المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب تشميت العاطس وحكم التثاؤب - الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية - جـ ٦

[ابن علان]

فهرس الكتاب

- ‌باب تشميت العاطس وحكم التثاؤب

- ‌فصل: فيما إذا عطس يهودي

- ‌باب المدح

- ‌فائدة

- ‌باب مدح الإنسان نفسه وذكر محاسنه

- ‌باب في مسائل تتعلق بما تقدم

- ‌كتاب أذكار النكاح وما يتعلق به

- ‌باب ما يقوله من جاء يخطب امرأة من أهلها لنفسه أو لغيره

- ‌باب عرض الرجل بنته وغيرها ممن إليه تزويجها على أهل الفضل والخير ليتزوجوها

- ‌باب ما يقوله عند عقد النكاح

- ‌باب ما يقال للزوج بعد عقد النكاح

- ‌فصل "يكره أن يقال للمتزوج بالرفاء والبنين لما قدمناه في كتاب النكاح" اه

- ‌باب ما يقول الزوج إذا دخلت عليه امرأته ليلة الزفاف

- ‌باب ما يقال للرجل بعد دخول أهله عليه

- ‌باب ما يقوله عند الجماع

- ‌باب ملاعبة الرجل امرأته وممازحته لها ولطف عبارته معها

- ‌باب بيان أدب الزوج مع أصهاره في الكلام

- ‌باب ما يقال عند الولادة وتألم المرأة بذلك

- ‌باب الأذان في أذن المولود

- ‌باب الدعاء عند تحنيك الطفل

- ‌كتاب الأسماء

- ‌باب تسمية المولود

- ‌باب تسمية السقط

- ‌باب استحباب تحسين الاسم

- ‌باب بيان أحبِّ الأسماء إلى الله عز وجل

- ‌تتمة

- ‌باب استحباب التهنئة وجواب المهنَّأ

- ‌باب النهي عن التسمية بالأسماء المكروهة

- ‌باب ذكر الإنسان من يتبعه من ولد أو غلام أو متعلم أو نحوهم باسم قبيح ليؤدِّبه ويزجره عن القبيح ويروِّض نفسه

- ‌باب نداء من لا يعرف اسمه

- ‌باب نهي الولد والمتعلم والتلميذ أن ينادي أباه ومعلمه وشيخه باسمه

- ‌باب استحباب تغيير الاسم إلي أحسن منه

- ‌باب جواز ترخيم الاسم إذا لم يتأذَّ بذلك صاحبه

- ‌باب النهي عن الألقاب التي يكرهها صاحبها

- ‌باب جواز استحباب اللقب الذي يحبه صاحبه

- ‌باب جواز الكنى واستحباب مخاطبة أهل الفضل بها

- ‌باب كنية الرجل بأكبر أولاده

- ‌باب كنية الرجل الذي له أولاد بغير أولاده

- ‌باب كنية من لم يولد له وكنية الصغير

- ‌باب النهي عن التكني بأبي القاسم

- ‌باب جواز تكنية الكافر والمبتدع والفاسق إذا كان لا يعرف إلا بها أو خيف من ذكره باسمه فنتة

- ‌باب جواز تكنية الرجل بأبي فلانة وأبي فلان والمرأة بأم فلان وأم فلانة

- ‌كتاب الأذكار المتفرقة

- ‌باب استحباب حمد الله تعالى والثناء عليه عند البشارة بما يسرّه

- ‌باب ما يقول إذا سمع صياح الديك ونهيق الحمار ونباح الكلب

- ‌باب ما يقوله إذا رأى الحريق

- ‌باب ما يقوله عند القيام من المجلس

- ‌باب دعاء الجالس في جمع لنفسه ومن معه

- ‌باب كراهة القيام من المجلس قبل أن يذكر الله تعالى

- ‌باب الذكر في الطريق

- ‌باب ما يقول إذا غضب

- ‌باب استحباب إعلام الرجل من يحبه أنه يحبه وما يقوله له إذا أعلمه

- ‌باب ما يقول إذا رأى مُبتلى بمرضٍ أو غيره

- ‌باب استحباب حمد الله تعالى للمسؤول عن حاله وحال محبوبه مع جوابه إذا كان في جوابه إخبار بطيب حاله

- ‌باب ما يقول إذا دخل السوق

- ‌باب استحباب قول الإنسان لمن تزوَّج تزوجاً مستحباً، أو اشترى أو فعل فعلاً يستحسنه الشرع: أصبت أو أحسنت ونحوه

- ‌باب ما يقول إذا نظر في المرآة

- ‌باب ما يقول عند الحجامة

- ‌باب ما يقول إذا طنَّت أذنه

- ‌باب ما يقوله إذا خدرت رجله

- ‌باب جوازه دعاء الإنسان على من ظلم المسلمين أو ظلمه وحده

- ‌باب التبرِّي من أهل البدع والمعاصي

- ‌باب ما يقوله إذا شرع في إزالة منكر

- ‌باب ما يقول من كان في لسانه فحش

- ‌باب ما يقوله إذا عثرت دابته

- ‌باب بيان أنه يستحبُّ لكبير البلد إذا مات الوالي أن يخطب النَّاس ويعظهم ويأمرهم بالصبر والثبات على ما كانوا عليه

- ‌باب دعاء الإنسان لمن صنع معروفاً إليه أو إلى النَّاس كلهم أو بعضهم، والثناء عليه وتحريضه على ذلك

- ‌باب استحباب مكافأة المهدي بالدعاء للمهدى له إذا دعا له عند الهدية

- ‌باب استحباب اعتذار من أهديت إليه هدية فردَّها لمعنى شرعي بأن يكون قاضياً أو والياً أو كان فيها شبهة أو كان له عذر غير ذلك

- ‌باب ما يقول لمن أزال عنه أذى

- ‌باب ما يقول إذا رأى الباكورة من الثمر

- ‌باب استحباب الاقتصاد في الموعظة والعلم

- ‌باب فضل الدلالة على الخير والحث عليها

- ‌باب حثّ من سُئل علماً لا يعلمه ويعلم أن غيره يعرفه على أن يدله عليه

- ‌باب ما يقول من دُعي إلى حكم الله تعالى

- ‌باب الإعراض عن الجاهلين

- ‌باب وعظ الإنسان من هو أجلّ منه

- ‌باب الأمر بالوفاء بالعهد والوعد

- ‌باب استحباب دعاء الإنسان لمن عرض عليه ماله أو غيره

- ‌باب ما يقوله المسلم للذمي إذا فعل به معروفاً

- ‌باب ما يقوله إذا رأى من نفسه أو ولده أو ماله أو غير ذلك شيئاً فأعجبه وخاف أن يصيبه بعينه أو يتضرَّر بذلك

- ‌باب ما يقول إذا رأى ما يحبُّ وما يكره

- ‌باب ما يقول إذا نظر إلى السماء

- ‌باب ما يقول إذا تطيَّر بشيء

- ‌باب ما يقول عند دخول الحمام

- ‌باب ما يقول إذا اشترى غلاماً أو جارية أو دابة، وما يقوله إذا قضى دَيناً

- ‌باب ما يقول من لا يثبت على الخيل ويدعى له به

- ‌باب نهي العالِمِ وغيره أن يحدّث النَّاس بما لا يفهمونه، أو يخاف عليهم من تحريف معناه وحمله على خلاف المراد

- ‌باب استنصات العالم والواعظ حاضري مجلسه ليتوفروا على استماعه

- ‌باب ما يقوله الرجل المقتدى به إذا فعل شيئاً في ظاهره مخالفة للصواب مع أنه صواب

- ‌باب ما يقوله التابع للمتبوع إذا فعل ذلك أو نحوه

- ‌باب الحث على المشاورة

- ‌باب الحثِّ على طيب الكلام

- ‌باب استحباب بيان الكلام وإيضاحه للمخاطب

- ‌باب المزاح

- ‌باب الشفاعة

- ‌باب استحباب التبشير والتهنئة

- ‌باب جواز التعجب بلفظ التسبيح والتهليل ونحوهما

- ‌باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌كتاب حفظ اللسان

- ‌باب تحريم الغيبة والنميمة

- ‌باب بيان مهمات تتعلق بحدِّ الغيبة

- ‌باب بيان ما يدفع به الغيبة عن نفسه

الفصل: ‌باب تشميت العاطس وحكم التثاؤب

بسم الله الرحمن الرحيم

‌باب تشميت العاطس وحكم التثاؤب

ــ

باب تشميت العاطس وحكم التثاؤب

تشميت العاطس أن يقال له يرحمك الله ويقال بالسين المهملة وبالمعجمة لغتان مشهورتان قال الأزهري: قال الليث: التشميت ذكر الله تعالى على كل شيء ومنه قولك للعاطس يرحمك الله وقال ثعلب: سمت العاطس وشمته إذا دعوت له بالهدي وقصد السمت المستقيم قال: والأصل فيه السين المهملة فقلبت شيناً معجمة قال صاحب المحكم: تسميت العاطس معناه هداك الله إلى السمت قال: وذلك لما في العاطس من الانزعاج والقلق قال أبو عبيد وغيره: الشين المعجمة أعلى اللغتين قال ابن الأنباري: يقال منه سمته وشمت عليه إذا دعوت له بخير وكل داع بالخير فهو مسمت ومشمت قاله المصنف في شرح مسلم وقال القاضي عياض أصل التشميت أي بالمعجمة الشماتة فاستعمل للدعاء بالخير لتضمنه ذلك اهـ. وفي شرح المشكاة لابن حجر التشميت بالمهملة والمعجمة أي الدعاء بالخير والبركة من السمت أو الشوامت وهي القوائم كأنه دعاء للعاطس بحسن السمت والهدى أو بالثبات على الطاعة وقيل معناه ابعدك الله عن الشماتة اهـ. أي لا جعلك الله في حال يشمت بها أو أنه إذا حمد الله أدخل على الشيطان ما يسوءه فقد شمت هو بالشيطان قال ابن العربي: تكلم أهل اللغة على اشتقاق اللفظين ولم يبينوا المعنى فيه وذلك بديع وذلك أن العاطس ينحل عن عضوه من رأسه وما يتصل به من العنق ونحوه فكأنه إذا قيل له: رحمك الله كان معناه أعطاك رحمة يرجع بها بدنك إلى حاله قبل العطاس ويقيم على حاله من غير تغير فإن كان بالمهملة فمعناه رجع كل

