الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما يقول إذا غضب
قال الله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ
…
} [آل عمران: 134] الآية وقال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 200].
وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم"
ــ
جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بتبوك فقال: يا محمد مات معاوية بن معاوية المزني بالمدينة فتحب أن تصلي عليه قال: نعم فضرب بجناحه الأرض فلم تبق شجرة ولا أكمة إلا تضعضعت ورفع له بربوة حتى نظر إليه فصلى عليه وخلفه صفان من الملائكة في كل صف ألف ملك فقال صلى الله عليه وسلم لجبريل: "يا جبريل بم نال هذه المنزلة" قال: "بحبه قل هو الله أحد وقراءته إياها جائياً وذاهباً وقائماً وقاعداً وعلى كل حال"، وقد روي في كل صف ستون ألف ملك وروي من طريق أخرى عن أنس وفيها معاوية بن معاوية الليثي ورواه بقية بن الوليد عن محمد بن زياد عن أبي أمامة نحوه وقال معاوية بن مقرن المزني قال أبو عمر: أسانيد هذه الأحاديث ليست بالقوية ومعاوية بن مقرن المزني وإخوته النعمان وسويد ومعقل وكانوا سبعة معروفين في الصحابة مشهورين قال: وأما معاوية بن معاوية فلا أعرفه بغير ما ذكر وفضل: قل هو الله أحد لا ينكر اهـ، ونقله المصنف في التهذيب أيضاً عن ابن عبد البر وأقره عليه.
باب ما يقول إذا غضب
بكسر الضاد المعجمة.
الغضب غليان دم القلب طلباً لدفع المؤذي عند خشية وقوعه أو للانتقام ممن حصل منه الأذى بعد وقوعه وقيل: عرض يتبعه غليان دم القلب لإرادة الانتقام ويؤيد الأول حديث أحمد والترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال في خطبته: "إلا إن الغضب جمرة تتوقد في قلب ابن آدم ألا ترون إلى انتفاخ أوداجه واحمرار عينيه" الحديث. قوله: (والكاظمين الغيظ) أي الممسكين ما في أنفسهم من الغيظ بالصبر فلا يظهر له تأثير في الخارج وغرض الشيخ إن الله تعالى جعل هذه الأوصاف في جملة أوصاف المحسنين الذين يحبهم رب العالمين والغيظ كما في مفردات الراغب أشد غضب وهو الحرارة التي يجدها الإنسان من فوران دم قلبه اهـ. قوله: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ} [الأعراف: 200] أي
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما الشَّديدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ".
وروينا في "صحيح مسلم" عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تَعُدُّونَ الصُّرعَةَ فِيكُمْ؟ " قلنا: الذي لا تصرعه الرِّجال، قال:"ليسَ بذلكَ، ولَكِنهُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ".
قلت: الصرعة -بضم الصاد وفتح الراء- وأصله الذي يصرع النّاس كثيراً كالهُمَزة واللُّمَزة الذي يهمزهم كثيراً.
