الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب استحباب إعلام الرجل من يحبه أنه يحبه وما يقوله له إذا أعلمه
روينا في سنن أبي داود والترمذي عن المقدام بن معد يكرب رضي الله
ــ
وإذا أجير الإنسان من الشيطان، بفضل المنان، وادخل ساحة التوحيد، ورأى الأمور من الفعال لما يريد، وأن من يظهر عليه الأثر إما واسطة كبرى وهو من له عقل واختيار كالإنسان أو صغرى وهو من انتفيا عنه كالعصا أو وسطى وهو من فيه الثاني دون الأول فلا يغضب من شيء لأنه إما أن يغضب على الخالق وهو جراءة تنافي العبودية أو على المخلوق وهو إشراك ينافي التوحيد وسيد أهل هذا المقام سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم أبد الآبدين حيث قال: أنس خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي لشيء فعلته لم فعلته ولا لشيء تركته لم لم تفعله ولكن يقول قدر الله ما شاء فعل ولو قدر الله لكان ذلك لكمال معرفته صلى الله عليه وسلم بأنه تعالى هو الفاعل المعطي المانع النافع الضار وما أحسن ما قيل في هذا المعنى:
إذا ما رأيت الله في الكل فاعلاً
…
رأيت جميع الكائنات ملاحا
وقول آخر:
وكل الذي شاهدته فعل واحد
…
بمفرده لكن بحجب الأكنه
باب استحباب إعلام الرجل من يحبه أنه يحبه وما يقوله
أي المحبوب (له) أي المحب (إذا أعلمه) بمحبته له وذكر الرجل لكونه هو الأفضل وإلا فالمرأة إذا أحبت المرأة أو محرماً لها أو زوجاً ونحوه فينبغي لها الإعلام بذلك. قوله: (روينا في سنن أبي داود الخ) وكذا رواه ابن السني. قوله: (عن المقدام بن معد يكرب) بكسر الميم وسكون القاف ومعدي بفتح الميم وسكون العين وكسر الدال المهملتين وسكون الياء وكرب بوزن علم وهو أبو كريمة وقيل: أبو يحيى المقدام بن معد يكرب بن عمرو بن يزيد معد يكرب الكندي أحد الوفد الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من كندة بالشأم مات بالشأم سنة سبع وثمانين وهو ابن جدي وتسعين سنة عداده في أهل الشام روى له عن رسول الله
عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أحَبَّ الرَّجُلُ أخاهُ فَلْيُخْبِرْهُ أنَّهُ يُحِبهُ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وروينا في سنن أبي داود، عن أنس رضي الله عنه "أن رجلاً كان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فمرّ رجل فقال: يا رسول الله إني لأحبُّ هذا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أعْلَمْتَهُ؟ " قال: لا، قال: "أعْلِمْهُ"، فلحقه فقال: إني أحبك في الله، قال: "أحبَّكَ الذي أحببتني له".
وروينا في سنن أبي داود والنسائي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال: "يا مُعاذُ، واللهِ إني لأُحِبُّكَ، أُوصِيكَ يا مُعاذ لا تَدَعَنَّ في دُبُرِ كُل صَلاةٍ أنْ تقولَ: اللهُم أَعِنِّي
ــ
صلى الله عليه وسلم سبعة وأربعون حديثاً روى له البخاري في صحيحه حديثين وخرج عنه الأربعة روى عنه خالد بن معدان وشريح بن عبيد وراشد بن سعد وغيرهم. قوله: (إذا أحب الرجل أخا) أي محبة زائدة على ما تقتضيه عموم محبة المؤمنين. قوله: (فليخبره أنه يحبه) أي ليحبه صاحبه أيضاً
فيكونا من المتحابين بذلك ويكتبا كذلك. قوله: (وروينا في سنن أبي داود) قال في السلاح وكذا رواه النسائي وابن حبان قلت: واقتصار الشيخ على أبي داود لكونه رواه بهذا اللفظ. قوله: (أعلمته) أي بأنك تحية محبة خاصة. قوله: (أعلمه) أي ليحبك الله كما أحببته له. قوله: (إني أحبك في الله) أي لله قال يحيى بن معاذ علامة الحب في الله ألا يزيد بالبر ولا ينقص بالجفاء. قوله: (أحبك الذي الخ) أي أحبك الله الذي أحبني لأجله أي لأمره بالتحابب والتوادد كما قال صلى الله عليه وسلم: "وكونوا عباد الله إخواناً" والجملة دعائية أخرجها مخرج الماضي تحقيقاً له وحرصاً على وقوعه.