ص: 2

روينا في "صحيح البخاري" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم

ــ

عضو إلى سمته الذي كان عليه وإن كان بالمعجمة فمعناه صان الله شوامته أي قوائمه أي التي بها قوام بدنه عن خروجها عن الاعتدال وشوامت كل إنسان قوائمه وصدره اهـ. نقله السيوطي في مرقاة الصعود والتثاؤب بالفوقية والمثلثة أي وبالهمز بعد الألف قال في المغرب الهمزة بعد الألف هو الصواب والواو غلط اهـ. وكذا ذكره شارح للمصابيح ولم يذكر في القاموس تثاءب إلا في المهموز وقال المصنف في شرح مسلم وقع في بعض النسخ تثاءب بالمد وفي أكثرها تثاوب بالواو قال القاضي عياض قال ثابت ولا يقال تثاءب بالمد مخففاً بل تثأب بتشديد الهمزة قال ابن دريد أصله من تثأب الرجل بالتشديد إذا استرخى وكسل وقال الجوهري يقال تثاءبت بالمد مخففاً على تفاعلت ولا يقال تثاوبت والاسم منه الثوباء ممدودة اهـ. وفي فصل الثاء المثلثة مع الواو من المصباح المنير تثاءب بالهمز تثاؤبا وزان تقاتل قيل هي فترة تعتري الشخص فيفتح عندها فمه وتثاوب بالواو عامي اهـ. وقال الكرماني التثاؤب بالهمز على الأصح وقيل بالواو بوزن التفعل النفس الذي ينتفخ منه الفم من الامتلاء وثقل النفس وكدورة الحواس ويورث الغفلة والنسيان ولذا ورد ما تثاءب نبي قط ولذا أحبه الشيطان

اهـ. وهذا الحديث أخرجه ابن أبي شيبة والبخاري في تاريخه من مرسل يزيد بن الأصم قال: ما تثاءب النبي صلى الله عليه وسلم وأخرج الخطابي من طريق مسلمة بن عبد الملك بن مروان قال: ما تثاءب نبي قط ومسلمة أدرك بعض الصحابة وهو صدوق كذا في مرقاة الصعود وفي النهاية التثاؤب مصدر تثاءب والاسم الثوباء اهـ. قوله: (روينا في صحيح البخاري الخ) في الجامع الصغير حديث أن الله تعالى يحب العطاس ويكره التثاؤب رواه البخاري وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة وفي الجامع أيضاً حديث إذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا قال ها ضحك منه الشيطان رواه البخاري عن أنس وفي رواية لأحمد والشيخين وأبي داود عن أبي سعيد بلفظ إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه فإن الشيطان يدخل مع التثاؤب وفي رواية لابن ماجه عن أبي هريرة إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه لا يعوي فإن الشيطان يضحك منه وفي رواية للبيهقي عن عبادة بن الصامت وغيره إذا تجشى أحدكم أو عطس فلا يرفع بهما الصوت فإن الشيطان يحب أن يرفع بهما الصوت

ص: 3

قال: "إنّ الله تعالى يُحِبُّ العُطَاسَ، وَيكْرَهُ التَّثاوبَ، فإذا عَطَسَ أحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللهَ تعالى، كان حَقّاً على كُل مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أنْ يَقُولَ لهُ: يَرْحَمُكَ الله.

ــ

وفي رواية للحاكم والبيهقي عن أبي هريرة إذا عطس أحدكم فليضع كفيه على وجهه وليخفض صوته اهـ. قوله: (يحب العطاس) بضم العين مصدر عطس كنصر ينصر وضرب يضرب وفي المصباح عطس عطساً من باب ضرب وفي لغة من باب قتل اهـ. وفي بعض نسخ الحصن أنه من باب علم وفي الحرز أنه تحريف الكتاب ومحبة العطاس لأنه سبب خفة الدماغ وصفاء القوى الإدراكية فيحمل صاحبه على الطاعة. قوله: (ويكره التثاؤب) وكراهته لأنه يمنع صاحبه من النشاط في الطاعة وفيه الغفلة ولذا يفرح به الشيطان أي يكره ما يدعو إلى التثاؤب فإنه إنما يتولد من كثرة الأكل والشرب وفي ذلك استرخاء للبدن والتكسل عن الطاعة وإلا فكلا الأمرين العطاس والتثاؤب ليسا في قدرة الإنسان ولكن لما كان الأول ينشأ حيث لا عارض من نحو زكام عن خفة الجسم لقلة الاختلاط وخفة الغذاء وهو مما يندب إليه كان محبوباً ولما كان الثاني ينشأ عن ضده كان مكروهاً وهذا حاصل قول المصنف الآتي قال العلماء معناه أن العطاس سببه محمود والتثاؤب بضده. قوله: (كان حقاً على كل مسلم سمعه الخ) المراد من الحق فيه الندب المتأكد لا الوجوب كحديث غسل الجمعة حق على كل محتلم أي متأكد والصارف له عن الوجوب الذي قيل به أخذا بظاهر الخبر وما في معناه ما قام عنده مما يعارضه وقيل إنه فرض عين وقيل فرض كفاية ولا يخالف قوله في الخبر على كل مسلم ما قرروه من أن التشميت سنة كفاية لأن المخاطب بسنة الكفاية كفرضها الجميع ويسقط الطلب بفعل البعض ثم لما كان العطاس محموداً لما ذكرنا طلب الحمد على التوفيق لسببه فإذا أتى به العاطس طلب لمن سمعه أن يقول: يرحمك الله فإن كان السامع واحداً كان سنة عين وإلا فسنة كفاية أما من لم يسمعه فلا يتوجه عليه الأمر وفي شرح السنة ينبغي أن يرفع صوته بالتحميد حتى يسمع من عنده ويستحق التشميت اهـ. ويستحب للعاطس أن يجيب من شمته بنحو يهديك الله ويصلح بالك أو يغفر الله لك وسيأتي لهذا مزيد بيان أواخر الباب (قال ابن دقيق العيد: من فوائد التشميت) تحصيل المودة والتآلف

ص: 4

وأمَا التَّثاوبُ، فإنَّمَا هُوَ مِنَ الشيْطانِ، فإذا تَثاءَبَ أحَدُكُمْ، فَلْيرُدَّهُ ما اسْتَطَاعَ، فإن أحَدَكُمْ إذا تثاءب ضَحِكَ مِنْهُ الشيطَانُ".

قلت: قال العلماء: معناه: أن

ــ

بين المسلمين وتأدب العاطس بكسر النفس عن الكبر والحمل على التواضع لما في ذكر الرحمة من الإشعار بالذنب الذي لا يعرى عنه إنسان إلا من عصم الله وظاهر الحديث أن السنة لا تحصل إلا بالمخاطبة وما اعتاده كثير من قولهم يرحم الله مولانا فخلاف السنة قال: وبلغني عن بعضهم أنه شمت رئيساً فقال: يرحمك الله يا مولانا فجمع بين الأمرين. قوله: (وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان) قال في النهاية جعله من الشيطان كراهية له لأنه إنما يكون مع ثقل البدن وامتلائه واسترخائه وميله إلى الكسل والنوم وإضافته إلى الشيطان لأنه الذي يدعو إلى إعطاء النفس شهوتها وأراد به التحذير من السبب الذي يتولد منه وهو التوسع في المطعم والشبع فيثقل عن الطاعات ويكسل عن الخيرات اهـ. وقال ابن بطال معنى الإضافة إلى الشيطان إضافة إرادة ورضا أي أنه يحب تثاؤب الإنسان لأنه حال تغير الصورة فيضحك من جوفه لا أن الشيطان يفعل التثاؤب في الإنسان إذ لا خالق إلا الله وكذا كل ما نسب إليه كان إما بمعنى الوسوسة اهـ. قوله: (فإذا تثاءب) أي أراد أن يتثاءب أو الماضي فيه بمعنى المضارع أشار إليه الكرماني ثم هو بالهمزة بعد الألف اللينة وأما قول بعضهم تثاوب بالواو في محل الهمزة فغلط عليه المطرزي والجوهري والفيومي في المصباح كما تقدم قال السيوطي في التوشيح زاد الترمذي وغيره في الصلاة قال العراقي: فيمكن حمل الروايات المطلقة عليه ويمكن خلافه وأنه في الصلاة أولى وبالثاني جزم ابن العربي والنووي اهـ. قوله: (فليرد ذلك) أي إما بوضع اليد على الفم وإما بتطبيق الشفتين وهو الذي عبر عنه بالكظم في رواية أخرى وذلك لئلا يبلغ الشيطان مراده من الضحك عليه من تشويه صورته أو من دخوله فمه كما جاء في بعض الروايات. قوله: (ضحك منه الشيطان) قال الكرماني الظاهر أنه على الحقيقة لأنها الأصل ولا ضرورة تدعو إلى العدول عنها قال شيخ الإسلام زكريا في شرح البخاري ولكون التثاؤب فرح الشيطان قالوا لم يتثاءب نبي

ص: 5

العطاس سببه محمود، وهو خِفَّة الجسم التي تكون لِقِلة الأخلاط وتخفيف الغذاء، وهو أمر مندوب إليه، لأنه يضعف الشهوة ويسهل الطاعة، والتثاؤب بضد ذلك، والله أعلم.