وروينا في سنن أبي
ــ
ينخسنك بأن يحملك على وسوسة ما لا يليق فاطلب العياذ بالله منه وهو اللوذ والاستجارة وإن شرطية وما صلة ونزغ هو الفاعل وهو مصدر يراد به اسم الفاعل أي نازغ وختم بهاتين الصفتين المحيطتين بما في الضمائر كذا في النهر
لأبي حيان. قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) وعند أحمد والشيخين من حديث أبي هريرة مرفوعاً ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب. قوله: (تعدون) بفتح الفوقية وضم المهملتين قال المصنف: أي تعتقدون. قوله: (ليس بذلك) أي الذي ينصرف إليه اسم الصرعة عند الاطلاق ليس من تعتقدون بل هو الذي يملك نفسه الخ وفيه إن مجاهدة النفس أشد من مجاهدة العدو وهي الجهاد الأكبر والشجاعة الحقيقية. قوله: (الصرعة الخ) قال المنذري في الترغيب الصرعة بضم الصاد وإسكان الراء من يصرعه النّاس كثيراً حتى لا يكاد يثبت مع أحد وكل من يكثر منه الشيء يقال فيه: فعلة بضم الفتح أي كهمزة لمزة فإن سكنت ثانيه انعكس وصار بمعنى من يفعل به ذلك كثيراً اهـ، وقال الكرماني: الصرعة بضم إلصاد المهملة وفتح الراء الذي يصرع الرجل مكثراً فيه وهو بناء للمبالغة كحفظة أي كثير الحفظ اهـ، وقال في كتاب الإيمان في حديث عمر في قوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} الخ، الفرق بين فعلة ساكن العين وفي علة متحركه إن الساكن بمعنى المفعول والمتحرك بمعنى الفاعل يقال: رجل ضحكه بسكون الحاء أي مضحوك عليه وضحكة بحركة الحاء أي ضاحك على غيره وكذا همزة لمزة وهذه قاعدة كلية اهـ. قوله: (يهمزهم) أي يغتابهم والهمز الاغتياب واللمز الإعابة.
قوله: (وروينا في سنن أبي
داود، والترمذي، وابن ماجه، عن معاذ بن أنس الجهني الصحابي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ كظَمَ غَيظاً وهُوَ قادِرُ على أنْ يُنْفِذَهُ دعاه اللهُ سبحانه وتعالى على رؤوسِ الخَلائِقِ يَومَ القِيامَةِ حتَّى يُخَيَّرَهُ مِنَ الحُورِ ما شَاءَ" قال الترمذي: حديث حسن.
وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن سليمان بن صُرَد الصحابي
ــ
داود الخ) قال ابن حجر الهيتمي في شرح الأربعين رواه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي اهـ. قوله: (وهو قادر على أن ينفذه) قيد في حصول ثواب كظم الغيظ المذكور. قوله: (دعاه الله على رءوس الخلائق) أي تنويها بشأنه وتشريفاً له وعند ابن أبي الدنيا في ذم الغضب من حديث أبي هريرة مرفوعاً من كظم غيظاً وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمناً وإيماناً وعنده أيضاً من حديث ابن عمر مرفوعاً من كف غضبه ستر الله عورته.
قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) ورواه أبو داود والنسائي وفي رواية لأبي داود
