الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمِنْهُم الْمَعْرُوف بدده خَليفَة
كَانَ رحمه الله من نواحي قَصَبَة سونسه من بعض الاتراك وَكَانَ فِي اول الامر من أَصْحَاب البضائع مشتغلا بِبَعْض الصَّنَائِع وعالج صَنْعَة الدباغة سِنِين حَتَّى أناف عمره على عشْرين وَمَا قرا حرفا من الْعُلُوم وَمَا اجْتمع بِوَاحِد من ارباب الفهوم ثمَّ من الله تَعَالَى عَلَيْهِ بأكبر آلائه فَصَارَ من أَعْيَان عصره وعلمائه كَانَ رحمه الله مشتغلا بِعَمَل الدباغة فِي بَلْدَة أماسيه فاتفق انه جَاءَ بهَا مفت من عُلَمَاء ذَلِك الْعَصْر فَاجْتمع فرقة من أَعْيَان الْبَلدة المزبورة لضيافة الْمُفْتِي الْمَزْبُور فَذَهَبُوا بِهِ الى بعض الحدائق وَذهب الْمولى الْمَزْبُور متلطفا لبَعض ارباب الْمجْلس فَلَمَّا باشروا أَمر الطَّعَام طلبُوا من يجمع لَهُم الْحَطب والمرحوم قَائِم على زِيّ الدباغين الجهلة فَقَالَ الْمُفْتِي الْمَزْبُور مُشِيرا الى المرحوم ليذْهب اليه هَذَا الْجَاهِل ففهم مِنْهُ المرحوم ازدراءه لشأنه وَعلم انه لَيْسَ ذَلِك الا من شَائِبَة الْجَهْل وَذهب الى جمع الْحَطب وَفِي نَفسه تأثر عَظِيم من ازدرائه وتحقيره فَلَمَّا بعدعنهم نزل على مَاء هُنَالك وتوضا مِنْهُ وَصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ ضرب وَجهه على الارض وَتوجه بِكَمَال التضرع والابتهال الى جناب حَضْرَة المتعال وَطلب مِنْهُ الْخَلَاص من ربقة الْجَهْل وَالنُّقْصَان واللحوق بمعاشر الْفضل والعرفان متكلا على قَوْله تَعَالَى فَانِي قريب اجيب دَعْوَة الداع اذا دعان ثمَّ قَامَ وَأخذ من الْحَطب مَا يتحمله وَجَاء الى الْمجْلس وَفِي وَجهه جراحات تدمي من شدَّة مسح وَجهه بِالتُّرَابِ فتضاحك الْقَوْم مِنْهُ وظنوا ان ذَلِك من مصادمة الاشجار عندالاحتطاب فَلَمَّا تمّ الْمجْلس قَامَ المرحوم وَقبل يَد المتفي وَقَالَ اريد ترك الصِّنَاعَة وَالدُّخُول فِي طلب الْعلم فَقَالَ الْمُفْتِي ابعد هَذَا تطلب الْعلم وَهُوَ لَا يحصل الا بِجهْد جهيد وعهد مديد وعزم صَادِق وحزم فائق وَلَا بُد من خدمَة الاستاذ اكثر من الْمُعْتَاد وَأَنت لَا تتحمل بِهَذِهِ المشاق وَلَا تحْتَمل ذَلِك الوثاق فتضرع المرحوم وأبرم عَلَيْهِ فِي الْقبُول الى ان قبله الْمُفْتِي لخدمته وَرَضي بتعليمه فَلَمَّا اصبح بَاعَ مَا فِي حانوته وَاشْترى مُصحفا وَذهب الى بَاب الْمُفْتِي وَبَدَأَ فِي الْقِرَاءَة وَقَامَ فِي الْخدمَة الى ان حصل مباني الْعُلُوم وَدخل فِي سلك ارباب الاستعداد وتحرك على الْوَجْه الْمُعْتَاد حَتَّى صَار معيدا لدرس الْمولى سِنَان الدّين المشتهر بالق فِي مدرسة السُّلْطَان مُرَاد بِمَدِينَة بروسه