وروينا في "صحيح البخاري" عن أبي هريرة أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا عَطَسَ أحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الحَمْدُ الله، وَلْيَقُلْ لَهُ أخُوهُ أوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ الله، فإذا قالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ الله،

فَلَيقُلْ: يَهْدِيكُمُ

ــ

قط اهـ. وفي تقدم ذلك مرفوعاً قال ابن الجوزي: إنما ضحك الشيطان من قول المتثائب ها لمعنيين أحدهما أنه رأى ثمرة تحريضه على الشبع فضحك فرحاً بأن أثمرت شجرة غرسه والثاني أن السنة كظم التثاؤب وحبسه ما استطاع فإذا ترك الأدب وقال: ها ضحك منه لقلة أدبه اهـ. قوله: (وروينا في صحيح البخاري الخ) قال في السلاح ورواه أبو داود والنسائي وعند أبي داود فليقل الحمد الله على كل حال قلت وعند الترمذي والحاكم كذلك لكن من حديث أبي داود كما في الحصن. قوله: (إذا عطس أحدكم فليقل الحمد الله الخ) قال الكرماني: اعلم أن الشارع إنما أمر العاطس بالحمد لما حصل له من المنفعة لخروج ما احتقن في دماغه من الأبخرة وقال الأطباء

العطسة تدل على قوة طبيعة الدماغ وصحة مزاجه فهي نعمة وكيف لا وإنها جالبة للخفة المؤدية إلى الطاعات فاستدعى الحمد عليها ولما كان ذلك تغييراً لوضع الشخص وحصول حركات غير مضبوطة بغير اختيار ولهذا قيل إنها زلزلة البدن أريد إزالة ذلك الانفعال عنه بالدعاء له والاشتغال بجوابه ولما دعى له كان مقتضى وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أن يكافئه بأكثر منها فلذا أمرنا بالدعوتين الأولى لصلاح الآخرة فهو دعاء له بخير الدارين وسعادة المنزلين اهـ. وقال الشيخ زكريا في تحفة القاري الحمد للعاطس في مقابلة نعمة جليلة هي رفع الأذى من الدماغ إذ العطاس يذهبه اهـ. وفي شرح الأنوار السنية لما أبان العطاس عن صحة ما ناسب أن يقول العاطس: الحمد الله ولما كان ذلك الصلاح برحمة الله ناسب ذلك أن يقال له يرحمك الله ولما كان ذلك

ص: 6

اللهُ وَيُصْلِحُ بالَكُمْ" قال العلماء: بالَكم: أي شأنكم.

وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أنس رضي الله عنه قال:

ــ

بهداية الله ناسب ذلك أن يقول: يهديكم الله ولما كان العطاس صلاحاً ناسب ذلك أن يقول ويصلح بالكم أي يصلح حالك بالسلامة والنعمة كما أصلح حالي بالعطاس اهـ. "قال السيوطي نقلاً عن الحليمي" الحكمة في مشروعية الحمد للعاطس أن العطاس يرفع الأذى عن الدماغ الذي فيه قوة الفكر ومنه منشأ الأعضاء التي هي معدن الحسن وبسلامته تسلم الأعضاء فيظهر بهذا أنه نعمة جليلة فناسب أن يقابل بالحمد لما فيه من الإقرار لله بالخلق والقدرة وإضافة الخلق إليه لا إلى الطبائع قال: وحكمة تشميته بيرحمك الله أن أنواع البلاء والآفات كلها مؤاخذات والمؤاخذة عن ذنب فإذا جعل الذنب مغفوراً وأدركت العبد الرحمة لم تقع المؤاخذة وفيه الإشارة إلى تنبيه العاطس على طلب الرحمة والتوبة من الذنب ومن ثم شرع الجواب بقوله يغفر الله لنا ولكم أي كما جاء عند أبي داود وغيره وقال العاقولي ندب التشميت بيرحمك الله كأنه لإزالة الشماتة بما يكون في الصرع من تكشف عورة ونحو ذلك اهـ. وفي المرقاة شرع الترحم من جانب المشمت لأنه كان قريباً من الرحمة حيث عظم ربه بالحمد على نعمته وعرف قدرها وكان دعاء العاطس لمن شمته تألفاً للقلوب وجبراً لها. قوله: (قال العلماء بالكم أي شأنكم) وفي الحرز وقيل أي قلبكم أو حالكم وفي المفاتيح شرح المصابيح البال القلب تقول فلان ما يخطر ببالي أي بقلبي والبال رخاء العيش يقال: رخى البال والبال الحال تقول: وما بالك أي حالك والبال في الحديث يحتمل المعاني الثلاثة والأولى أن يحمل على المعنى الثالث أنسب لعمومه المعنيين الأولين أيضاً اهـ. وفي المرقاة الأول أولى فإنه إذا صلح القلب صلح الحال اهـ. "ثم لا بد في حصول السنة" من إسماع كل من التشميت وجوابه ويجوز الاكتفاء بأحد هذين أي يهديكم الله ويصلح بالكم، وإفراد الخطاب لكن التعظيم أكمل والجمع بينهما أفضل اهـ. وفي المرقاة بلفظ العموم أي الميم الدالة على عموم المخاطب وأنه جمع خرج مخرج الغالب فإن العاطس قلما يخلو عند عطاسه عن أصحابه أو هو

ص: 7

"عَطَسَ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم "فشمَّت أحدَهما ولم يشمت الآخر، فقال الذي لم يشمِّته: عطس فلان فشَمَّتَّه وعطستُ فلم تشمِّتْني، فقال: هَذا حَمِدَ اللهَ تعالى، وإنَّكَ لَمْ تَحْمَدِ اللهَ تعالى".

وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا عَطَسَ أحَدُكُمْ فَحَمِدَ الله تعالى فَشَمِّتُوهُ،

ــ

إشارة إلى تعظيمه واحترامه في الدعاء قلت فيكون من باب الزيادة في الجزاء لأنه أفرد لما خاطبه بقوله: رحمك الله فأتى بميم الجمع في جوابه تعظيماً لجنابه والله أعلم أو إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم اهـ.

قوله: (عطس رجلان) قال السيوطي في التوشيح هما عامر بن الطفيل ولم يحمد وابن أخيه وهو الذي حمد اهـ. قال الشيخ زكريا كذا في الطبراني زاد السيوطي في حاشيته على أبي داود في

عامر أنه ابن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب الفارسي المشهور مات كافراً لكن يشكل عليه أن في بعض طرقه عند البخاري أنه قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الخ وأجاب الحافظ: بأنه يحتمل أنه قالها غير معتقد بل باعتبار ما يخاطب به المسلمون قال شيخ الإسلام زكريا ويحتمل أنه كان مسلماً ثم ارتد ومات مشركاً اهـ. قوله: (فقال هذا حمد الله) أي قابل نعمة العطاس بالحمد عليها فاستحق الدعاء له بزيادة النعمة لأن الشكر سبب المزيد. (وأنت لم تحمد) فقاتك وفي شرح السنة في الحديث أن العاطس إذا لم يحمد الله لا يستحق التشميت قال مكحول كنت إلى جنب ابن عمر فعطس رجل من ناحية المسجد فقال: يرحمك الله إن كنت حمدت الله وقال الشعبي إذا سمعت الرجل يعطس من وراء جدار فحمد الله فشمته وقال إبراهيم: إذا عطست فحمدت وليس عندك أحد قل: يغفر الله لي ولكم فإنه يشمتك من سمعك كذا في بعض شروح المشكاة.

قوله: (روينا في صحيح مسلم) قال السيوطي في الجامع الصغير ورواه أحمد في مسنده والبخاري في الأدب المفرد. قوله: (فشمتوه) ظاهره يقتضي الوجوب وبه قال جمع منهم الحنفية كما في المرقاة ومنهم مالك كما سيأتي في كلام الشيخ بما فيه فقد نقل المصنف الاتفاق على استحبابه ومراده اتفاق الجمهور قال المصنف: وهذا الخبر صريح في الأمر بالتشميت إذا

ص: 8

فإن لَمْ يَحْمَدِ اللهَ فَلا تُشَمِّتُوهُ".

وروينا في "صحيحيهما" عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "أمَرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع، ونهانا عن سبع: أمَرَنا بعيادةِ المريض، واتِّباعِ الجنازة، وتشميتِ العاطس، وإجابةِ

الداعي،

ــ

حمد العاطس وفي النهي عن تشميته إذا لم يحمد الله قال الحافظ: هذا منطوق الخبر لكن هل النهي فيه للتحريم أو للتنزيه الجمهور على الثاني اهـ. ويؤخذ من الخبر أن من أتى بلفظ غير الحمد لم يشمت وينبغي له رفع الصوت بالحمد حتى يسمعه من يشمته فلو حمد ولم يسمعه الإنسان لم يشمته قال مالك: لا يشمته الإنسان حتى يسمع حمده قال: فإن رأيت من يليه يشمته فشمته وسيأتي للمسألة مزيد في فصل إذا عطس ولم يحمد العاطس لا يشمت. قوله: (فإن لم يحمد الله لا تشمتوه) هذا نهى عن تشميت من لم يحمد الله بعد عطاسه وأقل الدرجات أن يكون الدعاء له مكروهاً عقوبة له على غفلته عن نعمة الله عليه في العطاس إذا خرج به ما احتقن في الدماغ من البخار قاله القرطبي نقلاً عن بعض شيوخه ثم قال: ولا خلاف يعلم أن من لم يحمد الله لا يشمت وقد ترك صلى الله عليه وسلم تشميت من لم يحمد الله ونص على أن ترك الحمد هو المانع منه اهـ.

