الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اباعدهم واقاربهم وَسعوا فِيهِ حَتَّى عزل وافل بدره لَكِن رفع من الْجِهَة الاخرى قدره فعين لَهُ كل يَوْم مِائَتَا دِرْهَم وَكَانَ الْعَادة والقانون فِي وَظِيفَة امثاله مائَة وَخمسين وَتُوفِّي فِي ربيع الاول سنة ثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَقد اناف عمره على سبعين سنة وقدا تفق مَوته على هَيْئَة مرضية وَصفَة رضية تدل على حسن خاتمته وسعادته فِي عاقبته يحْكى انه قَامَ ضحوة يَوْم فَتَوَضَّأ واسبغ الْوضُوء وَلبس الالبسة النظيفة وَصلى رَكْعَات واخذ بِيَدِهِ سبْحَة واضطجع على فرَاشه واشتغل بالتسبيح والتهليل فعاجله سهم الْمنية وَهُوَ على تِلْكَ الفعلة السّنيَّة فانتقل الى جوَار ربه الصَّمد وَلم يشْعر بِمَوْتِهِ من الْحَاضِرين اُحْدُ وَنقل جسده من هَذِه الرباع المانوسة الى حَظِيرَة فِي فنَاء مَسْجده الَّذِي بناه فِي مَدِينَة بروسه وَوَقع فِي هَذَا اتِّفَاق غَرِيب هُوَ اني كنت اكْتُبْ تَرْجَمَة الْمولى محيي الدّين المشتهر بعرب زَاده وَقد انْتَهَيْت الى قولي فِيهَا وارتحل راية عزه منكوسة الى دَار الْملك بروسه اذ جَاءَ وَاحِد من طلبته واخبرني بِمَوْتِهِ وَقَالَ هَذِه سفينته الَّتِي تذْهب الى بروسه
كَانَ رحمه الله عَالما فَاضلا محققا كَامِلا مشاركا فِي الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة مبرزا فِي الْفُنُون الشَّرْعِيَّة النقلية لَهُ بالفقه الفة أَي الفة قَادر على الافتاء بِغَيْر كلفة وَكَانَ لين الْجَانِب مجبولا على اللطف وَالْكَرم مطبوعا على احسن الشيم غير ان فِيهِ طَمَعا زَائِدا وحرصا وافرا سامحه الله اولا وآخرا
وَمن الْمَشَايِخ الاعيان وافاضل الْعَصْر والاوان الشَّيْخ بالي الخلوتي الْمَعْرُوف بسكران
كَانَ ابوه معلما للسُّلْطَان احْمَد ابْن السُّلْطَان بايزيدخان فَلَمَّا غالته الْمنية وَفَاته حُصُول الامنية من السلطنة الْعُظْمَى والمملكة الْكُبْرَى وَسلم زِمَام الزَّمَان وعنان الاوان الى يَد السُّلْطَان سليم استقضاه فِي بعض الْبِلَاد وعينه للْحكم بَين الْعباد وَولد رحمه الله ببلدة تيره من لِوَاء ايدين وَنَشَأ فِي طلب الْعلم وَتَحْصِيل الْفَضَائِل وَصَاحب الاكابر والافاضل وجد واجتهد وَكَانَ مِنْهُ مَا كَانَ حَتَّى صَار ملازما من الْمولى خير الدّين معلم السُّلْطَان ثمَّ درس بمدرسة خواجه سِنَان
الْمَعْرُوف بكينكجي فِي مَدِينَة قسطنطينية بِخَمْسَة وَعشْرين فعامل الطّلبَة بالدرس والافادة مَعَ اشْتِغَاله بالزهد وَالْعِبَادَة ثمَّ ترك التدريس وسلك مَسْلَك الصُّوفِيَّة السَّادة وَكَانَ سَبَب فَرَاغه على مَا حُكيَ انه رأى فِي مَنَامه وَهُوَ فِي اوائل طلبه بِمَدِينَة بروسه انه يمشي فِي بعض الطّرق فَسمع اصواتا عالية فقصدها فاذا بِقوم من الصُّوفِيَّة قعدوا يذكرُونَ الله تَعَالَى ويرفعون اصواتهم بِالذكر الْجَمِيل ويزينونها بمفاخر التمجيد والتهليل فتقرب مِنْهُم فاذا بِرَجُل مراقب فِي نَاحيَة مِنْهُم فَلَمَّا وَقع نظره عَلَيْهِ رفع رَأسه وَأَشَارَ بِيَدِهِ ودعا اليه فَلَمَّا حصل عِنْده قَالَ لَهُ لم لم تدخل فِي هَذِه الْحلقَة وَلَا تلتحق بِتِلْكَ الطَّائِفَة فَأجَاب بَان فِي قلبِي مَا يَمْنعنِي عَن