المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب تحريم الغيبة والنميمة - الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية - جـ ٦

[ابن علان]

فهرس الكتاب

- ‌باب تشميت العاطس وحكم التثاؤب

- ‌فصل: فيما إذا عطس يهودي

- ‌باب المدح

- ‌فائدة

- ‌باب مدح الإنسان نفسه وذكر محاسنه

- ‌باب في مسائل تتعلق بما تقدم

- ‌كتاب أذكار النكاح وما يتعلق به

- ‌باب ما يقوله من جاء يخطب امرأة من أهلها لنفسه أو لغيره

- ‌باب عرض الرجل بنته وغيرها ممن إليه تزويجها على أهل الفضل والخير ليتزوجوها

- ‌باب ما يقوله عند عقد النكاح

- ‌باب ما يقال للزوج بعد عقد النكاح

- ‌فصل "يكره أن يقال للمتزوج بالرفاء والبنين لما قدمناه في كتاب النكاح" اه

- ‌باب ما يقول الزوج إذا دخلت عليه امرأته ليلة الزفاف

- ‌باب ما يقال للرجل بعد دخول أهله عليه

- ‌باب ما يقوله عند الجماع

- ‌باب ملاعبة الرجل امرأته وممازحته لها ولطف عبارته معها

- ‌باب بيان أدب الزوج مع أصهاره في الكلام

- ‌باب ما يقال عند الولادة وتألم المرأة بذلك

- ‌باب الأذان في أذن المولود

- ‌باب الدعاء عند تحنيك الطفل

- ‌كتاب الأسماء

- ‌باب تسمية المولود

- ‌باب تسمية السقط

- ‌باب استحباب تحسين الاسم

- ‌باب بيان أحبِّ الأسماء إلى الله عز وجل

- ‌تتمة

- ‌باب استحباب التهنئة وجواب المهنَّأ

- ‌باب النهي عن التسمية بالأسماء المكروهة

- ‌باب ذكر الإنسان من يتبعه من ولد أو غلام أو متعلم أو نحوهم باسم قبيح ليؤدِّبه ويزجره عن القبيح ويروِّض نفسه

- ‌باب نداء من لا يعرف اسمه

- ‌باب نهي الولد والمتعلم والتلميذ أن ينادي أباه ومعلمه وشيخه باسمه

- ‌باب استحباب تغيير الاسم إلي أحسن منه

- ‌باب جواز ترخيم الاسم إذا لم يتأذَّ بذلك صاحبه

- ‌باب النهي عن الألقاب التي يكرهها صاحبها

- ‌باب جواز استحباب اللقب الذي يحبه صاحبه

- ‌باب جواز الكنى واستحباب مخاطبة أهل الفضل بها

- ‌باب كنية الرجل بأكبر أولاده

- ‌باب كنية الرجل الذي له أولاد بغير أولاده

- ‌باب كنية من لم يولد له وكنية الصغير

- ‌باب النهي عن التكني بأبي القاسم

- ‌باب جواز تكنية الكافر والمبتدع والفاسق إذا كان لا يعرف إلا بها أو خيف من ذكره باسمه فنتة

- ‌باب جواز تكنية الرجل بأبي فلانة وأبي فلان والمرأة بأم فلان وأم فلانة

- ‌كتاب الأذكار المتفرقة

- ‌باب استحباب حمد الله تعالى والثناء عليه عند البشارة بما يسرّه

- ‌باب ما يقول إذا سمع صياح الديك ونهيق الحمار ونباح الكلب

- ‌باب ما يقوله إذا رأى الحريق

- ‌باب ما يقوله عند القيام من المجلس

- ‌باب دعاء الجالس في جمع لنفسه ومن معه

- ‌باب كراهة القيام من المجلس قبل أن يذكر الله تعالى

- ‌باب الذكر في الطريق

- ‌باب ما يقول إذا غضب

- ‌باب استحباب إعلام الرجل من يحبه أنه يحبه وما يقوله له إذا أعلمه

- ‌باب ما يقول إذا رأى مُبتلى بمرضٍ أو غيره

- ‌باب استحباب حمد الله تعالى للمسؤول عن حاله وحال محبوبه مع جوابه إذا كان في جوابه إخبار بطيب حاله

- ‌باب ما يقول إذا دخل السوق

- ‌باب استحباب قول الإنسان لمن تزوَّج تزوجاً مستحباً، أو اشترى أو فعل فعلاً يستحسنه الشرع: أصبت أو أحسنت ونحوه

- ‌باب ما يقول إذا نظر في المرآة

- ‌باب ما يقول عند الحجامة

- ‌باب ما يقول إذا طنَّت أذنه

- ‌باب ما يقوله إذا خدرت رجله

- ‌باب جوازه دعاء الإنسان على من ظلم المسلمين أو ظلمه وحده

- ‌باب التبرِّي من أهل البدع والمعاصي

- ‌باب ما يقوله إذا شرع في إزالة منكر

- ‌باب ما يقول من كان في لسانه فحش

- ‌باب ما يقوله إذا عثرت دابته

- ‌باب بيان أنه يستحبُّ لكبير البلد إذا مات الوالي أن يخطب النَّاس ويعظهم ويأمرهم بالصبر والثبات على ما كانوا عليه

- ‌باب دعاء الإنسان لمن صنع معروفاً إليه أو إلى النَّاس كلهم أو بعضهم، والثناء عليه وتحريضه على ذلك

- ‌باب استحباب مكافأة المهدي بالدعاء للمهدى له إذا دعا له عند الهدية

- ‌باب استحباب اعتذار من أهديت إليه هدية فردَّها لمعنى شرعي بأن يكون قاضياً أو والياً أو كان فيها شبهة أو كان له عذر غير ذلك

- ‌باب ما يقول لمن أزال عنه أذى

- ‌باب ما يقول إذا رأى الباكورة من الثمر

- ‌باب استحباب الاقتصاد في الموعظة والعلم

- ‌باب فضل الدلالة على الخير والحث عليها

- ‌باب حثّ من سُئل علماً لا يعلمه ويعلم أن غيره يعرفه على أن يدله عليه

- ‌باب ما يقول من دُعي إلى حكم الله تعالى

- ‌باب الإعراض عن الجاهلين

- ‌باب وعظ الإنسان من هو أجلّ منه

- ‌باب الأمر بالوفاء بالعهد والوعد

- ‌باب استحباب دعاء الإنسان لمن عرض عليه ماله أو غيره

- ‌باب ما يقوله المسلم للذمي إذا فعل به معروفاً

- ‌باب ما يقوله إذا رأى من نفسه أو ولده أو ماله أو غير ذلك شيئاً فأعجبه وخاف أن يصيبه بعينه أو يتضرَّر بذلك

- ‌باب ما يقول إذا رأى ما يحبُّ وما يكره

- ‌باب ما يقول إذا نظر إلى السماء

- ‌باب ما يقول إذا تطيَّر بشيء

- ‌باب ما يقول عند دخول الحمام

- ‌باب ما يقول إذا اشترى غلاماً أو جارية أو دابة، وما يقوله إذا قضى دَيناً

- ‌باب ما يقول من لا يثبت على الخيل ويدعى له به

- ‌باب نهي العالِمِ وغيره أن يحدّث النَّاس بما لا يفهمونه، أو يخاف عليهم من تحريف معناه وحمله على خلاف المراد