ثمَّ تولى مدرسة بايزيد باشا فِي الْبَلدة المزبورة بِعشْرين ثمَّ مدرسة اغا الْكَبِير باماسيه بِخَمْسَة وَعشْرين ثمَّ مدرسة القَاضِي بتره بِثَلَاثِينَ ثمَّ مدرسة السُّلْطَان مُحَمَّد بمرزيفون باربعين ثمَّ مدرسة امير الامراء خسرو بِمَدِينَة آمد بِخَمْسِينَ ثمَّ مدرسة خسرو باشا بِمَدِينَة حلب وَهُوَ اول مدرس بهَا وفوض اليه الْفَتْوَى بِهَذِهِ الديار ثمَّ نقل الى مدرسة سُلَيْمَان باشا بقصبة ازنيق ثمَّ نصب مفتيا بديار كعة وَعين لَهُ كل يَوْم سَبْعُونَ درهما ثمَّ تقاعد عَن المنصب وَعين لَهُ كل يَوْم سِتُّونَ درهما وَتُوفِّي رحمه الله سنة ثَلَاث وَسبعين وَتِسْعمِائَة كَانَ رحمه الله عَالما فَاضلا مُجْتَهدا فِي اقتناء الْعُلُوم وَجمع المعارف آيَة فِي الْحِفْظ والاحاطة لَهُ الْيَد الطُّولى فِي الْفِقْه وَالتَّفْسِير وَكتب رَحمَه الله تَعَالَى حَاشِيَة على شرح التَّفْتَازَانِيّ فِي الصّرْف وَبسط الْكَلَام وَبَالغ فِي جمع الْفَوَائِد والمهمات وَله منظومة فِي علم الْفِقْه وعدة رسائل من فنون عديدة رحمه الله
هَذَا آخر مَا وَقع من وفياتهم فِي دولة المرحوم السُّلْطَان سُلَيْمَان بن سليم خَان عَاشر سلاطين آل عمثان فاتح ديار فَارس بغذاد قالع قلاع انكروس وبغدان بلغراد قامع آثَار الْكَفَرَة والملحدين معفر جباه عتاة الْمُشْركين صَاحب الوقائع الْمَشْهُورَة والمناقب الْمَذْكُورَة ملك ملك الافاق بسطوته وتطاطا سراة الْعَالمين عِنْد سرادقات عزته هُوَ الَّذِي هرب ملك الشرق من بَين يَدَيْهِ فدربا فربا ودانت لهيبته الْمُلُوك شرقا وغربا فياله من ملك مُجَاهِد تنَاول الْكَوَاكِب وَهُوَ قَاعد اصبح الْبَحْر من صارمه الصمصام فِي اضْطِرَاب وتحصن المريخ من سَهْمه فِي بروج السَّبع القباب لَو قصد الى كيوان فِي حصنه لَا نزل وَلَو حمل بقناته على السماك الرامح لتَركه رجلا اعزل وَكَانَ رحمه الله ملكا ممدوحا ومحمودا مقداما مظفرا مسعودا وَقع مِنْهُ عداة الدّين فِي الْعَذَاب الاليم وَبلغ ملكه الى السَّبع الاقاليم وَقد مَاتَ رحمه الله وَهُوَ محاصر لقلعة سكتوار الَّتِي لم ير مثلهَا فِي حصانتها عين الْفلك الدوار تباهي فِي رفْعَة سورها السَّمَاء وتناطح بروجها الْحمل وتصافح الجوزاء وبأخرة كَانَت
همته الْعلية السُّلْطَانِيَّة سَببا لالتحاقها بالممالك العثمانية وَقَالَ بعض من اعتنى بتواريخ ايامه وَضبط آثاره واحكامه انه فتح فِي أَيَّامه ثلثمائه وَسِتُّونَ حصنا مَا بَين صَغِير وكبير وَلَا ينبئك مثل خَبِير وَقد انْتقل رحمه الله فِي الْيَوْم الثَّانِي وَالْعِشْرين من صفر سنة ارْبَعْ وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَلما اتي بجنازته الى قسطنطينية اسْتَقْبلهَا جَمِيع من فِي الْبَلَد بِكَمَال الهموم واالأحزان وصلوا عَلَيْهِ عِنْد جَامِعَة الملعروف ودعوا لَهُ بالمغفرة والرضوان