ذَلِك ويعوقني عَنهُ وَهُوَ اتمام مراسم الطَّرِيق واحراز مآثر الْعُلُوم الظَّاهِرَة والاجتماع بالمولى الْفُلَانِيّ والاشتغال عَلَيْهِ فاذا حصل الي ذَلِك لَا يبْقى فِي خاطري مَا يشوش عَليّ فالتحق بكم وادخل فِي مذهبكم وَلما انتبه وَمضى عَلَيْهِ السِّتُّونَ وتنقلت بِهِ الاحوال والشؤون وَهُوَ مكب على الطّلب والاشتغال واكتساب الْفضل والكمال الى ان اتى قسطنطينية فَبين هُوَ يسير فِي بعض طرقاتها بزمرة من خلانه وَطَائِفَة من اخوانه فاذا بِأَصْوَات عالية تخرج من زَاوِيَة فقصد المرحوم هَذَا الْمَكَان بِمن عِنْده من الاصحاب والخلان فاذا بِقوم يذكرُونَ الله الْمجِيد ويرفعون اصواتهم بالتمجيد والتوحيد وصفت الْمَلَائِكَة بهم وانزلت السكينَة فِي قُلُوبهم فَقرب مِنْهُم فاذا براجل مراقب يراصد ربه ويراقب فَلَمَّا حضر عِنْده قَالَ الم يَأن للَّذين آمنُوا ان تخشع قُلُوبهم لذكر الله وَاعْلَم ان الْمولى الْفُلَانِيّ قد مَاتَ وَذهب عرض الِاشْتِغَال عَلَيْهِ وَفَاتَ فَتَأَمّله المرحوم فاذا هُوَ الَّذِي رأى فِي الْمَنَام وَجرى بَينهمَا من الْكَلَام فَلم يُؤَخر فِي الانابة والابتهال وَتَابَ على يَده فِي الْحَال ثمَّ سَأَلَ عَن الرجل فاذا هُوَ الشَّيْخ رَمَضَان والزاوية زَاوِيَة عَليّ باشا وَكَانَ الشَّيْخ رَمَضَان الْمَزْبُور معدودا من الرِّجَال ومعروفا بِالْفَضْلِ والكمال صَاحب الكرامات الجلية والمراتب الْعلية
مِنْهَا مَا حَكَاهُ المرحوم وَقَالَ اني كنت فِي بعض الاحيان عندالشيخ اذ دخل عَلَيْهِ شخص وَسلم عَلَيْهِ وَقَالَ ان الْمولى محيي الدّين المشتهر بجوي زَاده يسلم
عَلَيْكُم ويسألكم عَن فصوص الشَّيْخ ابْن الْعَرَبِيّ هَل هُوَ على الْحق اَوْ الْبَاطِل وَكَانَ الْمولى الْمَزْبُور مَعْرُوفا بتبطيله ومشهورا بالتعصب عَلَيْهِ فَلَمَّا سَمعه الشَّيْخ غضب وَقَالَ مَا يطْلب من ارسلك من الشَّيْخ وَهل يُرِيد الِاطِّلَاع على دُرَر مكامن هَذَا الْكتاب وغرر مَا فِي تضاعيفه مَعَ اكله فِي كل يَوْم سبع مَرَّات وشبعه من الْحَرَام وَالشَّيْخ قدس سره مَا كتبه الا بَعْدَمَا ارتاض خمس عشرَة سنة فَعَاد الرَّسُول بِأَسْوَأ وَجه وأقبح صُورَة قَالَ المرحوم فَقلت لَهُ لَو تلطفتم بِهِ وداريتم فِي الْجَواب لَكَانَ اسْلَمْ لكم ولأحبابكم بعد كم فان لَهُ قدرَة على الجفا والاذى فَقَالَ لَا بَأْس بهم غَايَة الامر انهم يعقدون مَجْلِسا ويدعونني اليه فَنَجْعَل هَكَذَا قَالَ المرحوم لما تكلم الشَّيْخ هَذِه الْكَلِمَة جذب جيبه على وَجهه فَغَاب عَن مَوْضِعه الَّذِي هُوَ فِيهِ فَأَخَذَتْنِي الْحيرَة وَالِاضْطِرَاب واحاطت بِي الدهشة الى ان جَاءَ وَحضر بعد سَاعَة وَقَالَ هَكَذَا نَفْعل اذا اضطررنا فَقلت لَهُ يَا سَيِّدي هَل هُوَ من علم السيمياء قَالَ لَا وَلَكِن يحصل للنفوس الناطقة بِسَبَب المجاهدات الشاقة والرياضات الصادقة اتِّصَال بالمجردات فتقتدر على اعدام بدنهَا وايداعها فِي آن وَكَذَا يحصل لَهَا الْقُدْرَة على مَا يشبههما من الأفاعيل العجيبة والامور الغريبة