- ‌باب استنصات العالم والواعظ حاضري مجلسه ليتوفروا على استماعه

- ‌باب ما يقوله الرجل المقتدى به إذا فعل شيئاً في ظاهره مخالفة للصواب مع أنه صواب

- ‌باب ما يقوله التابع للمتبوع إذا فعل ذلك أو نحوه

- ‌باب الحث على المشاورة

- ‌باب الحثِّ على طيب الكلام

- ‌باب استحباب بيان الكلام وإيضاحه للمخاطب

- ‌باب المزاح

- ‌باب الشفاعة

- ‌باب استحباب التبشير والتهنئة

- ‌باب جواز التعجب بلفظ التسبيح والتهليل ونحوهما

- ‌باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌كتاب حفظ اللسان

- ‌باب تحريم الغيبة والنميمة

- ‌باب بيان مهمات تتعلق بحدِّ الغيبة

- ‌باب بيان ما يدفع به الغيبة عن نفسه

الفصل: ‌باب تحريم الغيبة والنميمة

احْفظْ لسانَكَ أيُّها الإنسانُ

لا يلدغَنَّكَ إنَّهُ ثُعْبَانُ

كم في المقابر من قتيلِ لسانِهِ

كانتْ تهاب لقاءَه الشُّجْعَانُ

قال الرياشي رحمه الله:

لعمركَ إن في ذَنْبي لشُغْلاً

لنفسي عن ذنوب بني أميَّه

على ربِّي حسابهُم إليَّه

تناهى علم ذلك لا إليَّه

وليس بضائري ما قد أتَوْهُ

إذا ما الله أصلح ما لديه

‌باب تحريم الغيبة والنميمة

اعلم أن هاتين الخصلتين من أقبح القبائح وأكثرها انتشاراً في النّاس،

ــ

هذا من كلام المصنف وليس هو في الرسالة. قوله: (احفظ لسانك الخ) هو عقد لما تقدم من نحو لسانك أسدك الخ وقريب منه ما أورده في التمهيد من شعر نصر بن أحمد فقال:

لسان الفتى حتف الفتى حيث يجهل

وكل امريء ما بين فكيه مقتل

وكم فاتح أبواب شر لنفسه

إذا لم يكن قفل على فيه مقفل

قوله: (الرياشي بكسر الراء وخفة التحتية وستين معجمة بعدها ياء النسب. قوله: (إن في ذنبي) أي في اشتغالي به والتفكر فيما يترتب عليه. قوله: (على ربي حسابهم الخ) فيه اقتباس من قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} ومن قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر: "وحسابهم على الله". قوله: (بضائري) اسم فاعل من ضار أي أوقع في الضير أي الضر وفيه اقتباس من قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} والله أعلم، ثم الهاء في إليه وفي لديه هاء السكت أتى بها بعد ياء المتكلم لفقد حركتها حال الوقف ولمناسبة البيت قبله والله أعلم.

باب تحريم الغيبة والنميمة

قوله: (من أقبح القبائح) من إضافة الصفة إلى موصوفها أي القبائح القبيحة وقد

ص: 375

حتى ما يسلم منهما إلا القليل من النّاس، فلعموم الحاجة إلى التحذير منهما

ــ

نقل المنذري إجماع الأمة على تحريم النميمة وعلى أنها من أعظم الذنوب عند الله عز وجل واختلف العلماء في الغيبة فقيل: إنها من الصغائر مطلقاً ونقل عن صاحب العدة وسكت المصنف عليه كالرافعي ومال إليه الجلال البلقيني واستدل له بما هو متعقب فيه كما بينه ابن حجر الهيتمي في الزواجر قال الأذرعي: إطلاق القول بأنها من الصغائر ضعيف أو باطل وقد نقل القرطبي المفسر وغيره الإجماع على أنها من الكبائر ويوافقه كلام جماعة من أصحابنا وقد غلظ أمرها في الكتاب والسنة ومن تتبع الأحاديث فيها علم أنها من الكبائر ولم أر من صرح بأنها من الصغائر غير الغزالي وصاحب العدة والعجب أنه أطلق إن ترك النهي عن المنكر من الكبائر وقضيته أن يكون السكوت عن النهي عنها من الكبائر أيضاً إذ هي من أقبح المنكرات لا سيما غيبة الأولياء وأهل الكرامات وأقل الدرجات إن لم يثبت إجماع أن يفصل بين غيبة وغيبة لتفاوت مراتبها ومفاسدها والتأذي بحسب الخفة والثقل والأذى ثم قال: بعد بيان بعض خفيف الألفاظ من ثقيلها فيقرب أن يقال ذكر الأعرج والأعمش والأسود وعيب الملبوس ونحو ذلك من الصغائر لخفة التأذي بها بخلاف الوصف بالفسق والفجور وغير ذلك من عظائم المعاصي ويجوز أن لا يفصل سداً للباب كما في الخمر ويقال للغيبة حلاوة كحلاوة التمر وضراوة كضراوة الخمر عافانا الله منها وقضى عنا حقوق أربابها فلا يحصيهم غيره سبحانه ثم نقل عن الشافعي وأكابر من أئمة المذهب القول بما قاله من أنها كبيرة قال والعجب من سكوت الرافعي على كلام صاحب

العدة وقد جزم الرافعي قبله بأن الوقيعة في أهل العلم وحملة القرآن من الكبائر وفسروا الوقيعة بالغيبة والقرآن والأحاديث متظاهرة على ذلك أي كونها كبيرة مطلقاً وقال ابن حجر في الزواجر بعد ذكر كلام طويل فظهر أن الذي دلت عليه الدلائل الكثيرة الصحيحة الظاهرة أنها كبيرة لكنها تختلف عظماً وضده باختلاف مفسدتها كما مر في كلام الأذرعي وظهر أيضاً أنها الداء العضال والسم الذي هو أحلى في الألسن من الزلال وقد جعلها من أوتي جوامع الكلم عديلة غصب المال وقتل النفس بقوله: كل المسلم على المسلم حراً

ص: 376

بدأتُ بهما.