والترمذي والنسائي من حديث معاذ اللهم إني أعوذ بك من شر الشيطان الرجيم كذا في السلاح. قوله: (عن سليمان بن صرد) الصحابي بضم الصاد وفتح الراء وبالدال المهملات مصروف الخزاعي كان اسمه في الجاهلية يساراً فسماه النبي صلى الله عليه وسلم سليمان وكان خيراً فاضلاً ذا دين وعبادة وشرف في قومه سكن الكوفة: أول ما كوفها سعد ونفى عنها الأعاجم وشهد مع علي رضي الله عنه حروبه وكان ممن كتب إلى الحسين بن علي بعد موت معاوية فلما قتل الحسين سقط في يده ندماً فسار هو والمسيب بن نحبة الفزاري وجميع من خذل الحسين وقالوا: ما لنا توبة إلا أن نطلب بدمه فخرجوا من الكوفة مستهل ربيع الآخر من سنة خمس وستين ولو أمرهم سليمان بن صرد وسموه أمير التوابين وساروا إلى عبيد الله بن زياد وكان قد سار من الشام في جيش كبير يريد العراق فالتقوا بعين الوردة من أرض الجزيرة وهي رأس عين فقتل سليمان بن صرد وكثير ممن معه وحمل رأس سليمان إلى مروان بن الحكم بالشام وكان عمر سليمان حين قتل ثلاثاً وتسعين سنة روي لسليمان رضي الله عنه خمسة عشر حديثاً اتفقا منها على هذا الحديث وانفرد البخاري بحديث قال صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: "اليوم نغزوهم ولا يغزونا"
رضي الله عنه قال: كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبَّان، وأحدهما قد احمرَّ وجهه، وانتفخت أوداجُه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنيِ لأعْلَمُ كَلمَة لَوْ قالَها لَذَهَبَ عنْهُ ما يَجدُ، لَوْ قال: أعُوذُ باللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ، ذهَبَ عَنْهُ ما يَجدُ، فقالوا له:
ــ
وخرج له الأربعة. قوله: (ورجلان يستبان) بفتح التحتية وسكون السين المهملة وفتح الفوقية بعدها موحدة مشددة افتعال من السباب أي يسب كل منها صاحبه. قوله: (وأحدهما قد احمر وجهه) أي من شدة الغضب لأنه يثير في القلب حرارة عظيمة قد يقتل صاحبها بإطفائها الحرارة الغريزية وقد لا لانتشارها في بقية الأعضاء لا سيما الوجه لأنه ألطفها وأقربها إلى القلب والبشرة لصفائها كالزجاجة تحكي لون ما وراءه ثم محل كون الحمرة تعلو وجه الغضبان إذا غضب على من دونه واستشعر القدرة عليه فإن كان الغضب ممن فوقه وأيس من الانتقام منه انقبض الدم إلى جوف القلب وكمن فيه فصار حزناً فاصفر اللون أو من مساويه الذي يشك في القدرة عليه تردد الدم بين انقباض وانبساط فيصير لونه بين حمرة وصفرة فالغضب فوران الدم وغليانه كما مر. قوله: (وانتفخت أوداجه) في النهاية الأوداج ما أحاط بالعنق من العروق التي يقطعها الذابح واحدها ودج قلت هو بفتح الواو والدال المهملة وبالجيم قال في المصباح وكسر الدال لغة وقيل الودجان عرقان غليظان عن جانبي ثغرة النحر ومنه حديث فانتفخت أوداجه. قوله (كلمة) المراد منها معناها اللغوي. قوله: (لذهب عنه) أي ببركتها. قوله: (ما يجد) أي ما يجده من الغضب الذي يخشى عليه منه وهذا مستمد من قوله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} الآية. قوله: (لو قالها الخ) الجملة الأولى الشرطية وجوابها في محل الصفة لكلمة وقوله لو قال الخ كذلك بدل من الجملة قبلها وقوله: أعوذ بالله الخ خلف من الضمير العائد للموصوف. قوله: (أعوذ) أي أعتصم وألتجئ (بالله من الشيطان الرجيم) فإنه هو الذي يثير الغضب في القلب ويحسنه للإنسان حتى يوقعه في الهلاك الحسي أو الشرعي. قوله: (فقالوا) أي الصحابة الحاضرون (له) أي للرجل
إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تَعَوَّذْ بالله مِنَ الشيطانِ الرَّجِيمِ، فقال: وهل بي من جنون؟ ".
