المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب استحباب التبشير والتهنئة - الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية - جـ ٦

[ابن علان]

فهرس الكتاب

- ‌باب تشميت العاطس وحكم التثاؤب

- ‌فصل: فيما إذا عطس يهودي

- ‌باب المدح

- ‌فائدة

- ‌باب مدح الإنسان نفسه وذكر محاسنه

- ‌باب في مسائل تتعلق بما تقدم

- ‌كتاب أذكار النكاح وما يتعلق به

- ‌باب ما يقوله من جاء يخطب امرأة من أهلها لنفسه أو لغيره

- ‌باب عرض الرجل بنته وغيرها ممن إليه تزويجها على أهل الفضل والخير ليتزوجوها

- ‌باب ما يقوله عند عقد النكاح

- ‌باب ما يقال للزوج بعد عقد النكاح

- ‌فصل "يكره أن يقال للمتزوج بالرفاء والبنين لما قدمناه في كتاب النكاح" اه

- ‌باب ما يقول الزوج إذا دخلت عليه امرأته ليلة الزفاف

- ‌باب ما يقال للرجل بعد دخول أهله عليه

- ‌باب ما يقوله عند الجماع

- ‌باب ملاعبة الرجل امرأته وممازحته لها ولطف عبارته معها

- ‌باب بيان أدب الزوج مع أصهاره في الكلام

- ‌باب ما يقال عند الولادة وتألم المرأة بذلك

- ‌باب الأذان في أذن المولود

- ‌باب الدعاء عند تحنيك الطفل

- ‌كتاب الأسماء

- ‌باب تسمية المولود

- ‌باب تسمية السقط

- ‌باب استحباب تحسين الاسم

- ‌باب بيان أحبِّ الأسماء إلى الله عز وجل

- ‌تتمة

- ‌باب استحباب التهنئة وجواب المهنَّأ

- ‌باب النهي عن التسمية بالأسماء المكروهة

- ‌باب ذكر الإنسان من يتبعه من ولد أو غلام أو متعلم أو نحوهم باسم قبيح ليؤدِّبه ويزجره عن القبيح ويروِّض نفسه

- ‌باب نداء من لا يعرف اسمه

- ‌باب نهي الولد والمتعلم والتلميذ أن ينادي أباه ومعلمه وشيخه باسمه

- ‌باب استحباب تغيير الاسم إلي أحسن منه

- ‌باب جواز ترخيم الاسم إذا لم يتأذَّ بذلك صاحبه

- ‌باب النهي عن الألقاب التي يكرهها صاحبها

- ‌باب جواز استحباب اللقب الذي يحبه صاحبه

- ‌باب جواز الكنى واستحباب مخاطبة أهل الفضل بها

- ‌باب كنية الرجل بأكبر أولاده

- ‌باب كنية الرجل الذي له أولاد بغير أولاده

- ‌باب كنية من لم يولد له وكنية الصغير

- ‌باب النهي عن التكني بأبي القاسم

- ‌باب جواز تكنية الكافر والمبتدع والفاسق إذا كان لا يعرف إلا بها أو خيف من ذكره باسمه فنتة

- ‌باب جواز تكنية الرجل بأبي فلانة وأبي فلان والمرأة بأم فلان وأم فلانة

- ‌كتاب الأذكار المتفرقة

- ‌باب استحباب حمد الله تعالى والثناء عليه عند البشارة بما يسرّه

- ‌باب ما يقول إذا سمع صياح الديك ونهيق الحمار ونباح الكلب

- ‌باب ما يقوله إذا رأى الحريق

- ‌باب ما يقوله عند القيام من المجلس

- ‌باب دعاء الجالس في جمع لنفسه ومن معه

- ‌باب كراهة القيام من المجلس قبل أن يذكر الله تعالى

- ‌باب الذكر في الطريق

- ‌باب ما يقول إذا غضب

- ‌باب استحباب إعلام الرجل من يحبه أنه يحبه وما يقوله له إذا أعلمه

- ‌باب ما يقول إذا رأى مُبتلى بمرضٍ أو غيره

- ‌باب استحباب حمد الله تعالى للمسؤول عن حاله وحال محبوبه مع جوابه إذا كان في جوابه إخبار بطيب حاله