فأما الغيبة: فهي ذِكْرُكَ الإنسان بما فيه مما يكره، سواء كان في بدنه، أو دِينِهِ، أو دُنْياه أو نفسه، أو خَلْقه، أو خُلُقه، أو ماله، أو ولده،

ــ

الحديث والغصب والقتل كبيرتان إجماعاً فكذا ثلب العرض قلت وفي التمهيد لابن عبد البر قال الشاعر:

احذر الغيبة فهي الـ

ـفسق لا رخصة فيه

إنما المغتاب كالآ

كل من لحم أخيه

وتردد الزركشي في تحريم غيبة الصبي والمجنون قال في الزواجر بعد نقله ذلك عن الخادم والوجه حرمة غيبتهما وأما التوبة منها فتتوقف على أركانها ومنها هنا الاعتذار لكنه إن فات بنحو موت ووجدت باقي أركان التوبة سقط حق الله وبقي حق الآدمي. قوله: (الغيبة) أي بكسر الغين المعجمة وسكون التحتية. قوله: (ذكرك الإنسان) أي سواء كان مسلماً أو ذمياً والتعبير بالأخ في الآية والحديث نحو ذكرك أخاك الخ للعطف والتذكير بالسبب الباعث على تركها نعم الترك آكد في حق المسلم إنه أشرف وأعظم حرمة وسواء كان الإنسان حياً أو ميتاً وسواء كان ذلك بحضرته أو غيبة. قوله: (بما فيه) خرج ذكره بما يكرهه مما ليس فيه فذلك مع كونه غيبة أيضاً بهت وكذب وسيأتي ذلك في حديث مسلم قال: إن كان فيه فقد اغتبته وإلا فقد بهته المرو ليس إذ بالذكر في الحديث اللساني فقط بل هو وما يقوم مقامة من إشارة ورمز كما سيأتي في كلام المصنف. قوله: (أو في دينه) وقول بعض: لا غيبة في ذكر ما يكرهه من أمر الدين -لأنه ذم من ذمه الله تعالى ولأنه صلى الله عليه وسلم ذكر له عبادة امرأة وإنها تؤذي جيرانها فقال: "هي في النار" وعن امرأة أنها بخيلة فقال: "فما خيرها إذاً" -قال الغزالي إنه فاسد لأنهم كانوا يذكرون ذلك لحاجاتهم إلى تعرف الأحكام بالسؤال ولم يكن غرضهم التنقيص ولا يحتاج إلى ذلك في غير مجلسه صلى الله عليه وسلم والدليل عليه إجماع الأمة أن من ذكر غيره بما يكرهه فهو مغتاب لأنه داخل فيما ذكره صلى الله عليه وسلم. قوله: (أو نفسه) أي النفس الناطقة المعبر عنها عند قوم بالروح والوصف الذي يكره لها نحو الجهل والدناءة. قوله: (أو خلقه) بفتح المعجمة هو والخلق بضمها في الأصل بمعنى لكن خصص العرف المفتوح بما يدرك بالبصر من الأوصاف

ص: 377

أو والده، أو زوجه، أو خادمه، أو مملوكه، أو عِمامته، أو ثوبه، أو مِشْيته، وحَرَكته وبَشَاشتَه وخلاعَته، وعُبُوسه، وطلاقته، أو غير ذلك

مما يتعلَّق به، سواء ذكرته بلفظك أو كتابك، أو رمزتَ، أو أشرت إليه بعينك، أو يدك، أو رأسك، أو نحو ذلك. أما البدن، فكقولك: أعمى، أعرج، أعمش، أقرع، قصير، طويل، أسود، أصفر. وأما الدِّين، فكقولك: فاسق، سارق، خائن، ظالم، متهاون بالصلاة، متساهل في النجاسات، ليس بارّاً بوالده، لا يضع الزكاة مواضعها لا يجتنب الغيبة. وأما الدنيا: فقليل الأدب، يتهاون

ــ

الظاهرة والمضموم بالمعاني المدركة بالبصيرة وتقدم في باب مزيد بيان لهذا المقام ثم مثال ما يكره بالخلق نحو هيئته قبيحة أو صورته فظيعة. قوله: (مشيته) بكسر الميم. قوله: (وبشاشته) هي بالموحدة المفتوحة وبالمعجمتين الخفيفتين بينهما ألف فرحة وسروره بالمرء وانبساطه إليه والأنس به كما في النهاية وذلك بأن يذكر فيها ما يلحقها بالذل والضعة ونحوها. قوله: (وطلاقته) هو بمعنى

البشاشة وفي الخبر الصحيح لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقي أخاك بوجه طلق. قوله: (وخلاعته) بالمعجمة المفتوحة وبعد الألف عين مهملة وهي الاستهتار باللهو. قوله: (سواء ذكرته بلفظك) هذا هو المنصوص عليه في الخبر، والكتابة وما بعدها مقيسة عليه بجامع الإيذاء في الكل وهو تفهيم الغير نقصان المغتاب وهو موجود حيث أفهمت الغير ما يكرهه المغتاب. قوله:(فأما البدن) أي ما من شأنه أن يكرهه الإنسان من أوصاف البدن وتقدم عن الأذرعي إن ذكر نحو الأقرع والأعمش والأصفر والأسود وعيب العمامة والملبوس والدابة ونحو ذلك أخف من الوصف بالفسق والفجور والظلم وعقوق الوالدين والتهاون بالصلاة ونحو ذلك وإنه تردد بين كون الأول من الصغائر والثاني من الكبائر لما بينهما من التفاوت في الخفة والثقل أو الكل من الكبائر سداً للباب لكن يختلف عظمها وضده بحسب اختلاف مفسدتها. قوله: (فقليل الأدب) أي مع النّاس أما قلته مع الله عز وجل فهو ما يتعلق بالدين والأدب

ص: 378

بالناس، لا يرى لأحد عليه حقاً، كثيرَ الكلام، كثيرَ الأكل أو النوم، ينام في غير وقته، يجلس في غير موضعه. وأما المتعلق بوالده، فكقوله: أبوه فاسق، أو هندي، أو نَبَطي، أو زنجي، إسكاف، بزَّاز، نخَّاس، نجَّار، حداد، حائك. وأما الخُلُق، فكقوله:

ــ

عند أهل الله ثلاثة أقسام أدب الشريعة وهو امتثال الأمر واجتناب النهي على ما جاء به مرسوم الشريعة وأدب الطريقة وهو التلبس بالعمل مع عدم الركون إليه وأدب الحقيقة وهو أن تعرف أوصافه من العز والبقاء والقدرة والغنى وتعرف أوصافك من الذل والفناء والعجز والفقر قال بعض العارفين: العمل يوصل إلى الجنة والأدب فيه يوصل إلى الله عز وجل. قوله: (لا يرى لأحد عليه حقاً) أي لأحد من كبراء الدنيا ممن لم يؤمر الإنسان بتعظيمهم من الرؤساء والأغنياء بل أمر بالترفع عليهم ففي الحديث من تواضع لغني لغناه ذهب ثلثا دينه أما عدم رؤية الحق لمن أمر الله برؤيته له من الشيخ والوالدين والكبير فذلك من القدح بما يتعلق بالدين. قوله: (يجلس في غير موضعه) أي باعتبار نظر أبناء الزمان والتفاتهم إلى ما لا يعني من عالي المكان أما إذا أريد به الكناية عن كونه ذا كبر وعجب فلا يرى لنفسه إلا أعلى مكان فذلك من الثلم بما يرجع إلى الدين. قوله: (وأما المتعلق بوالده) لم يتقدم لهذا ذكر في إجمال ما تكون به المذمة ولعله أدرجه فيما يتعلق بالدنيا لأن الفخر بالنسب من شأن أبناء الدنيا أما أبناء الآخرة فانتسابهم إلى عبودية مولاهم وافتخارهم بحوزهم لتقواهم نفعنا الله بهم ثم رأيته ذكر والده في إجمال ما يذم به في نسخة. قوله: (أو نبطي) هو بفتح النون والموحدة وبالطاء المهملة نسبة للنبط واحد الأنباط كسبب وأسباب سموا بذلك لاستخراجهم ينابيع الأرض. قوله: (زنجي) بكسر الزاي وسكون النون وبالجيم منسوب إلى الزنج طائفة معروفة. قوله: (جزار) ويقال له القصاب. قوله: (نخاس) بالنون والمعجمة وآخره مهملة دلال الرقيق. قوله: (وأما الخلق) أي بضم المعجمة واللام ويجوز تسكينها تخفيفاً أي الأمور

ص: 379

سيئ الخُلُق، متكبِّر، مُراءٍ، عَجول، جبار، عاجز، ضعيف القلب، متهوِّر، عبوس، خليع، ونحوه. وأما الثوب: فواسع الكمّ، طويل الذيل، وسخ الثوب ونحو ذلك، ويقاس الباقي بما ذكرناه وضابطه: ذِكْره بما يكره.