ودفنوه قبالة الْجَامِع الْمَزْبُور فسبحان الدَّائِم الْبَاقِي على مر الاعصار والدهور وَكَانَ محبا للْعلم مُعظما لاهله غَايَة الاعظام ومهتما فِي اجراء الشَّرْع الْمُسلمين بمزيد الاهتمام وَقد تيَسّر لَهُ من الْخيرَات الْعِظَام والمبرات الجسام مَا لَو تفرد باحداها ملك من الْمُلُوك لكفته يَوْم مفتخره مِنْهَا الْجَامِع الَّذِي بناه بقسطنطينية وَهُوَ الَّذِي لم تَرَ مثله عين الزَّمَان وَلم يبن مثله الى هَذَا الان لايدانيه الخورنق وَلَا الْحصن الابلق وَبنى بجواره عدَّة مدارس يدارس بهَا انواع الْعُلُوم وأرباب الحجا والفهوم مِمَّا يبتهج بِهِ اولو النهى والبرهان من عُلُوم الاديان والابدان وَبنى بهَا عمَارَة ملئت بنفائس الْقرى للواردين من الامصار والقرى سوى مَا يصرف لستمائة نفس من طلبة الْعلم الشريف وَسَائِر المحاويج من الْقوي والضعيف وَبنى بهَا ايضا مارستانا لمداواة المرضى وتربية المجانين بانواع الاشربة والاطعمة والمعاجين وَمِنْهَا الجسر الْعَظِيم الَّذِي بناه على مرحلة من قسطنطينية وَذَلِكَ احدى غرائب الدُّنْيَا فِي الطول وَالْعرض وَقُوَّة الْبناء وَمِنْهَا النَّهر الْعَظِيم اتى بِهِ الى قسطنطينية وَقسم على محلاتها اقساما تنيف على مائَة واستخدم فِيهِ خلقا عَظِيما وبذل مَالا جسيما وَبنى لَهُ فِي طَرِيقه ابنية عَجِيبَة وطاقات غَرِيبَة الَّتِي يَقُول فِي بعض اوصافها وَبَيَان تاريخها الْمُفْتِي ابو السُّعُود وقدتقرب الى رب العظمة والجلال بانشاء الصنع البديع الْمِثَال الرفيع الدعائم الشامخ الْعِمَاد والمنيع القوائم الراسخ الاوتاد الَّذِي ساقاته كالمجرة فِي المنوال وطاقاته لقوس قزَح مِثَال واجراء مَا فِيهِ من العذب الْفُرَات الَّذِي لم تره الْعُيُون وَلَو يروه الروَاة يروي العطاش وَيحيى الْموَات كَأَنَّهُ جدول تشعب من مَاء الْحَيَاة على اهل دَار السلطنة السّنيَّة قسطنطينية المحمية وعَلى من يردهَا من اقطار الْبِلَاد من كل حَاضر وباد
السُّلْطَان الاسعدالاعظم والخاقان الا مجد الافخم مَالك الامامة الْعُظْمَى وَالسُّلْطَان الباهر وَارِث الْخلَافَة الْكُبْرَى كَابِرًا عَن كَابر مسخر الاقاليم بحرا وَبرا معمر الممالك احسانا وَبرا فاتح بلادالمشارق والمغارب بنصر الله الْعَزِيز وجنده الْغَالِب السُّلْطَان ابْن السُّلْطَان السُّلْطَان سُلَيْمَان بن سليم خَان وَقد اتّفق الاتمام فِي غرَّة ذِي الْقعدَة الْحَرَام سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَتِسْعمِائَة
وَكَانَ رحمه الله ذَا حَظّ من المعارف والنوادر وَله معرفَة تَامَّة بالتواريخ من الاوائل والاواخر وَكَانَ ينظم الشّعْر بالتركي الْفَارِسِي وَله ديوَان شعر بالتركي مَشْهُور وَله ديوَان شعر بِالْفَارِسِيَّةِ اكثره جيد يستعذبه الطَّبْع السَّلِيم والذهن الْمُسْتَقيم وَله بِالْفَارِسِيَّةِ (شعر