وروينا في كتابي أبي داود والترمذي بمعناه، من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم،
ــ
المغضب. قوله: (إن النبي صلى الله عليه وسلم قال الخ) هذه رواية منهم بالمعنى لا بخصوص المبنى الصادر منه صلى الله عليه وسلم. قوله: (فقال وهل بي من جنون) قال المصنف: هذا قول من لم يتفقه في دين الله ولم يتهذب
بأنوار الشريعة المكرمة ويوهم أن الاستعاذة مختصة بالجنون ولم يعلم أن الغضب من نزغات الشيطان ولهذا يخرج الإنسان عن اعتدال حاله ويتكلم بالباطل ويفعل المذموم ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم لمن قال له: "أوصني لا تغضب" فكرر السؤال فكرر الجواب، ولم يزد عليه ففيه دليل على عظيم مفسدة الغضب وما ينشأ منه وفي فتح الإله هذا الجواب إنما يصدر من منافق أو من جفاة العرب المنطوي على ما منع تأثير نور النبوة فيه وقد يعتذر عنه بفرض أنه من غير منافق بأن شدة سورة الغضب أدهشته عن أن يسمع ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم على وجهه وحمله على أنه بادر بهذا الكلام قبل تأمله فلذا لم يعاتبه صلى الله عليه وسلم وهذا أوضح من قول النووي هذا قول من لم يتفقه في دين الله الخ، قال ابن حجر الهيتمي نقلاً عن بعضهم في رواية أبي داود ذلك الرجل هو معاذ فإن صح أنه معاذ وأنه ابن جبل فيتعين تأويله على أنه وقع منه قرب إسلامه ومع ذلك يعتذر عنه بما تقدم آنفاً لأنه من أكابر الصحابة وقد قال في حقه صلى الله عليه وسلم:"أعلم أمتي بالحلال والحرام" معاذ بن جبل وولاه صلى الله عليه وسلم اليمن مدة طويلة فظهرت له آثار عظيمة وقال له صلى الله عليه وسلم: "يا معاذ إني أحب لك ما أحب لنفسي" فإذا فرغت من صلاتك فقل: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك فتأمل قوله: "أحب لك ما أحب لنفسي" بحد مرتبته تأبى ذلك القول وقد يؤيد ما تقرر فيه قوله وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصيه قال: "لا تغضب" فقال: يا رسول الله أوصني فقال: "لا تغضب" فأعاد ذلك فقال: "لا تغضب" فهذا يدل على أنه كان عنده سورة غضب شديدة فوقع منه ما سبق لكن بالتأويل المذكور فتأمله اهـ، وقال الشيخ زكريا في حديث أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني قال: "لا تغضب"
قال الترمذي: هذا مرسل: يعني أن عبد الرحمن لم يدرك معاذاً.
وروينا في كتاب ابن السني، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"دخل عليَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأنا غضبَى، فأخذ بطرف المَفْصِل من أنفي، فعرَكه، ثم قال: يا عُوَيْشُ قُولي: اللَّهُمَّ اغفِر لي ذَنْبي، واذهِبْ غَيظَ قَلْبي، وأجِرْني مِنَ الشيطانِ".
وروينا في سنن أبي داود، عن عطية بن عروة السعدي الصحابي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الغَضَبَ مِنَ الشَّيطَانِ، وإن الشيطانَ خُلِقَ مِنَ النارِ، وإنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بالماءِ، فإذَا غَضِبَ أحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ".
ــ
إنه جارية بالجيم والتحتية آخره تاء ابن قدامة ولعله صدر منه لكل من الاثنين فلا مخالفة. قوله: (قال الترمذي هذا مرسل الخ) قال الترمذي لأن معاذاً مات في خلافة عمر بن الخطاب وقتل عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن أبي ليلى غلام ابن ست سنين هكذا روى شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى وقد روى عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر بن الخطاب ورآه، وعبد الرحمن بن أبي ليلى يكنى أبا عيسى وأبو ليلى اسمه يسار روى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اهـ، كلام الترمذي في الجامع. وقوله:(وأنا غضبى) مؤنث غضبان. قوله: (فأخذ بطرف المفصل من أنفي) كأنه برأس الأرنبة وفركه ليسكن ما عندها من الغضب. قوله: (يا عويش) خاطبها بتصغير اسمها تصغير ترخيم تلطفاً معها كما قال من قال:
ما قلت حبيبي من التحقير
…
بل يعذب اسم الشخص للتصغير
ويجوز في عويش الفتح والضم على الانتظار وتركه كما تقدم. قوله: (اللهم اغفر لي ذنبي) أي لأن الذنب يوقع الإنسان في حبائل الشيطان الذي يوسوس بالأذى ويبعث على الغضب. قوله
(وأذهب غيظ قلبي) أي أشد غضبه والغضب تقدم تعريفه بما يدل على أن منشأه غليان دم القلب وفورانه لأمر يعرض على خلاف المراد. قوله: (وأجرني من الشيطان) أي الذي يوسوس بكل قبيح من غيظ وغضب