الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب استحباب تغيير الاسم إلي أحسن منه
فيه حديث سهل بن سعد الساعدي المذكور في باب تسمية المولود في قصة المنذر بن أبي أُسَيد.
روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه "أن زينب كان اسمُها برَّةَ، فقيل: تزكي نفسها،
ــ
ولم ينسب لقبه لأحد من الصحابة وهو ضمري مولاهم إفريقي صدوق يخطيء خرج عنه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن الأربعة كذا في تقريب الحافظ ابن حجر.
باب استحباب تغيير الاسم إلي أحسن
قوله: (فيه حديث سهل بن سعد الخ) أي وذلك قوله في آخره قال: ما اسمه قال: فلان قال: لا ولكن امه المنذر فسماه يومئذٍ المنذر. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) رواه البخاري في الأدب من صحيحه ومسلم في الاستئذان من صحيحه ورواه ابن ماجه كذا في الأطراف للحافظ المزي. قوله: (أن زينب) أي بنت جحش أم المؤمنين كما أشار إليه المصنف في شرح مسلم وصرح به شيخ الإسلام زكريا في تحفة القاري وقال الكرماني زينب بنت جحش أو زينب بنت أبي سلمة لأنه صلى الله عليه وسلم غير اسم كل منهما إلى زينب وكذا قال الحافظ في الفتح وزاد الأولى أم المؤمنين والثانية ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم كذا قاله ابن عبد البر. قوله: (برة) بفتح الباء الموحدة وتشديد الراء مبالغة بارة إما على الوصفية أو المصدرية أي كثيرة البر. قوله: (فقيل تزكي نفسها) أي لأن لفظ برة مشتق من البر وفي كلام ابن القيم في الهدى من أثناء حكم نهيه عن أسماء معينة قال: وأمر آخر هو ظن المسمى واعتقاده في نفسه أنه كما سمى فيقع في تزكية نفسه وتعظيمها وترفعه على غيره وها هو المعنى الذي لأجله نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تسمى برة وقال: "لا تزكوا أنفسكم هو أعلم بأهل البر منكم" قال: وعلى هذا فتكره التسمية بالتقي والمتقي والمطيع والطائع والراضي والمحسن والمخلص ونحوها أما تسمية الكفار بذلك فلا يجوز التمكين منه ولا دعاؤهم بشيء من هذه الأسماء والأخبار عنهم بها والله عز وجل يغضب من تسميتهم بذلك اهـ. وقال ابن الملك تزكية الرجل نفسه ثناؤه عليها والبر اسم لكل فعل مرضي.
فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم زينبَ".
وفي "صحيح مسلم" عن زينب بنت أبي سلمة رضي الله عنها قالت:
ــ
قوله: (فسماها زينب) في القاموس زنب كفرح سمن والأزنب السمين وبه سميت المرأة زينب يعني أخباراً أو تفاؤلاً أو من زنابي العقرب لزباناها أو من الزينب لشجر حسن المنظر طيب الرائحة أو أصلها زين أب.