…
طراوت سمنت درقمرنمي يابم
…
حلاوت دهنت درشكرنمي يابم
مراوحسن مَه وتوترا بِمهْر ووفا
…
نزاكتيست كه آن درسكرنمييابم
شبي حكايت زلفت شنيدو بيخودشد
…
هنوزازدل مِسْكين خبر نمي يابم
مكوكه صبركن ازكريه جون مرابيني
…
جه جاي صبركه ازخوداثرث مي يابم
بِلَا وفتته يسي دبدم ازبتان جومه
…
ولي جوجشم تويك فتته كرنمي يابم
…
وَله
…
دلها كه اسير زلفيارند
…
درسلسله جُنُون نكارند
ارباب خردبمرزع دلّ
…
جرتخم محبتت نكارند
بخرام بنازسوي بُسْتَان
…
عشاق حَزِين درانتظارند
ازسيمتان وفامجوييد
…
.. خوش آنكه يرى وشان مهروي
…
مقصوددل ترابرآرند
…
(شعر 9
…
أَي ازانتظاره توخجل آفتاب صبح
…
لعلت بخنده نمكين برده آب صبح
تابان زجيب ييرهنت سينه جوسيم
…
جون روشني روزسييدازنقاب صبح
دلرا فرَاغ ميدهدوديدرا فروغ
…
ديدار افتاب وشان وشراب صبح
بُسْتَان مي صبوح محبت يُقَال سعد
…
ايْنَ دم كه آفتاب كشايد كتاب صبح
…
(
وَلما انْتقل الى رَحْمَة الله رثاه شعراء زَمَانه بالتركي والفارسي ورثاه علما اوانه بالقصائد الْعَرَبيَّة مِنْهَا مَا قَالَ الْمُفْتِي ابو السُّعُود وَهِي قصيدة طَوِيلَة فِي غَايَة اللطافة وَقد ذكرت نبذا مِنْهَا
…
اصوت صَاعِقَة ام نفخة الصُّور
…
فالارض قد دهيت من نقر ناقور
اصاب مِنْهَا الورى دهياء داهية
…
وذاق مِنْهَا البرايا صعقة الطّور
تصدعت قلل الأطواد وارتعدت
…
كانها قلب مرعوب ومذعور
واغبر نَاصِيَة الخضراء وانكدرت
…
وَكَاد تمتلى الغبراء بالمور
مَا جَاءَ من عَسْكَر الاسلام من نبا
…
قد صير النَّاس جُمْهُور الجماهير
فَمن كئيب وملهوف وَمن دنف
…
عان سلسلة الاحزان مأسور
فياله من حَدِيث موحش نكر
…
يعافه السّمع مَكْرُوه ومنفور
تاهت عقول الورى من هول وحشته
…
فاصبحوا مثل مَجْنُون ومسحور
دموعهم وَقد انهلت منابعها
…
كانها عين طوفان وتنور
اجفانهم سفن مشحونة بِدَم
…
تجْرِي ببحر من العبرات مسجور
اتى بِوَجْه نَهَار لَا ضِيَاء لَهُ
…
كَأَنَّهُ غَارة شنت بديجور
ام ذَاك نعي سلميان الزَّمَان وَمن
…
مَضَت اوامره فِي كل مَأْمُور
مدَار سلطنة الدُّنْيَا ومركزها
…
خَليفَة الله فِي الافاق مَذْكُور
معلي معالم دين الله مظهرها
…
فِي الْعَالمين بسعي مِنْهُ مشكور
بلهذمي الى الاعداء منعطف
…
ومشرفي على الْكفَّار مَشْهُور
.. لَهُ وقائع فِي الاكناق شائعة
…
اخبارها زبرت فِي كل طامور
يَا عين لَا تبرحي تبكين بعد وَلَا
…
تفارقي الدَّهْر من دمع وساهور
واهرقيه على الْخَدين هامعة
…
من الجفون الهوامي مثل عصمور
لَا تطرفي طرفَة نَحْو الدنا ابدا
…
لَا تنظري نظرة تِلْقَاء مَنْظُور
يَا نفس مَالك فِي الدُّنْيَا مخلفة
…
من بعد رحلته من هَذِه الدّور
وَكَيف تمشين فَوق الارض غافلة
…
الْيَسْ جثمانه فِيهَا بمقبور
