الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمِنْهُم الْعَارِف بِاللَّه الْمولى الْعَالم الْعَامِل السَّيِّد عَلَاء الدّين السَّمرقَنْدِي
اشْتغل فِي بِلَاده بِالْعلمِ الشريف بلغ من الْعُلُوم مرتبَة الْفضل ثمَّ سلك مَسْلَك الصُّوفِيَّة والتصوف ونال من تِلْكَ الطَّرِيقَة حظا جسيما وَبلغ مِنْهَا محلا عَظِيما ثمَّ اتى بِلَاد الرّوم وتوطن بِمَدِينَة لارنده وصنف فِي التَّفْسِير كتابا فِي ارْبَعْ مجلدات وَلم يكمله وانْتهى الى سُورَة المجادلة وأدرح فِيهِ فَوَائِد جزيلة ودقائق جليلة انتخبها من كتب التفاسير وأضاف اليها فَوَائِد من عِنْد نَفسه مَعَ عِبَارَات فصيحة بليغة وَكَانَ معمرا قيل انه جَاوز مائَة وَخمسين وَقيل جَاوز الْمِائَتَيْنِ وَالله اعْلَم بِحَقِيقَة الْحَال
وَمِنْهُم الشَّيْخ الْعَارِف الْعَالم الْعَامِل والفاضل الْكَامِل الْمولى شمس الْملَّة وَالدّين احْمَد بن إِسْمَعِيل الكوراني
كَانَ رَحمَه الله تَعَالَى عَارِفًا بِعلم الاصول فَقِيها حنفيا قَرَأَ ببلاده ثمَّ ارتحل الى الْقَاهِرَة وتفقه بهَا وَقَرَأَ هُنَاكَ القراآت الْعشْر بطرِيق الاتقان والاحكام وَقَرَأَ الحَدِيث وَالتَّفْسِير وَأَجَازَهُ عُلَمَاء عصره فِي الْعُلُوم الْمَذْكُورَة كلهَا وَأَجَازَهُ ابْن حجر ايضا فِي الحَدِيث وَشهد لَهُ بانه قرا الحَدِيث سِيمَا صَحِيح البُخَارِيّ رِوَايَة ودراية ودرس هُوَ بِالْقَاهِرَةِ درسا عَاما خَاصّا بالفحول وشهدوا لَهُ بالفضيلة التَّامَّة ثمَّ ان الْمولى يكان الْمَذْكُور سَابِقًا لما دخل الْقَاهِرَة فِي سَفَره الى الْحجاز لقِيه الْمولى الكوراني وَلما شهد فَضله اخذه مَعَه الى بِلَاد الرّوم وَلما لَقِي الْمولى يكان السُّلْطَان مُرَاد خَان قَالَ لَهُ السُّلْطَان هَل اتيت الينا بهدية قَالَ نعم معي رجل مُفَسّر ومحدث قَالَ ايْنَ هُوَ قَالَ هُوَ بِالْبَابِ فَأرْسل اليه السُّلْطَان فَدخل هُوَ عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ تحدث مَعَه سَاعَة فَرَأى فَضله فَأعْطَاهُ مدرسة جده السُّلْطَان مُرَاد الْغَازِي بِمَدِينَة بروسا ثمَّ اعطاه مدرسة جده السُّلْطَان بايزيد خَان الْغَازِي بِالْمَدِينَةِ المزبورة وَكَانَ ولد السُّلْطَان مرادخان السُّلْطَان مُحَمَّد أَمِيرا فِي ذَلِك الزَّمَان ببلدة مغنيا وَقد ارسل اليه وَالِده عدَّة من المعلمين وَلم يمتثل امرهم وَلم يقرا شيأ حَتَّى انه لم يخْتم الْقُرْآن فَطلب السُّلْطَان الْمَذْكُور رجلا لَهُ مهابة وحدة فَذكرُوا لَهُ الْمولى الكوراني فَجعله معلما
