الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمِنْهُم الْمولى الخطير والسميدع النحرير الْمولى مُحَمَّد بن عبد الوهاب بن عبد الكريم قراهم الله فِي دَار النَّعيم
كَانَ جده الْمولى عبد الكريم قَاضِيا بالعسكر فِي دولة السُّلْطَان مُحَمَّد خَان وَولي ابوه عبد الوهاب الدفتر دارية فِي عهدالسلطان سليم خَان وَنَشَأ رحمه الله غائصا فِي غمار الْعُلُوم ولجج المعارف طَالبا لدرر الْفَضَائِل واللطائف ساعيا فِي اقتناء انواع الْعُلُوم رَاغِبًا فِي اقتناص شوارد الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم واشتغل على الْمولى اسرافيل زَاده وَالْمولى جوي زَاده ثمَّ اشْتغل بُرْهَة من الزَّمَان على المتفي ابي السُّعُود فِي احدى الْمدَارِس الثمان ثمَّ وصل الى مَعْدن الْفضل والكمال ومحط رحال الرِّجَال الْمَخْصُوص فِي عَهده بالافادة الْمولى الشهير بِكَمَال باشا زَاده فتبحر فِي الْعُلُوم وَمهر وَكسر معارضيه وقهر وَغلب على اقرانه وفَاق وطار طَائِر صيته فِي الافاق وَجمع من الْفُنُون الْخِيَار وَشهد بفضله الْكِبَار وسلب الشَّمْس رُتْبَة الاشتهار ثمَّ درس فِي مدرسة صاروجه باشا بقصبة كليبولي بِخَمْسَة وَعشْرين ثمَّ بِالْمَدْرَسَةِ الحجرية بادرنه بِثَلَاثِينَ ثمَّ االمدرسة القلندرية بقسطنطينية باربعين ثمَّ مدرسة سُلَيْمَان باشا بازنيق بِخَمْسِينَ ثمَّ ساعده الزَّمَان فَنقل الى احدى الْمدَارِس الثمان ثمَّ الى مدرسة السُّلْطَان سليم خَان فَلَمَّا قضى مِنْهَا الارب تقلد قَضَاء حلب ثمَّ قَضَاء دمشق الشَّام ثمَّ قَضَاء مصر ذَات الاهرام ثمَّ خانه الدَّهْر ورماه بالتعب فعزل بعد ثَلَاثَة اشهر بِلَا سَبَب فَلم يُثمر ذَلِك المنصب الا النصب ثمَّ استقضي ثَانِيًا بِدِمَشْق المحروسة ثمَّ نقل الى قَضَاء بورسه ثمَّ صَار قَاضِيا بالعسكر الْمَنْصُور فِي ولَايَة اناطولي المعمورة فوفى حُقُوقه بِرَأْيهِ الرصين ودام عَلَيْهِ مُدَّة سِتّ سِنِين ثمَّ عزل لامر يطول بَيَانه وَيُورث الكسل شَرحه وتبيانه وَحَاصِله صِيَانة أَمر دينه الخطير وَمُخَالفَة الْوَزير الْكَبِير وَعين لَهُ كل يَوْم مائَة وَخَمْسُونَ درهما على حسب الْعَادة وان كَانَ خليقا بِالزِّيَادَةِ فَلَمَّا وصل عمر هَذَا الْعرنِين الى حُدُود السِّتين غاله اجله وانصرم عمله فَحزن بِمَوْتِهِ كل شرِيف ووضيع وطفل ضَرِيع وبكاه الْبعيد بكاء الْقَرِيب كانه للنَّاس حميم اَوْ نسيب واشمأز اخلاطر فتمثلت بقول الشَّاعِر
.. اجرى المدامع بِالدَّمِ المهراق
…