اتحسبين حَلَالا بعد ذَلِك ان
…
تستأخري سَاعَة فِي عَالم الزُّور
دَار الْبَوَار مدَار الشَّرّ معدنه
…
كلا فبوري على آثاره بوري
حق على كل لِسَان ان تَمُوت اسى
…
لَكِن ذَلِك امْر غير مَقْدُور
فللمنايا مَوَاقِيت مقدرَة
…
تَأتي على قدر من اللَّوْح مسطور
…
وَمِنْهَا فِي مدح ابيه السُّلْطَان سليم خَان
…
سميدع مَا جد زَادَت مهابته
…
تَحت الْخلَافَة فِي عز وتنوير
جد الجديدان فِي أَيَّام دولته
…
صَارا كانهما مسك بكافور
بدا بطلعته وَالنَّاس فِي كرب
…
وَسُوء حَال من الاهوال منكور
كانما هُوَ بدر كَانَ محتجبا
…
ثمَّ انجلى وبدا من تَحت تاهور
فَأَصْبَحت صفحات الارض مشرقة
…
وَعَاد اكنافها نورا على نور
سُبْحَانَ من ملك جلت مفاجره
…
عَن الْبَيَان بمنظوم ومنثور
كَأَنَّهَا ويراع الواصفين لَهَا
…
بَحر مقيس الى منقار عُصْفُور
…
وَقَالَ الْمولى عَليّ الشهير بام الْوَلَد زَاده رحمه الله
…
مضى ملك الدُّنْيَا وَلم يبْق مشرق
…
وَلَا مغرب الا لَهُ فِيهِ نائح
وَلم يغن عَنهُ مَاله وَرِجَاله
…
من الْمَوْت شيأ والخيول والسوابح
وَمَا انا من رزء وان جلّ فاجع
…
وَلَا بحبور بعدموتك فارح
وَقل للمنايا قد ظَفرت سميدعا
…
براجمه للمشرقين مفاتح
وَقل للعطايا بعد ذَاك تعطلي
…
فان ولي الْجُود والطول طائح
امام الْهدى بَحر الندى قامع العدا
…
سُلَيْمَان من بِالْفَضْلِ للنَّاس سامح
…
.. لقد دفن الْمجد الرفيع بدفنه
…
وَعز منيع والخلال الصوالح
وجد لرايات السِّيَادَة ناصب
…
وجد لايات السَّعَادَة وَاضح
وَقد بَكت الاقلام اذ فاض بالاسى
…
عَلَيْهِ كَمَا رنت عَلَيْهِ الصفائح
ذَر الْمَوْت يفني من اراد فانه
…
ثوى الْيَوْم من يخْشَى عَلَيْهِ الفوادح
لحا الله دُنْيَانَا وخطب صروفها
…
فَلم ير من اهوالها قطّ ناجح
اذا اعجلت سَهْما من الْعَيْش نَاعِمًا
…
فَمن خَلفه سهم من الْبُؤْس فادح
سلاف قصاراها زعاف ومركب
…
شهي اذا استلذذته فَهُوَ جامح
وَقد جاد مَا قد قيل فِي وصف حظها
…
وَمَا هُوَ وصف ان تدبرت صَالح
رويدك يَا من غره طيف عزها
…
فعما قَلِيل عَنْك ذَلِك نازح
وَمَا هُوَ الا كالشهاب وضوئِهِ
…
يَزُول بآن بَعْدَمَا هُوَ لائح
وأودى وَلَكِن طيب ذكرَاهُ خَالِد
…
الى الْحَشْر يبْقى وَهُوَ كالمسك فائح
الا ايها الْملك السعيد المكرم
…
عَلَيْك سَلام الله ماحن صادح
…
وَقَالَ المخدوم مُحَمَّد ابْن الْمولى بُسْتَان فِي قصيدة طَوِيلَة
…
نسيم الصِّبَا رقت باشجان فرقة
…
حمامة ذَات السدر جنت من الذعر
احامي حمى الاسلام اودى وَهل لَهُ
…
نعيت لدين انت مَالك من عذر
ازالت من الدُّنْيَا مراسم بهجة
…
وآلت مسرات الزَّمَان الى الضّر
دموعي جودي فِي رزية عَادل
…
عديل ابْن خطاب مثيل ابي بكر
لقد ذاق من كاس الْحمام امامنا
…
امام الْهدى بَحر الندى طيب الْبشر