لوَلَده وَأَعْطَاهُ بِيَدِهِ قَضِيبًا يضْربهُ بذلك إِذا خَالف أمره فَذهب اليه فَدخل عَلَيْهِ والقضيب بِيَدِهِ فَقَالَ ارسلني والدك للتعليم وللضرب إِذا خَالَفت امري فَضَحِك السُّلْطَان مُحَمَّد خَان من هَذَا الْكَلَام فَضَربهُ الْمولى الكوراني فِي ذَلِك الْمجْلس ضربا شَدِيدا حَتَّى خَافَ مِنْهُ السُّلْطَان مُحَمَّد خَان وَختم الْقُرْآن فِي مُدَّة يسيرَة ففرح بذلك السُّلْطَان مرادخان وَأرْسل الى الْمولى الكوراني اموالا عَظِيمَة ثمَّ ان السُّلْطَان مُحَمَّد خَان لما جلس على سَرِير السلطنة بعد وَفَاة ابيه المرحوم عرض للْمولى الْمَذْكُور الوزارة فَلم يقبل وَقَالَ ان من فِي بابك من الخدام وَالْعَبِيد إِنَّمَا يخدمونك لَان ينالوا الوزارة آخر الامر وَإِذا كَانَ الْوَزير من غَيرهم تنحرف قُلُوبهم عَنْك فيختل امْر سلطنتك فَاسْتَحْسَنَهُ السُّلْطَان مُحَمَّد خَان وَعرض لَهُ قَضَاء الْعَسْكَر فَقبله وَلما بَاشر امْر الْقَضَاء اعطى التدريس وَالْقَضَاء لاهلهما من غير عرض على السُّلْطَان فانكره السُّلْطَان وَلَكِن استحيا مِنْهُ انه يظهره فَشَاور مَعَ الوزراء فأشاروا الى ان يَقُول لَهُ السُّلْطَان سَمِعت ان اوقاف جدي بِمَدِينَة بروسا قد اختلت فَلَا بُد من تداركها فَلَمَّا قَالَ لَهُ السُّلْطَان هَذَا الْكَلَام قَالَ الْمولى الْمَذْكُور ان امرتني بذلك اصلحها فَقَالَ السُّلْطَان هَذَا يَقْتَضِي زَمَانا مديدا فقلده قَضَاء بروسا مَعَ تَوْلِيَة الاوقاف فَقبل الْمولى الْمَزْبُور وَذهب الى مَدِينَة بروسا وَبعد مُدَّة ارسل السُّلْطَان اليه وَاحِدًا ن خُدَّامه بِيَدِهِ مَوْسُوم السُّلْطَان وَضَمنَهُ امرا يُخَالف الشَّرْع فمزق الْكتاب وَضرب الْخَادِم فأشمأز السُّلْطَان لذَلِك فَعَزله وَوَقع بَينهمَا منافرة فارتحل الْمولى الْمَذْكُور الى مصر وسلطانها يَوْمئِذٍ الْملك قايتباي فَأكْرمه غَايَة الاكرام ونال عِنْده الْقبُول التَّام وعاش عِنْده زَمَانا بعزة عَظِيمَة وحشمة وافرة وجلالة تَامَّة ثمَّ ان السُّلْطَان مُحَمَّد خَان نَدم على مَا فعله فارسل الى السُّلْطَان قايتباي كتاب السُّلْطَان مُحَمَّد خَان للْمولى الْمَذْكُور ثمَّ قَالَ لَا تذْهب اليه فَإِنِّي اكرمك فَوق مَا يكرمك هُوَ قَالَ الْمولى نعم هُوَ كَذَلِك الا ان بيني وَبَينه محبَّة عَظِيمَة كَمَا بَين الْوَالِد وَالْولد وَهَذَا الَّذِي جرى بَيْننَا شَيْء آخر وَهُوَ يعرف ذَلِك مني وَيعرف اني اميل اليه بالطبع فَإِذا لم أذهب اليه يفهم ان الْمَنْع من جَانِبك فَيَقَع بَيْنكُمَا عَدَاوَة
