الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشَّيْخ سُلَيْمَان الخلوتي الامدي وَكسر الات اللَّهْو وأواني الشّرْب وَانْقطع مُدَّة عَن الندمان والاصحاب وَبدل ترنمات الاغاني بِتِلَاوَة السَّبع المثاني ودام على هَذِه الصِّفَات السّنيَّة حَتَّى غالته اغوال الْمنية وانتقل من هَذِه الدُّنْيَا الدنية
ذكر مَا وَقع من وفياتهم فِي دولة السُّلْطَان مُرَاد خَان ابْن السُّلْطَان سليم خَان
ايد الله تَعَالَى خيام دولته على عماد الخلود والدوام وَزَاد فِي عزه وسعوده على اجداده الْكِرَام
وَمِمَّنْ طلب الْعلم وخاض فِي عبابه بَعْدَمَا افنى فِي هوساته عنفوان شبابه وتسنم بِاجْتِهَادِهِ ذرا الاماني الطَّبِيب الياس القراماني
ولد رحمه الله بلواء قرمان وشب على التعطل والهوان الى ان من الله تَعَالَى عَلَيْهِ بالرغبة والطلب فِي تَحْصِيل الْعلم والادب فَخرج من بِلَاده بَعْدَمَا جَاوز سنّ الْبلُوغ وَكَانَ مِنْهُ مَا كَانَ وانتقل من مَكَان الى مَكَان حَتَّى وصل الى خدمَة الْحَكِيم اسحق وَحصل عِنْده بعض الْعُلُوم سِيمَا الطِّبّ وَفتح حانوتا فِي بعض الاسواق وتكسب مُدَّة بالطبابة وَبيع المعاجن والاشربة الى ان قلد الْمولى المشتهر باخي زَاده مدرسة بيري باشا بقصبة سلوري وَفِي المرحوم طلب المعارف والعلوم فَبَاعَ مَا فِي حانوته وَترك عِيَاله فِي بَيته وَهَاجَر الى الْمولى الْمَزْبُور وَدخل احدى حجرات الْمدرسَة وابتدأ من الْمُخْتَصر الموسوم بِالْمَقْصُودِ واشتغل عَلَيْهِ فِيهَا بُرْهَة من الزَّمَان ثمَّ عَاد الى بَيته وتفقد علياله ثمَّ عَاد الى الْمدرسَة المزبورة وَكَانَ مَا كَانَ الى ان حصل من الْعُلُوم الالية الْقدر الصَّالح مَعَ الِاشْتِغَال بمصالح بَيته كل ذَلِك بعد مَا ظهر الْبيَاض فِي لحيته ثمَّ ترقى الى الْمَقَاصِد والمسائل وتتبع الْكتب والرسائل وطالع الاحاديث والتفاسير وفاز بالحظ الاوفى فِي الزَّمَان الْيَسِير وحرر عدَّة من الرسائل فحقق فِيهَا كَلَام بعض الاماثل وحقق مَا قَالَه النَّبِي الامجد من طلب شيأ وجد وجد وَاسْتشْهدَ رحمه الله فِي شهر ذِي الْقعدَة من شهور سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة كَانَ رحمه الله من الْعلمَاء العاملين مَعَ كَمَال الْوَرع والتصلب فِي الدّين آيَة فِي الزّهْد وَالتَّقوى متمسكا من الشَّرِيعَة الشَّرِيفَة بِمَا هُوَ
احكم واقوى مشاركا فِي الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة متبحرا فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة النقلية مهتما بِالنّظرِ فِي كتب ارباب الِاجْتِهَاد وَمن دونهم مِمَّن جمع لَهُم التَّقْلِيد والرشاد وَكَانَ يُفَسر الْقُرْآن الْكَرِيم وَينْتَفع بمجلسه خلق عَظِيم وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى فِي اول امْرَهْ معرضًا عَن ابناء الدُّنْيَا قانعا بِكَسْبِهِ من جِهَة طبابته فاتفق انه ابتلى بعض الامراء بالامراض الهائلة فراجع المرحوم فِي ذَلِك فعالجه وانتفع بِهِ فاستشفع لَهُ وسعى فِي حَقه حَتَّى عين لَهُ وَظِيفَة من بَيت المَال فاستجداه طبعه واستلذه نَفسه من حَيْثُ لم يدر ان السم فِي الدسم فخالط الامراء وتقرب لَهُم بالطب واتصل بالوزير الْكَبِير مُحَمَّد باشا وَأمره بترجمة ابي يُوسُف فاتمها ورفعها اليه وَفِي اثناء ذَلِك جلس السُّلْطَان الافخم مرادخان الْمُعظم على سَرِير السلطنة فقوي بِهِ امْر فرهاد باشا وَكَانَ معزولا عَن الوزارة فشاع عوده اليها على خلاف مُرَاد الْوَزير الْكَبِير مُحَمَّد باشا بشفاعة السَّيِّد ة صَفِيَّة حظية السُّلْطَان وام اولاده الْكِرَام بِسَبَب انها كَانَت فِي اول امرها من جواري السيدة بنت السُّلْطَان مُحَمَّد بن السُّلْطَان سُلَيْمَان لزوجة فرهاد باشا الْمَزْبُور وَكَانَ فرهاد باشا المسفور مبتلى بِحَبْس الْبَوْل يُرَاجع فِي ذَلِك الطَّبِيب الياس الْمَذْكُور وَينْتَفع بآرائه فاتفق انه أَمر فرهاد باشا فِي اثناء مَا ذكر باكل المعجون الْمَعْرُوف بمثرود يطوس فَأَكله وَمَات بعد أَيَّام قَلَائِل بعلة الزحير فاتهم الطَّبِيب الْمَزْبُور وَقيل انه سمه فِي ذَلِك المعجون باشارة الْوَزير مُحَمَّد باشا فَدخلت زَوجته الى السُّلْطَان وَطلبت الثار وهمت بقتل الطَّبِيب المسفور فَأخذ وَحبس اياما ثمَّ اخْرُج وفتش فَلم يثبت عَلَيْهِ شَيْء واستشفع فِي خلاصه الْمُفْتِي وَبَعض الْعلمَاء والصلحاء فاطلق فَاجْتمع عدَّة من خدام فرهاد باشا وترصدوا لَهُ يَوْمًا فِي بَاب دَاره وَلما خرج رحمه الله صَبِيحَة ذَلِك الْيَوْم الى صَلَاة الصُّبْح هجموا عَلَيْهِ وضربوه بسكاكين وجرحوه عدَّة جراحات وبقروا بَطْنه فَمَاتَ رحمه الله من وقته وهربت القتلة وَلما وقف السُّلْطَان على ذَلِك غضب على جَمِيع خدام فرهاد باشا فَأخذ مِنْهُم سِتُّونَ نَفرا وصلب مِنْهُم عشرَة اشخاص مِنْهُم الزعيم ابْن اخي فرهاد باشا وَنفي الْبَاقُونَ عَن الْبَلَد فسبحان من جعل لكل شَيْء حدا
وَمِمَّنْ خَاضَ غمار المجاهدات واقتحم اخطار مشاق الْعِبَادَات وتسنم فِي طَرِيق الْحق على تلاله ووهاده وجاهد فِي الله حق جهاده وافنى عمره فِي زَاوِيَة الزّهْد وَالْعِبَادَة شَيخنَا الشَّيْخ مصلح الدّين ابْن الشَّيْخ عَلَاء الدّين المشتهر بجراح زَاده
ولد الشَّيْخ رحمه الله بِمَدِينَة ادرنه فِي شهر صفر سنة احدى وَتِسْعمِائَة وَنَشَأ طَالبا للْعلم والمعارف وساعيا فِي اقتناء شوارد اللطائف وقرا رحمه الله مُدَّة كتاب الْمِفْتَاح باتقان وَتَحْقِيق على الْمولى لطف الله ابْن الْمولى شُجَاع وَهُوَ مدرس فِي مدرسة الْجَامِع الْعَتِيق ثمَّ افاض الله تَعَالَى عَلَيْهِ مجَال رَحمته من شآبيب لطفه ورأفته فَهبت عَلَيْهِ نسائم الزّهْد وَالصَّلَاح وناداه مُنَادِي الْفَوْز وَالصَّلَاح فَأَجَابَهُ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة وَتحمل مشاق الْعِبَادَات بِقدر الِاسْتِطَاعَة وتبتل الى الله سُبْحَانَهُ وجد واجتهد حَتَّى علا اقرانه وَقد سَأَلته رحمه الله عَن سَبَب سلوكه ودخوله فِي طَرِيق الصُّوفِيَّة فَقَالَ رحمه الله كنت فِي اوائل حَالي واوان طلبي فِي غَايَة الاعراض عَن طَرِيق