خطب اقام قِيَامه الاماق
ان قيل مَاتَ فَلم يمت من ذكره
…
حَيّ على مر اللَّيَالِي بَاقِي
…
وَذَلِكَ فِي السَّابِع وَالْعِشْرين من رَمَضَان من شهور سنة خمس وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَكَانَ الْمولى المرحوم طودا من المعارف والعلوم كاشف معضلات الْعُلُوم الْمَشْهُورَة رَافع استار الْفُنُون المستورة لَهُ فِي الْعَرَبيَّة ايد يقصر عَنْهَا بَاعَ ابي عبيد لَو طلع بغرته الغراء لفر من بَين يَدَيْهِ الْفراء وَلَو رَأَيْت فِي الْفِقْه ابكار افكاره اللطيفة لحكمت بانه مُحَمَّد اَوْ ابو حنيفَة وَالْعجب انه مَعَ ذَلِك الْفضل الباهر والتقدم الظَّاهِر لَيْسَ فِيهِ رَائِحَة عجب وتيه حُلْو الفكاهة طيب المعاشرة ابو المعارف اخو مكاشرة وَكَانَ رحمه الله عالي الهمة عَظِيم الشان يرى احسانه كل قاص ودان يغبطه الْغَيْث على نواله وينسج الْبَحْر على منواله لم تَجِد رَاحَته بِدُونِ الْمَعْرُوف رَاحَة حَيْثُ جبل على الْكَرم والسماحة وَكَأَنَّهُ وجدالخيار لنَفسِهِ فِي خلقه فَمن السخاء تَكُونَا واذا اخذ فِي العذل اقاربه وَمن يصاحبه ويقاربه يلاطفهم فِي الْجَواب ويخاطبهم بِهَذَا الْخطاب
…
اعاذل ان الْجُود لَيْسَ بمهلكي
…
وَلَا يخلد النَّفس الشحيحة لؤمها
وتذكر اخلاق الْفَتى وعظامه
…
مغيبة فِي الارض بَال رميمها
…
ولنكتب من اياديه مِثَالا وتفاصيله اجمالا بَينا هُوَ جَالس فِي مَجْلِسه وقاعد فِي محافل انسه اذ دخل عَلَيْهِ سَائل بدمع سَائل ولباس فقر هائل فسارع نَحوه بالاحترام وقصده بِالْعَطِيَّةِ والانعام فامر باحضار سِتِّينَ درهما فاذا غلط الْخَادِم واتى بِالدَّنَانِيرِ مَكَان الدَّرَاهِم فَمَا استكثره وَمَا استكبره بل استقله واستصغره واعطاه جملَة الدَّنَانِير فكاد السَّائِل من فرحه يطير حَيْثُ وصل فَوق بغيته وَأكْثر من امنيته وَلما جمع الْمولى محيي الدّين المشتهر بسباهي زَاده حَوَاشِيه الَّتِي علقها على حَاشِيَة التَّجْرِيد للشريف الْجِرْجَانِيّ صدرها باسمه وعرضها عَلَيْهِ اعطاه مائَة دِينَار ومدرسة بِثَلَاثِينَ وَقد حسب مَا حصل لَهُ مُدَّة قَضَائِهِ بالعسكر فَبلغ الى سبعين الف دِينَار وَمَات رحمه الله وَعَلِيهِ اربعة آلَاف دِينَار وَبِالْجُمْلَةِ كَانَ رحمه الله للْعُلَمَاء خَاتمًا وللأجواد خَاتمًا وَفِي الْجُود حاتما وَكَانَ فِي طرف عَال من تَعْظِيم