فَاسْتحْسن السُّلْطَان قايتباي هَذَا الْكَلَام وَأَعْطَاهُ مَالا جزيلا وهيأ لَهُ مَا يحْتَاج اليه من حوائج السّفر وَبعث مَعَه هَدَايَا عَظِيمَة الى السُّلْطَان مُحَمَّد خَان فَلَمَّا جَاءَ الى قسطنطينية اعطاه السُّلْطَان مُحَمَّد خَان قَضَاء بروسه ثَانِيًا وَوَقع ذَلِك فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة ودام على ذَلِك مُدَّة ثمَّ قَلّدهُ منصب الْفَتْوَى وَعين لَهُ كل يَوْم مِائَتي دِرْهَم وَفِي كل شهر عشْرين الف دِرْهَم وَفِي كل سنة خمسين الف دِرْهَم سوى مَا يبْعَث اليه من الْهَدَايَا والتحف وَالْعَبِيد والجواري وعاش فِي كنف حمايته مَعَ نعْمَة جزيلة وعيش رغد وصنف هُنَاكَ تَفْسِير الْقُرْآن الْعَظِيم وَسَماهُ غَايَة الاماني فِي تَفْسِير السَّبع المثاني اورد فِيهِ مؤاخذات كَثِيرَة على العلامتين الزَّمَخْشَرِيّ والبيضاوي وصنف ايضا شرح البُخَارِيّ وَسَماهُ بالكوثر الْجَارِي على رياض البُخَارِيّ ورد فِيهِ كثيرا من الْمَوَاضِع لشرح الْكرْمَانِي وَابْن حجر وصنف حَوَاشِي مَقْبُولَة لَطِيفَة على شرح الجعبري للقصيدة الشاطبية واقرأ الحَدِيث وَالتَّفْسِير وعلوم الْقُرْآن حَتَّى تخرج من عِنْده كثير من الطلاب وتمهروا فِي الْعُلُوم الْمَذْكُورَة وَكَانَت اوقاته مصروفة الى الدَّرْس وَالْفَتْوَى والتصنيف وَالْعِبَادَة حكى بعض من تلامذته انه بَات عِنْده لَيْلَة فَلَمَّا صلى الْعشَاء ابْتَدَأَ بِقِرَاءَة الْقُرْآن من اوله قَالَ وَأَنا نمت ثمَّ استيقظت فَإِذا هُوَ يقرا ثمَّ نمت فَاسْتَيْقَظت فَإِذا هُوَ يقرا سُورَة الْملك فاتم الْقُرْآن عِنْد طُلُوع الْفجْر قَالَ سَأَلت بعض خُدَّامه عَن ذَلِك فَقَالَ هَذِه عَادَة مستمرة لَهُ وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى رجلا مهيبا طوَالًا كَبِير اللِّحْيَة وَكَانَ يصْبغ لحيته وَكَانَ قوالا بِالْحَقِّ وَكَانَ يُخَاطب الْوَزير وَالسُّلْطَان باسمه وَكَانَ إِذا لَقِي السُّلْطَان يسلم عَلَيْهِ وَلَا ينحني لَهُ ويصافحه وَلَا يقبل يَده وَلَا يذهب اليه يَوْم عيد الا إِذا دَعَاهُ وَسمعت عَن ثِقَة انه ذهب اليه يَوْم عَرَفَة وَكَانَ يَوْم مطر فِي أَيَّام سلطنة السُّلْطَان بايزيد خَان فجَاء اليه وَاحِد من الخدام وَقَالَ السُّلْطَان يسلم عَلَيْكُم ويلتمس مِنْكُم ان تشرفوه غَدا فَقَالَ الْمولى لَا أذهب وَالْيَوْم يَوْم وَحل اخاف ان يتوحل خَفِي فَذهب الْخَادِم فَلم يلبث الا ان جَاءَ وَقَالَ سلم عَلَيْكُم السُّلْطَان واذن لكم ان تنزلوا عَن الدَّابَّة فِي مَوضِع نزُول السُّلْطَان حَتَّى لايتوحل خفكم فَذهب اليه وَكَانَ رحمه الله ينصح للسُّلْطَان مُحَمَّد خَان وَيَقُول لَهُ دَائِما ان مطعمك حرَام وملبسك حرَام فَعَلَيْك بِالِاحْتِيَاطِ فاتفق فِي بعض الايام انه اكل مَعَ السُّلْطَان