قوله: (ورينا في سنن أبي داود الخ) قال في السلاح عن معاذ أنه صلى الله عليه وسلم أخذ بيده يوماً ثم قال: "يا معاذ والله إني لأحبك" فقال له معاذ: بأبي أنت وأمي يا رسول الله وأنا والله أحبك قال: "أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" وأوصى بذلك معاذ الصنابحي وأوصى به الصنابحي أبا عبد الرحمن هو الحبلي بضم الموحدة والمهملة وأوصى به أبو عبد الرحمن عقبة بن مسلم رواه أبو
على ذِكرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ".
وروينا في كتاب الترمذي عن يزيد بن نعامة الضبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا آخَى الرجُلُ الرَّجُلَ فَلْيَسْأَلْهُ عَنِ اسْمِهِ واسْم أبِيهِ وَمِمَّنْ هُوَ، فإنهُ أوْصَلُ لِلْمَوَدَّةِ".
قال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، قال: ولا نعلم ليزيد بن نعامة سماعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم،
ــ
داود والنسائي واللفظ له والحاكم وابن حبان في صحيحيهما وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين اهـ، قال الشيخ عز الدين بن فهد في مسلسلاته وصححه ابن حبان قال شيخنا السخاوي في كونه على شرطهما نظر فإنهما لم يخرجا لعقبة ولا من رواية الصنابحي عن معاذ شيئاً ولا أخرج البخاري للحبلي وزاد العز بن فهد فذكر في مخرجه ابن خزيمة قال: فأخرجه في صحيحه والبزار اهـ، والحديث عند ابن السني من حديث معاذ. قوله:(على ذكرك) أي الشامل للقرآن وغيره من الأذكار وفيه تلميح إلى قوله تعالى: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} إذ لا وصول للعبد إلى شيء من الخيرات إلا بحول الله وقوته. قوله: (وشكرك) أي شكر نعمك الظاهرة والباطنة الدنيوية والأخروية التي لا يمكن إحصاؤها قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} قوله: (وحسن عبادتك) أي بالقيام بالشرائط والأركان والآداب والخضوع والخشوع والإخلاص فيها والتوجه التام الحاصل بها وتقدم الكلام على الحديث متناً وإسناداً في باب الأذكار بعد الصلاة.
قوله: (وروينا في كتاب الترمذي الخ) قال في الجامع الصغير: أخرجه ابن سعد والبخاري في التاريخ والترمذي من حديث يزيد بن نعامة الضبي ويزيد بفتح التحتية الأولى وسكون الثانية بينهما زاي مكسورة آخره قال مهملة ونعامة بضم النون وفتح العين المهملة والضبي بفتح الضاد المعجمة وتشديد الموحدة نسبة إلى ضبة. قوله: (إذا آخى الرجل) آخى بهمزة ممدودة أي صيره أخاً له ويقال
وأخاً بإبدال الهمزة واواً ومنه وأخى صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار. قوله: (وممن هو) أي من أي القبائل. قوله: (فإنه أوصل للمودة) أي لأسعاره بالاعتناء بشأنه ومعرفة قبيلته. قوله: (قال: ولا نعلم ليزيد بن نعامة الخ) قال في أسد الغابة