قوله: (وروينا في صحيحيهما) سبق تخريج الحديث والكلام على بعض فوائده أول كتاب السلام. قوله: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع) الأمر في هذا الخبر للطلب المتأكد الشامل للوجوب والندب فإن بعض الخصال واجب كفاية كرد السلام من الجمع المسلم عليهم أو عيناً كإجابة الدعوة

في وليمة العرس بشرطه وبعضها مندوب كباقي الخصال ودلالة الإقتران غير حجة عندنا فيجوز قرن الواجب بالمندوب ومنه قوله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} . قوله: (بعيادة المريض) بدل مما قبله بدل مفصل من مجمل بتقدير سبق العطف على الإبدال وعيادة المريض سنة كل وقت وقيل إنها فرض كفاية كما سبق ولا تكره في وقت إلا إن شقت على المريض وقول بعض أصحابنا يستحب في الشتاء في الليل وفي الصيف في النهار غريب. قوله: (واتباع الجنائز) أي تشييعها والمكث إلى الفراغ من دفنها. قوله: (وتشميت العاطس) أي إذا حمد الله تعالى قيل والأمر في هذه الثلاث للندب. قوله: (وإجابة الداعي) أي وليمة النكاح بشرطه في اليوم الأول وتسن الإجابة في

ص: 9

وردّ السلام ونصر المظلوم، وإبرارِ القَسم".

وروينا في "صحيحيهما" عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حَقُّ المُسْلِم على المُسْلِم خَمْسٌ: رَدُّ السلام، وَعِيادَةُ المَرِيضِ، واتِّباعُ الجَنائِزِ، وإجابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ".

وفي رواية لمسلم: "حَقُّ المُسْلِم على المُسلِم سِتٌّ:

ــ

الثاني وكذا في باقي الولائم وتكره في الثالث من ولائم النكاح. قوله: (ورد السلام) أي وجوباً على العين تارة وعلى الكفاية أخرى. قوله: (ونصر المظلوم) أي ولو ذمياً بأن يمنع الظالم عن ظلمه وجوباً على من قدر على ذلك بفعله أو قوله وهذا يرجع إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهما واجبان عيناً تارة وكفاية أخرى. قوله: (وإبرار القسم) عند مسلم إبرار القسم أو المقسم بالشك أي إذا قال له أقسمت عليك بالله أو نحو والله لتفعلن كذا فيسن له حيث لا مانع من نحو مفسدة أو خوف ضرر تخليصه من ورطة الاستهتار بحقه في الأول والحنث في الثاني فإذا كان فيه مانع لم يبر قسمه كما ثبت أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما عبر الرؤيا بحضرته صلى الله عليه وسلم فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً فقال: أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرني فقال: لا تقسم فلم يخبره رواه مسلم وقد تقدم.

قوله: (وروينا في صحيحيهما عن أبي هريرة الخ) ورواه أبو داود لكن قدم ذكر بعض الخصال على باقيها. قوله: (حق المسلم على المسلم) أي المتأكد الطلب واجباً كان أو مندوباً كما سبق في الحديث قبله فيتأكد لكل مسلم حيث لا مانع على كل مسلم الإتيان له بذلك ولا منافاة بين قوله في هذا الخبر خمس وفي الخبر بعده ست لأن العدد لا مفهوم له على الأصح وعلى مقابله فمحله ما لم يعلم خلافه كما هنا فإن الحقوق المتأكدة كثيرة لا تنحصر فيما ذكر والاقتصار على ما ذكر إما لأنها المشروعة إذ ذاك وما عداها شرع بعد أو لأنها الأنسب بحال السامعين لتساهلهم فيها أو لشدة احتياجهم إليها.

قوله: (وفي رواية لمسلم) وأخرجه البخاري في الأدب المفرد كما في الجامع الصغير والحديث عند الترمذي أيضاً بنحوه. قوله: (حق المسلم على المسلم ست) كذا فيما وقفت عليه من نسخ الأذكار ست في الإجمال وخمس في التفصيل وسقطت السادسة وهي الخامسة

ص: 10

إذا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإذَا دَعاكَ فأجِبْهُ، وَإذَا استَنْصَحَكَ فانْصَحْ لهُ، وإذا عَطَسَ فَحَمِدَ الله تعالى فَشَمِّتْهُ، وإذا مَرِضَ فَعُدْهُ، وإذا ماتَ فاتَّبِعْهُ".

فصل: اتفق العلماء على أنه يستحب للعاطس أن يقول عقب عطاسه: الحمد الله، فلو قال: الحمد الله رب العالمين كان أحسن،

ــ

في الحديث أي

قوله فإذا مرض فعده وإذا مات الخ. قوله: (إذا لقيته فسلم عليه الخ) عدل عن قوله السلام عليه إذا لقيه مع أنه مقتضى القياس لإفادة الاعتناء والاهتمام بهذه السنن الست لأنها أمهات مكارم الأخلاق والخطاب فيه عام شامل لكل صالح للخطاب من هذه الأمة وكذا فيما بعده والأمر في قوله فسلم عليه للوجوب على سبيل التعين إن كان واحداً وإلا فعلي الكفاية وقوله (وإذا دعاك فأجبه) أي وجوباً عينياء في وليمة النكاح بشرطه وعلى الكفاية إن دعاك لتخلصه من نحو مهلك كغرق وقد أطقت ذلك ووجدت من يقوم به غيرك حالاً وندباً إن دعاك إلى وليمة غير عرس ونحوها (وإذا استنصحك) أي طلب منك النصح وهو تحري ما به الصلاح من قول أو فعل من نصح الود والعسل خلص من الشوائب (فانصح له) وجوباً عليك بأن تذكر له ما به صلاحه وطلبه ليس بشرط للوجوب بل النصيحة مطلوبة لمن سأل ومن لم يسأل كما دلت عليه أحاديث أخر وإنما هو لإفادة أن تأكده بعد الطلب أكثر قال: أئمتنا ومنهم المصنف في باب ما يبيح الغيبة يجب على من علم عيباً بنحو مبيع أو مخالط أو خاطب أن يذكره لمن يريد الشراء أو المخالطة وإن لم يستشره فيه وكل من عيادة المريض بشرطها السابق وتشييع الجنازة سنة مؤكدة.

فصل

قوله: (يستحب للعاطس الخ) قال الحافظ ولا أصل لما اعتيد من استكمال الفاتحة والعدول عن الحمد إلى التشهد أو تقديمه على الحمد فكل ذلك مكروه اهـ. قوله: (فلو قال الحمد الله رب العالمين كان أحسن الخ) قال المصنف في شرح مسلم نقلاً عن ابن جرير إنه مخير بين هذه الصيغ الثلاث ثم قال: وهذا هو الصحيح وما ذكرناه هنا من أن الحمد الله رب العالمين أحسن نقل ابن بطال اختيار القول به عن طائفة ويشهد له

ص: 11

ولو قال: الحمد الله على كل حال كان أفضل.

ــ

أنه ورد كذلك عند الطبراني والحاكم والبيهقي عن ابن مسعود وعند أحمد وأبي داود والترمذي والنسائي والحاكم والبيهقي عن سالم بن عبيد الأشجعي وعند الطبراني أيضاً من حديث ابن عباس مرفوعاً من عطس فقال الحمد الله قالت الملائكة: رب العالمين فإذا قال رب والعالمين قالت الملائكة: رحمك الله كما أشار إليه في الجامع الصغير. وقوله: (ولو قال الحمد الله على كل حال كان أفضل) المقتضى لأفضليته على كلا الكيفيتين استشهد له الشيخ بما ذكره بعده من حديث أبي داود وغيره وقد جاء طلب ذلك من العاطس عند أبي داود وعند الترمذي والنسائي والدارمي والحاكم في المستدرك عن أبي أيوب وعند الترمذي أيضاً وقال غريب وعند الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد عن ابن عمر وعند النسائي وابن ماجه والحاكم في المستدرك عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا عطس أحدكم فليقل الحمد الله على كل حال ويرد عليه يرحمك الله ويرد عليهم يغفر الله لنا ولكم وعند النسائي والحاكم في المستدرك أيضاً عن ابن مسعود

أشار إليه في السلاح زاد في الحرز أنه عند أبي داود والترمذي والنسائي عن رفاعة بن رافع اهـ. قال العلقمي اختارت طائفة أنه لا يزيد على قوله الحمد الله كما في حديث أبي هريرة عند الحاكم قال: وجمع شيخنا يعني السيوطي بين جميع الروايات فقال: يقول الحمد رب العالمين على كل حال قلت: ويوافقه ما قرره الشيخ من أنه إذا جاءت روايات في ذكر يسن الجمع بين الجميع وقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن علي موقوفاً من قال عند كل عطسة الحمد الله رب العالمين على كل حال ما كان لم يجد وجع ضرس ولا إذن أبداً قال الحافظ العسقلاني هذا موقوف ورجاله ثقات ومثله لا يقال من قبل الرأي فله حكم المرفوع والله أعلم قلت: وعند أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن رفاعة ابن رافع أنه قال صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطست فقلت: الحمد الله حمداً كثيراً طيباً مباركاً عليه كما يحب ربنا ويرضى فلما صلى صلى الله عليه وسلم انصرف فقال: من المتكلم في الصلاة؟ فقال رفاعة ابن رافع ابن عفراء: أنا يا رسول الله قال: كيف قلت؟ قال: قلت الحمد الله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه مباركاً عليه كما يحب ربنا ويرضى فقال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده" لقد ابتدرها بضع وثلاثون ملكاً أيهم يصعد بها قال الترمذي: حديث حسن قال: وكان هذا

ص: 12

روينا في سنن أبي داود وغيره بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا عَطَسَ أحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الحَمْدُ لِلَهِ على كل حالِ، وَلْيَقُلْ أخوهُ أو صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، وَيقُولُ هُوَ: يَهْدِيكُمُ اللهُ وَيُصْلِحُ بالَكُمْ".

