المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب جواز تكنية الكافر والمبتدع والفاسق إذا كان لا يعرف إلا بها أو خيف من ذكره باسمه فنتة - الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية - جـ ٦

[ابن علان]

فهرس الكتاب

- ‌باب تشميت العاطس وحكم التثاؤب

- ‌فصل: فيما إذا عطس يهودي

- ‌باب المدح

- ‌فائدة

- ‌باب مدح الإنسان نفسه وذكر محاسنه

- ‌باب في مسائل تتعلق بما تقدم

- ‌كتاب أذكار النكاح وما يتعلق به

- ‌باب ما يقوله من جاء يخطب امرأة من أهلها لنفسه أو لغيره

- ‌باب عرض الرجل بنته وغيرها ممن إليه تزويجها على أهل الفضل والخير ليتزوجوها

- ‌باب ما يقوله عند عقد النكاح

- ‌باب ما يقال للزوج بعد عقد النكاح

- ‌فصل "يكره أن يقال للمتزوج بالرفاء والبنين لما قدمناه في كتاب النكاح" اه

- ‌باب ما يقول الزوج إذا دخلت عليه امرأته ليلة الزفاف

- ‌باب ما يقال للرجل بعد دخول أهله عليه

- ‌باب ما يقوله عند الجماع

- ‌باب ملاعبة الرجل امرأته وممازحته لها ولطف عبارته معها

- ‌باب بيان أدب الزوج مع أصهاره في الكلام

- ‌باب ما يقال عند الولادة وتألم المرأة بذلك

- ‌باب الأذان في أذن المولود

- ‌باب الدعاء عند تحنيك الطفل

- ‌كتاب الأسماء

- ‌باب تسمية المولود

- ‌باب تسمية السقط

- ‌باب استحباب تحسين الاسم

- ‌باب بيان أحبِّ الأسماء إلى الله عز وجل

- ‌تتمة

- ‌باب استحباب التهنئة وجواب المهنَّأ

- ‌باب النهي عن التسمية بالأسماء المكروهة

- ‌باب ذكر الإنسان من يتبعه من ولد أو غلام أو متعلم أو نحوهم باسم قبيح ليؤدِّبه ويزجره عن القبيح ويروِّض نفسه

- ‌باب نداء من لا يعرف اسمه

- ‌باب نهي الولد والمتعلم والتلميذ أن ينادي أباه ومعلمه وشيخه باسمه

- ‌باب استحباب تغيير الاسم إلي أحسن منه

- ‌باب جواز ترخيم الاسم إذا لم يتأذَّ بذلك صاحبه

- ‌باب النهي عن الألقاب التي يكرهها صاحبها

- ‌باب جواز استحباب اللقب الذي يحبه صاحبه

- ‌باب جواز الكنى واستحباب مخاطبة أهل الفضل بها

- ‌باب كنية الرجل بأكبر أولاده

- ‌باب كنية الرجل الذي له أولاد بغير أولاده

- ‌باب كنية من لم يولد له وكنية الصغير

- ‌باب النهي عن التكني بأبي القاسم

- ‌باب جواز تكنية الكافر والمبتدع والفاسق إذا كان لا يعرف إلا بها أو خيف من ذكره باسمه فنتة

- ‌باب جواز تكنية الرجل بأبي فلانة وأبي فلان والمرأة بأم فلان وأم فلانة

- ‌كتاب الأذكار المتفرقة

- ‌باب استحباب حمد الله تعالى والثناء عليه عند البشارة بما يسرّه

- ‌باب ما يقول إذا سمع صياح الديك ونهيق الحمار ونباح الكلب

- ‌باب ما يقوله إذا رأى الحريق

- ‌باب ما يقوله عند القيام من المجلس

- ‌باب دعاء الجالس في جمع لنفسه ومن معه

- ‌باب كراهة القيام من المجلس قبل أن يذكر الله تعالى

- ‌باب الذكر في الطريق

- ‌باب ما يقول إذا غضب

- ‌باب استحباب إعلام الرجل من يحبه أنه يحبه وما يقوله له إذا أعلمه

- ‌باب ما يقول إذا رأى مُبتلى بمرضٍ أو غيره

- ‌باب استحباب حمد الله تعالى للمسؤول عن حاله وحال محبوبه مع جوابه إذا كان في جوابه إخبار بطيب حاله