قوله: (وفي رواية صحيح مسلم) هو حديث آخر غير ما قبله لأن حديث أبي هريرة في الصحيحين وهو في شأن زينب أم المؤمنين كما تقدم عن المصنف والشيخ زكريا أو هي أو بنت أبي
سلمة كما قال الكرماني والحافظ وهذا في مسلم وهو في شأن زينب بنت أبي سلمة وإنما نبهت على ذلك لأن ظاهر العبارة يوهم أن هذا بيان رواية مسلم في الحديث السابق عن أبي هريرة وأن ما قدمه لفظ البخاري فيقتضي أن ذلك السابق أيضاً في زينب بنت أبي سلمة وقد علمت الخلاف فيه وفي بعض النسخ "وفي صحيح مسلم" بحذف قوله رواية وهي واضحة وفي شرح مسلم بعد الإشارة إلى حديثي أبي هريرة وزينب ذكر في الحديثين أنه صلى الله عليه وسلم غير اسم برة بنت أبي سلمة وبرة بنت جحش فسماهما زينب وقال: "لا تزكوا أنفسكم هو أعلم بأهل البر منكم" اهـ. قوله: (عن زينب بنت أبي سلمة) هي القرشية المخزومية ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمها أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ولدتها أمها بأرض الحبشة وقدمت بها معها وأخرج ابن الأثير عنها قالت: كانت أمي إذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل تقول: ادخلي عليه فإذا دخلت نضح في وجهي من الماء ويقول: ارجعي قال عطاف: قالت أمي: ورأيت زينب وهي عجوز كبيرة ما نقص من وجهها شيء روى لها عن النبي صلى الله عليه وسلم سبعة أحاديث منها في الصحيحين حديثان أحدهما للبخاري والآخر لمسلم وخرج حديثها الجماعة روت عن أمها أم سلمة وزينب بنت جحش وروى عنها عروة وأبو سلمة بن عبد الرحمن تزوجها عبد الله بن زمعة بن الأسود الأسدي فولدت له وكانت من أفقه نساء زمانها، وروى
سميتُ برَّةَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"سموها زينبَ، قالت: ودخلت عليه زينبُ بنت جحش واسمها برَّة، فسماها زينبَ".
وفي "صحيح مسلم" أيضاً عن ابن عباس قال: "كانت جويرية اسمها برَّة، فحوَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها جويرية، وكان يكره أن يقال: خرج من عند برَّة.
وروينا في "صحيح البخاري" عن سعيد بن المسيب بن حزن عن أبيه، أن أباه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم
ــ
جرير بن حازم عن الحسن قال: لما كان يوم الحرة قتل أهل المدينة وكان فيمن قتل ابنا زينب ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فحملا فوضعا بين يديها مقتولين فقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون والله أن المصيبة علي فيهما لكبيرة وهي علي في هذا أكبر منها في هذا لأنه جلس في بيته فدخل عليه فقتل مظلوماً وأما الآخر فإنه بسط يده وقاتل فلا أدري على ما هو من ذلك وهما ابنا عبد الله بن زمعة توفيت سنة ثلاث وسبعين بعد الحرة وحضر جنازتها عبد الله بن عمر. قوله: (سميت برة) بضم المهملة وكسر الميم مبني للمجهول وفي الحديث في مسلم لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم قالوا: بم نسميها قال: سموها زينب فعلة التغيير فيها وفي زينب بنت جحش ما في برة من التزكية وفي الجامع الصغير كان صلى الله عليه وسلم يلاعب زينب بنت أم سلمة ويقول: يا زوينب يا زوينب مراراً رواه الضياء عن أنس.
قوله: (وفي صحيح مسلم أيضاً) قال الحافظ المزي في الأطراف رواه مسلم في الأدب والدعاء ورواه أبو داود في الصلاة ورواه ابن السني في اليوم والليلة اهـ. ملخصاً. قوله: (كانت جويرية) بضم الجيم تصغير جارية. وقوله: (اسمها برة) أي قبل الدخول في عصمته صلى الله عليه وسلم. وقوله: (فحول أسمها جويرية) منصوب على نزع الخافض أي إلى جويرية أو ضمن حول معنى صير فيكون متعدياً إلى مفعولين. قوله: (وكان يكره أن يقال خرج من عند برة) أي فعلة التغيير فيه خوف التطير قاله المؤلف في شرح مسلم.
قوله: (وروينا في صحيح البخاري) قال المزي رواه البخاري في الأدب من صحيحه. قوله: (عن أبيه) هو المسيب بفتح الياء على المشهور وكان سعيد يكرهه ويقول سيب الله في النار من سيب أبي فالأولى أن يقرأ بكسرها هرباً من دعوة هذا التابعي الجليل والمسيب صحابي تقدمت ترجمته في أثناء كتاب السلام والاستئذان. قوله: (أن أباه) أي أبا المسيب وهو حزن
فقال: "ما اسْمُكَ؟ قال: حَزْن، فقال: أنْتَ سَهْل، قال: لا أغيِّر اسماً سمَّانيه أبي، قال ابن المسيب: فما زالت الحُزونةُ فينا بعدُ".