الصُّوفِيَّة وَاتفقَ اني اجْتمعت فِي بعض اللَّيَالِي مَعَ الاخوان والخلان وتجارينا فِي شجون الْكَلَام وقضينا الوطر عَمَّا يكون وَكَانَ فَنَامَ كل من فِي الْمجْلس فاذا بصيحة عَظِيمَة واصوات مزعجة من طرف السَّمَاء فَرفعت راسي فَرَأَيْت حجرا عَظِيم الْقدر نزل على الْبَيْت الَّذِي كُنَّا فِيهِ فَكسر السّقف وَنزل الى ساحة الْبَيْت وَغَابَ فِي الارض فَاسْتَيْقَظَ من هَذِه الصَّيْحَة الْعَظِيمَة كل نَائِم من اهل الْمجْلس واخذوا يتساءلون عَنْهَا وَلم يطلعوا على شَيْء وعادوا الى النّوم وَحصل لي من ذَلِك دهشة عَظِيمَة وكادت ان تذْهب بلبي فَقُمْت الى الْمجْلس مرتاعا وازداد تأثري فِي كل وَقت وَحين الى ان يفتر عَقْلِي وَلم يبْق لي من الروية الا الْقَلِيل فَنزلت الطَّرِيق وبعت جَمِيع ملابسي الفاخرة وَأَنا على هَذِه الْحَالة من الاعراض عَن طَرِيق الصُّوفِيَّة وَفِي اثناء ذَلِك دَعَاني ابي اليها وكلمني فِي الدُّخُول فِيهَا وقابلته بالانكار والاعراض قَالَ وَلم اذكر حَتَّى رفع الغطاء عَن بَصرِي وانكشف لي احوال الْقُبُور فَكنت الازم الْمَقَابِر وابيت عِنْدهَا وَكَانَ اصحابي واقاربي فِي العذل والملامة وانا فِي عدم
الِالْتِفَات اليهم والاعراض عَن كَلَامهم فَسَأَلته رحمه الله عَن كَيْفيَّة رُؤْيَته واطلاعه على اهل الْقُبُور فَقَالَ رحمه الله رَأَيْتهمْ قَاعِدين فِي قُبُورهم كالاحياء فِي بُيُوتهم فَمنهمْ من اتَّسع قَبره فَبَقيَ فِي السعَة والحبور والرفاهية وَالسُّرُور وَمِنْهُم من لَا يقدر على الْقيام لضيق الْمقَام وَمِنْهُم من امْتَلَأَ قَبره بالدخان وَمِنْهُم من احمي قَبره بالنيران وَرَأَيْت بَعضهم فِي غَايَة الضعْف وَالِاضْطِرَاب ويتألم ويضطرب كالسحاب والسراب وَأَنا اتكلم مَعَهم واستخبر حَالهم واستفسر اسباب مَوْتهمْ فيجيبون ويسالونني الدُّعَاء وانا اجد نَفسِي فِي اثناء ذَلِك تَارَة فِي قسطنطينية وَتارَة فِي بروسه وَتارَة فِي غَيرهمَا من الامكنة الَّتِي مَا رَأَيْتهَا قطّ وانا فِي جَمِيع ذَلِك كالهائم الولهان الَّذِي مَسّه الجان وَكنت فِي غَايَة الْعَجز عَن اكل الطَّعَام لظُهُور نَجَاسَته وانكشاف عدم طَهَارَته ودامت هَذِه الْحَالة لي مُدَّة سَبْعَة اشهر فَبينا انا مُقيم بدار وَالِدي وَقد انْتَشَر سَواد اللَّيْل فِي الافاق ونام كل من فِي الْبَيْت من الصَّغِير وَالْكَبِير اذ جَاءَ رجل فاخذ بيَدي وَذهب فَذَهَبت مَعَه فمررنا بمواضع غَرِيبَة وأمكنة عَجِيبَة مَا رَأَيْتهَا وَلَا سَمعتهَا من قبل حَتَّى وصلنا الى سفح جبل وَرَأَيْت فِيهِ شخصا قَاعِدا فَتقدم الرجل فِيهِ وَقَالَ جِئْت بطلبك وقدمني اليه فَجَلَست بحذائه فاخذ ذَلِك الشَّخْص بيَدي الْيُمْنَى فَوضع فِيهَا عَلامَة فاذا جِيءَ بشخص آخر فعل بِهِ مَا فعل بِي ثمَّ امرنا بِالْقيامِ وَالدُّخُول الى حَظِيرَة هُنَاكَ فَلَمَّا ذَهَبْنَا اليه فتح لنا بَاب الحظيرة فَنَظَرْنَا الى داخلها فرأيناها مَمْلُوءَة من النيرَان الصافية لَيْسَ فبها دُخان وَلَا سَواد فامتنعنا عَن الدُّخُول فاجبرنا