- ‌باب ما يقول إذا دخل السوق

- ‌باب استحباب قول الإنسان لمن تزوَّج تزوجاً مستحباً، أو اشترى أو فعل فعلاً يستحسنه الشرع: أصبت أو أحسنت ونحوه

- ‌باب ما يقول إذا نظر في المرآة

- ‌باب ما يقول عند الحجامة

- ‌باب ما يقول إذا طنَّت أذنه

- ‌باب ما يقوله إذا خدرت رجله

- ‌باب جوازه دعاء الإنسان على من ظلم المسلمين أو ظلمه وحده

- ‌باب التبرِّي من أهل البدع والمعاصي

- ‌باب ما يقوله إذا شرع في إزالة منكر

- ‌باب ما يقول من كان في لسانه فحش

- ‌باب ما يقوله إذا عثرت دابته

- ‌باب بيان أنه يستحبُّ لكبير البلد إذا مات الوالي أن يخطب النَّاس ويعظهم ويأمرهم بالصبر والثبات على ما كانوا عليه

- ‌باب دعاء الإنسان لمن صنع معروفاً إليه أو إلى النَّاس كلهم أو بعضهم، والثناء عليه وتحريضه على ذلك

- ‌باب استحباب مكافأة المهدي بالدعاء للمهدى له إذا دعا له عند الهدية

- ‌باب استحباب اعتذار من أهديت إليه هدية فردَّها لمعنى شرعي بأن يكون قاضياً أو والياً أو كان فيها شبهة أو كان له عذر غير ذلك

- ‌باب ما يقول لمن أزال عنه أذى

- ‌باب ما يقول إذا رأى الباكورة من الثمر

- ‌باب استحباب الاقتصاد في الموعظة والعلم

- ‌باب فضل الدلالة على الخير والحث عليها

- ‌باب حثّ من سُئل علماً لا يعلمه ويعلم أن غيره يعرفه على أن يدله عليه

- ‌باب ما يقول من دُعي إلى حكم الله تعالى

- ‌باب الإعراض عن الجاهلين

- ‌باب وعظ الإنسان من هو أجلّ منه

- ‌باب الأمر بالوفاء بالعهد والوعد

- ‌باب استحباب دعاء الإنسان لمن عرض عليه ماله أو غيره

- ‌باب ما يقوله المسلم للذمي إذا فعل به معروفاً

- ‌باب ما يقوله إذا رأى من نفسه أو ولده أو ماله أو غير ذلك شيئاً فأعجبه وخاف أن يصيبه بعينه أو يتضرَّر بذلك

- ‌باب ما يقول إذا رأى ما يحبُّ وما يكره

- ‌باب ما يقول إذا نظر إلى السماء

- ‌باب ما يقول إذا تطيَّر بشيء

- ‌باب ما يقول عند دخول الحمام

- ‌باب ما يقول إذا اشترى غلاماً أو جارية أو دابة، وما يقوله إذا قضى دَيناً

- ‌باب ما يقول من لا يثبت على الخيل ويدعى له به

- ‌باب نهي العالِمِ وغيره أن يحدّث النَّاس بما لا يفهمونه، أو يخاف عليهم من تحريف معناه وحمله على خلاف المراد

- ‌باب استنصات العالم والواعظ حاضري مجلسه ليتوفروا على استماعه

- ‌باب ما يقوله الرجل المقتدى به إذا فعل شيئاً في ظاهره مخالفة للصواب مع أنه صواب

- ‌باب ما يقوله التابع للمتبوع إذا فعل ذلك أو نحوه

- ‌باب الحث على المشاورة

- ‌باب الحثِّ على طيب الكلام

- ‌باب استحباب بيان الكلام وإيضاحه للمخاطب

- ‌باب المزاح

- ‌باب الشفاعة

- ‌باب استحباب التبشير والتهنئة

- ‌باب جواز التعجب بلفظ التسبيح والتهليل ونحوهما

- ‌باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌كتاب حفظ اللسان

- ‌باب تحريم الغيبة والنميمة

- ‌باب بيان مهمات تتعلق بحدِّ الغيبة

- ‌باب بيان ما يدفع به الغيبة عن نفسه

الفصل: ‌باب جواز تكنية الكافر والمبتدع والفاسق إذا كان لا يعرف إلا بها أو خيف من ذكره باسمه فنتة

وأما إطباق النّاس على فعله مع أن في المتكنِّين به والمكنِّين الأئمةَ الأعلامَ، وأهل الحل

والعقد والذي يقتدى بهم في مهمات الدين، ففيه تقوية لمذهب مالك في جوازه مطلقاً، ويكونون في فهموا من النهي الاختصاص بحياته صلى الله عليه وسلم كما هو مشهور من سبب النهي في تكني اليهود بأبي القاسم ومناداتهم: يا أبا القاسم، للإيذاء، وهذا المعنى قد زال. والله أعلم.

