الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من حين يقوم: سبحان ربِّك رب العزَّة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد الله ربّ العالمين.
باب دعاء الجالس في جمع لنفسه ومن معه
روينا في كتاب الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعوَ بهؤلاءِ الدعواتِ لأصحابه: "اللهم
ــ
الأوفى. قوله: (أو حين يقوم) أي عند قيامه ثم يحتمل أن يكون على تقدير مضاف أي إرادة قيامه لقوله في الحديث السابق فقال: قبل أن يقوم من مجلسه الخ، ويحتمل أن يكون بعد تمام القيام فيكون لكل من الحالين قبل القيام وبعده ذكر مخصوص والله أعلم. قوله:(رب العزة) أي الغلبة (عما يصفون) أي من أن له ولداً (وسلام على المرسلين) أي المبلغين عن الله التوحيد والشرائع (والحمد الله رب العالمين) أي على نصرهم وهلاك الكافرين والله سبحانه أعلم.
باب دعاء الجالس في جمع لنفسه ومن معه
قوله: (روينا في كتاب الترمذي وغيره) وقد سقط لفظ "وغيره" من نسخ متعددة قال في السلاح رواه الترمذي والنسائي والحاكم في المستدرك واللفظ للترمذي وقال حسن وقال الحاكم صحيح على شرط البخاري وزاد في أوله: اللهم اغفر ما قدمت وما أخرت وما أسررت وأعلنت وأنت أعلم به مني. قوله: (قلما) ما فيه كافة لقل عن طلب الفاعل مهيئة لها للدخول على الجملة الفعلية وهو في معنى النفي قال ابن هشام في المغني: لم تكف ما من الأفعال إلا ثلاثة قل: وطال وكثر قال: وعلة ذلك شبههن برب ولا يدخلن إلا على جملة فعلية صرح بفعلها اهـ، وذكر قطب الدين في حواشي الكشاف إن ما المتصلة بهذه الأفعال يحتمل أن تكون مصدرية وأن تكون كافة وتظهر ثمرة ذلك في فصلها ووصلها خطاً فعلى الأول تفصل وعلى الثاني توصل.
أقْسِمْ لَنا مِنْ خَشْيَتكَ ما
تَحُولُ به بَينَنا وبَينَ مَعاصِيكَ، ومِنْ طَاعَتِكَ ما تُبَلغُنا به جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقِينِ ما تُهَوِّنُ بهِ عَلَينا مَصَائِبَ الدُّنْيا، اللهُمَّ مَتِّعْنا بأسماعنا وأبْصَارِنا
ــ
قوله: (اقسم لنا من خشيتك) أي اجعل
لنا قسماً ونصيباً من خشيتك أي خوفك المقرون بعظمتك قال ابن حجر الهيتمي في شرح الشمائل: الخوف والخشية والوجل والرهبة متقاربة المعنى فالخوف توقع العقوبة على مجاري الأنفاس واضطراب القلب من ذكر المخوف والخشية أخص منه إذ هي خوف مقرون بمعرفة ومن ثم قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} وقيل: الخوف حركة والخشية سكون ألا ترى إن من يرى عدواً له جاءه تحرك للهرب منه وهو الخوف وحالة استقراره في محل لا يصل إليه يسكن وهو الخشية، والرهبة إلا معان في الهرب من المكروه والوجل خفقان القلب عند ذكر من يخاف سطوته، والهيبة تعظيم مقرون بالحب، والخوف للعامة والخشية للعلماء العارفين والهيبة للمحبين والإجلال للمقربين وعلى قدر العلم والمعرفة تكون الهيبة والخشية قال صلى الله عليه وسلم:"أنا أتقاكم الله وأشدكم له خشية" اهـ. وأصله للقسطلاني في المواهب اللدنية. قوله: (تحول) أي تحجز وتمنع أنت أو هي ويدل على الأول قوله من ويؤيد الثاني أنه ضبطه بعض المحققين بالتحتية بصيغة التذكير على أن الضمير لما أي يحجب بيننا وبين معاصيك. قوله: (تبلغنا) بتشديد