عَلَيْهِ وأغلق الْبَاب من وَرَائِنَا فَعمِلت النَّار فِينَا مَا تعْمل فِي امثالنا واحترقنا بهَا بِحَيْثُ لم يبْق منا مَوضِع لَا فِي ظَاهر الْجَسَد وَلَا فِي بَاطِنه الا وَقد مسته النَّار ثمَّ فتح الْبَاب وأمرنا بِالْخرُوجِ وَجَاء الرجل وَأخذ بيَدي واوصلني الى مَكَاني الَّذِي اخذني مِنْهُ فَلَمَّا اصبحت وَقَامَ وَالِدي الى الصَّلَاة جَاءَ الي ورآني متنكرا مضطربا مِمَّا وَقع لي من شَدَائِد هَذِه اللَّيْلَة فَسَأَلَنِي عَن هَذِه الْحَالة فقصصت لَهُ الْوَاقِعَة فَقَالَ ان هَذِه النَّار جذبة من نيران الْمحبَّة والهيام ولمعة من حرارة الْعِشْق والغرام وان هَذِه الْوَاقِعَة تدل على انك ستصير طَالبا للحق ومحبا للتصوف واربابه قَالَ رحمه الله فَمن هَذِه
اللَّيْلَة اخذ ولهي فِي الانتقاص وجنوني فِي الِارْتفَاع وَزَالَ عني بالتدريج مَا حصل لي من الْكَشْف والحركات الْمُخَالفَة للْعَادَة وَعَن لي الْميل الى التصوف وَاشْتَدَّ الانجذاب الى جناب رب الارباب وَدخلت فِي ربقة التَّسْلِيم وَالْعِبَادَة وَظهر فِي امري مَا شَاءَ الله واراده وتبت على يَد وَالِدي واخذت فِي المجاهدة والاشتغال وترقيت عِنْده من منزل الى منزل وَمن حَال الى حَال ثمَّ ارسلني الى قدوة ارباب الطَّرِيق ولي الله تَعَالَى على التَّحْقِيق صَاحب الكرامات الْمَشْهُورَة والاخبار المأثورة الشَّيْخ عبد الرحيم المؤيدي المشتهر بحاجي جلبي فخدمته مُدَّة وحصلت من فنون التصوف عدَّة وَكَانَ مني مَا كَانَ فَظهر مَا فِي حيّز الامكان ودمت على المصابرة وَالِاجْتِهَاد اثْنَتَيْ عشرَة سنة واجيز لي بالارشاد وَقد سَأَلته عَن آخر الْحَالَات الَّتِي وَقعت لَهُ عِنْد شَيْخه فَقَالَ رحمه الله كنت مُقيما فِي بعض الخلوات عندالشيخ عبد الرحيم المؤيدي وانا مداوم على الذّكر ومشتغل بِالتَّوْحِيدِ فاذا بشخص عَظِيم الهيبة دخل عَليّ وَقصد الي ومزق جَسَدِي بيدَيْهِ كل ممزق وَتَرَكَنِي فَعَاد جَسَدِي الى حَالَته الاولى فَعَاد فِي التمزيق وتكرر ذَلِك من الطَّرفَيْنِ وَاسْتمرّ سَاعَات وَعرض لي من ذَلِك انزعاج كلي واضطراب عَظِيم وَحصل لي من الفناء والسكون مَالا يُمكن تَعْبِيره فعرضت ذَلِك على الشَّيْخ ففرح بِهِ وبشرني بِحُصُول الْمَطْلُوب واجاز لي بعد ذَلِك بالارشاد وارسلني الى وَالِدي قلت وَلما انْتقل وَالِده رحمه الله قَامَ هُوَ مقَامه فِي زَاوِيَة الشَّيْخ شُجَاع واكب على الِاشْتِغَال ولازم التَّوَجُّه والاقبال الى جناب حَضْرَة المتعال وعامل الله فِي سره وجهره حَتَّى صَار فريد عصره ووحيد دهره وَفتح بَاب التربية والارشاد على ارباب السَّعْي وَالِاجْتِهَاد فَرب ساع قطع بصارم تَرْبِيَته صريمة الامل وَحصل بهمته الشَّرِيفَة طرفا صَالحا وكمل ثمَّ نقل الى زَاوِيَة الشَّيْخ محيي الدّين بقسطنطينية المحمية فشرفها بمقدمه الشريف ونورها بروائه اللَّطِيف وَأقَام بهَا مُدَّة سبع سِنِين وَقد اتَّصَلت بِهِ فِي اقامة ذَلِك وتبركت بمجالسته الشَّرِيفَة وانفاسه اللطيفة وَكلما يمر ذَلِك بالخاطر يذكرنِي قَول الشَّاعِر