‌باب جواز تكنية الكافر والمبتدع والفاسق إذا كان لا يعرف إلا بها أو خيف من ذكره باسمه فنتة

قال الله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} واسمه عبد العزى،

ــ

العلة المسطورة في حديث جابر اهـ. قوله: (وأما إطباق النّاس على فعله) إما بفتح الهمزة حرف فيه معنى الشرط وجوابه قوله: ففيه تقوية لمذهب مالك. قوله: (في المتكنين) بضم الميم وفتح الفوقية وفتح الكاف

وكسر النون وأصله متكنيين بياءين إحداهما لام الكلمة والأخرى ياء الجمع فحذفت الأولى بعد حذف كسرتها. قوله: (وأهل الحل والعقد) هم المفتون. قوله: (والذي يقتدى) أي يتأسى (بهم في مهمات الدين) أي فيما أهم من أمره وشأنه وهم العلماء العاملون أمتع الله بهم إلى يوم الدين ثم الخلاف في هذه الأقوال بالنسبة لأصل واضع هذه الكنية أما لو عرف إنسان بها فدعاه شخص بها لم يحرم ولذا قال المصنف في أول المنهاج وأتقن مختصر في الفقه المحرر للإمام أبي القاسم الرافعي اهـ.

باب جواز تكنية الكافر والمبتدع والفاسق إذا كان لا يعرف إلا بها أو خيف من ذكره باسمه فنتة

قوله: (قال تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} الخ) سبب نزول ذلك ما في الصحيحين عن ابن عباس إنه صلى الله عليه وسلم لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} ورهطك منهم

ص: 154

قيل: ذكر تكنيته لأنه يُعرَف بها، وقيل: كراهة لاسمه حيث جُعِل عبداً للصنم.

ــ

المخلصين خرج صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف: "يا صباحاه" قالوا: من هذا؟ فاجتمعوا إليه قال: "أرأيتم أن أخبرتكم إن خيلاً تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ " قالوا: نعم ما جربنا عليك كذباً قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد" فقال أبو لهب: تباً لك ما جمعتنا إلا لهذا؟ فنزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} وقد تب إلى آخرها هكذا قرأها الأعمش يومئذٍ وأورده البخاري عن ابن عباس من طريق آخر وليس فيها ذكر قوله لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} الخ، وقال بدل فصعد إلى الصفا خرج إلى البطحاء فصعد الجبل والباقي بنحوه وقوله:"وقد تب" هكذا قرأها الأعمش يومئذٍ يعني قرأها على الخبر عنه بأنه تب أي خسر وقرأه الجماعة بحذفها على إنه دعاء عليه وقوله: تبت أي خسرت والتباب الخسران. قوله: (قيل: ذكر بكنيته) قال السهيلي في الإعلام بما أبهم في القرآن من الأعلام أبو لهب اسمه عبد العزى ولما كان اسمه باطلاً من حيث أضيف إلى العزى ذكره تعالى بهذا السبيل فإن قيل: كنيته أبو لهب واللهب ليس بابن له فالجواب بأن الله تعالى خلقه للهب وإليه مصيره ألا تراه قال: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} تكنى بالابن وبما لصق بالمكنى ولزمه كقوله صلى الله عليه وسلم في علي رضي الله عنه: "أبو تراب" وفي أبي هريرة "بهرة" كانت معه تلازمه ولأنس أبو حمزة "ببقلة" كان يجتنيها وهي الحرف والعرب تقول للأحمق أبو دارص للعبه بها وهو جمع درص وهو ولد الكلبة وقيل ولد الهرة ونحو ذلك والقرآن نزل

بلغة القوم وكانت كنية أبي لهب تقدمة لما يصير إليه من اللهب فكان بعد نزول السورة لا يشك المؤمنون في إنه من أهل النار بخلاف غيره من الكفار لطمعهم في إيمان جميعهم والله أعلم اهـ، قال المصنف في شرح مسلم في أبي لهب لغتان قريء هما فتح الهاء وإسكانها واسمه عبد العزى قال القاضي: وقد استدل بهذه السورة على جواز تكنية