وقد نقل الإِمام أبو حامد الغزالي إجماع المسلمين على أن الغيبة: ذِكْرُكَ غيرك بما يكره، وسيأتي الحديث الصحيح المصرّح بذلك.

وأما النميمة: فهي نقل كلام النّاس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد. هذا بيانهما.

وأما حكمهما، فهما محرمتان بإجماع المسلمين، وقد تظاهر على تحريمهما الدلائل الصريحة من الكتاب والسُّنَّة وإجماع الأمة، قال الله تعالى:{وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12] وقال تعالى:

ــ

التي يكره

ذكرها مما يتعلق بالأوصاف الباطنة المدركة بالبصيرة. قوله: (سيئ الخلق) هو من صدر القبيح عنه وسهل ذلك عليه. قوله: (جبان) ضد الشجاع. قوله: (متهور) أي يسقط على الأمور ولا يثبت فيها. قوله: (طويل الذيل) وطوله إن كان بمجاوزة العقب فمكروهة وكلما زاد الطول زادت الكراهة لقربه من احتمال النجاسة ومحل الكراهة إذا لم يكن على وجه الخيلاء وإلا فيحرم ومحلها بالنسبة للرجال أما للنساء فتستحب إطالة الجلباب وأن تكون زائدة على الساتر بشبر وهل ذلك من أول ما يماس الأرض أو من العقب فيه خلاف. قوله: (وضابطه الخ) أي إن استيعاب جميع ما من شأنه أن يكره سواء عاد إلى النفس أو إلى ما ذكر معه صعب لكن الضابط الذي لا يشذ عنه شيء منه ذكرك أخاك بما يكره. قوله: (فهما محرمتان بإجماع المسلمين) هذا أصل حكمهما ثم قد تجب الغيبة تارة وتباح أخرى كما سيأتي بيانه وتقدم إن النميمة كبيرة بالإجماع وإن الأصح في الغيبة إنها كذلك وإن اختلفت مراتبها بتفاوت المغتاب به في الإيذاء خفة وثقلاً كما تقدم عن الزواجر. قوله: (وقد تظاهرت) من التظاهر وهو التعاون قال تعالى: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} أي تتعاونا عليه والمراد هنا شد بعض الأدلة بعضاً فصار في غاية القوة. قوله: (ولا يغتب بعضكم بعضاً)

ص: 380

{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة: 1]، وقال تعالى:{هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم: 11].

وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن حذيفة رضي الله

ــ

أي لا يتكلم أحد منكم في حق أخيه في غيبته بما هو فيه مما يكرهه وألحق به التكلم بذلك في حضرته للإيذاء بل هو أبلغ في الأذية. قوله: (ويل لكل همزة لمزة) قال مجاهد: الهمزة الطعان في النّاس واللمزة الذي يأكل لحوم النّاس وروى البيهقي عن الليث اللمزة الذي يعيبك في وجهك والهمزة الذي يعيبك بالغيب اهـ، وروى عن ابن جرير الهمز بالعين والشدق واليد واللمز باللسان وقيل اللمز بالقول وغيره والهمز بالقول فقط وقيل اللمزة النمام وتقدم في باب ما يقول إذا غضب إن همزة ولمزة لمن يكثر منه الهمز واللمز وسبق في ذلك الباب الفرق بين فعلة مضموم الفاء مفتوح العين وفعلة مضموم الفاء ساكن العين وفي مفردات الراغب ويل قبوح وقد يستعمل على التحسر ومن قال: ويل واد في جهنم لم يرد أن ويلاً في اللغة موضوع لذلك إنما أراد من قال الله فيه ذلك فقد استحق مقراً من النار وثبت ذلك له نحو ويل لكل همزة لمزة اهـ. قوله: (ولا تطع كل حلاف) أي كثير الحلف بالباطل (مهين) فعيل من المهانة وهي القلة في الرأي والتمييز قال الواحدي قال عطاء: يعني الأخنس بن شريق أي فهو عام أريد به خاص

أو المراد هو ومن كان بوصفه المذكور في الآية وقال مقاتل يعني الوليد بن المغيرة عرض على النبي صلى الله عليه وسلم المال ليرجع عن دينه قوله: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} هماز مغتاب طعان للناس مشاء بنميم أي يمشي بالنميمة بين النّاس ليفسد بينهم.

قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) في جامع الأصول أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن حذيفة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يدخل الجنة قتات" ولمسلم مثله وقال نمام: وعبارة التيسير للديبع بعد إيراده بلفظ لا يدخل الجمعة قتات أخرجه الخمسة إلا النسائي يعني الشيخين وأبا داود والترمذي ولفظ مسلم لا يدخل الجنة نمام انتهت فأفادت إن لفظ نمام لمسلم وإنه عند البخاري بلفظ قتات وهو كذلك عند مسلم أيضاً وإنما عزا المصنف الحديث للبخاري باعتبار إنه عنده بالمعنى وإن اختلف بعض المبنى إذا النمام هو القتات وقيل: النمام الذي يكون مع جمع متحدثون فينم عليهم والقتات

ص: 381

عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ".

وروينا في "صحيحيهما" عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبرين، فقال:

ــ

هو الذي يسمع عليهم وهم لا يعلمون ثم ينم وبالجملة فهما سواء في كون كل منهما نماماً. قوله: (لا يدخل الجنة نمام) قال المصنف: أي لا يدخلها مع الناجين أو يحمل على المستحل من غير تأويل مع العلم أي بالحرمة اهـ.