شَعَائِر الله وَكَانَ من عَادَته انه لَا يكْتب شيأ بالقلم الَّذِي يكْتب بِهِ اسْم الله عز وجل وَمن عَادَته انه لَا ينَام وَلَا يضطجع فِي بَيت كتبه تَعْظِيمًا للْعلم الشريف وَقد كتب رَحمَه الله تَعَالَى عدَّة مقالات على منوال مقامات الحريري وَكتب حَاشِيَة على الْبَيْضَاوِيّ من اول الْكتاب الى سروة طه وعلق حَوَاشِي على حَاشِيَة الْمولى جلال الدّين الدواني للتجريد وَكتب اشياء أخر الا انها لم تظهر بعد مَوته وَكَانَ رحمه الله ينظم الابيات بعدة السّنة ولغات فَمن نتائج طبعه الشريف بِلِسَان عَرَبِيّ لطيف هَذَا الْكَلَام الَّذِي سلب المَاء رقته وغصب النَّحْل ريقته
…
ارج الصِّبَا من جَانب العلياء
…
فغدا الْمعَاهد طيب الارجاء
قد جاد بِالْعرْفِ الْجَمِيل على الورى
…
فتبادر الارواح فِي الاحياء
فَكَأَن سلمى ارسلت من مُرْسل
…
وعقيصة من عنبر سَوْدَاء
اَوْ حلت الازرار من ديباجها
…
من حلَّة مسكية فيحاء
اَوْ أشفقت ريح على أهل الجوى
…
تهدى اليهم عرفهَا لشفاء
فِي دَارهم لادار شَرّ حولهَا
…
للعاشقين دَوَاء أَي دَوَاء
لَكِن من يهوى يَمُوت بحسرة
…
وبمحنة وبدمعة حَمْرَاء
هَل من سفير مُعرب فمعبر
…
عَن حَالَة الشَّخْص الضَّعِيف النائي
فمخبر بِلِسَان صدق نَاطِق
…
بصبابتي وبخلتي وولائي
وَبَان لي ارقا طَويلا منذما
…
سامرتها فِي لَيْلَة قَمْرَاء
ايْنَ السرى اهل الْهوى نَحْو الْحمى
…
فِي رمفقة من رفْقَة الْفُقَرَاء
اذ اسرعت معي القلوص بسيرها
…
مندوحة عَن مَوضِع وحداء
هبت هويا لَا يشق غبارها
…
وتلقت الارياح بِالْبَيْدَاءِ
اذ مَا قَضَت عَن دلجة وطرا لَهَا
…
وانختها بالخطة الخضراء
لما نجحت بستر بَاب جِئْته
…
حييتها بسكينة وحياء
من خيفة ردَّتْ بِجَانِب حَاجِب
…
فِي خُفْيَة عَن أعين الرقباء
أَلْقَت حَدِيثا جَوف ليل خافيا
…
عَنْهُم الي باجمل الالقاء
يَا حبذا عمر الْفَتى فِي نيله
…
مَا قد رجا زَمنا بِحسن رَجَاء
…
.. لكنه آن لطيف زائل
…
متسارع فِي نقلة وفناء
كعمود دولاب يمر وينقضي
…
مر السَّحَاب وَشبه جري المَاء
هَيْهَات هَيْهَات النجاح بِمرَّة
…
غير الَّتِي مرت من الاناء
فَوق الْجبَال الراسيات طرائفي
…
وَمَعَ الاسود الضاريات مرائي
وبذ الزَّمَان بدا الامور كَمَا ترى
…
بِالْعَكْسِ فِي الكرماء واللؤماء
وَالنَّاس قد نبذوا وَرَاء ظهروهم
…
غر الْوُجُوه وزمرة السُّعَدَاء
الاخرقون بقبة من عزة
…
وأولو النهى مبنوذة بعراء
اضحى اللبيب غيامه كظلامه
…
لَا يستبين وصبحه كمساء
وشوؤنه شَتَّى بِربع دارس
…
فِي صيفه وربيعه وشتاء
ورمان بالكرة الزَّمَان ورميه
…
لَا فِيهِ زيغ رمية بِسَوَاء
وَبقيت فِي هَذَا الحضيض وشيمتي
…
فِي اوجها تعلو على الجوزاء