- ‌باب ما يقول إذا دخل السوق

- ‌باب استحباب قول الإنسان لمن تزوَّج تزوجاً مستحباً، أو اشترى أو فعل فعلاً يستحسنه الشرع: أصبت أو أحسنت ونحوه

- ‌باب ما يقول إذا نظر في المرآة

- ‌باب ما يقول عند الحجامة

- ‌باب ما يقول إذا طنَّت أذنه

- ‌باب ما يقوله إذا خدرت رجله

- ‌باب جوازه دعاء الإنسان على من ظلم المسلمين أو ظلمه وحده

- ‌باب التبرِّي من أهل البدع والمعاصي

- ‌باب ما يقوله إذا شرع في إزالة منكر

- ‌باب ما يقول من كان في لسانه فحش

- ‌باب ما يقوله إذا عثرت دابته

- ‌باب بيان أنه يستحبُّ لكبير البلد إذا مات الوالي أن يخطب النَّاس ويعظهم ويأمرهم بالصبر والثبات على ما كانوا عليه

- ‌باب دعاء الإنسان لمن صنع معروفاً إليه أو إلى النَّاس كلهم أو بعضهم، والثناء عليه وتحريضه على ذلك

- ‌باب استحباب مكافأة المهدي بالدعاء للمهدى له إذا دعا له عند الهدية

- ‌باب استحباب اعتذار من أهديت إليه هدية فردَّها لمعنى شرعي بأن يكون قاضياً أو والياً أو كان فيها شبهة أو كان له عذر غير ذلك

- ‌باب ما يقول لمن أزال عنه أذى

- ‌باب ما يقول إذا رأى الباكورة من الثمر

- ‌باب استحباب الاقتصاد في الموعظة والعلم

- ‌باب فضل الدلالة على الخير والحث عليها

- ‌باب حثّ من سُئل علماً لا يعلمه ويعلم أن غيره يعرفه على أن يدله عليه

- ‌باب ما يقول من دُعي إلى حكم الله تعالى

- ‌باب الإعراض عن الجاهلين

- ‌باب وعظ الإنسان من هو أجلّ منه

- ‌باب الأمر بالوفاء بالعهد والوعد

- ‌باب استحباب دعاء الإنسان لمن عرض عليه ماله أو غيره

- ‌باب ما يقوله المسلم للذمي إذا فعل به معروفاً

- ‌باب ما يقوله إذا رأى من نفسه أو ولده أو ماله أو غير ذلك شيئاً فأعجبه وخاف أن يصيبه بعينه أو يتضرَّر بذلك

- ‌باب ما يقول إذا رأى ما يحبُّ وما يكره

- ‌باب ما يقول إذا نظر إلى السماء

- ‌باب ما يقول إذا تطيَّر بشيء

- ‌باب ما يقول عند دخول الحمام

- ‌باب ما يقول إذا اشترى غلاماً أو جارية أو دابة، وما يقوله إذا قضى دَيناً

- ‌باب ما يقول من لا يثبت على الخيل ويدعى له به

- ‌باب نهي العالِمِ وغيره أن يحدّث النَّاس بما لا يفهمونه، أو يخاف عليهم من تحريف معناه وحمله على خلاف المراد

- ‌باب استنصات العالم والواعظ حاضري مجلسه ليتوفروا على استماعه

- ‌باب ما يقوله الرجل المقتدى به إذا فعل شيئاً في ظاهره مخالفة للصواب مع أنه صواب