قوله: (وروينا في صحيحيهما) وكذا رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة وغيرهم وفي رواية أحمد والطبراني واللفظ للطبراني عن أبي بكرة قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يمشي بيني وبين رجل آخر إذا أتى على قبرين فقال: "إن صاحبي هذين القبرين يعذبان فائتياني بجريدة" قال: فاستبقت أنا وصاحبي فأتيته بجريدة فشقها نصفين فوضع في هذا القبر واحدة وفي ذا القبر واحد قال: "لعله يخفف عنهما ما دامتا رطبتين إنهما يعذبان بغير كبير الغيبة والبول" وسند الحديث صحيح كما قاله ابن حجر في الزواجر قال: وفي رواية لابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة كان أحدهما لا يستنزه من البول وكان الآخر يؤذي النّاس بلسانه ويمشي بينهم بالنميمة وللحديث طرق كثيرة مشهورة عن جماعة من الصحابة في الصحاح وغيرها وبتأملها يعلم أن القصة متعددة وبه يندفع ما يوهمه ظواهرها من التعارض ثم رأيت الحافظ المنذري أشار لبعض ذلك فقال: أكثر الطرق إنهما يعذبان في البول والنميمة والظاهر إنه اتفق مروره صلى الله عليه وسلم مرة بقبرين يعذب أحدهما في النميمة والآخر في البول ومرة بقبرين يعذب أحدهما في الغيبة والآخر في البول اهـ. قوله: (مر بقبرين) قيل: المراد بصاحبي قبرين فعبر بهما عن صاحبهما من تسمية الحال باسم المحل ففيه مجاز مرسل قال الحافظ ابن حجر: لم يعرف اسم المقبورين ولا أحدهما والظاهر إن ذلك كان على عمد من الرواة لقصد الستر عليهما وهو عمل مستحسن وينبغي أن لا يبالغ في الفحص عن تسمية من وقع في حقه ما يذم به قال وقد اختلف فيهما فقيل: كانا كافرين وبه جزم أبو موسى المديني قال: لأنهما لو كانا مسلمين لما كانا لشفاعته إلى

أن ييبس الجريدتان معنى ولكنه لما رآهما يعذبان لم

ص: 382

"إنَّهُما لَيُعَذَّبانِ وَما يُعَذبانِ في كبِيرٍ" قال: وفي رواية البخاري "بَلى إنَّه كبِيرٌ، أمَّا أحدُهُما،

ــ

يستجز للطفه وعطفه حرمانهما من إحسانه فشفع لهما إلى المدة المذكورة قيل: وهو الأظهر وقال الحافظ ابن حجر: هو الظاهر من مجموع طرق الحديث. قوله: (إنهما) قيل: أعاد الضمير على غير مذكور اكتفاء بدلالة سياق الكلام عليه كقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} وقيل: أعاده على القبرين مجازاً أو أراد من فيهما كما تقدم. قوله: (في كبير) قال ابن مالك: فيه شاهد على ورود في للتعليل وهو مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "عذبت امرأة في هرة" وخفي ذلك على أكثر النحويين ومع ورود القرآن به كقوله تعالى: {لمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ} قوله: (قال وفي رواية البخاري الخ) قال القلقشندي: هي من زيادات جرير على الأعمش وهي ترد على ابن بطال استدلاله برواية الأعمش على أن التعذيب لا يختص بالكبائر بل قد يقع على الصغائر معللاً بأن الاستتار من البول لم يرد فيه وعيد شديد. قوله: (إنه لكبير) اختلفوا في معنى هذا الكلام منه صلى الله عليه وسلم فقال البوني شارح الموطأ: يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم ظن أن غير كبير فأوحى إليه في الحال إنه كبير فاستدرك قيل: ويحتمل أن الضمير في وإنه عائد إلى العذاب لما ورد في صحيح ابن حبان من حديث أبي هريرة عذاباً شديداً في ذنب هين وقال الداودي وابن العربي كبير المنفى بمعنى أكبر والمثبت واحد الكبائر أي ليس ذلك بأكبر الكبائر كالقتل مثلاً وإن كان كبيراً في الجملة قال المصنف: فعلى هذا يكون المراد الزجر والتحذير لغيرهما من توهم إن التعذيب لا يكون إلا في أكبر الكبائر كالموبقات فإنه يكون في غيرها وقيل: المعنى ليس بكبير في الصورة لأن تعاطيه يدل على الدناءة والحقارة وهو كبير في الإثم وقيل: ليس بكبير في اعتقاد المخاطبين وهو عند الله كبير كقوله تعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} وهذا القول بدأ به المصنف وقيل: ليس بكبير إزالته والاحتراز منه فإنه سهل على من يريد التوقي منه وهذا جزم به الخطابي والبغوي والمنذري وقال ابن دقيق العيد: إنه الذي يجب حمل الحديث عليه وقيل: ليس كبيراً بمجرده وإنما صار كبيراً بالمواظبة عليه ويرشد إلى ذلك السياق فإنه وصف كلاًّ منهما بما يدل على تكرر ذلك واستمراره عليه للإتيان بصيغة المضارع بعد كان وقيل غير ذلك. قوله: (أما أحدهما) أما حرف شرط وتفصيل كما

ص: 383

فكان يَمْشِي بالنمِيمَةِ، وأما الآخَرُ، فكان لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلهِ".

قلت: قال العلماءُ: معنى "وما يعذَّبان في كبير"

ــ

هو معروفة عند النحاة وزاد الزمخشري إنه حرف توكيد وذكرنا كلام شرح التوضيح فيها سابقاً. قوله: (لا يستتر) بتحتية فمهملة ثم مثناتين فوقيتين أولاهما مفتوحة والأخرى مكسورة من الاستتار وكذا في أكثر الرواية وفي رواية للصحيحين لا يستنزه بنون ساكنة بعدها زاي من التنزه وهو كذلك عند النسائي وفي رواية للبخاري وقال الإسماعيلي إنها أشبه الروايات لا يستبريء موحدة ساكنة وهمزة بعد الراء من الاستبراء وفيه روايات أخر عند غير الصحيحين وقوله: لا يستتر يحتمل أن يحمل على الاستتار عن الأعين وهو الحقيقة فيكون العذاب على كشف العورة ويحتمل أن يحمل على المجاز بأن يراد بالاستتار التنزه عن البول والتوقي منه إما بعدم ملابسته أو بالاحتراز عن مفسدة تتعلق به كانتقاض الطهارة وعبر بالاستتار عن التوقي مجازاً ووجه العلاقة بينهما إن التستر عن الشيء فيه بعد عنه واحتجاب وذلك شبيه بالبعد عن ملابسة البول قال القلقشندي نقلاً عن ابن دقيق العيد: والحمل على المجاز المذكور أقرب لوجهين أحدهما أنه لو حمل على حقيقته للزم إن مجرد كشف العورة يحصل به العذاب وإن لم يكن ثم بول

والحديث يدل على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية وأيضاً فإن لفظة من لما أضيفت إلى البول وهي لابتداء الغاية حقيقة أو ما يرجع إلى ابتداء الغاية مجازاً اقتضت نسبة الاستتار الذي عدمه سبب العذاب إلى البول أن يكون المعنى سبب عذابه من البول ولو حملناه على كشف العورة زال هذا المعنى ثانيهما أن في بعض الروايات لا يتوقى البول وهي رواية وكيع وفي بعضها لا يستنزه فيحمل على تلك لتتفق الروايات ثم قال القلقشندي ويتأبد أيضاً بأن مخرج الحديث واحد وبأن في حديث أبي بكرة عند أحمد وابن ماجه أما أحدهما فيعذب في البول ومثله في الطبراني عن أنس وقد أجيب عما قاله ابن دقيق العيد أولاً بأن تقييده بالبول لأن الأغلب في التكشف إنما هو عنده أو إن الغالب التكشف له قائماً قبل القعود وعن الثاني بأنا وإن سلمنا إن "من" حقيقة فيما ذكر فقد يستعمل المجاز بالقرينة ويترجح على الحقيقة لا سيما وقد اختلفت الروايات اهـ. قوله: (يمشي بالنميمة) أي يصير في النّاس متصفاً بهذه الصفة فالباء

ص: 384

أي: في كبير في زعمهما، أو كبير تركه عليهما.

