الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما يقوله التابع للمتبوع إذا فعل ذلك أو نحوه
اعلم أنه يستحبُّ للتابع إذا رأى من شيخه وغيره ممن يقتدى به شيئاً في ظاهره مخالفة للمعروف أن يسأله عنه بنية الاسترشاد، فإن كان في فعله ناسياً تداركه، وإن كان فعله عامداً وهو صحيح في نفس الأمر، بيَّنَه له.
فقد روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: "دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة حتى إذا كان بالشِّعب نزل فبال
ــ
باب ما يقوله التابع للمتبوع إذا فعل
أي المتبوع (ذلك) أي ما ظاهره غير صواب وهو صواب في نفس الأمر (أو نحوه) أي ما ظاهره مكروه أو خلاف الأولى وليس كذلك في نفس الأمر وهذا على سبيل التذكير واستبانة الأمر لا على وجه الاعتراض وامتحان نحو الأستاذ فإنه قبيح. قوله: (في ظاهره مخالفة للمعروف) أي بأن
يكون ظاهره محرماً أو مكروهاً وليس كذلك في الحقيقة. قوله: (بنية الاسترشاد) أي بأن يرشده الأستاذ لبيان ما خفى عليه وجهه. قوله: (فإن كان قد فعله ناسياً الخ) ووجه الإرشاد في هذه الأعلام أن ما فعله الأستاذ ليس من المشروع حتى يقتدي به فيه الطالب بل إنما صدر على سبيل النسيان الذي لا يكاد يخلو منه إنسان. قوله: (بيّنه وله) أي بيّن له ما ذكر من صحة العبادة في نفس الأمر وذلك ببيان الدليل إن كان ذلك الحكم للعموم أو بيان وجه الرخصة إن كان لعذر به دعاه لذلك.
قوله: (روينا في صحيحي البخاري ومسلم) ورواه مالك والنسائي وأبو داود كما في تيسير الوصول للديبع. قوله: (دفع صلى الله عليه وسلم من عرفة) أي أفاض وسمى ذلك دفعاً لأن بعضهم يدفع بعضاً أي يزحمه كما في تحفة القارئ. قوله: (حتى إذا كان بالشعب) بكسر المعجمة وسكون المهملة قال الطبري في القرى: الشعب هو انفراق بين الجبلين من
ثم توضأ، فقلت: الصلاةُ يا رسول الله، فقال:"الصلاةُ أمامَكَ".
قلت: إنما قال أسامة ذلك، لأنه ظنَّ أن النبي صلى الله عليه وسلم نسي صلاة المغرب، وكان قد دخل وقتُها وقَرُبَ خروجُه.
وروينا في "صحيحيهما" قول سعد بن أبي وقاص: "يا رسول الله، ما لك عن فلان والله إني لأراه مؤمناً".
ــ
طريق ونحوه قال البخاري أي الشعب الأيسر الذي دون المزدلفة وقال الملأ على يسرة الطريق بين المأزمين ويقال له: شعب الأذخر اهـ. قوله: (ثم توضأ) أي وضوء الصلاة لكن مقتصراً فيه على أقل مجزئ بأن اقتصر على غسل أعضاء الوضوء من غير تكرار وبالتخفيف وفعله ذلك لاستعجاله ومبادرته به ليكون على طهارة إذ لا يخلو من ذكر الله تعالى ثم جدد الوضوء وأتى به على الكمال بمزدلفة ويجوز أن يكون طرأ ما يوجبه بالمزدلفة وفي الحديث دليل على أن الوضوء عبادة في نفسه وإن لم يرد به الصلاة كذا في القرى. قوله: (الصلاة) بالنصب على الإغراء أو بإضمار يريد وأل في الصلاة للعهد أي المغرب. قوله: (الصلاة أمامك) مبتدأ وخبر أي مشروعة بين يديك أي في المزدلفة قال في تحفة القارئ: ويجوز نصبها بمقدر. قوله: (ذلك) أي الصلاة أي صلاة المغرب. قوله: (دخل وقتها) أي وهم بعرفة. قوله: (وقرب خروجه) أي خروج وقت المغرب عند نزوله بذلك الشعب فذكر بها لذلك فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن التأخير لجمع التأخير.
قوله: (وروينا في صحيحيهما) وكذا رواه أبو داود والنسائي كذا في الأطراف. قوله: (سعد الخ) أي وذلك لما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم جمعاً كثيراً ولم يعط رجلاً يعلم سعد حاله فتوهم أن النبي صلى الله عليه وسلم نسيه فذكره بشأنه بقوله: يا رسول الله ما لك عن فلان واسمه جعيل بن سراقة الضمري. وقوله: (ما لك عن فلان) أي ما سبب عدو لك عنه. ووله: (لأراه مؤمناً) الرواية بضم الهمزة قال المصنف: الصواب الفتح بمعنى العلم لقوله بعد غلبني ما أعلم منه فالضم
وفي "صحيح مسلم" عن بريدة "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصلواتِ يوم الفتح بوُضوء واحد، فقال عمرُ رضي الله عنه: لقد صنعتَ اليوم شيئاً لم تكن تصنعُه، فقال: "عَمْداً صَنَعْتُهُ يا عُمَرُ" ونظائر هذا كثيرة في الصحيح مشهورة.
ــ
بمعنى الظن قال الحافظ ابن حجر
ويجوز أن يكون العلم في كلامه بمعنى الظن فيوافق الضم وتتمة الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أو مسلماً" بسكون الواو أي أنكر عليه الجزم بالإيمان الذي محله القلب ولا اطلاع عليه وأرشده إلى أن إطلاق الإسلام على من لم يختبر باطن حاله أولى من إطلاق الإيمان لأن الإسلام معلوم بحكم الظاهر وليس ذلك لكون جعيل ليس من المؤمنين فقد ورد في حديث عند الروياني في مسنده بسند صحيح عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "كيف ترى جعيلاً" فقلت: كشكله من المهاجرين قال: "كيف ترى فلاناً" قلت: سيد من سادات النّاس قال: "فجعيل خير من ملء الأرض من فلان" قلت: ففلان هكذا وأنت تصنع به ما تصنع قال: "إنه رأس قومه فأنا أبي الرجل" لفهم به فعلم من هذا أن قوله أو مسلماً إرشاد إلى التحري في العبارة لا إنكار كون المتروك مؤمناً ولا تعليل لترك إعطائه وقد بين سبب ترك الإعطاء بقوله إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه مخافة أن يكبه الله في النار. قوله: (وفي صحيح مسلم) رواه مسلم في الطهارة من صحيحه ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه في كتاب الطهارة من سننهم وقال الترمذي حسن صحيح. قوله: (يوم الفتح) أي في يوم من إقامته بمكة زمن الفتح ويمكن أن يكون نفس اليوم الذي وقع فيه فتح مكة ودخول النبي صلى الله عليه وسلم بها. قوله: (عمداً صنعته يا عمر) العامل في عمداً محذوف يفسره المذكور بعده والقصد من هذا الفعل بيان إن الأمر بالطهارة عند القيام عند كل صلاة كان أولاً وأنه يجوز الجمع بين صلوات بطهر واحد نعم الأفضل التجديد لمن صلى بطهره الأول صلاة ما.