بمناط حد من مَكَارِم جمة
…
اورثتها عَن سادة الاساء
متسممون بعهدهم قنن الْعلَا
…
متوسمون بحلية الحنفاء
غُصْن كريم زَاد طُوبَى عرقه
…
من عرقه وأصوله الكرماء
يلقى النُّفُوس معطرا انفاسها
…
ومروحا للروح والسوداء
لَا فِي اعْتِبَار للزمان واهله
…
الا كَمثل البقلة الحمقاء
فالان فِي هَذَا الضئيل تحمل
…
مَالا يُطيق لعدله اكفائي
خطبي عَظِيم صَاحِبي وقيتما
…
من كربَة فِي غربَة صماء
لَا يرتجى تَفْصِيله من قارض
…
اَوْ كَاتب بالشعر والانشاء
مَا كَانَ لي مَعَ سوء حَالي هَذِه
…
بَين الورى سمح من الرُّحَمَاء
لما رَأَوْا مني تحمل شدَّة
…
تبدو ابوا عني اشد اباء
فتقطع الاسباب فِي نيل المنى
…
عَن دابر الا خَفِي نِدَاء
فدعاء فِي ازنيق طَابَ سكينه
…
بمشاهد النجباء وَالشُّهَدَاء
مستجمعا لشروطه بحيالها
…
مستشفعا عَن اكرام الشفعاء
جلى تحيات عَلَيْهِ جَمِيعهَا
…
حَتَّى الْقِيَامَة عدَّة الاشياء
…
.. متضرعا لله جلّ صِفَاته
…
وعلت لَهُ الْحسنى من الاسماء
رَبِّي خَزَائِن كل شَيْء عِنْده
…
آلاؤه جلن عَن الاحصاء
ومراقبا لاجابه من عِنْده
…
سُبْحَانَهُ رَبِّي سميع ندائي
…
وَيَقُول فِي قصيدة ميمية
…
وَكنت من اليجل الْجَمِيل خصالهم
…
اولئك اعلام الْعُلُوم عِظَام
وقدشيد اس الْعلم بَيْتا مُعظما
…
وَجل لَهُ سقف وَعز دعام
رفيع الْبَنَّا فَوق السَّمَوَات منزلا
…
عَزِيز الْحمى عَن ان يكون يرام
وَقد سَاد من بَين الخليقة اهله
…
فهم سادة فِي الْعَالمين فخام
وودعت لذاتي على نيل نبلهم
…
وَقلت على ميل النُّفُوس سَلام
نجحت بحجب النَّفس عَن كل مطمع
…
بسؤلي هَذَا مَا عَليّ ملام
…
وفيهَا يَقُول
…
كفاني كفاف النَّفس مَا انا قَاصد
…
الى دولة فِيهَا الانام خصام
فَهَل هِيَ الا نَحْو طيف لنا عس
…
وَهل هِيَ الا مَا اراه مَنَام
فيا عجبا للمرء يعْقد قلبه
…
على شهوات ضرهن لزام
وَللَّه صعلوك قنوع بحظه
…
مَا مَعَه عِنْد اللئام لؤام
قناعته اغنته عَن كل حَاجَة
…
فَذَاك امير وَالزَّمَان غُلَام
…
وَفِيه يَقُول
…
وشأن الْفَتى لَا يسْتَقرّ بِحَالهِ
…
حوادث دهر مَا لَهُنَّ نظام
فَسَكِرَ وصحو عزة ومذلة سرُور وغم صِحَة وسقام
لَا عوام ملك غَايَة وَنِهَايَة
…
وَأَيَّام عز آخر وَتَمام
وَعمْرَان ارْض عرضة لخرابها
…
ولذات عمرَان علمت سمام
فان كنت مِمَّا قلت فِي شقّ رِيبَة
…
وعندك فِيهِ مرية وخصام
فسرو اعْتبر بالخاويات على الثرى
…
افيها قعُود هَل ترى وَقيام
…
وَله بِالْفَارِسِيَّةِ
…
ايْنَ عاشقي نه ازخوداي بارساخدارا
…
اكنون مكن ملامت درويش بِي نوارا
…