الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الحث على المشاورة
قال الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159] والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة مشهورة، وتغني هذه الآية الكريمة عن كل شيء، فإنه إذا أمر الله سبحانه وتعالى في كتابه نصاً
جلياً نبيَّه صلى الله عليه وسلم بالمشاورة مع أنه أكمل الخلق، فما الظنُّ بغيره؟ .
واعلم أنه يستحبُّ لمن همَّ بأمر أن يشاور فيه من يثق بدِينه
ــ
باب الحث على المشاورة
أي الحض على الاستضاءة برأي الغير فيما يريد الإنسان فعله. قوله: (وشاورهم في الأمر) في ذلك دليل على المشاورة وتحرير الرأي وتنقيحه والفكر فيه وإن ذلك مطلوب شرعاً وأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بمشاورتهم تطييباً لخواطرهم وتنبيهاً على رضاه صلى الله عليه وسلم حيث جعلهم أهلاً للمشاورة إيذاناً بأنهم أهل المحبة الصادقة والمناصحة إذ لا يستشير الإنسان إلا من كان فيه المودة والعقل والتجربة، ومنهج العرب وعادتها الاستشارة في الأمور وإذا لم يشاور أحداً منهم حصل في نفسه شيء ولذا عز على علي وأهل البيت كونهم استبد عليهم بترك المشاورة في خلافة أبي بكر، وفي أمره صلى الله عليه وسلم بالمشاورة التشريع للأمة ليقتدوا به في ذلك قال ابن عطية الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام ومن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب وهذا مما لا خلاف فيه والمستشار في الدين عالم دين وقلماً يكون ذلك إلا في عاقل اهـ، لفظه وفيه بعض تلخيص. قوله:(وتغني هذه الآية) أي للأمر فيها للنبي
صلى الله عليه وسلم مع كماله وزيادة فضله بالمشاورة فغيره بالأولى. قوله: (نصّاً جليّاً) وصف توضيحي ونصبه إما بنزع الخافض أو على الحال أو وصف للمصدر أي أمر نبيه بالمشاورة أمراً نصاً جلياً. قوله: (مع أنه أكمل الخلق) أي عقلاً ورأياً وعلماً وفي سائر أنواع الكمال. قوله: (لمن هم بأمر) أي خطر بخاطره وأراد فعله. قوله: (بدينه) إذ من لا دين له لا وثوق برأيه فقد يحمله هواه مع عدم دينه على الإرشاد بما فيه الضرر.
وخِبْرته وحِذْقه ونصيحته وورَعه وشفقته. ويستحبُّ أن يشاور جماعة بالصفة المذكورة ويستكثر منهم، ويعرفهم مقصوده من ذلك الأمر، ويبين لهم ما فيه من مصلحة ومفسدة إن علم شيئاً من ذلك، ويتأكدُ الأمر بالمشاورة في حق وُلاة الأمور العامة، كالسلطان، والقاضي، ونحوهما، والأحاديث الصحيحة في مشاورة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصحابَه ورجوعَه إلى أقوالهم كثيرة مشهورة،
ــ
قوله: (وخبرته) بضم المعجمة وسكون الموحدة أي معرفته لبواطن الأمور إذ من لا معرفة له بالشيء لا يظهر خيره من غيره. قوله: (وصدقه) أي في نفسه فإن من كان بخلاف ذلك ربما حمله طلب استمالة الخواطر إلى الإشارة بما الخير في نفس الأمر بخلافه. قوله: (ونصيحته) أي لمن استشار مطلقاً أوله بخصوصه والأول أكمل فإن من يوثق بنصيحته النفس لقوله أسكن. قوله: (وورعه) أي ليمنعه الورع من الإشارة بخلاف ما يتبع. قوله: (وشفقته) أي على جميع الخلق أو عليه بخصوصه والأول أكمل لكون شفقة أشمل. قوله: (ويستحب أن يشاور جماعة) أي ليقوي سكون قلبه لذلك الفعل لما اتفق عليه القوم من الإشارة به وإذا اختلف المشيرون عليه قدم رأي ذي الدين والورع والنصح الخير على غيره. قوله: (ويبين لهم ما فيه من مصلحة ومفسدة إن علم شيئاً من ذلك) أي ليزداد الخبير بها بذكر ذلك معرفة إلى معرفته وتحصل به الخبرة لغيره. قوله: (ويتأكد الأمر بالمشاورة في حق ولاة الأمور) أي لأن أمورهم تعود على العباد صلاحاً وفساداً. قوله: (والأحاديث الصحيحة في مشاورات عمر بن الخطاب أصحابه ورجوعه إلى قولهم كثيرة مشهورة) من ذلك ما في صحيح البخاري لما أراد الذهاب إلى الشام فأخبر بالوباء فاستشار الصحابة في القدوم إلى الشام مع الوباء والرجوع عنها لذلك فأشار الأكثرون بالعود فعاد ثم جاء عبد الرحمن بن عوف وروى في ذلك خبراً مرفوعاً
ثم فائدة المشاورة القبول من المستشار إذا كان بالصفة المذكورة، ولم تظهر المفسدة فيما أشار به، وعلى المستشار بذلُ الوسع في النصيحة وإعمالُ الفكر في ذلك.
فقد روينا في "صحيح مسلم" عن تميم الداري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ"، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: "للهِ وكتَابِهِ وَرَسُولِهِ وأئمةِ المُسْلِمِينَ وعَامَّتِهِمْ".
وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المُسْتَشارُ مُؤْتَمَنٌ".
ــ
فيه النهي عن القدوم على الأرض الوبيئة ومنها ما في. قوله: (ثم فائدة المشاورة القبول الخ) فإن المشير إذا علم العمل بإشارته وكان موصوفاً بما تقدم زاد في محض النصح وحسن الإشارة بخلاف ما إذا توهم إن ذلك لمجرد استبانة الرأي من غير عمل ربما حمله ذلك على التساهل في الأمر لكونه لا يخشى ترتب شيء على ما أشار به. قوله: (وعلى المستشار بذل الوسع) بضم الواو أي الطاقة في النصيحة أي لكون المستشير رضي برأيه فحقه أن يبالغ في ذلك أداء لحق النصح قال بعضهم وآفة من استشير ولم ينصح الابتلاء بخلل في عقله. قوله: (وإعمال الفكر في ذلك) أي في النصيحة ومحض الرأي والنظر في عواقب الأمر ديناً ودنيا والله الموفق.
قوله: (فقد روينا في صحيح مسلم الخ) وترجمة تميم سبقت في كتاب الأسماء والكنى والكلام على حديثه سيأتي في الكلام على الأحاديث التي ختم بها الشيخ الكتاب. قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) قال في الجامع الصغير رواه أصحاب السنن الأربعة عن أبي هريرة ورواه الترمذي عن أم سلمة ورواه ابن ماجه عن ابن مسعود ورواه الطبراني في الكبير عن سمرة وزاد فيه إن شاء أشار وإن شاء لم يشر ورواه الطبراني في الأوسط عن علي رضي الله عنه وزاد بعد قوله مؤتمن فإذا استشير فليشر بما هو صانع لنفسه وتقدم في أذكار المسافر زيادة بسط في تخريج هذا الحديث وفي فوائد متعلقة بالمشاورة. قوله: (المستشار مؤتمن) أي