- ‌باب ما يقوله التابع للمتبوع إذا فعل ذلك أو نحوه

- ‌باب الحث على المشاورة

- ‌باب الحثِّ على طيب الكلام

- ‌باب استحباب بيان الكلام وإيضاحه للمخاطب

- ‌باب المزاح

- ‌باب الشفاعة

- ‌باب استحباب التبشير والتهنئة

- ‌باب جواز التعجب بلفظ التسبيح والتهليل ونحوهما

- ‌باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌كتاب حفظ اللسان

- ‌باب تحريم الغيبة والنميمة

- ‌باب بيان مهمات تتعلق بحدِّ الغيبة

- ‌باب بيان ما يدفع به الغيبة عن نفسه

الفصل: ‌باب استحباب التبشير والتهنئة

وروينا في "صحيح البخاري" عن ابن عباس قال: لما قدم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر نزل على ابن أخيه الحز بن قيس، وكان من النفر الذين يُدنِيهم عمرُ رضي الله عنه، فقال عيينة: يا ابن أخي لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه، فاستأذن، فأذن له عمرُ، فلما دخل قال: هي يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى همَّ أن يوقع به، فقال الحر: يا أمير المؤمنين إن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] وإن هذا من الجاهلين، فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب الله تعالى.

‌باب استحباب التبشير والتهنئة

ــ

والمطلوب منه مشفوعاً إليه والمطلوب له مشفوعاً له والشيء مشفوعاً فيه فكل شافع فهو داع وسائل وطالب وراغب وكل مشفوع إليه مدعو ومسؤول ومرغوب إليه هذا كلامه فشرط في تسميتها شفاعة أن يكون الشافع دون المشفوع إليه وحينئذ فقول بريرة أتأمر أم تشفع ترد حقيقة الشفاعة لفقدان شرطها بل المعنى أم تخير وقوله بل أشفع معناه بل أخير ولم تفهم بريرة غير ذلك وإطلاق الشفاعة على التخيير مجاز لما بينهما من عدم الإيجاب في الموضعين ويجوز أن يكون أراد صلى الله عليه وسلم من كلامه هذا اختبار بريرة هل لها رغبة في زوجها فيأمرها برده فلما قالت: لا حاجة لي فيه ظهر له كراهتها له فلم يأمرها برده اهـ، ملخصاً. فولى:(وروينا في صحيح البخاري الخ) تقدم الكلام عليه في باب الإعراض عن الجاهلين.

باب استحباب التبشير والتهنئة

ألف الحافظ السيوطي في هذا المعنى جزءاً وسماه محصول الأماني بأصول التهاني وأورد فيه أحاديث وآثاراً في التهنئة بأحدال عالية وأزمنة فاضلة وأعمال كاملة

ص: 309

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وحوادث مسفرة: فمن الأول: حديث الشيخين عن أنس قال: أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} مرجعه من الحديبية فقال صلى الله عليه وسلم: "لقد أنزلت علي آية أحب إليّ مما على الأرض" ثم قرأها عليهم فقالوا: هنيئاً لك يا رسول الله الحديث، ومنه حديث الحاكم في المستدرك عن أسامة تبعت النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت حمزة فلم يجده فقال له: جئت يا رسول الله وأنا أريد أن آتيك وأهنئك أخبرني أبو عمارة يعني حمزة إنك أعطيت نهراً في الجنة يدعى الكوثر، ومنه حديث ابن عساكر عن عبد الله بن جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يا عبد الله هنيئاً لك مريئاً خلقت من طين وأبوك يطير مع الملائكة في الجنة"، ومنه حديث أحمد ومسلم عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله:"أي آية في كتاب الله أعظم؟ " قال: آية الكرسي، قال:"ليهنك العلم أبا المنذر"، ومنه تهنئة كعب بتوبته وسيأتي في الأصل، ومن الثاني: التهنئة بشهر رمضان أخرج الأصبهاني في الترغيب عن سلمان الفارسي قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال "أيها النّاس قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك فيه ليلة خير من ألف شهر" الحديث، قال ابن رجب في اللطائف: هذا الحديث أصل في التهنئة بشهر رمضان ومنه التهنئة بالعيد وأورد فيه آثاراً كثيرة عن الصحابة والتابعين، ومنه التهنئة بالصباح والمساء أخرج الطبراني بسند حسن عن أبي بكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل: "كيف أصبحت يا فلان" قال: أحمد الله إليك يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم: "ذلك الذي أردت منك"، ومن الثالث: التهنئة بالحج أخرج البخاري عن عروة بن مضرس قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بمنى فقال: "أخرج روعك يا عروة" أي ذهب الفزع ومنه التهنئة بالقدوم من الحج وسبق في أذكار المسافر ما يقال لمن قدم من الحج من قوله صلى الله عليه وسلم قبل الله حجك وأخلف نفقتك، ومنه التهنئة بالقدوم من الغزو أخرج الحاكم في المستدرك عن عروة رضي الله عنه قال: لما قفل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بدر استقبلهم المسلمون بالروحاء يهنئونهم مرسل صحيح الإسناد وتقدم حديث ابن السني عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فلما دخل استقبلته وأخذت بيده فقلت: الحمد لله الذي نصرك وأعزك وأكرمك وأخرج ابن سعد عن عبد الله بن أبي سفيان إلى أحمد قال: لقي أسيد بن حضير رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقبل من بدر فقال: الحمد لله الذي أظفرك وأقر عينك ومن الرابع:

ص: 310

قال الله تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى} [آل عمران: 39]، وقال تعالى:{وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} [العنكبوت: 31]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ

ــ

التهنئة بالنكاح وبالمولود وبدخول الحمام وتقدم ما يقال للأول في كتاب النكاح وللثاني في كتاب الأسماء وللثالث في أواخر باب السلام في الاستئذان.

تتمة

قال القمولي في الجواهر لم أجد لأصحابنا كلاماً في التهنئة بالعيد والأعوام والأشهر كما يفعله النّاس ورأيت من فوائد الشيخ زكي الدين بن عبد العظيم المنذري أن الحافظ أبا الحسن المقدسي سئل عن التهنئة في أوائل المشهور والسنين أهو بدعة أم لا فأجاب أن النّاس لم يزالوا مختلفين فيه

قال: والذي أراه أنه مباح ليس بسنة ولا بدعة ونقله الشريف الغزي في شرح المنهاج الفرعي ولم يرد عليه وأجاب الحافظ ابن حجر بعد اطلاعه على ذلك بأنها مشروعة واحتج له بأن البيهقي عقد لذلك باباً وقال: باب ما روي في قول النّاس بعضهم لبعض في العيد: تقبل الله منك وساق فيه أخباراً وآثاراً ضعيفة لكن مجموعها يحتج به في مثل ذلك ثم قال: ويستدل لعموم التهنئة لما يحدث من نعمة أو يندفع من نقمة مشروعية سجود الشكر والله أعلم.

ثم التبشير مصدر بشر من البشارة بتثليث بائه الموحدة كما ذكره النسفي في تفسيره وهي القول السار للمخبر قال البيضاوي في التفسير: فإنه يظهر أثر السرور في البشرة ولذا قال الفقهاء: البشارة هو الخبر الأول حتى لو قال الرجل لعبيده: من بشرني بقدوم ولدي فهو حر فأخبروه فرادى عتق الأول ولو قال: من أخبرني عتقوا جميعاً اهـ، والتهنئة الدعاء بالهناء لمن فاز بخير ديني أو دنيوي لا يضره في دينه. قوله:{فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ} أي مناد من جنسهم كما يقال: فلان يركب الخيل فإن المنادي كان جبريل وحده. قوله: {وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} أي قائماً في الصلاة ويصلي صفة قائم أو خبر أو حال آخر عن الضمير في قائم والمحراب المسجد أو أشرف مواضعه أو مقدمها سمي به لأنه محل محاربة الشيطان. قوله: (إن الله يبشرك بيحيى) أي بأن الله يشرك ويحيى اسم أعجمي وإن جعل عربياً فمنع صرفه للتعريف ووزن الفعل كيعمر. قوله: (جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى) يعني الملائكة قيل:

ص: 311

رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} [هود: 69]، وقال تعالى:{فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} [الصافات: 101] وقال تعالى: {قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: 28] وقال تعالى: {قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الحجر: 53]، وقال تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ

ــ

كانوا تسعة وقيل: ثلاثة: جبريل ومكائيل وإسرافيل والبشرى بشارة الولد وقيل: هلاك قوم لوط. قوله: (فبشرناه) أي إبراهيم (بغلام حليم) بشره بالولد وبأنه ذكر يبلغ أو إن الحلم فإن الصبي لا يوصف بالحلم أو يكون حليماً وأي حلم مثل حلمه حين عرض عليه أبوه الذبح وهو مراهق فقال: ستجدني إن شاء الله من الصابرين وقيل: ما نعت الله نبيّاً بالحلم لعزة وجوده غير إبراهيم وابنه عليهما السلام وحالهما المذكور بعد في الآيات بعد هذه الآية يشهد عليه، لخص وما قبله من تفسير البيضاوي. قوله:(لا توجل) قال في النهر صرح في هذه الآية الآية أي بقوله: {إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ} [الحجر: 52] بأنه كان وجل منهم بعد تقريبه إليهم ما ضافهم به من العجل الحنيذ وامتناعهم من الأكل، وفي هود: وأوجس في نفسه خيفة فيمكن أن هذا التصريح كان بعد إيجاس الخيفة ويحتمل أن يكون القول هنا مجازاً بأنه قد ظهر عليه مخايل الخوف حتى صارت كالمصرح بها اهـ، وتقدم في باب الفرق بينه وبين الخوف بالاعتبار وإن كانا متحدين بالذات. قوله:(إنا نبشرك بغلام عليم) استئناف في معنى التعليل للنهي عن الوجل، بشروه بأمرين: أحدهما: أنه ذكر والثاني: وصفه بالعلم على سبيل المبالغة. قوله: (وامرأته) أي امرأة إبراهيم وهي سارة بنت هاران بن ناحور وهي ابنة عمه وقوله (قائمة) أي لخدمة الضيفان وكان نساؤهم لا يحتجبن كعادة العرب ونازلة البوادي

والصحراء ولم يكن التبرج مكروهاً عندهم وكانت عجوزاً وخدمة الأضياف مما تعد من مكارم الأخلاق. قوله: (فضحكت) قال مجاهد: أي حاضت وقال الجمهور: هو الضحك المعروف فقيل: هو مجاز معبر به عن طلاقة الوجه وسرورها بنجاة أخيها وهلاك قومه كذا في النهر وهو مشكل لأنه يقتضي حل التزوج

ص: 312

فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ

إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: 71]، وقال تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ

} الآية [آل عمران: 45] وقال تعالى: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الشورى: 23]

ــ

ببنت الأخ لأن لوطاً كان ابن هاران أخي إبراهيم لكن في تفسير سورة الأنبياء من تفسير العماد بن كثير حكايته قول رواه ابن جرير إن سارة ابنة ملك حران قال العماد: وهو غريب والمشهور أنها ابنة عم إبراهيم عليه السلام. قوله: (فبشرناها بإسحاق) هذا موافق لقوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} والمعنى بشرناها على لسان رسلنا بشرتها الملائكة بإسحاق وبأن إسحاق سيلد يعقوب. قوله: (يبشرك) بتشديد الشين مضارع بشر وقرئ بتخفيف الشين مضارع أبشر. قوله: (بكلمة) بفتح الكاف وكسر اللام في جميع القرآن قال البيضاوي أي بعيسى وسمي بذلك لأنه وجد بأمره تعالى دون أب فشابه البدعيات التي هي عالم الأمر أو بكتاب الله سمى كلمة كما قيل كلمة الحويدرة لقصيدته. قوله: (اسمه المسيح عيسى ابن مريم) تقدم السلام على لغات المسيح ولم سمي عليه السلام بذلك في آخر أذكار الصلاة وعيسى معرب أشيوع والقول بأنه مشتق من العيس وهو بياض يعلوه حمرة قال القاضي البيضاوي: تكلف لا طائل تحته وابن مريم لما كانت صفة يتميز تمييز الأسماء نظمت في سلكها ولا ينافي تعدد الخبر إفراد المبتدأ فإنه اسم جنس مضاف ويحتمل أن يراد الذي يعرف به ويتميز عن غيره هذه الثلاثة ويجوز أن يكون عيسى خبر مبتدأ محذوف وابن مريم صفته وإنما قيل: ابن مريم والخطاب لها تنبيهاً على أنه يولد من غير أب إذ الأولاد تنسب للآباء ولا تنسب للأم إلا إذا فقد الأب. قوله: (وجيهاً في الدنيا والآخرة) حال مقدرة من كلمة وهي وإن كانت نكرة لكنها موصوفة وتذكيره للمعنى والوجاهة في الدنيا النباهة وفي الآخرة الشفاعة. قوله: (ومن المقربين) أي من الله قرباً معنوياً وقيل: إشارة إلى علو درجته في الجمعة ورفعه إلى السماء وصحبته الملائكة. قوله: (ذلك) المشار به إليه ما أعد الله لهم من الكرامة وهو مبتدأ خبره