اللام المكسورة ويجوز تخفيفها أي توصلنا. قوله: (ومن اليقين) أي بك ونفوذ قضائك وإنه لا راد له وبأنه لا يصيبنا إلا ما كتب الله لنا وبأن ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا وما أصابنا لم يكن ليخطئنا وبأن ما قدرته لا يتخلف عن حكمة ومصلحة واستجلاب منفعة. قوله (تهون) بكسر الواو المشددة وبالتحتية والفوقية أي تسهل وتخفف وفي نسخة مقروءة على ابن العماد تهون به قال ابن الجزري: رواية ما تهون علينا بحذف به تقتضي أن تكون بالتحتية وإثباته يقتضي أن تكون بالفوقية. قوله (مصائب الدنيا) بالنصب وفي نسخة بالرفع على أن يهون بفتح أوله وضم الهاء مضارع هان بالتحتية والفوقية. قوله (متعنا بأسماعنا وأبصارنا) أي لأنهما طرائق الدلائل الموصلة
وَقُوَّتِنا مَا أحْيَيتَنَا، واجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنا، وَاجْعَلْ ثأرَنا على مَنْ ظَلَمَنا، وَانْصُرْنا على مَنْ عَادَانا، وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا في دِينِنَا، وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيا أكبَرَ هَمِّنا وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنا، وَلا تُسَلِّط عَلَينا مَنْ لا يَرْحَمُنا" قال الترمذي: حديث حسن.
ــ
لمعرفة الله تعالى وتوحيده من البراهين المأخوذة إما من الآيات المنزلة وطريق ذلك السمع أو من الآيات في الآفاق والأنفس وطريق ذلك البصر. قوله: (وقوتنا) أي قوة قلبنا الذي عليه مدار إيماننا أو المراد قوة سائر قوانا من الحواس الظاهرة والباطنة وباقي الأعضاء البدنية أي متعنا بذلك مدة إحيائنا وتقدم الكلام على قوله: ومتعنا بأسماعنا إلى قوله: واجعل ثأرنا على من ظلمنا في باب ما يقول إذا أراد النوم. قوله: (واجعل ثأرنا) بالمثلثة أي انتقامنا ونصرنا مقصوراً (على من ظلمنا) ولا تجعلنا ممن تعدى في طلب ثأره وأخذ به غير الجاني كما كان أهل الجاهلية تفعله أو اجعل إدراك ثأرنا على من ظلمنا فندرك ثأرنا وأصل الثأر الحق والغضب ثم استعير لمطالبة دم القتيل. وقوله: (وانصرنا الخ) تعميم بعد تخصيص. قوله: (ولا تجعل مصيبتنا في ديننا) أي لا تصبنا بما ينقص ديننا من أكل الحرام واعتقاد السوء والفترة في العبارة والغفلة عن الطاعة. قوله: (ولا تجعل الدنيا الخ) الهم المقصد والحزن أي لا تجعل أكبر قصدنا أو حزننا لأجل الدنيا بل اجعله مصروفاً في عمل الآخرة وفيه ويؤخذ منه إن القليل من الهم مما لا بد منه في أمر المعاش مرخص فيه بل مستحب على ما صرح به القاضي عياض وفي الحديث وأصدقها أي الأسماء حارث
وهمام. قوله: (ولا مبلغ علمنا) بفتح الميم والكلام بينهما موحدة ساكنة وهو الغاية التي يبلغها الماشي والمحاسب فيقف عندها أي لا تجعلنا بحيث لا نعلم ولا نتفكر إلا في أحوال الدنيا بل اجعلنا متفكرين في أمر العقبى متفحصين عن العلوم الفاخرة المتعلقة بأمور الآخرة ومجمله لا تجعل علمنا غير متجاوز عن الدنيا مقصوراً عليها بل اجعله متجاوزاً عنها إلى الآخرة. قوله: (ولا تسلط علينا الخ) أي من الكفار والفجار والظلمة بتوليتهم علينا ولا تجعلنا مغلوبين لهم ويجوز حمله على ملائكة العذاب في القبر أو في النار ولا مانع من إرادة الجميع والله أعلم.