انام انام الْعَهْد فِي مهد عدله
…
فراح الى دوح على سندس خضر
تفضلت الايام بِالْجمعِ بَيْننَا
…
فَفرق من أجل الْقُصُور عَن الشُّكْر
كَذَلِك دهر الدَّهْر بؤس ونعمة
…
وناهيك تِلْكَ الْحَال فِي الْوَعْظ وَالذكر
فواحسرتا ان أنزل الدَّهْر مثله
…
من الْقصر فِي قَعْر الجنادل والصخر
فَمَا اخضر بالمروين بعْدك عوده
…
وَمَا غردت وَرْقَاء فِي الرَّوْض ذِي النُّور
وَمَا قلبت ايدي الفوارس بعده
…
رماحا لَدَى الهيجاء ذِي الْكر والفر
سقى الله قبرا من سحائب نعمه
…
تضمن بحرا فِي الندى صافي الْبر
…
الا ايها الْملك الشَّهِيد الْمُجَاهِد حَلِيمًا كَرِيمًا قد مضى طيب الذّكر
…
عَلَيْك من الرَّحْمَن فضل وَرَحْمَة
…
وروح وَرَيْحَان مدى الدَّهْر وَالْعصر
كَمَا انت فِي الاولى بعز ونعمة
…
كَذَلِك فِي الاخرى وَفِي الْحَشْر والنشر
…
ذكر مَا وَقع من وفياتهم فِي عهد السُّلْطَان سليم خَان الثَّانِي ابْن السُّلْطَان سُلَيْمَان
وَمن مَشَايِخ الطَّرِيقَة وَرِجَال الْحَقِيقَة الشَّيْخ محيي الدّين المشتهر بِحَكِيم جلبي
ولد رحمه الله بقصبة ازنكميد وَنَشَأ طَالبا للفضائل ومجتنبا عَن الرذائل فَخَاضَ الغمار واقتحم الاخطار وَقضى من الْعُلُوم الاوطار وَبينا هُوَ يسيح فِي عَالم فسيح عَارِيا عَن الرباق وسائحا فِي عَالم الاطلاق اذهبت الرِّيَاح من رياض الْحَقِيقَة واومضت البروق من اراضي الطَّرِيقَة وتنفس النسيم من ربع الحبيب فاشعل نيران الْمحبَّة فهاج كل قلب كئيب وَقَالَ كل يَعْقُوب متلهف اني لاجد ريح يُوسُف واخذ الصِّبَا فِي الهبوب وَذكر صباحة المحبوب وَشرع فِي وصف ليلى بِمَا هُوَ الذ واحلى فَمَلَأ الافاق صياح العشاق فَلَمَّا قرع هَذَا الهديل سَمعه اشرق عَلَيْهِ من نور الْمحبَّة لمعه وهجم عَلَيْهِ الشوق والغرام وَغلب الوجد والهيام وَاسْتولى عَلَيْهِ سُلْطَان الْهوى وأغار جنود الْعِشْق والجوى فَقَامَ بِالْقَلْبِ العليل الى طلب المرشد وَالدَّلِيل فساقته عناية الْبَارِي الى خدمَة الشَّيْخ احْمَد البُخَارِيّ فَوجدَ النَّجْم الْهَادِي فِي الغيهب المتمادي وَالطَّرِيق الاسهل فِي بيداء مجهل فَقبل يَده وتشبث بذيله وَأخذ فِي الِاجْتِهَاد بيومه وليله وَدخل بِحسن الارادة فِي ربقة التَّسْلِيم وَالْعِبَادَة وتبتل الى الله فِي سره واعلانه وجد واجتهد وتميز عَن أقرانه بيناهو فِي السَّعْي والمجاهدة اذ ابْتُلِيَ بالامراض الهائلة فَحصل من علم الطِّبّ الطّرف الْعَظِيم حَتَّى اشْتهر باسم الْحَكِيم وانتفع النَّاس بطبابته كَمَا انتفعوا فِي طَرِيق الْحق بحذاقته وَتُوفِّي رحمه الله سنة ارْبَعْ وَسبعين وَسَبْعمائة وَدفن بحظيرة الشَّيْخ ابْن الْوَفَاء بِقرب الشَّيْخ عَليّ السَّابِق ذكره
كَانَ المرحوم من اجلة مَشَايِخ الرّوم صَاحب الكرامات الْعلية والمقامات