ولنعد الى مَا كُنَّا فِيهِ وَهُوَ انه لما تَابَ على يَد الشَّيْخ وتلقن الذّكر عَنهُ وَدخل حجرَة من حجرات الزاوية المزبورة لم يرض الشَّيْخ بفراغه عَمَّا فِيهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَجمع بَين الطَّرِيقَيْنِ حَتَّى بلغ رُتْبَة التدريس وَكَانَ يخرج من الْحُجْرَة وَيذْهب الى الْمدرسَة ويدرس فِيهَا وَيعود الى الْحُجْرَة فيشتغل بِالذكر الى ان غلب عَلَيْهِ الْحَال وانكشف الْمَآل وحبب لَهُ الِانْقِطَاع والاعتزال فَترك التدريس والافادة وتمحض للزهد وَالْعِبَادَة الى ان حصل وكمل وَبلغ مَرَاتِب الكمل وفوض اليه المشيخة فِي زَاوِيَة دَاخل قسطنطينية فاشتغل بالارشاد والافادة وتربية ارباب الارادة الى ان توفّي رحمه الله فِي شهر ذِي الْقعدَة سنة ثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَصلي عَلَيْهِ فِي جَامع السُّلْطَان مُحَمَّد خَان وَاجْتمعَ فِي جنَازَته خلق كثير لَا يُحصونَ عددا وَدفن فِي دَاخل قسطنطينية تجاه زاويته المزبورة وَبني على قَبره كَانَ رحمه الله عَالما فَاضلا عابدا صَالحا معرضًا عَن أَبنَاء الدُّنْيَا غير مكترث بالاغنياء لم يدْخل
قطّ بَاب امير وَلم يطَأ مجْلِس وَزِير لم يعبأ بأرباب الحكم والمناصب وَلم يتَرَدَّد الى بابهم وَلم يتَقَيَّد بِمَا عِنْدهم وَمَا بهم كلما ارادوا صحبته واحبوا رُؤْيَته قابلهم بالاجتناب ودفعهم بِأَحْسَن جَوَاب وَكَانَ رحمه الله مَشْهُورا برد صَدَقَاتهمْ وَدفع عطياتهم وَمَعَ ذَلِك ترك من النقدما يقرب ثَمَانِيَة آلَاف دِينَار وَقوم سَائِر املاكه بِعشْرَة آلَاف دِينَار فتحير النَّاس فِي اقامة السَّبَب وقضوا مِنْهُ الْعجب وَكَانَ رحمه الله فِي غَايَة الْحبّ والميل الى خيائر الْخَيل وَكَانَ يكثر من اقتناء الصافنات وَيُرْسل بَعْضهَا الى الامراء الْغُزَاة وَقد ذهب عمره بالتجرد والانفراد وَلم يتَقَيَّد بِقَيْد الاهل والاولاد وَكَانَ رحمه الله صَاحب جذبة عَظِيمَة وَغَايَة قبُول وَله فِي تَعْبِير المنامات مَا يبهر الْعُقُول وَمن عَادَته رحمه الله انه يحضر فِي بعض الْجَنَائِز فيلقن الْمَيِّت ويخاطبه على مَا هُوَ الْمَعْرُوف فَيسمع من الْمَيِّت صَوته الَّذِي يسمع مِنْهُ فِي حَيَاته مجيبا عَمَّا يسْأَله وَقد سَمعه غير وَاحِد من الْعلمَاء الاعيان فِي متفرقات الاحيان
وَمن ذَلِك طعنه على عُلَمَاء اوانه ومشايخ زَمَانه خُصُوصا الشَّيْخ مصلح الدّين المشتهر بِنور الدّين زَاده فانه حصل بَينهمَا وَحْشَة عَظِيمَة فانه كَانَ يطعن فِيهِ على الْفِعْل الْمَزْبُور وَيَقُول انه بِدعَة ابتدعها وَلم يسْبق اليها اُحْدُ من الْمَشَايِخ الْعِظَام والافاضل الْكِرَام وَهُوَ يُجيب بِأَن ساحة الكرامات متسعة ورتبة الاولياء مُتَفَاوِتَة وَلَا يضرنا عدم السَّبق فِيهِ وَكَانَ يطعن المرحوم فِيهِ بِسَبَب تردده الى بَاب الْأَغْنِيَاء ودخوله مجَالِس الوزراء والامراء ويحتج من منع فِي الْقَلِيل وَالْكثير ببئس الْفَقِير على بَاب الامير وَهُوَ مُجيب عَن سُؤَاله ويخبر عَمَّا فِي باله بِأَن ذَلِك يتَضَمَّن اصلاح بعض الامور الَّتِي تتكفل مصَالح الْجُمْهُور واعانة الاخ الْمُسلم واغاثة الْمَظْلُوم وانجائه من يَد الظَّالِم وَكَانَ النَّاس فِي امرهما فرْقَتَيْن وَفِي تحقيقهما فئتين فَمنهمْ من يرجح ذَاك على هَذَا ويعد مسلكه احسن المسالك وَمِنْهُم من يعكس الامر فَيقدم هَذَا على ذَلِك عَفا عَنْهُمَا الْملك الْقَادِر فانه اعْلَم بِمَا فِي الضمائر