف بِرُؤْيَتِهِ قَالَ الشَّيْخ فَدخلت فيهم وَكنت من جملَة أَرْبَاب الضِّيَافَة ثمَّ انهم احضروا الطَّعَام وهيؤا الْمجْلس ودعوا الشَّيْخ المسفور فَأجَاب دعوتهم وَحضر مجلسهم فاذا هُوَ الشَّخْص الَّذِي ظهر لي فِي تِلْكَ اللَّيْلَة الشَّدِيدَة وَكَانَ سَببا لخلاصي من هَذِه الورطة الْعَظِيمَة قَالَ المرحوم فَصَبَرت حَتَّى تمّ الْمجْلس وتفرق اربابه فَذَهَبت اليه وَقبلت رجله فَقَالَ من انت فَقلت هُوَ الَّذِي خلصته من تِلْكَ الورطة فِي الْموضع الْفُلَانِيّ وَاللَّيْلَة الْفُلَانِيَّة وَعرضت عَلَيْهِ الْقِصَّة
بِتَمَامِهَا فأنكرها وَتغَير عَليّ وَقَالَ غَلطت ووهمت وافتريت عَليّ فَقلت لَهُ يَا سَيِّدي عِنْدِي من الْيَقِين والجزم مَا لَا يَزُول بامثال هَذِه الْكَلِمَات فَلم وَيُمكن الا الِاعْتِرَاف فقربني اليه واقر بالقصة ووصاني بالسر وَعدم الاشاعة الافشاء فَمَا قُمْت من هَذَا الْمجْلس الا وَقد حصل لي الرَّغْبَة التَّامَّة فِي التصوف وازداد بِي الشوق والانجذاب الى جنَّات رب الارباب وبآخرة تبت على يَد الشَّيْخ المسفور وَدخلت فِي زمرة مريديه ثمَّ سَافر الشَّيْخ الى وَطنه باسكليب وَلم يُمكن لي الْمسير لقيدالاهل والاولاد فَبَقيت فِي انجذاب واضطراب الى ان جَاءَ الشَّيْخ مصلح الدّين السيروزي من خلفاء الشَّيْخ محيي الدّين الْمَزْبُور فَذَهَبت اليه واشتغلت عَلَيْهِ الى ان سَافر الى اسكليب وَقصد زِيَارَة الشَّيْخ فَقُمْت مَعَه وَتركت المنصب والعيال وسافرت مَعَه الى اسكليب وأقمت عِنْد الشَّيْخ عدَّة سِنِين وَأَنا فِي غَايَة المجاهدة والطلب ثمَّ عدت الى وطني ثمَّ الى اليخ الى ان نلْت المُرَاد وَأَجَازَ لي بالارشاد وَكَانَ الشَّيْخ عَلَاء الدّين المرحوم من اجلة مَشَايِخ الرّوم صَاحب كرامات سنية ومراتب سميَّة افنى عمره فِي الْعِبَادَة والرياضة فَأَفَاضَ الله تَعَالَى عَلَيْهِ من الْعلم والمعرفة مَا افاضه وَقد فوض اليه المشيخة فِي زَاوِيَة الشَّيْخ شُجَاع بِمَدِينَة أدرنه ودام على التربية والارشاد حَتَّى أناف عمره على مائَة سنة وَمن كراماته مَا حَكَاهُ شَيخنَا الشَّيْخ مصلح الدّين رحمه الله قَالَ كُنَّا جُلُوسًا فِي خَارج الزاوية المزبورة مَعَ بعض المريدين وَقد وَقعت فِي محلّة الدباغين من الْمَدِينَة المسفورة اذ جَاءَ رجل دباغ فباس يَد وَالِدي وَقبل رجله وَقَالَ لَوْلَا انت لما فتحت القلعة فَقَالَ وَالِدي مَا هَذِه القلعة وَلَيْسَ لي مِنْهَا خبر وَلَا أثر وَعَاد الرجل الى ضراعته واستكانته وَهُوَ مستديم على انكاره فسألنا الرجل عَن الْقِصَّة فَقَالَ خرجت فِي زمرة من الدباغين غازيا مَعَ السُّلْطَان فَلَمَّا حاصرنا القلعة الْفُلَانِيَّة وعزمنا على فتحهَا ودارت رحى الْحَرْب واشتعل ضرم الطعْن وَالضَّرْب عَصَتْ القلعة وأبت الْفَتْح وتحير الْعَسْكَر ويئسوا من فتحهَا فاذا بشيخ فِي يَده راية هجم على الْكفَّار وفرقهم تَفْرِيق الْغُبَار عِنْدَمَا يهب عَلَيْهِ الصرصر الجرار وطلع على القلعة وَنصب عَلَيْهَا الرَّايَة فاتصل بعقبة اناس من الْعَسْكَر الاسلامية ودخلوا القلعة من هَذَا