وروينا في كتاب الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رجلاً عطس إلى جنبه فقال: الحمد الله والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ابنُ عمر: وأنا أقول: الحمد الله والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هكذا علمنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم علمنا أن نقولَ: الحَمْدُ لِلهِ

ــ

الحديث عند بعض أهل العلم أنه في التطوع لأن غير واحد من أهل العلم من التابعين قالوا: إذا عطس الرجل في الصلاة قالوا: إنما يحمد الله في نفسه ولم يوسعوا بأكثر من ذلك وذكر هذه الصيغة في السلاح والحصن في صيغ الحمد المطلوبة من العاطس وتقدم السلام على الحديث في أذكار الاعتدال من حديث الصحيحين وليس فيه عندهما ذكر أنه عطس حينئذٍ والله أعلم. قوله: (وليقل أخوه) أي في الإيمان فمن ثم لم يشمت الكافر إذا عطس وحمد بذلك كما سيأتي وتقدم ما يؤخذ منه الكلام على باقيه خصوصاً كلام السيوطي المنقول عن الحليمي.

قوله: (وروينا في كتاب الترمذي) قال الحاكم حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث زيادة بن الربيع قال في السلاح ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد. قوله: (فقال الحمد الله والسلام على رسول الله) يحتمل أن يكون من جهله بالحكم الشرعي أو ظن أنه يستحب زيادة السلام عليه صلى الله عليه وسلم هنا لأنه من جملة الأذكار أو جزاء على تأديبه لنا أدب الأبرار وقياساً على ذكره بعد الحمد له في كثير من الأمور كابتداء الخطبة ودخول المسجد لكن لما كان هذا من باب القياس مع وجود الفارق قال ابن عمر: وأنا أقول الخ أي لأنهما ذكران شريفان لكن لكل مقام مقال كما أشار إليه بقوله (وليس هكذا) أي ليس ضم السلام إلى الحمد من الأدب المأمور به هنا بل الأدب الاتباع من غير زيادة ولا نقصان من تلقاء النفس إلا بقياس جلي ثم قال (علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ) أي فالزيادة

المطلوبة هي المتعلقة بالحمد أما ضم ذكر آخر إليه فغير مستحسن

ص: 13

على كُل حالٍ".

قلت: ويستحب لكل من سمعه أن يقول له: يرحمك الله، أو يرحمكم الله، أو رحمك الله، أو رحمكم الله. ويستحب للعاطس بعد ذلك أن يقول: يهديكم الله

ــ

لأن من سمعه ربما يتوهم أنه من جملة المأمور به ثم قوله (على كل حال) لا يبعد أن يتعلق بقوله يقول فالمعنى أنه علمنا هذا الذكر أي الحمد الله عند العطسة على كل حال من الأحوال ويحتمل وهو الأقرب أنه في محل الحال فيتعلق بمحذوف أي الحمد الله كائناً على كل حال ووقع للطيبي في الكلام على هذا الحديث سوء أدب في التعبير تعقبه فيه في المرقاة والله أعلم.

قوله: (أو يرحمكم الله) ظاهره أنه يقول ذلك وإن كان العاطس واحداً نظير ما تقدم أن العاطس يقول لمن شمته: يهديكم الله ويصلح بالكم بضمير الجمع وكما تقدم نظيره في السلام على الواحد والله أعلم ثم الجملة بألفاظها خبرية مبني إنشائية معنى والإتيان بلفظ المضارع هو الأصل وهو الوارد في الأحاديث وبلفظ الماضي تفاؤلاً بالقبول فكأنه استجيب له وحصل وأخبر عنه بما يخبر به عن الحاصل وذكر المصنف في شرح لمسلم أنه يقول: الحمد الله يرحمك الله وقيل: يقول: يرحمنا الله وإياكم اهـ. وسيأتي في الأصل عن ابن عمر أنه يأتي بذلك جواباً لمن شمته ويزيد في آخره ويغفر الله لنا ولكم. قوله: (ويستحب للعاطس أن يقول الخ) قال ابن بطال: ذهب الكوفيون إلى أنه يقول: يغفر الله لنا ولكم فقد أخرجه البخاري في الأدب المفرد والطبراني من حديث ابن مسعود زاد في الحرز وأخرجه النسائي والحاكم عن ابن مسعود وهما كذلك من حديث علي رضي الله عنه وتقدم ذكر لفظه وجاء عند أبي داود والترمذي والنسائي وابن حبان من حديث سالم بن عبيد لكن بلفظ الإفراد في قوله لي: وذهب الجمهور إلى أنه يقول: يهديكم الله ويصلح بالكم كما هو عند البخاري وأبي داود والنسائي والترمذي والحاكم في المستدرك وقال ابن بطال: ذهب مالك والشافعي إلى أنه يتخير بين اللفظين قال المصنف: في شرح مسلم وهذا هو الصواب فقد صحت الأحاديث بهما والله أعلم وقال ابن رشد يغفر الله لنا أولى لاحتياج المكلف إلى طلب الغفران لأنه إن هدى فيما يستقبل ولم يغفر له فيما تقدم من ذنبه بقيت التباعة

ص: 14

ويصلح بالكم، أو يغفر الله لنا ولكم.

وروينا في "موطأ مالك" عنه عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: إذا عطس أحدكم فقيل له: يرحمك الله، يقول: يرحمنا الله وإياكم، ويغفر الله لنا ولكم. وكل هذا سُنَّة ليس فيه شيء واجب، قال أصحابنا: والتشميت وهو قوله: يرحمك الله، سُنَّة على

الكفاية، لو قاله بعض الحاضرين أجزأ عنهم، ولكن الأفضل أن يقولَه كل واحد منهم لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي قدَّمناه:

"كانَ حَقَّاً على كُل مُسْلِم سَمِعَهُ أنْ يَقُولُ لهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ" وهذا الذي ذكرناه من استحباب التشميت هو مذهبنا. واختلف أصحاب مالك في وجوبه،

ــ

عليه فيها قال وإن جمع فيما إذا كان المشمت مسلماً أحسن واختاره ابن أبي جمرة فقال يجمع بين اللفظين فيكون أجمع للخير ويخرج من الخلاف ورجحه ابن دقيق العيد نقله العلقمي في شرح الجامع الصغير. قوله: (يغفر الله لنا ولكم) وجه استحباب تقديم الداعي نفسه إذا دعا وفيه أنه يأتي بضمير الجمع وإن كان المخاطب واحداً وتقدم حكمة تخصيص المخاطب بالدعاء في قوله: يهديكم الله ويصلح بالكم في كلام الكرماني وغيره. قوله: (والتشميت وهو قوله يرحمك الله سنة على الكفاية الخ) ووقع لابن الجزري في مفتاح الحصن أن تشميت العاطس سنة عين كالتسمية على الأكل وقد اعترضه في الحرز بأنه خالف مذهب إمامه الشافعي في

المسألتين أي بكون التشميت والتسمية على الأكل سنتي عين فقد صرح النووي في شرح مسلم بأنهما سنتان على الكفاية إذا أتى بهما البعض سقط الطلب عن الباقين وإن كان الأفضل الإتيان بهما من الآكلين والحاضرين والله أعلم ولعله أراد بيان ما هو الأفضل وإن كان في كلامه بعد عن ذلك المحمل. قوله: (واختلف أصحاب مالك في وجوبه الخ) قال ابن القيم في حواشي السنن مقوياً لمن قال بالوجوب أنه جاء بلفظ الوجوب الصريح وبلفظ الحق الدال عليه وبلفظ على الظاهر فيه وبصيغة الأمر التي هي حقيقة فيه وبقول الصحابي: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

ص: 15

فقال القاضي عبد الوهاب: هو سنة، ويجزيء تشميت واحد من الجماعة كمذهبنا، وقال ابن مزين: يلزم كل واحد منهم، واختاره ابن العربي المالكي.

فصل: إذا لم يحمَد العاطس لا يُشَمَّتُ، للحديث المتقدم، وأقل الحمد والتشميت وجوابه أن يرفع صوتَه بحيث يُسمِع صاحبَه.

ــ

"ولا ريب أن الفقهاء أثبتوا وجوب أشياء كثيرة بدون مجموع هذه الأمور اهـ. وفي المرقاة التشميت عندنا أي الحنفية فرض كفاية اهـ. قوله: (قال القاضي عبد الوهاب هو سنة) وبه قال غيره من المالكية أنه ندب وإرشاد وليس بواجب. قوله: (وقال ابن مزين) كذا في نسخ الأذكار بالنون آخره بعد التحتية وهو كذلك في أصل مصحح من شرح مسلم للقاضي عياض لكن في نسخة من شرح مسلم للمصنف أنه ابن مريم والله أعلم ثم رأيت ابن فرحون قال في طبقات المالكية في الطبقة الرابعة أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم الأنصاري الأندلسي ثم الفرضي الفقيه المالكي عرف بابن مزين بالزاي المعجمة بعدها تحتية ثم نون يلقب بضياء الدين ثم ترجمه وذكر له اختصار الصحيحين وشرحاً على صحيح مسلم اهـ. ومزين بلفظ المصغر قال المصنف وهذا المذهب قال به الظاهرية أيضاً فأوجبوه على كل من سمعه لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته والقائلون بالاستحباب يحملون الحديث على الندب والأدب كقوله صلى الله عليه وسلم: "حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام" انتهى باختصار. قوله: (واختاره ابن العربي المالكي) هذا النقل من الشيخ لا يخالفه ما في شرح الجامع للعلقمي من حكايته ترجيح ابن العربي كابن رشد القول بأنه فرض كفاية كما قال به الحنفية وجمهور الحنابلة لأنه يحمل على أنه وقع عنده تردد في ذلك فتارة رجح هذا وتارة رجح الثاني وأنه رجح ما ذكره في شرح الجامع من حيث الدليل واختار ما نقله الشيخ هنا لما قام عنده مما يقتضيه والله أعلم.

فصل

قوله: (وإذا لم يحمد الله العاطس الخ) أي بل يكره تشميته حينئذٍ كما صرح به المصنف في فتاويه وتقدم في كلام المفهم وتردد الحافظ بينها وبين

ص: 16

فصل: إذا قال العاطس لفظاً آخر غير "الحمد الله" لم يستحق التشميت.

روينا في سنن أبي داود والترمذي عن سالم بن عبيد الأشجعي الصحابي رضي الله تعالى عنه قال: "بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقال: السلام عليكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وعَلَيكَ وعلى أُمِّكَ"، ثم

ــ

الحرمة (قال بعض المتأخرين من المحدثين)

خص من استحباب التشميت من لم يحمد الله كما ذكر وتقدم دليله والكافر فلا يشمت بالرحمة بل يقال يهديكم الله ويصلح بالكم والمزكوم إذا زاد على الثلاث بل يدعو له بالشفاء قيل ومن يكره التشميت فلا يشمت إجلالاً قال ابن دقيق العيد والذي عندي أنه لا يمتنع من ذلك إلا إن خاف من ضرره أما غيره فيستحب امتثالاً للأمر ومعارضة للمتكبر في مراده وكسراً لسورة الكبر في ذلك وهو أولى من إخلال التشميت قال الحافظ ابن حجر ويؤيده أن التشميت دعاء بالرحمة فناسب المسلم كائناً من كان، ومن عطس والإمام يخطب يوم الجمعة فالراجح عندنا استحباب تشميته كما علم مما تقدم في الفصول أول الكتاب ومن كان عند عطاسه في حال لا يطلب فيها ذكر الله تعالى كما إذا كان على الخلاء أو حال الجماع فيؤخر الحمد ثم يحمد فيشمت فلو خالف وحمد في تلك الحالة هل يستحق التشميت فيه نظر والله أعلم.

فصل

قوله: (روينا في سنن أبي داود والترمذي) قال في السلاح ورواه النسائي وابن حبان قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في مسنده ولفظ أبي داود والترمذي إذا عطس أحدكم فليقل الحمد الله رب العالمين وقال في آخره وليقل ويغفر الله لي ولكم بياء المتكلم في محل ضمير المتكلم ومعه غيره وقال الترمذي: هذا حديث اختلفوا في روايته عن منصور وقد أدخلوا بين هلال بن يسار وبين سالم رجلاً اهـ. وكذا قال في أسد الغابة روي عن هلال عن رجل عن سالم. قوله: (عن سالم بن عبيد) أي بالتصغير.

قال في أسد الغابة هو من أهل الصفة سكن الكوفة قال في السلاح ليس لسالم في الكتب الستة سوى حديثين أحدهما هذا والثاني أغمي على النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه رواه الترمذي في الشمائل وابن ماجه. قوله: (فقال السلام عليكم) قال ابن الملك: يجوز أنه ظن

ص: 17

قال: "إذا عَطَسَ أحَدُكُمْ فَلْيَحْمَدِ اللهَ تعالى"، فذكر بعض المحامد، وَلْيَقُلْ لهُ مَنْ عِنْدَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ، وَلْيَرُدَّ -يعني عليهم- يَغْفِرُ اللَّهُ لَنا وَلَكُمْ".

ــ

أن ذلك يقال بدل الحمد الله قال في المرقاة ويحتمل أنه من سبق اللسان كما يشاهد من غيره لكن رجح الأول حيث اعترض عليه فقال صلى الله عليه وسلم: "وعليك وعلى أمك" كذا في نسخ الأذكار بالواو في وعليك وهي محذوفة في السلاح وفي المرقاة عليك وعلى أمك بلا واو اهـ. قال بعضهم إنه لما جهل مشروعية الذكر المسنون شرعاً عند العطاس ذكر الأم لأن الإنسان إذا ربته أمه دون أبيه فإن الغالب عليه الجهل لأنهن ناقصات العقل والدين لم يعرفن تفصيل الآداب بخلاف الآباء فإنهم لمعاشرة العلماء لا يجهلون أمثال ذلك وقال التوربشتي نبه بقوله: وعلى أمك على بلاهته وبلاهة أمه وإنها كانت حمقة فصارا مفتقرين إلى السلام فيسلمان به من الآفات اهـ. وتعقب بأن تقدير السلام غير متعين في هذا المقام بل يجوز أن يكون التقدير عليك وعلى أمك من جهة عدم التعلم والإعلام وليس المراد رد السلام بل زجره عن هذا الكلام في غير المرام (قال بعضهم) سمع العارف أبو محمد المرجاني إنساناً عطس فقال: الله أكبر

فقال له هذا بمنزلة من جعل الطراز على الذيل وما شمته. قال في المرقاة والظاهر أن من أتى بالسلام في هذه الحالة لا يستحق جواباً لأنه في غير محله المطلوب (فإن قلت) ما الفرق بين ما وقع بين الرجلين حيث اختلف الجوابان مع أن كلا منهما خالف السنة في الذكر المطلوب من العاطس (قلنا) الفرق ظاهر فإن الذي في حديث ابن عمر جاء بالذكر المطلوب وهو الحمد الله وزاد عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ظناً منه لطلبه أيضاً فأعلم بعدم طلبه هنا بخلاف الذي في حديث سالم فأنه وضع السلام المتعارف عند اللقاء مكان الحمد المطلوب حال العطاس ووقع للطيبي أنه قال: إن ما في حديث سالم لعله تكرر منه ذكر السلام في محل الحمد ولذا زجر أبلغ زجر وما في حديث ابن عمر ابتداء تعليم وإرشاد تعقبه في المرقاة بأنه يحتاج ذلك إلى نقل صريح وأنى به وليس بمعقول ولا في كتب السير منقول أنه صلى الله عليه وسلم نهى بعض أصحابه المؤمنين مراراً عن مثل هذا القول ويعود إلى المنهي عنه حتى يحتاج إلى الزجر ووقع للطيبي في هذا المقام أيضاً سوء أدب في التعبير في حق البشير النذير فاحذر من ذلك والله أعلم. قوله: (بعض المحامد) أي فليقل الحمد الله رب العالمين كما جاء عند الترمذي. قوله: (لنا ولكم)

ص: 18

فصل: إذا عطس في صلاته يستحب أن يقول: الحمد الله، ويسمع نفسه، هذا مذهبنا.

ولأصحاب مالك ثلاثة أقوال. أحدها هذا، واختاره ابن العربي! والثاني: يحمَد في نفسه، والثالث قاله سحنون: لا يحمَد جهراً ولا في نفسه.

ــ

تقدم أنه عند الترمذي لي ولكم ولعل وجه الإفراد النظر إلى حال السائل وذلته ووجه الجمع النظر إلى عظم المسؤول ومنته فينبغي الاجتماع للتوجه إلى أبوابه لأن العادة عند قصد العظيم يكون بذلك والله أعلم وسبق جواز ذلك بضمير الإفراد وان كان بضمير الجمع أفضل لكونه وارداً والله أعلم.