مُحَمَّد خَان فَقَالَ السُّلْطَان ايها الْمولى انت اكلت ايضا من الْحَرَام فَقَالَ مَا يليك من الطَّعَام حرَام وَمَا يليني مِنْهُ حَلَال فحول السُّلْطَان الطَّعَام فاكل الْمولى فَقَالَ السُّلْطَان اكلت من جَانب الْحَرَام فَقَالَ الْمولى نفد مَا عنْدك من الْحَرَام وَمَا عِنْدِي من الْحَلَال فَلهَذَا حولت الطَّعَام وَقيل لَهُ يَوْمًا ان الشَّيْخ ابْن الْوَفَاء يزور الْمولى خسرو وَلَا يزورك فَقَالَ اصاب فِي ذَلِك لَان الْمولى خسرو عَالم عَامل تجب زيارته وَإِنِّي وَإِن كنت عَالما لكنني خالطت مَعَ السلاطين فَلَا تجوز زيارتي وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى لَا يحْسد احدا من أقرانه إِذا فضل عَلَيْهِ فِي المنصب وَإِذا قيل لَهُ فِي ذَلِك كَانَ يَقُول الْمَرْء لَا يرى عُيُوب نَفسه وَلَو لم يكن لَهُ فضل عَليّ لما اعطاه الله تَعَالَى ذَلِك المنصب وَقَالَ الْمولى الْمَزْبُور وَيَوْما للسُّلْطَان مُحَمَّد خَان بطرِيق الشكاية عَنهُ ان الامير تيمور خَان ارسل بريدا لمصْلحَة وَقَالَ لَهُ ان احتجت الى فرس خُذ فرس كل من لَقيته وان كَانَ ابْني شاهرخ فَتوجه الْبَرِيد الى مَا أَمر بِهِ فلقي الْمولى سعدالدين التَّفْتَازَانِيّ وَهُوَ نَازل فِي مَوضِع قَاعد فِي خيمته وافراسه مربوطة قدامه فَأخذ الْبَرِيد مِنْهَا فرسا فَأخْبر الْمولى بذلك فَضرب الْبَرِيد ضربا شَدِيدا فَرجع هُوَ الى الامير تيمور وَأخْبرهُ مَا فعله الْمولى الْمَذْكُور فَغَضب الامير تيمورخان غَضبا شَدِيدا ثمَّ قَالَ وَلَو كَانَ هُوَ ابْني شاهرخ لقتلته وَلَكِنِّي كَيفَ اقْتُل رجلا مَا دخلت فِي بَلْدَة الا وَقد دَخلهَا تصنيفه قبل دُخُول سَيفي ثمَّ قَالَ الْمولى الْمَزْبُور ان تصانيفي تقْرَأ الان بِمَكَّة الشَّرِيفَة وَلم يبلغ اليها سَيْفك فَقَالَ السُّلْطَان مُحَمَّد خَان نعم ايها الْمولى النَّاس يَكْتُبُونَ تصانيفه وَأَنت كتبت تصنيفك وارسلته الى مَكَّة الشَّرِيفَة فَضَحِك الْمولى الكوراني وَاسْتحْسن هَذَا الْكَلَام غَايَة الِاسْتِحْسَان ومناقبه كَثِيرَة لَا يتَحَمَّل ذكرهَا هَذَا الْمُخْتَصر توفّي رَحمَه الله تَعَالَى سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة مَاتَ فِي قسطنطينية وَدفن بهَا وقصة وَفَاته انه امْر يَوْمًا فِي أَوَائِل فصل الرّبيع ان تضرب لَهُ خيمة فِي خَارج قسطنطينية فسكن هُنَاكَ فصل الرّبيع فَلَمَّا تمّ هَذَا الْفَصْل امْر ان يشترى لَهُ حديقة فسكن هُنَاكَ الى اول فصل الخريف وَفِي هَذِه الْمدَّة كَانَ الوزراء يذهبون الى زيارته فِي كل اسبوع مرّة ثمَّ انه صلى الْفجْر فِي يَوْم من الايام وَأمر ان ينصب لَهُ سَرِير فِي الْموضع الْفُلَانِيّ من بَيته بقسطنطينية فَلَمَّا صلى الاشراق جَاءَ الى بَيته واضطجع على جنبه الايمن