قلت: الحُزُونَةُ: غِلَظُ الوجه
ــ
ابن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي كان من المهاجرين ومن أشراف قريش في الجاهلية وهو الذي أخذ الحجر الأسود من الكعبة حين أرادت قريش تبني الكعبة فبز الحجر الأسود من يده حتى رجع مكانه وقيل الذي رفع الحجر أبو وهب والد حزن وهو الصحيح وأنكر مصعب الزبيري هجرة حزن وقال: هو وابنه من مسلمة الفتح استشهد حزن يوم اليمامة وقيل: استشهد يوم بزاحة أول خلافة أبي بكر في قتال أهل الردة. قوله: (لا أغير اسماً الخ) في رواية أبي داود لأن السهل يوطأ ويمتهن أي لا غير اسمي لأن السهل يوطأ ويهان ويداس بالأقدام قال في المرقاة وفيه نوع نزعة من نزعات إبليس وقياساته من التلبيس حيث لم يدر أن من تواضع الله رفعه الله وأن المرء عند الامتحان يكرم أو يهان والحاصل إنه كما قيل الأسماء تنزول من السماء وافق اسمه حزنة الجبلية مطابقاً للحزن الجبلي وأبعد الطيبي في قوله: بل أنت سهل أي هذا الاسم غير مناسب لك لأنك حليم لين الجانب ينبغي أن تسمى سهلاً فإنه لو كان حليماً لين الجانب لراعى أدب جانب النبوة وعمل بمقتضى أخلاق الفتوة اهـ. وما سلكه الطيبي أنسب بالأدب مع الصحابة رضي الله عنهم. قوله: (الحزونة غلظ الوجه الخ) وقال في أسد الغابة قال سعيد تلك الحزونة فينا ففي ولده سوء خلق أخرجه في آخر الحديث المذكور وقال الكرماني الحزن لغة ما غلظ من وجه الأرض والحزونة الغلظ والأمر بتغيير الاسم لم يكن على سبيل الوجوب لأن الأسماء لم يسم بها لوجود معانيها في المسمى بل للتمييز ولو كان للوجوب لم يسغ له أن يثبت عليه وألا بغيره نعم الأولى التسمية بالاسم الحسن وتغيير الاسم القبيح إليه وكذا الأولى ألا يسمى بما معناه التزكية أو المذمة بل يسمى بما كان صدقاً وحقاً كعبد الله ونحوه اهـ. وقال الشيخ زكريا في شرح البخاري الحزونة الصعوبة
وشيءٌ من القساوة.
وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن ابن عمر رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم غير اسم عاصيةَ، وقال: أنت جميلة".