فصل

قوله: (إذا عطس في صلاته يستحب أن يقول الحمد لله الخ) قال الأشخر في فتاويه قال الأصحاب ما لفظه يسن لمن عطس ولو في صلاته أن يحمد الله لكنه في الصلاة يسر به وشمل قولهم ولو في الصلاة من عطس أثناء قراءة الفاتحة فإن الحمد يسن له والحالة هذه وإن انقطعت به القراءة (فإن قلت) كان القياس إذا انقطعت ألا يندب الحمد لأنه يؤدي إلى قطع فرض لنفل (قلنا) لا محذور في ذلك فإنه في محل القراءة والإتيان بها مستأنفاً ممكن فاغتفر مثل هذا لتحصيل كل من المطلوبين أعني القراءة وحمد العاطس لأنه لو قلنا بعدم الحمد له لفاتت هذه السنة وبالجملة فالمحذور في منع قطع الفرض للنفل إنما هو في الأركان الفعلية وفيما ألحق بها كما هو مقرر في باب سجود السهو أما القولية فلا محذور في ذلك على أن قطع الفرض للنفل معهود في الجملة فمن ثم سن لمتيمم قدر على الماء في أثناء الصلاة التي يسقط فرضها بالتيمم أي والوقت متسع قطعها ليتوضأ (فإن قلت) إنما قطعها لفرض الوضوء (قلت) القطع سنة ومع ذلك طلب وإن كان الأصل في الواجبات حرمة الخروج

منها هذا مع أن إتمام الفاتحة على من شرع فيها لا يقال: إنه واجب وإلا لحرم على من في أثنائها استئنافها بلا سبب ولا قائل به على الجديد من عدم إبطال تكرير الركن القولي اهـ كلامه. قوله: (هذا مذهبنا الخ) حكى المصنف في باب تحريم الكلام الصلاة من شرح مسلم أن الذي قلنا به من استحباب الحمد سراً قال به مالك وغيره وعن ابن عمر والنخعي وأحمد أنه يجهر به والأول أظهر اهـ.

ص: 19

فصل: السنَّة إذا جاءه العطاس أن يضع يده أو ثوبه أو نحو ذلك على فمه، وأن يخفض صوته.

روينا في سنن أبي داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عَطَسَ وضع يده أو ثوبه على فَمِه، وخفض أو غضَّ بها صوته -شك الراوي أي اللفظين قال- قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وروينا في كتاب ابن السني عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل يَكْرَهُ رَفْعَ الصَّوْتِ بالتَّثاؤبِ والعُطاسِ".

وروينا فيه عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "التَّثاؤبُ الرَّفِيعُ وَالعَطْسَةُ الشَّدِيدَةُ

ــ

فصل

قوله: (السنة إذا جاءه العطاس أن يضع يده أو ثوبه أو نحو ذلك على فمه الخ) قال ابن العربي الحكمة فيه أنه لو بدر منه شيء آذى جليسه ولو لوى عنقه صيانة لجليسه لم يؤمن من الالتواء وقد شاهدنا من وقع له ذلك. قوله: (وأَن يخفض صوته فيه) قال ابن العربي أيضاً الحكمة في خفض الصوت به أن في رفع الصوت به إزعاجاً للأعضاء. قوله: (روينا في سنن أبي داود ألخ) وكذا رواه الحاكم في مستدركه كما في الجامع الصغير. قوله: (وخفض أو غض بها) أي بالعطسة والجار والمجرور متعلق بقوله (صوته) قال التوربشتي: في هذا الحديث نوع أدب بين الجلساء وذلك أن العاطس لا يأمن عند العطاس مما يكرهه الراءون من فضلات الدماغ اهـ. قوله: (شك الراوي أي اللفظين) أي في المكانين الأول قوله يده أو ثوبه والثاني قوله خفض أو غض والشك الأول عند كل من أبي داود والترمذي والثاني انفرد به أبو داود عن الترمذي قال أبو داود: شك يحيى يعني ابن سعيد الراوي عن محمد بن عجلان عن سمى عن صالح عن أبي هريرة والله أعلم. قوله: (إن الله يكره رفع الصوت بالتثاؤب والعطاس) ظاهر أن محل كراهة ذلك إذا كان بفعله واختياره أما إذا كان خلقياً لا قدرة له على تركه فظاهر أنه غير مكروه والله أعلم ثم هو هنا في الأصول التثاوب بالواو بعد الألف من غير همزة عليها وقد قدمنا ما في ذلك للمطرزي وغيره. قوله: (التثاؤب الرفيع الخ) أي المرفوع به الصوت وقد سبق وجه

ص: 20

مِنَ الشّيطَانِ".

فصل: إذا تكرر العطاس من إنسان متتابعاً، فالسنة أن يشمِّته لكل مرة إلى أن يبلغَ ثلاث مرات.

روينا في "صحيح مسلم" وسنن أبي داود والترمذي عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه "أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم

ــ

كون التثاؤب من الشيطان وكراهة الشارع له وأن المراد منه فعل ما ينشأ عنه التثاؤب من الشهوات والأطعمة الداعية له فإذا كان هو في أصله كذلك فإذا ضم إليه رفع الصوت به كان أكثر في ذلك وأما العطسة فبفتح العين وإسكان الطاء وبعدها سين مهملات واحده العطاس وجه كراهة شدتها ما تقدم من أنه يزعج البدن وربما يشوش على الجليس خصوصاً المتوجه لربه.

فصل

قوله: (إذا تكرر العطاس الخ) فإن جاوز الثلاث فلا يسن تشميته كما يأتي بما فيه. قوله: (روينا في صحيح مسلم وسنن أبي داود الترمذي الخ) قال الحافظ في فتح الباري الذي نسبه إلى أبي داود والترمذي من إعادة قوله للعاطس: يرحمك الله ليس في شيء من نسخهما كما سأبينه فقد أخرجه أبو عوانة وأبو نعيم في عمل يوم وليلة وابن حبان في صحيحه والبيهقي في الشعب كلهم من الوجه الذي أخرجه منه مسلم وألفاظهم متفاوتة وليس عند أحد منهم إعادة يرحمك الله في الحديث وكذا ما نسبه إلى أبي داود والترمذي أن عندهما ثم عطس الثانية أو الثالثة فيه نظر فإن لفظ أبي داود أن رجلاً عطس والباقي مثل سياق مسلم سواء إلا أنه لم يقل أخرى ولفظ الترمذي كما ذكره النووي إلى قوله ثم عطس فإنه ذكره بعده مثل أبي داود سواء وفي رواية أخرى للترمذي قال له في الثانية: أنت مزكوم وفي رواية له أيضاً قال له في الثالثة: أنت مزكوم وأكثر الروايات ليس فيها تعرض للثالثة ورجح الترمذي رواية من قال في الثالثة ووجدت الحديث من رواية يحيى القطان موافقاً لما ذكره النووي ورواه أحمد عن يحيى المذكور وفي روايتهما اختلاف شديد في لفظ الحديث والأكثر على ترك ذكر التشميت

ص: 21

وعَطَسَ عنده رجل، فقال له:"يَرْحَمُكَ الله، ثم عطس أخرى، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرجُلُ مَزْكومٌ" هذا لفظ رواية مسلم. وأما رواية أبي داود والترمذي فقالا: قال سلمة: "عطس رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شاهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ــ

بعد الأولى وعند ابن ماجه بلفظ يشمت العاطس ثلاثاً وما زاد فهو مزكوم فنقل الحديث كله مرفوعاً فأفاد تكرير التشميت ثلاثاً وهي رواية شاذة لمخالفة جميع أصحاب عكرمة الذي مدار الحديث عليه اهـ. قوله: (عطس الخ) جملة حالية من مفعول سمع وقوله (فقال يرحمك الله) قال الطيبي الظاهر أن يقال يقول له لأنه حال من النبي صلى الله عليه وسلم في الكشاف في قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ} تقول سمعت زيداً تكلم فتوقع الفعل عليه وتحذف المسموع وتجعله حالاً منه فأغناك عن ذكره فإذاً مقتضى السلام أن يقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم شمته فقال: فلا إشكال حينئذٍ اهـ. وفي المطابقة بين ما فرعه بقوله فإذاً وبين كلام الكشاف ما لا يخفى. قوله: (ثم عطس أخرى فقال الرجل مزكوم) يحتمل أن يكون المراد من أخرى عطسة ثانية فقال صلى الله عليه وسلم إنه مزكوم وقال بعضهم بمقتضاه كما سيأتي نقل ابن العربي له في كلام المصنف ويحتمل أن المراد من الأخرى مرة أخرى فشمل الثالثة فيوافق ما سيأتي في الرواية الثانية والله أعلم. قوله: (هذا لفظ رواية مسلم) وهو كذلك عند أبي داود والترمذي وابن السني والله أعلم. قوله: (وأما أبو داود والترمذي فقالا الخ) الذي وقفت عليه في أصل مصحح من سنن أبي داود عن سلمة مثل ما رواه مسلم أن رجلاً عطس عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال له يرحمك الله ثم عطس فقال النبي صلى الله عليه وسلم الرجل مزكوم وكذا أخرجه الترمذي عن سلمة بهذا اللفظ من طريق عبد الله يعني ابن المبارك وقال ثم عطس الثانية فقال صلى الله عليه وسلم: "هذا رجل مزكوم" وقال

الترمذي هذا حديث حسن صحيح وأخرج الترمذي بعده عن سلمة أيضاً من طريق يحيى بن سعيد أي الذي روى هو وابن المبارك عن عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة عن أبيه نحوه إلا أنه قال له في الثالثة أنت مزكوم قال الترمذي: هذا أصح من حديث ابن المبارك وقد روى شعبة عن عكرمة بن عمار هذا الحديث نحو رواية يحيى بن سعيد ثم خرجها

ص: 22

"يَرْحَمُكَ الله"، ثم عطس الثانية أو الثالثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يَرْحَمُكَ اللهُ، هَذا رَجل مَزْكُومٌ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وأما الذي رويناه في سنن أبي داود والترمذي

ــ

عن محمد بن جعفر عن شعبة عن عكرمة بهذا ولعل نسخ أبي داود مختلفة ففي نسخة الشيخ أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك بعد أن شمته في المرات الثلاث أو أراد حديث الترمذي من طريق يحيى بن سعيد والله أعلم. قوله: (ثم عطس الثانية أو الثالثة الخ) أي أنه صلى الله عليه وسلم شمته في كل من المرات الثلاث.