وروينا في "صحيح مسلم" وسنن أبي داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتَدْرُون ما الغِيبَةُ؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:"ذِكْرُكَ أخاكَ بِمَا يَكْرَهُ"، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقولُ، قال:"إنْ كانَ فيهِ ما تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وإن لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتهُ" قال الترمذي: حديث

ــ

حينئذ للمصاحبة وجوز بعضهم أن تكون سببية أي يمشي بسبب ذلك. قوله: (أي في كبير في زعمها) أي ولكنه كبير عند الله.

قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) وأخرجه ابن عبد البر في التمهيد من طريقين عن أبي هريرة وقال المنذري في الترغيب قد روى هذا الحديث من طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة اكتفينا بهذا عن سائرها اهـ، قال ابن عبد البر: هذا الحديث يخرج في التفسير المسند في قول الله سبحانه: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} فبيّن صلى الله عليه وسلم الغيبة وكيف هي وما هي وهو المبين عن الله سبحانه. قوله: (ذكرك أخاك الخ) يشمل ذكره بما يكرهه في غيبته وحضوره وسبق أن الأول لما فيه من مزيد النكاية أتم في الإثم، وفي الخادم للزركشي من المهم ضابط الغيبة هل هي: ذكر المساويء في الغيبة كما يقتضيه اسمها أو لا فرق بين الغيبة والحضور وقد دار السؤال بين جماعة ثم رأيت ابن فورك ذكر في مشكل القرآن في تفسير سورة الحجرات ضابطاً حسناً فقال: الغيبة ذكر العيب بظهر الغيب وكذا قال سليم الرازي في تفسيره الغيبة أن يذكر الإنسان من خلفه بسوء وإن كان فيه اهـ، وفي المحكم لا يكون إلا من ورائه اهـ، وبفرض اختصاص مفهوم الغيبة بذكر العيب في الغيبة فذكره في الحضور حرام بل شديد الحرمة لما فيه من الإيذاء مع مزيد النكاية إذا واجهه بما ذكره والله أعلم، ويشمل ما يكرهه في خلقه أو خلقه أو ينسب إليه مما تقدم في كلام المصنف. قوله:(أفرأيت) أي فأخبرني. قوله: (بهته) هو بتخفيف الهاء المفتوحة من البهت وهو الكذب والافتراء أي كذبت وافتريت عليه وقال المصنف: يقال بهته بفتح الهاء مخففة أي قلت فيه: البهتان وهو الباطل

ص: 385

حسن صحيح.

وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي بَكْرَةَ رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خُطْبَتِهِ يوم النحر بمنى في حَجة الوداع: "إن دِماءَكُمْ وَأمْوَالَكُمْ وَأعْرَاضَكُمْ

ــ

وأصل البهت أن يقال له: الباطل في وجهه وهما يعني الغيبة والنميمة حرامان اهـ.

قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) أي رواه البخاري في التفسير وفي بدء الخلق وفي المغازي وفي غيرها من صحيحه ورواه مسلم في الديات من صحيحه وأخرجه أيضاً النسائي في العلم كذا في الأطراف للمزي ملخصاً. قوله: (في خطبته) أي في ضمن خطبته التي أتى بها يوم النحر وهو يوم عاشر ذي الحجة ومنه ومن أحاديث أخر -بعضاً في الصحيحين كحديث عبد الله بن عمرو وبعضها في السنن كحديث أبي أمامة عند أبي داود وحديث الهرماس بن زياد الباهلي عند أبي داود والنسائي وألفاظهم في المنسك الكبير لابن جماعة- أخذ أصحابنا استحباب خطبة يوم النحر يعلم القوم فيها أحكام المناسك لكن قالوا: يسن فعلها بعد صلاة الظهر وقد استشكل بأن الذي في الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوم النحر ضحى أجاب عن ذلك المصنف بأن رواية ابن عباس في الصحيح تدل على أنه كان بعد ذلك الزوال إذ فيها أن بعض السائلين قال: رميت بعدما أمسيت والمساء يطلق على ما بعد الزوال أي فقدمت لأنها أصح وأشهر وأجاب السبكي بأنه ورد في طبقات ابن سعد عن عمرو بن يثربي بتحتية مفتوحة فمثلثة ساكنة فراء مكسورة فموحدة فياء النسب أنه حفظ خطبته صلى الله عليه وسلم الغد يوم النحر بعد الظهر وهو على ناقته القصوى وكان يحكيها بطولها وكأن بعضهم جمع بين الحديثين حيث قال: خطب صلى الله عليه وسلم خطبتين يوم النحر في وقتين قال ابن جماعة بعد أن أورد أحاديث وهو مقتضى هذه الأحاديث اهـ. قوله: (في حجة الوداع) بكسر الواو وفتحها وسبق بيان وجهها في باب استنصات العالم والواعظ. قوله: (إن دماءكم) بدأ بها لأنها آكد الثلاثة وأخطرها ومن ثم كان أكبر الكبائر بعد الشرك القتل على الأصح وقدم الأموال على الأعراض مع أن الأعراض أخطر لأن الابتلاء بالجناية فيها أكثر والأعراض جمع عرض وله معان كثيرة منها النفس وليس مراداً

ص: 386

حَرامٌ عَلَيكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، في شَهْرِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هَذَا ألا

ــ

هنا وإلا كان تكراراً مع دماءكم أو جانب الرجل الذي يصونه من نفسه وحسبه أن ينتقص ويثلب أو (سواء) كان في نفسه أو (سلفه أو) من يلزمه أمره أو موضع المدح والذم منه أو (ما) يفتخر به من حسب وشرف وقد يراد به الآباء والأجداد والخليقة المحمودة اهـ، قال في فتح الإله وكلها مناسبة هنا إذ المراد بتحريم الأعراض تحريم التعرض إلى الإنسان بما يعير أو ينقص به في نفسه أو أحد من أقاربه بل يلحق بذلك كله من له علقة بحيث يؤدي تنقيصه أو تعييره إليه أخذاً من قولهم في حد الغيبة ذكرك أخاك بما يكره في نفسه وأهله ومماليكه وغيرهم وفي قول الشاعر:

إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه

فكل رداء يرتديه جميل

وقول أبي ضمضم: اللهم إني تصدقت بعرضي على عبادك فمن شتمني لا أشتمه إلى آخر ما يناسب ما ذكرته وأما قول من قال: إن المراد بالأعراض هنا الأخلاق النفسانية فهو وإن أمكن إرجاعه إلى ما قلناه لكن ما قلناه أوضح ثم رأيت بعضهم أرجعه إليه فقال وحين كان المدح نسبة الشخص إلى الأخلاق الحميدة والذم نسبته إلى الذميمة سواء كانت فيه أو لا، قال: من قال العرض الخلق إطلاقاً لاسم اللازم على الملزوم اهـ، وقول النهاية العرض موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو سلفه صحيح موافق لما قلناه إلا أن ما ذكرناه أعم اهـ. قوله:(كحرمة يومكم الخ) كأن وجه

هذا التشبيه مع كون الثلاثة المشبهة أعلى حرمة من الثلاثة المشبه بها هو أحد الوجوه في قوله: كما صليت على إبراهيم وهو تشبيه من لم يشتهر وإن كان أفضل بما اشتهر وإن كان مفضولاً ليحصل له من الشهرة ما يوازي شهرة المشبه به، وقوله كحرمة يومكم هذا أي كحرمة معصيتكم فيه حال اليوم على وجه التجوز، في بلدكم هذا وحرمة المعصية بها عظيمة فقد قال: جمع بمضاعفة السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات بها

ص: 387

هَلْ بلَّغْتُ؟ ".

وروينا في سنن أبي داود والترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: "حَسْبُكَ من صفيةَ كذا وكذا" قال بعض الرواة: تعني قصيرة، فقال:"لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْهُ"، قالت:

ــ

وأول بأن المراد العظم في الكيف لا في الكم لأن قوله تعالى: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا} لا مخصص له وقوله: ومن يرد فيه بالحاد بظلم دليل للعظم الذي ذكرناه لا للتعدد الذي ذكروه ولعظم شرف ذي الحجة كان عظم المعصية فيه أكثر منه في غيره.

قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) ورواه أحمد كما في المشكاة والبيهقي كما في الترغيب المنذري. قوله: (حسبك) أي يكفيك (من صفية) أي من عيوبها البدنية. وقوله: (كذا وكذا) كناية عن ذكر بعضها وهو كذلك في جميع نسخ الأذكار كنسخ المشكاة قيل: وهو تحريف والصواب حسبك من صفية إنها كذا وكذا وقيل: إن قولها كذا إشارة إلى شبرها قال في المرقاة: الظاهر من كذا تعداد نعتها فلعلها قالت بلسانها إنها قصيرة وأشارت بشبرها إلى أنها في غاية القصر فأرادت بالتأكيد الجمع بين القول والفعل والله أعلم. قوله: (قال بعض الرواة) قال أبو داود بعد إخراجه من طريق مسدد بلفظ كذا وكذا قال غير مسدد وحسبك من صفية قصرها وكأن هذا وجه عزو ابن الأثير في جامع الأصول الحديث بهذا اللفظ أي قصرها إلى أبي داود والترمذي. قوله: (لو مزجت بماء البحر الخ) أشار العاقولي إلى أن في بعض نسخ أبي داود ولو مزج بها البحر لمزجته إلى أن حق اللفظ لو مزجت بالبحر كما أورد المصنف هنا قال: لكن المزج يستدعي الامتزاج فكل من الممتزجين يمتزج بالآخر ومثله فاختلط به نبات الأرض كان من حق اللفظ فاختلط نبات الأرض ووجه مجيئه فيما قاله صاحب الكشاف أن كل مختلطين موصوف كل واحد منهما بصفة صاحبه على أن هذا التركيب أبلغ لأنه حينئذٍ من باب عرض الناقة على الحوض اهـ، ونقل مثله الطيبي وسكت عليه وقوله: حق اللفظ الخ وجهه إن العادة والعرف إن ينسب القليل إلى الكثير لا عكسه وإن جاز ذلك لغة فإنه نحو اختلط الماء باللبن

ص: 388

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعكسه وحكمة ما جاء في تلك الرواية الإشارة اللطيفة إلى عظم تلك الكلمة فكأنه قال: إن هذه الكلمة وإن كانت صغيرة وقليلة عندك فهي عند الله كبيرة وكثيرة بحيث لو مزجت بماء البحر بأجناسه وأصنافه وأنواعه ووسعه من طوله وعرضه وعمقه لغلبته وهذا من البلاغة غاية مبلغها وفيه من الزجر نهايته ومنتهاه وأما قول الكشاف في قوله تعالى: {فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ} حق اللفظ الخ فقال بعضهم: إنه خطأ فاحش لأنه ليس المعنى على أنه اختلط بالماء نبات الأرض إذ ليس تحته طائل بل الصواب أن الباء للسببية وأن المختلط هو بعض نبات الأرض ببعضه وتوضيحه أن المطر سابق وجوده على تحقق النبات على ما أشار إليه الفاء التعقيبية في قوله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ} ، فإن قلت: لعل صاحب الكشاف أراد اختلاط ماء أثر المطر بما

تنبت به الأرض من الحبة مثلاً قلت: الظاهر أن هذا مطمح نظره ومطلع فكره لكنه يرده قوله تعالى: {فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ} فأصبح هشيماً تذروه الرياح إذ تعقيبه الأصباح المذكور إنما هو عند حصول اختلاط النبات بعضه ببعض لا حين اختلاط الماء بالحب والنوى كما لا يخفى ومما يدل صريحاً على كون الباء للسببية قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ} ثم رأيت الكشاف اختار ما اخترناه وحرر ما حررناه حيث قال: فالتف بسببه وتكاثف حتى خالط بعضه بعضاً ثم قال وقيل: نجع في النبات الماء فاختلط به حتى روى ورف رفيفاً وكان حق اللفظ على هذا التفسير فاختلط بنبات الأرض ووجه صحته إن كلا من المختلطين موصوف بصفة صاحبه اهـ، كلامه ففي نقل كلام الكشاف قصور من الناقلين لأن ما ذكر مبني على شيء أسسه ومهده والله أعلم، وفي قوله حق اللفظ مع سوء الأدب بالنسبة إلى الآية القرآنية دسيسة اعتزالية والله ولي دينه وناصر نبيه اهـ، وقول العاقولي والطيبي على أن هذا التركيب من باب عرضت الناقة الخ اعترض بأنه ممنوع ومدفوع بأن العرض إنما يكون على أرباب التمييز فبهذه القرينة تعرف أن السلام مقلوب بخلاف ما نحن فيه فإن

ص: 389

وحكيتُ له إنساناً فقال: "ما أُحِبُّ أني حَكَيتُ إنساناً وأنَّ لي كَذ وكَذَا" قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

قلت: مزجته أي خالطته مخالطة يتغير بها طعمه أو ريحه لشدَّة نتنها وقبحها، وهذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغيبة أو أعظمُها، وما أعلم شيئاً من الأحاديث يبلغ في الذم لها هذا المبلغ {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (3) {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4] نسأل الله الكريم لطفه والعافية من كل مكروه.