الْموضع وتسير فتحهَا بِسَبَب ذَلِك الرجل فامعنت انا وَبَعض رُفَقَائِي فِي ذَلِك الرجل فاذا هُوَ الشَّيْخ عَلَاء الدّين فَلم يشك انه من جملَة من سَافر الى هَذِه الْغَزْوَة وَحضر فتح القلعة وتعجبنا من عدم رُؤْيَته فِي اثناء الطَّرِيق قَالَ الشَّيْخ رحمه الله لما خلوت مَعَ وَالِدي سَأَلته عَن حَقِيقَة الامر وابرمت عَلَيْهِ كشف هَذَا السِّرّ فَمَا زَاد على ان يَقُول يعرفهُ من يصل الى هَذِه الرُّتْبَة وستقف ان شَاءَ الله تَعَالَى عِنْد بلوغك هَذِه الرُّتْبَة بلغنَا الله واياكم الى الْمَرَاتِب الْعلية وافاض علينا من سِجَال الطافه الْخفية والجلية واما الشَّيْخ عبد الرحيم المؤيدي فَكَانَ اوحد زَمَانه وفريد عصره واوانه من الَّذين فازوا بالقدح الْمُعَلَّى وحازوا المنصب الاوفر والحظ الاعلى وَكَانَ رحمه الله فِي اوائل امْرَهْ من طلبة الْعلم الشريف وَحصل من الْعلم والادب مَا يبتهج بأمثاله وينسج على منواله وَصَارَ ملازما من الْمولى المشتهر بخطيب زادة ثمَّ قلد إِبْرَاهِيم الرواس بِمَدِينَة قسطنطينية ثمَّ اتّفق انه اتَّصل بالشيخ محيي الدّين السَّابِق ذكره وَتزَوج ابْنَته وَظهر فِيهِ مخايل الزّهْد والورع بَينا هُوَ فِي ذَلِك اذ عرض لَهُ بعض الامراض الهائلة وَاشْتَدَّ الى ان اشرف على الْمَوْت وَلما ايس من صِحَّته قَالَ لزوجته بنت الشَّيْخ المسفور هَل لَك ان تروحي الى ابيك وتقولي لَهُ عني اني ايست من الْحَيَاة وَلم يبْق لي بعد ذَلِك رَجَاء السَّلامَة وَهَا انا اموت خَالِيا عَن الْعرْفَان واذهب غَرِيبا عَن الاهل والاوطان وَهل لَا يُمكن الاحسان الي بِقدر الامكان فَقَامَتْ وَذَهَبت الى ابيها الشَّيْخ وبكت عِنْده واخبرت بِمَا قَالَه فَقَامَ الشَّيْخ وَذهب الى زَوجهَا وَمَعَهُ عدَّة من اصحابه وَفِيهِمْ الشَّيْخ عَلَاء الدّين وَالِد شَيخنَا الشَّيْخ مصلح الدّين فَلَمَّا دخلُوا الْبَيْت جلس الشَّيْخ عِنْد فرَاشه وعاده واستخبر عَن حَاله فَأَعَادَ عَلَيْهِ الشَّيْخ عبد الرحيم مَا قَالَه أَولا وأفرط فِي التضرع والابرام وَنِعما قيل الابرام يحصل المرام فرق لَهُ الشَّيْخ فَأَوْمأ الى بعض الْحَاضِرين بِأَن يوضئوا الشَّيْخ عبد الرحيم فوضؤه ثمَّ قَالَ اجلسوه الى الْقبْلَة وَقَالَ للشَّيْخ عَلَاء الدّين اجْلِسْ انت خَلفه وامسكه واضممه اليك ثمَّ قَامَ