ص: 313

وقال تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 17، 18] وقال

تعالى: {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30] وقال تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [الحديد: 12] وقال تعالى: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ} [التوبة: 21].

ــ

الموصول والعائد عليه محذوف أي ذلك الذي يبشر الله به عباده حذف حرف الجر فانتصب الضمير ثم حذف قال الزمخشري أو ذلك التبشير الذي يبشر الله به عباده اهـ. واعترض النهر كلام الكشاف بأنه لم يتقدم في السورة لفظ البشرى ولا ما يدل عليها من مبشر أو شبهه قال ومن النحاة من جعل الذي مصدرية حكاه ابن مالك عن يونس وتأول عليه هذه الآية أي ذلك تبشير الله عباده وليس بشيء لأنه إثبات الاشتراك بين مختلفي الحد بلا دليل وقد ثبتت اسمية الذي فلا يعدل عن ذلك لشيء لا يقوم به دليل ولا شبهة اهـ. قوله: (فبشر عبادي) أي المجتنبين الطاغوت المنيبين إلى الله تعالى ووضع الظاهر موضع المضمر ليدل على أنهم هم وليرتب على الظاهر الوصف وهم (الذين يستمعون القول) وهو عام في جميع الأقوال (فيتبعون أحسنه) ثناء عليهم بنفوذ بصائرهم

وتمييزهم. قوله: (يوم ترى المؤمنين الخ) العامل في يوم هو العامل في لهم والتقدير ومستقر لهم أجر كريم يوم ترى المؤمنين أو اذكر يوم ترى إعظاماً لذلك اليوم والرؤية هنا رؤية العين والنور حقيقة والظاهر أن النور يتقدم لهم بين أيديهم ويكون أيضاً بأيمانهم فيظهر أنهما نوران: نور ساع بين أيديهم، ونور بأيمانهم فلذلك تضيء الجهة التي يؤمونها وهذا يضيء به ما حوله من الجهات. قوله:(بشراكم اليوم جنات) جملة معمولة لقول محذوف تقديره تقول لهم الملائكة الذين يتلقونهم بشراكم اليوم جنات أي دخول جنات. قوله: (مقيم)

ص: 314

وأما الأحاديث الواردة في البشارة، فكثيرة جداً في الصحيح مشهورة.

فمنها حديث تبشير خديجة رضي الله عنها ببيت في الجنة من قصب لا نصب فيه ولا صخب.

ــ

أي دائم.