وروينا في سنن أبي داود عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أظْفارٌ مِنْ نُحاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤلاءِ يا

جِبْرِيلُ؟ قال: هَؤلاءِ الّذِينَ

ــ

لكل من الطرفين قابلية الخلط والمزج والله أعلم. قوله: (وحكيت له إنساناً) أي ذكرته بما يكرهه ذلك الإنسان أو حكيت ما يكره من أفعاله أو أحواله. قوله: (ما أحب أني حكيت إنساناً) أي بما يكرهه. قوله: (وإن لي كذا الخ) إشارة إلى عظم إثم الغيبة وإنه لا يقاومها ما أعطيه من غيرها أي وإن كان كثيراً كما يدل عليه كذا وكذا إذ هي كناية عن الأعداد الكثيرة وإنما كان كذلك لأن ترك الاغتياب سلامة وعمل البر غنيمة والسلامة مقدمة على الغنيمة كما تقدم والله أعلم.

قوله: (أي خالطته مخالطة) أي لو كانت أجساماً محسوسة لغيرت طعمه لشدة قبحها وريحه لنتنها أي عفونتها ففي العبارة لف ونشر مشوش. قوله: (أو أعظمها) أي بل أعظمها فأو بمعنى بل ويحتمل أن يكون حصل للشيخ تردد في الأمرين فأتى بأو المؤذنة لذلك وقد أشارت آية الحجرات في الغيبة إلى أعظم زجر عنها وقد بين ذلك ابن حجر في الزواجر بياناً شافياً.

قوله: (وروينا في سنن أبي داود) قال المنذري في الترغيب وذكر أي أبو داود أن بعضهم رواه مرسلاً اهـ، وفي الجامع الصغير ورواه أحمد والضياء في المختارة كلهم من حديث أنس.

قوله: (يخمشون وجوههم) قال الحافظ ابن حجر في مقدمته للفتح خموش أي خدوش وهي الجراحات التي

ص: 390

يأكُلُونَ لَحُومَ النَّاسِ وَيقَعُونَ في أعْرَاضِهِمْ".

وروينا فيه عن سعيد بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن مِنْ أرْبَى الرِّبا الاِسْتِطالَةَ في عِرْضِ المُسْلِمِ بِغَيرِ حَقٍّ".

وروينا في كتاب الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ــ

لا أثر بها اهـ، قال بعضهم ومنه حديث أبي داود يخمشون وجوههم. قوله.

(يأكلون لحوم النّاس) أي بالاغتياب كما قال عز وجل: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} وفي الحديث عن عائشة قالت: قلت لامرأة مرة وأنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إن هذه لطويلة الذيل فقال: "الفظي، الفظي" أي ارمي ما في فيك فلفظت بضعة من لحم رواه ابن أبي الدنيا وبمعناه أحاديث كثيرة عن جماعة من الصحابة. قوله: (ويقعون في أعراضهم) فيه استعارة مكنية شبه الأعراض بوهدة من شأن المار الوقوع فيها إلا من احترز فالتشبيه المضمر في النفس استعارة مكنية وإثبات الوقوع استعارة تخييلية.

قوله: (وروينا فيه) أي في سنن أبي داود وكذا رواه الإِمام أحمد كما في الجامع الصغير وفي الترغيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إن من أربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه رواه البزار بإسناد جيد قوي وهو في بعض نسخ أبي داود إلا أنه قال من أكبر الكبائر استطالة الرجل في عرض رجل مسلم بغير حق ومن الكبائر السيئتان بالسيئة ورواه ابن أبي الدنيا أطول منه ولفظه الربا سبعون حوباً وأيسرها كنكاح الرجل أمه وإن أربى الربا عرض المسلم اهـ. قوله: (الاستطالة في عرض المسلم) قال في النهاية أي احتقاره والترفع عليه والوقيعة فيه وخرج بقوله بغير حق ما إذا كانت بحق كأن عزره بالكلام لفعله ما يقتضيه أو اغتابه بسبب مبيح للغيبة من استفتاء ونحوه.

قوله: (وروينا في كتاب الترمذي) وكذا رواه مسلم من جملة حديث إلا أنه قال: لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره

ص: 391

"المُسْلِمُ أخُو المُسْلِم لا يَخونُهُ وَلا يَكْذِبُهُ وَلا يَخْذُلُهُ، كُلُّ المُسْلِم على المُسلِم حَرَامٌ عِرْضُهُ، ومالُهُ وَدَمُهُ، التَّقْوَى ها هُنا، بِحَسْبِ امْرِئٍ منَ الشَّرِّ

ــ

وزاد بعد قوله التقوى ها هنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات والباقي سواء وسيأتي حديث مسلم في باب تحريم احتقار المسلمين والسخرية منهم. قوله: (المسلم أخو المسلم) أي بشهادة إنما المؤمنون إخوة أي إخوة نسب أو دين أو إخوة الدين أقوى وأعظم ومن ثم ورث الشافعي المؤمنين بعضهم بعضاً عند فقد الوارث ولم يورث بإخوة النسب عند الافتراق في الدين وهذا استعطاف منه صلى الله عليه وسلم لكل على الآخر وتليين لقلبه كما يقال: إنه أخوك لا مجرد إخبار بذلك. قوله: (لا يخونه) أي إذا ائتمنه من الخيانة أولاً ينسبه إليها من التخوين. قوله: (ولا يكذبه) بفتح التحتية وكسر المعجمة المخففة أي لا يخبره بأمر على خلاف ما هو عليه لأنه غش وخيانة وهو من حيث هو أشد الأمور ضرراً والصدق من حيث هو أشد نفعاً إلا أن يعرض لهما ما يصير به الكذب نافعاً والصدق ضاراً كأن سأله ظالم عن إنسان يريد قتله فإن صدق ضره وإن كذبه نفعه. قوله: (ولا يخذله) بضم الذال المعجمة أي لا يترك إعانته ونصره من غير عذر فترك نصره وإعانته خذلان سواء كان دنيوياً كأن رأى عدواً يريد أن يبطش به فيتركهما أو دينياً كأن يرى الشيطان مستولياً عليه في أمر يريد أن يستفزه ويهلكه في دينه فلا يخلصه من خبالته بوعظ أو نحوه فكل ذلك حرام. قوله: (كل المسلم الخ) جملة مركبة من مبتدأ وخبر وإضافة كل إلى المعرفة دليل لجوازه وإن منعه البعض. قوله: (عرضه الخ) بدل

مما قبله بدل مفصل من مجمل، وجعله هذه الثلاثة كل المسلم وحقيقته لشدة احتياجه إليها، واقتصاره عليها لأن ما سواها فرع عليها وراجع إليها وقدم العرض اهتماماً به لكثرة الابتلاء بالوقوع فيه ثم المال لكثرة الوقوع في الظلم به أكثر من الدماء. قوله:(التقوى هاهنا) أي في القلب كما جاء التصريح به في مسلم والتقوى اتقاء عذاب الله بفعل أو أمره واجتناب نواهيه ومعنى كون التقوى في القلب أن محل سببها الذي هو خشية الله الحاملة عليها هو القلب لا حقيقتها الذي هو الاتقاء من العذاب. قوله: (بحسب امريء من الشر الخ) حسب بإسكان السين أي كما فيه من خلال الشر ورذائل الأخلاق وهو مبتدأ. وقوله:

ص: 392