وفي رواية لمسلم أيضاً "أن
ــ
وقال السيوطي الحزونة صعوبة الخلق. قوله: (وروينا في صحيح مسلم) وكذا رواه أبو داود في سننه كلاهما من حديث يحيى عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن ابنة لعمر أي ابن الخطاب وصريح هذه الرواية أن التي غير النبي صلى الله عليه وسلم اسمها من عاصية إلى جميلة هي بنت لعمر وقد استدركها الغساني على ابن عبد البر أخذاً بهذا الخبر قال ابن
الأثير وليس بشيء فإن جميلة امرأة عمر وهي بنت ثابت كان اسمها عاصية فسماها النبي صلى الله عليه وسلم جميلة كما رواه حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر اهـ. ونقل الطاهر الأهدل بهامش نسخته عن القسطلاني قوله هي جميلة بنت عاصم بن أبي الأفلح الأوسي امرأة عمر بن الخطاب اهـ. أقول: ولا مانع من تغيير اسم كل من امرأته وبنته سيما وقد جاء في مسلم وأبي داود في الرواية الأولى التصريح بأنه غير اسم بنت عمر ثم رأيت منقولاً عن خط البرهان الحلبي عدهما معاً فيمن غير النبي صلى الله عليه وسلم اسمه إلى اسم أحسن منه فقال: جميلة بنت عمر كان اسمها عاصية وجميلة زوجة عمر كان اسمها عاصية ذكرهما ابن الأثير وغيره اهـ. ثم تسميتها بعاصية لعله كان في الجاهلية يمكن ألا يكون من العصيان بل من العيص بالكسر الشجر الكثير الملتف ويطلق على المنبت ومنه عيص بن إسحاق ابن إبراهيم ولما أبدلت الياء ألفاً فتحت العين قيل: ومنه العاص وأبو العاص والحاصل أنه مؤنث العاصي لكن لما كان يتبادر منه هذا المعنى غيره وقال التوربشتي إنما كان ذلك التسمي في الجاهلية فإنهم كانوا يسمون بالعاص والعاصية ذهاباً إلى معنى الآباء عن قبول النقائص والرضا بالضيم فلما جاء الله بالإسلام كره له ذلك اهـ. ولعل حكمة تسميتها جميلة دون مطيعة مع أنه ضد العاصية مخافة التزكية ثم رأيت العاقولي ذكر ذلك فقال: عدل عن تسميتها بما يقابل اسمها وهو طائعة لأن فيه تزكية النفس
ابنة لعمر كان يقال لها: عاصية، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جميلة".
وروينا في "سنن أبي داود" بإسناد حسن عن أسامة بن أخدري الصحابي رضي الله عنه -وأخدري بفتح الهمزة والدال المهملة وإسكان الخاء المعجمة بينهما- "أن رجلاً يقال له: أصرم كان في النفر الذين أتَوْا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اسْمُكَ؟ قال: أصرم، قال: بَل أنْتَ زُرْعَةُ".
ــ
وهي منهى عنها كما في برة والله أعلم.
قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) أخرجه في الأدب من سننه وانفرد به عن باقي الكتب الستة. قوله: (عن أسامة بن أخدري الصحابي رضي الله عنه وأخدري بفتح الهمزة والدال المهملة وسكون المعجمة بينهما وراء مكسورة ثم ياء نسبة قال المنذري الأخدري: حمار الوحش ويشبه أن يكون سمى به اهـ. وهو أسامة بن أخدر الشقري واسم شقرة الحارث بن تميم وإنما سمي شقرة ببيت قاله:
وقد أحمل الرمح الأصم كعوبه
…
به من دماء الحي كالشقرات
والشقرات شقائق النعمان قد حمى أرضه وأنبته فيها فنسبت إليه نزل أسامة البصرة قال ابن الأثير وليس له إلا هذا الحديث يعني حديث الباب وقد تقدمت الإشارة لذلك وفي المرقاة قد قيل في صحبة أخدري وفي إسناد حديثه مقال اهـ. قوله: (يقال له أصرم) بفتح الهمزة وسكون الصاد وفتح الراء المهملتين وهو أصرم الشقري. قوله: (في النفر) هو اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة ما بين الثلاثة إلى العشرة ولا واحد له من لفظه كذا في النهاية. قوله: (أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي مع الحي من شقرة وفي أسد الغابة لابن الأثير روى أسامة بن أخدري قال: قدم حي من شقرة على النبي صلى الله عليه وسلم فيهم رجل ضخم يقال له أصرم قد ابتاع عبداً حبشياً فقال: يا رسول الله سمه وادع لي فيه
بالبركة فقال: ما اسمك قال: أصرم قال: بل أنت زرعة أخرجه الثلاثة يعني ابن منده وأبا نعيم وابن عبد البر. قوله: (زرعة) بضم الزاي وسكون الراء وبالعين المهملة غير اسم أصرم لما فيه من الصرم وهو القطع إلى زرعة الذي فيه الإنبات والنفع قال العاقولي كأنه فهم من أصرم معنى القطع وهو مؤذن بأن
وروينا في سنن أبي داود والنسائي وغيرهما عن أبي شريح هانيء الحارثي الصحابي رضي الله عنه "أنه لما وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه سمعهم يكنّونه بأبي الحكم، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن اللهَ هُوَ الحَكَمُ،
ــ
يكون المسمى به أبتر لا نسل له فسماه زرعة لبركة الزرع ونموه اهـ. وفي التجريد أصرم ابن يربوع سماه النبي صلى الله عليه وسلم سعيداً اهـ.
