الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"إنكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ بأسْمَائِكُمْ وأسماءِ آبائِكُمْ فأحْسِنُوا أسْمَاءَكُمْ".
باب بيان أحبِّ الأسماء إلى الله عز وجل
روينا في "صحيح مسلم" عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحبَّ أسمائِكُمْ إلى الله عز وجل: عَبْدُ الله وعَبْدُ الرَّحْمنِ".
ــ
قول المصنف بإسناد جيد لأن جودة الإسناد لا تنافي نحو الانقطاع. قوله: (إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم) أي فيقال: فلان ابن فلان وترجم البخاري في صحيحه باب ما يدعى النّاس بآبائهم وأخرج فيه حديث ابن عمر من طريقين قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال: هذه غدرة فلان ابن فلان" قال في تحفة القاري يحمل قول من قال يدعى النّاس يوم القيامة بأمهاتهم إن صح مستنده على غير الغادرين اهـ. وبه يرد قول من قال: يدعى كل إنسان باسمه واسم أمه فيقال: يا ابن فلانة ستراً على آبائهم أخذاً بقوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} بناء على أن إمام جمع أم ورد بأنه لا يعرف جمع أم على إمام بل المراد به يدعون بمن يقتدون به قال أبو حيان في النهر الظاهر أن الإِمام هو الذي تقتدى به الأمة من نبي أو كتاب أو شريعة اهـ. قال ابن القيم في الهدى: في هذا والله أعلم تنبيه على تحسين الأفعال المناسبة لتحسين الأسماء لتكون الدعوة على رؤوس الأشهاد بالاسم الحسن والوصف المناسب له.
باب بيان أحب الأسماء إلي الله عز وجل
قوله: (روينا في صحيح مسلم الخ) وكذا رواه أبو داود من طريقين وليس في أوله أن أحب أسمائكم الخ، فيه التسمية بهذين الاسمين وتفضيلهما على سائر ما سمى به ولعل من حكمته اشتمالهما على وصف العبودية التي هي الحقيقة للإنسان ولذا كانت أشرف أوصافه كما قال أبو علي الدقاق لكن قضيته أن يكون من الأحب كل اسم فيه عبد مضاف إلى اسم من أسمائه تعالى فيحتمل أن يقال بذلك أخذاً من قاعدة يستنبط من النص معنى يعود عليه بالتعميم
وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن جابر رضي الله عنه قال: ولد لرجل منا غلام فسماه القاسم، فقلنا: لا نُكَنِّيك أبا القاسم ولا كَرَامَةَ، فأخبرَ النبي صلى الله عليه وسلم
ــ
ويحتمل قصره على هذين المذكورين والله أعلم ثم رأيت ابن القيم ذكر ما يقتضي الأخير قال في الهدى في تقرير التناسب بين الاسم والمسمى والارتباط بينهما فقال: لما كانت الأسماء قوالب للمعاني ودالة عليها اقتضت الحكمة أن يكون بينها وبين مسمياتها ارتباط وتناسب وألا تكون معها بمنزلة الأجنبي المحض الذي لا تعلق له به فإن حكمة الحكيم تأتي ذلك والواقع يشهد بخلافه بل للأسماء تأثير في المسميات وللمسميات تأثر عن اسمائها في الحسن والقبح والخفة والثقالة واللطافة والكثافة كما قيل:
وقيل إذا بصرت عيناك ذا لقب
…
إلا ومعناه إن فكرت في لقبه
وذكر لذلك شواهد من الحديث والأثر إلى أن قال: ولما كان الاسم مقتضياً لمسماه ومؤثراً فيه كان أحب الأسماء إلى الله ما اقتضى أحب الأوصاف إليه كعبد الله وعبد الرحمن وكانت إضافة العبودية إلى اسم الله واسم الرحمن أحب إليه من إضافتها إلى غيرهما كالقاهر والقادر فعبد الرحمن إليه من عبد القادر وعبد الله أحب إليه من عبد ربه وهذا لأن التعلق الذي بين العبد وبين الله إنما هي العبودية المحضة والتعلق الذي بين الله وبين العبد الرحمة المحضة فبرحمته كان وجود الإنسان وكمال وجوده والغاية التي أوجده لأجلها أن يتألهه وحده محبة وخوف ورجاء وإجلالاً وتعظيماً فيكون عبدًا لله وفي عبده بما في اسم الله من معنى الإلهية التي يستحيل أن تكون لغيره ولما غلبت رحمته غضبه وكانت الرحمة أحب إليه من الغضب كان عبد الرحمن أحب إليه من عبد القاهر اهـ.
قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ). قوله: (لا نكنيك أبا القاسم) سيأتي حكم التكنية بهذه الكنية في باب مستقل. قوله: (ولا كرامة) أي لا تصيب من كرامة تكنى بها بهذه الكنية إذ المعنى في تكنيته صلى الله عليه وسلم بها من أنه قاسم لمال الله سبحانه وتعالى بين المسلمين مفقود في غيره صلى الله عليه وسلم أو
فقال: "سَم ابْنَكَ عَبْدَ الرحْمنِ".
وروينا في سنن أبي داود والنسائي وغيرهما عن أبي وهب الجشمي الصحابي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَسَمَّوْا بأسْماءِ الأنْبياءِ، وأحَبُّ الأسْماءِ إلى الله تَعالى: عَبْدُ الله وعَبْدُ الرَّحْمنِ،
ــ
لا نكرمك كرامة ويقر به قولهم في رواية أخرى لا ننعمك عيناً.
قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) رواه أبو داود في الأدب ورواه النسائي في الحيل كذا في الأطراف للمزي وكذا رواه البخاري في الأدب المفرد كما في الجامع الصغير. قوله: (عن أبي وهب الجشمي (قال الحافظ ابن الأثير له صحبة روى عنه عقيل بن شبيب ثم أخرج حديثاً عن عقيل بن شبيب عن أبي وهب الجشمي قال: وكانت له صحبة وذكر الحديث ولم يذكر في ترجمته زيادة على ذلك. قوله: (تسموا بأسماء الأنبياء) قال ابن القيم: لما كان الأنبياء سادات بني آدم وأخلاقهم أشرف الأخلاق وأعمالهم أشرف الأعمال كانت أسماؤهم أشرف الأسماء فندب صلى الله عليه وسلم أمته إلى التسمي بأسمائهم كما في سنن أبي داود والنسائي عنه تسموا بأسماء الأنبياء ولو لم يكن في ذلك من المصالح إلا أن الاسم يذكر بمسماه ويقتضي التعلق بمعناه لكفى به مصلحة مع ما في ذلك من حفظ الأنبياء وذكرها وألا تنسى وأن تذكر أسماؤهم بأوصافهم وأحوالهم اهـ. قال الدميري في شرح المنهاج في تفسير القرطبي عند قوله تعالى المؤمن المهيمن عن ابن عباس أنه قال إذا كان يوم القيامة أخرج الله تعالى أهل التوحيد من النار وأول من يخرج منهم من وافق اسمه اسم نبي حتى إذا لم يبق فيها من وافق اسمه اسم نبي قال تعالى لباقيهم: أنتم المسلمون وأنا السلام وأنتم المؤمنون وأنا المؤمن فيخرجهم من النار ببركة هذين الاسمين وفي الخصائص لابن سبع عن ابن عباس قال: إذا كان يوم
القيامة نادى مناد ألا ليقيم من اسمه محمد فليدخل الجنة لكرامة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم اهـ. وفي التحفة لابن حجر نقلاً عن بعضهم جاء في التسمية بمحمد فضائل علية ومن ثم قال الشافعي في تسمية ولده محمداً: سميته محمداً بأحب الأسماء إلى الله وكأن