قوله: (وأما الأحاديث الواردة في البشارة فكثيرة جداً في الصحيح الخ) فمنها حديث البخاري ومسلم والترمذي وهذا لفظ البخاري في إحدى رواياته عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً -أي وهو البستان الذي فيه بئر أريس عند قباء- وأمرني بحفظ الباب فجاء رجل يستأذن فقال: ائذن له وبشره بالجنة فأذن أبو بكر ثم جاء عمر فقال: ائذن له وبشره بالجنة ثم جاء عثمان فقال: ائذن له وبشره بالجنة الحديث ومنها حديث البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة وسمعت خشفة فقلت: من هذا؟ فقال: بلال ورأيت قصراً بفنائه جارية فقلت: لمن هذا فقالوا لعمر بن الخطاب فأردت أن أدخله فأنظر إليه فذكرت غيرتك فوليت مدبراً" الحديث، ومنها حديث البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة ومعه بلال فأتى أعرابي فقال: ألا تنجز لي يا محمد ما وعدتني فقال له: "أبشر" فقال: قد أكثرت على من أبشر فأقبل عليّ وعلى بلال كهيئة الغضبان فقال: "إن هذا رد البشرى فأقبلا أنتما" فقلنا: قبلنا ثم دعا بقدح فيه ماء فغسل به يديه وجهه ومج فيه ثم قال: "اشربا وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا" فأخذنا القدح ففعلنا فنادت أم سلمة: من وراء الستر إن أفضلا لأمكما من إنائكما فأفضلنا لها منه طائفة. قوله: (فمنها حديث تبشير خديجة رضي الله عنها الخ) أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة والقصب بالقاف والصاد المهملة وبالموحدة اللؤلؤة المجوفة والنصب بفتح النون والصاد المهملة بعدها موحدة المشقة والتعب والصخب بفتح الصاد المهملة والخاء المعجمة بعدها موحدة الصوت المختلط المرتفع والمراد إنه خال من التعب الذاتي بالسلامة من النصب والعارض بالخلو من الصخب وفي تحفة القارئ تفصيل

ص: 315

ومنها حديث كعب بن مالك رضي الله عنه المخرَّج في "الصحيحين" في قصة توبته قال: سمعتُ صوتَ صارخٍ يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر، فذهب النّاس يبشروننا، وانطلقت أتأمَّم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يتلقاني النّاس فوجاً فوجاً يهنؤوني بالتوبة، ويقولون: ليَهْنِكَ توبة الله تعالى عليك،

ــ

في التفضيل بين خديجة ومن يذكر معها فخديجة أفضل من حيث السبق في الإسلام وإعانة النبي صلى الله عليه وسلم في المهمات وعائشة أفضل من حيث العلم وفاطمة أفضل من

حيث القرابة ومريم من حيث الاختلاف في نبوتها وذكرها مع الأنبياء وآسية امرأة فرعون من هذه الحيثية لكن لم تذكر مع الأنبياء وعلى ذلك تنزل الأخبار الواردة في تفضيلهن اهـ.

قوله: (ومنها حديث كعب بن مالك المخرج في الصحيحين) ورواه أبو داود والترمذي والنسائي أيضاً كلهم عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن أبيه وكان قائد كعب بن مالك عن كعب أبيه رضي الله عنهما. قوله: (توبته) أي من تبعه تخلفه عن شهود غزوة تبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (قال) يعني كعب بن مالك. قوله: (صوت صاروخ) أي رافع صوته وكان الصاروخ أو في على جبل سلع ونادى بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر فذهب النّاس يبشروننا، فيه استحباب التبشير وتهنئة من تجددت له نعمة ظاهرة أو اندفعت عنه كربة شديدة ونحو ذلك وهذا الاستحباب عام في كل نعمة حصلت أو كربة انكشفت سواء كان من أمور الدنيا أو الدين. قوله:(أتأمم رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أقصده يقال: تأممه وتيممه وأمه ويمه أي قصده قال الشاعر:

وما أدري إذا يممت أرضاً

أريد الخير أيهما يليني

أألخير الذي أنا أبتغيه

أم الشر الذي هو يبتغيني

قوله: (فوجا) بالنصب على الحال والفوج الجماعة من النّاس والفيج بالتحتية مثله وهو مخفف من الفيج وأصله الواو يقال: فاج، يفوج فهو فيج ويخفف فيقال: فيج كذا يؤخذ من النهاية. قوله: (يهنئوني بالتوبة) فيه تهنئة من رزقه الله خيراً ظاهراً.

ص: 316