قوله: (وروينا في سنن أبي داود والنسائي وغيرهما) قال الحافظ زين الدين العراقي في أماليه على المستدرك هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه وقال فيه: إن الله هو الحكم وإليه الحكم ورواه الحاكم وقال: قد ذكرت في كتاب المعرفة في ذكر المخضرمين شريح بن هانيء أدرك الجاهلية والإسلام ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم فصار عداده في التابعين وقال: قبل إيراد هذا الحديث أن المقدام وأباه شريحاً من أكابر التابعين قال العراقي وليس المقدام من أكابر التابعين ولا من صغارهم إنما سمع من أبيه ولا أعلم له رواية عن أحد من الصحابة على القول الصحيح في تعريف الصحابي وقد ذكره ابن حبان في طبقة أتباع التابعين من الثقات اهـ. قوله: (أبي شريح هانيء الحارثي) وشريح بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون التحتية بعدها مهملة وهانئ الهمز بعد النون المكسورة وهو هانئ بن يزيد الحارثي والراء المهملتين والمثلثة منسوب إلى بني الحارث بن كعب بن غسلة بن خالد بن مالك بن أدد كما في لب اللباب للأصفهاني وأبو شريح ذكره ابن الأثير في أسد الغابة واقتصر من ذكر أحواله على حديث الباب وزاد قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له ولولده. قوله: (يكنونه) بضم أوله مع تشديد النون وبفتحه مع تخفيفها والكنية قد تكون بالأوصاف كأبي الفضائل وأبي الحكم وقد تكون بالنسبة إلى الأولاد كأبي سلمة وأبي شريح وإلى ما يلابسه كأبي هريرة فإنه عليه الصلاة والسلام رآه معه هرة فكناه بذلك وقد تكون للعلمية الصرفة كأبي بكر وأبي عمر. قوله: (إن الله هو الحكم) بفتحتين بمعنى الحاكم وهو القاضي كذا في النهاية وتقدم فيه مزيد في الكلام على ما يتعلق بالأسماء الحسنى وعرف
وإلَيهِ الحُكْمُ، فَلِمَ تُكَنَّى أبا الحَكَم؟ فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتَوْني فحكمت بينهم، فرضي كلا الفريقين، فقال رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: ما أحْسَنَ هَذَا، فمَا لَكَ مِنَ الوَلَدِ؟ قال: لي شريح، ومسلم، وعبد الله، قال: فَمَنْ أكْبَرَهُمْ؟ قلت: شريح، قال: فأنْتَ
ــ
الخبر وأتى بضمير الفصل الدال على الحضر وأن هذا الوصف مختص به تعالى لا يتجاوز إلى غيره إذ منه مبدأ الحكم وإليه منتهاه قال تعالى: ({وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ولا راد لحكمه ولا يخلو حكمه عن حكمة وفي إطلاق الحكم على غيره إيهام الاشتراك في وصفه وقد غير قوله اسم عمرو بن هشام المكنى بأبي الحكم بأبي جهل. قوله: (وإليه الحكم) هو بضم الحاء وإسكان الكاف قال تعالى: {أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} وقد عقد العراقي هذا المعنى في قوله:
الحكم لله ثم رسوله
…
فهو المحكم منه والله الحكم
قوله: (إن قومي الخ) أشار به إلى أنهم جعلوه حكماً بينهم أي يقبلون حكمه ويرضون به