قوله: (وأما الذي رويناه في سنن أبي داود الخ) قال ابن القيم في الهدي هذا حديث فيه علتان إحداهما إرساله فإن عبيداً ليست له صحبة أي أخذ رواية فلا ينافي ما سيأتي والثانية أن فيه يزيد بن عبد الرحمن الدالاني وقد تكلم فيه وقال السيوطي في حواشي سنن أبي داود قال الحافظ ابن حجر الحديث مرسل فإن عبيد بن رفاعة ذكروه في الصحابة لكونه ولد في عهده صلى الله عليه وسلم وله رواية قال ابن السبكي: ولم يصح سماعه وقال البغوي: روايته مرسلة اهـ. ولو صح الحديث لحمل الأمر في قوله فشمته على الجواز المقابل للحرمة فلا يخالف ما جاء في تاريخ ابن عساكر إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه فإن زاد على ثلاثة فهو مزكوم فلا يشمت بعد ذلك أي لأن النهي فيه للتنزيه والله أعلم وهو عند أبي داود فإن ساق سنده إلى أبي هريرة وقال: لا أعلم إلا أنه رفعه وذكر قبله حديثاً بمعناه عن أبي هريرة مرفوعاً ثم قال في هذا الحديث إنه بمعنى ذلك الحديث فبين السيوطي في حاشيته عليه أن لفظه ما ذكر في تاريخ ابن عساكر ولذا عزا تخريجه في الجامع الصغير لأبي داود عن أبي هريرة أي مرفوعاً فإن الجامع الصغير لم يورد فيه سوى المرفوع والله أعلم (وبما ذكر) علم رد قول صاحب المرقاة بعد إيراد حديث عبييد بن رفاعة السابق المصرح فيه بالتخيير بين التشميت وتركه بعد الثلاث فقول النووي يستحب أن يدعى له لكن غير دعائه للعاطس وقع في غير محله إذ حاصل الحديث أي حديث سلمة أن التشميت واجب أو سنة مؤكدة على الخلاف في ثلاث مرات وما زاد فهو مخير بين السكوت وهو رخصة وبين التشميت وهو مستحب والله أعلم (ووجه رده)

ص: 23

عن عبيد الله بن رفاعة الصحابي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُشَمَّتُ العاطِسُ ثلاثاً، فإنْ زَادَ، فإن شِئْتَ فشمِّته، وإنْ شِئْتَ فلا" فهو حديث ضعيف، قال فيه الترمذي: حديث غريب، وإسناده مجهول.

وروينا في كتاب ابن السني بإسناد فيه رجل لم أتحقق حاله وباقي إسناده صحيح عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا عَطَسَ أحَدُكُمْ فَلْيُشَمِّتْهُ جَلِيسُهُ، وإن زَاد على ثَلَاثةٍ فَهُوَ مَزْكُومٌ، وَلا يُشَمَّتُ بَعْدَ ثَلاثٍ".

واختلف العلماء فيه، فقال ابن العربي المالكي:

ــ

ضعف ذلك الحديث وبفرض صحته فالجواز فيه صادق بالكراهة لأن معناه عدم الحرمة والله أعلم. قوله: (عن عبيد بن رفاعة) أي ابن رافع الزرقي الأنصاري قال في أسد الغابة سكن المدينة قيل إنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وفي صحبته اختلاف ثم أخرج فيها بسنده حديث الباب عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يشمت العاطس ثلاثاً فإن شئت فشمته وإن

شئت فكف: أي بعد الثلاث كما جاء عند أبي داود والترمذي فإن زاد فإن شئت فشمته وإن شئت فلا. وأخرج بسنده أيضاً عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده رجل من أصحابه ثم تكلم في صحة ذلك اهـ. وقد علمت مما تقدم في الكلام على علة الحديث أنه لم صح سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم وإن ثبتت صحبته.

قوله: (روينا في كتاب ابن السني الخ) سبق أنه عند أبي داود وفي الهدي في الباب حديث عن أبي هريرة يرفعه إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه وإن زاد على الثلاث فهو مزكوم ولا يشمته بعد الثلاث وهذا الحديث هو حديث أبي داود والذي قال فيه رواه أبو نعيم عن موسى بن قيس عن محمد بن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة وهو حديث حسن اهـ. وهذا الكلام الذي نقله عن أبي داود لم أجده في أبواب العطاس فلعله في غيره وعزو تخريجه الحديث لأبي داود سبق وجهه قريباً ولعل المصنف ترك تخريجه عن السنن لأبي داود لذلك وخرجه

ص: 24

قيل: يقال له في الثانية: إنك مزكوم، وقيل: يقال له في الثالثة، وقيل: في الرابعة، والأصح أنه في الثالثة. قال: والمعنى فيه أنك لست ممن يشمَّت بعد هذا، لأن هذا الذي بك زكام ومرض، لا خفة العطاس. فإن قيل: فإذا كان مرضاً، فكان ينبغي أن يدعى له ويشمت، لأنه أحق بالدعاء من غيره؟ فالجواب أنه يستحب أن يدعى له لكن غير دعاء العطاس المشروع، بل دعاء المسلم للمسلم بالعافية والسلامة ونحو ذلك، ولا يكون من باب التشميت.

ــ

من كتاب ابن السني لأنه فيه صريح معظم رواته من رجال الصحيح. قوله: (قيل يقال له في الثانية) أي أخذا برواية مسلم وغيره ممن سبق. قوله: (وقيل يقال في الثالثة) أخذا بحديث الترمذي من طريق يحيى بن سعيد وما في معناه لكن ظاهره أنه يشمته للثالثة ولقول مع التشميت إنك مزكوم ويدل له قولهم إنك لست ممن يشمت بعد فإن ذلك ظاهر في قرن هذا اللفظ مع التشميت. قوله: (فالجواب أنه يستحب أن يدعى له الخ) قال ابن القيم أي يدعى له كما يدعى للمريض ومن به داء أو وجع وأما سنة العطاس الذي يحبه الله وهو نعمة ويدل على خفة البدن وخروج الأبخرة المحتقنة فإنما يكون إلى تمام الثلاث وما زاد عليها يدعى لصاحبه بالعافية وقوله في الحديث الرجل مزكوم تنبيه على أن الدعاء له بالعافية لأن الزكمة علة وفيه اعتذار من ترك تشميته بعد الثلاث وفيه تنبيه على هذه العلة ليتداركها ولا يهملها فيصعب أمرها فكلامه صلى الله عليه وسلم كله حكمة ورحمة وعلم وهدى اهـ. وقوله: تنبيه على الدعاء له بالعافية يؤخذ منه استحباب قول: إنك مزكوم بعد الثلاث ليتنبه به العاطس على ما ذكر فيه والله أعلم ووقع في المرقاة هنا شيء مبني على قدمه من الاستحباب بعد الثلاث وهو خلاف صريح الأحاديث فاحذره.

ص: 25

فصل: إذا عطس ولم يحمد الله تعالى، فقد قدمنا أنه لا يشمَّت، وكذا لو حمِد الله تعالى ولم يسمعه الإنسان لا يشمِّته، فإن كانوا جماعة فسمعه بعضهم دون بعض، فالمختار أنه يشمته من سمعه دون غيره.

وحكى ابن العربي خلافاً في تشميت الذين لم يسمعوا الحمد إذا سمعوا تشميت صاحبهم، فقيل: يشمته، لأنه عرف عطاسه وحمده بتشميت غيره، وقيل: لا، لأنه لم يسمعه.

واعلم أنه إذا لم يحمد أصلاً يستحب لمن عنده أن يذكِّره الحمدَ، هذا هو المختار.

وقد روينا في "معالم السنن" للخطابي نحوه عن الإِمام الجليل إبراهيم النخعي، وهو من باب النصيحة والأمر بالمعروف، والتعاون على البر والتقوى،

ــ

فصل

قوله: (فقيل يشمته لأنه عرف عطاسه وحمده) قلت: واستظهره ابن القيم في الهدى قال: إذ ليس القصد سماع المشمت للحمد إنما المقصود نفس حمده فمتى تحقق ترتب عليه التشميت كما لو كان المشمت أخرس ورأى حركة شفتيه بالحمد والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "فإن حمد الله فشمتوه فهذا هو الصواب اهـ. وفي تنظيره بالأخرس نظر أي نظر فإن ذلك إشارته لعجزه قائمة مقام عبارته ولا كذلك الناطق فاعتبر في حق المشمت سماع حمده حتى يشمته والله أعلم. قوله: (واعلم أنه إذا لم يحمد أصلاً يستحب لمن عنده أن يذكره الحمد هذا هو المختار) قلت: وقد ورد فيه حديث ضعيف فيه حصول نفع لفاعل ذلك المذكر به عند الطبراني بسند ضعيف عن علي رضي الله عنه مرفوعاً من بادر العاطس بالحمد عوفي من وجع الخاصرة ولم يشك ضرسه أبداً وأما حديث من سبق العاطس بالحمد أمن من الشوص واللوص والعلوص قال السخاوي في المقاصد الحسنة ذكره ابن الأثير في النهاية وهو ضعيف والشوص بفتح الشين المعجمة وجع الضرس وقيل وجع في البطن واللوص وجع الأذن وقيل وجع المخ والعلوص بكسر المهملة وفتح الكلام المشددة وسكون الواو بعدها صاد مهملة وجع في البطن من التخمة قال السخاوي وقد نظمه بعض أصحابنا فقال:

ص: 26