لمراعاته الجانبين والعدل بين الخصمين ونحو ذلك. كقوله: (ما أحسن هذا) أي حصول الائتلاف بين القوم بسببك لأنه دال على حسن السياسة الناشيء عنها رصاهم بحكمك لكن التسمية بأبي الحكم لمجرد هذا الأمر أو أي حكم كان من أحكام حكام الدنيا قبيح لأن التسمي بهذا الاسم لا يليق إلا بمن له الحكم في كل شيء على الإطلاق وهو الله تعالى ولما منعه صلى الله عليه وسلم من التكني بما لا يليق به أرشده إلى التكني بأحسن ما يليق به فدل على استحباب التكني باسم أكبر الأولاد قاله العاقولي واستظهر في المرقاة أن المشار إليه وجه التكنية قال: وأتى بصيغة التعجب مبالغة في حسنه لكن لما كان فيه من الإيهام ما سبق حول كنيته إلى ما يأتي قال: وأغرب المظهري في قوله "ما" للتعجب يعني الحكم بين النّاس حسن لكن هذه الكنية غير حسنة وتبعه الطيبي فقال: لما لم يكن جوابه مطابقاً قال له صلى الله عليه وسلم: "على ألطف وجه وأرشقه رداً عليه ما أحسن هذا لكن أين ذلك من هذا فاعدل إلى ما يليق بحالك من التكني بالأبناء وهو من باب الرجوع إلى ما هو أولى وأليق بحاله اهـ. قوله: (قال شريح)
أبُو شُرَيْحٍ".
قال أبو داود: وغيَّر النبي صلى الله عليه وسلم اسم العاصي، وعزيزٍ، وعتلةَ، وشيطانٍ،
ــ
هو صاحب علي بن أبي طالب ومن أجل أصحابه بعد كما قاله ابن الأثير وقد كان مفتياً في زمن الصحابة ولاه علي قاضياً وخالفه في قبول شهادة الحسن له والقضية مشهورة كذا في المرقاة وروى عنه مسلم كما قاله الأصفهاني في لب اللباب وظاهر الترتيب المقتضى لعقله أنه قدم الأكبر فالأكبر لكن الواو لدلالته على مطلق الجمع غير صريح في ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: "فمن أكبرهم" قال شريح الخ. قوله: (وغير النبي صلى الله عليه وسلم اسم العاص الخ) قال العاقولي لأن المؤمن يليق به الطاعة اهـ. قال في المرقاة لكن المفهوم من القاموس أن العاص ليس من مادة العصيان حيث ذكر في معتل العين أن الأعياص من قريش أولاد أمية بن عبد شمس الأكبر وهم العاص وأبو العاص والعيص وأبو العيص قال والعيص المنبت فلعل التبديل الأسمى لأجل الاشتباه اللفظي اهـ. قال ابن الأثير في أسد الغابة في ترجمة مطيع بن الأسود القرشي العدوي كان اسمه العاص فسماه صلى الله عليه وسلم المطيع ثم أخرج عن عبد الملك بن المطيع أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر فقال للناس: "اجلسوا" فدخل العاص بن الأسود فسمع قوله: اجلسوا فجلس فلما نزل النبي صلى الله عليه وسلم جاء العاص فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما لي لم أرك في الصلاة فقال بأبي وأمي أنت يا رسول الله دخلت فسمعتك تقول: اجلسوا فجلست حيث انتهى إلى السمع فقال: "لست بالعاص ولكنك مطيع" فسمي مطيعاً يومئذٍ. قوله: (وعزيز) أي لأن العزة الحقيقية الله تعالى والعبد من حيث إنه عبد دليل فلذا من كساه الله عزة فلا ينبغي أن يدعيها لنفسه فإنها من الله لا من العبد نفسه أخرج في المسند وصاحب المشتبه وفي كتاب التجريد عن خيثمة بن عبد الرحمن قال: كان اسم أبي عزيزاً فغيره النبي صلى الله عليه وسلم وكذا لا ينبغي التسمية بنحو حميد وكريم لأنهما وصفان له تعالى. قوله: (وعتلة) بفتح المهملة وسكون الفوقية قيل: وفتحها كما سيأتي في كلام الشيخ وغيره لأن معناها الغلظة والشدة وهي عمود حديد يهدم به الحيطان وقيل حديدة كبيرة يقلع بها الشجر والحجر أي ومن صفات المؤمن اللين والسهولة قال صلى الله عليه وسلم: "المؤمنون هينون". قوله:
(وشيطان) أي غيره عمن سمى به
والحَكَم، وغراب، وحباب، وشهاب فسماه هاشماً، وسمى حرباً سلماً، وسمى المضطجع المنبعثَ، وأرضاً يقال لها. عقِرَة سماها خَضِرَة، وشَعْب الضلالة سماه شعبَ
ــ
لأنه من الشطن وهو البعد عن الخير كله كما في شرح السنة وفي التجريد عن ابن المسيب كان رجل اسمه شيطان فسماه صلى الله عليه وسلم الحباب اهـ. (و) غير اسم (الحكم) بفتحتين لأنه هو الذي إذا حكم لا يرد حكمه وهذه الصفة ليست حقيقة إلا الله سبحانه وتعالى وإذا غير اسم أبي الحكم كما تقدم فاسم الحكم أولى (و) غير اسم (غراب) لما يسكن القلوب من التفاؤل به في القطيعة والبين لأنه مأخوذ من الغرب وهو البعد ثم هو خبيث لوقوعه على الجيف (و) غير اسم (حباب) بضم المهملة وتكرير الموحدة لأنه نوع من الحيات وروي أن الحباب اسم الشيطان كما قاله الخطابي في معالم السنن وفي التجريد للذهبي الحباب بن عبد الله بن أبي ابن سلول غيره النبي صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله. قوله: (وشهاب) أي غير اسمه وسماه بهشام لأن الشهاب شعلة من النار وهي أولى بالكفار وفي مبهمات الخطيب هشام بن عامر الأنصاري والد سعد بن هشام كان اسمه شهاب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بل أنت هشام" قال النجم بن فهد: وهو في المسند وفي المرقاة الظاهر أنه إذا أضيف شهاب إلى الدين مثلاً لا يكون مكروهاً أي من هذا المعنى وإن كره لما فيه من التزكية والله أعلم.
قوله: (وسمى حرباً سلماً) أي لما في الحرب من البين والقطعية والسلم بكسر المهملة وفتحها الصلح وفي المسند من حديث علي قال: لما ولد الحسن سميته حرباً فجاء صلى الله عليه وسلم فقال: "أروني ابني ما سميتموه" قلت: حرباً قال: "بل هو حسن" قال: فلما ولد الحسين سميته حرباً جاء صلى الله عليه وسلم فقال: "أروني ابني ما سميتموه" قلت: حرباً قال: "بل هو حسين" الحديث. قوله: (وسمى المضطجع المنبعث) قال في أسد الغابة عن ابن إسحاق في ذكر حصار النبي صلى الله عليه وسلم للطائف قال: ونزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كان محاصراً للطائف ممن أسلم المنبعث كان اسمه المضطجع فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبعث وكان إلى عثمان بن عامر بن معتب أخرجه ابن مسنده وأبو نعيم اهـ. ووجه التغيير أن المضطجع يقتضي الجمود والقعود عن المعالي المطلوبة والمنبعث بخلافه. قوله: (وأرضاً يقال لها عقرة) بفتح المهملة وكسر القاف لا تحمل من العقر وخضرة بفتح الخاء وكسر الضاد