ص: 155

وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار ليعود سعد بن عبادة رضي الله عنه

" فذكر الحديث ومرورَ النبي صلى الله عليه وسلم

ــ

الكافر وقد اختلف العلماء في ذلك واختلفت الرواية عن مالك في تكنية الكافر بالجواز والكراهة وقال بعضهم إنما يجوز من ذلك ما كان على وجه التأليف وإلا فلا إذ في الكنية تعظيم وتكبير وأما تكنية الله تعالى لأبي لهب فليست من هذا ولا حجة فيه إذ كان اسمه عبد العزى وهي تسمية باطلة ولهذا كني عنه وقيل لأنه إنما كان يعرف بها اهـ، قلت: قال الكواشي ويؤيد هذا ما قرئ أبو لهب كما يقال: علي بن أبو طالب لئلا يغير الاسم فيشكل على السامع اهـ، وقيل: إن أبا لهب لقب وليس بكنية وكنيته أبو عتبة وقيل: جاء ذكر أبي لهب لمجانسة الكلام والله أعلم اهـ، وقال الكواشي في التفسير الكبير بعد نقل ما ذكرنا وقيل كني لأنه كان مشرق اللون ملتهبه كما كنى صلى الله عليه وسلم: أبا المهلب أبا صفرة لصفرة كانت بوجهه وجوز بعضهم أن يكن كني استهزاء به واحتقاراً له اهـ، وقال الكرماني: كان وجهه يلتهب جمالاً فجعل الله ما كان يفتخر به في الدنيا ويتزين به سبباً لعذابه وهذه التكنية ليست للإكرام بل للإهانة إذ هو كناية عن الجهنمي إذ معنى الآية: {تَبَّتْ يَدَا} الجهمنى وفي الكشاف ثلاثة أجوبه كونه مشتهراً بكنيته دون اسمه فلما أريد تشهيره ذكر الأشهر وهو الكنية دون اسمه، والثاني: أن اسمه كان عبد العزى فعدل عنه إلى كنيته، والثالث: أنه لما كان من أهل النار وما له إلى نار ذات لهب وافقت حاله كنيته فكان جديراً بأن يذكر بها اهـ، قال في الفتح وقول الزمخشري: إنها كناية عن الجهنمي متعقب بأن الكنية لا ينظر فيها إلى مدلول اللفظ بل الاسم إذا صدر بأب أو أم فهو كنية سلمنا لكن اللهب لا يختص بجنهم وإنما المعتمد ما قاله غيره أن النكتة في التكنية بذلك أنه لما علم الله تعالى أن مآله إلى النار ذات اللهب ووافقت كنيته حال حسن أن يذكر بها اهـ.

قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم الخ) تقدمت

ص: 156

على عبد الله بن أبي ابن سلول المنافق، ثم قال: فسار النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتى دخل على سعد بن عبادة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أيْ سَعْدُ، ألَمْ تَسْمَعْ إلى مما قالَ أبُو حُباب -يريد عبد الله بن أُبيّ- قالَ كَذَا وكَذَا

" وذكر الحديث.

قلت: تكرَّر في الحديث تكنية أبي طالب، واسمه عبد مناف، وفي الصحيح "هَذَا قَبْرُ أبي رُغالٍ" ونظائر هذا كثيرة، هذا كله إذا وجد الشرط الذي ذكرناه في الترجمة،

ــ

الإشارة إلى تخريجه وما يتعلق به في أواخر كتاب السلام والاستئذان. قوله: (على عبد الله بن أبي ابن سلول) أبي بضم الهمزة وفتح الموحدة وتشديد التحتية وهو بالتنوين لأن أبيا المذكور بعده ليس وصفاً له فإن أبيا أبو عبد الله وسلولاً أمه فيعرب ابن بإعراب عبد الله لأنه صفة له لا صفة لأبي كما قدمت بيانه في الكلام على ترجمة ابن ماجه أول الكتاب وسلول بفتح المهملة وضم اللام الأولى غير منصرف للعلمية والتأنيث المعنوي. قوله: (أبو حباب) بضم المهملة وخفة الموحدة الأولى كنية عبد الله بن أبي قال المصنف إنما ذكره صلى الله عليه وسلم بكنيته تألفاً ودفعاً لما لعله يحصل من الفتنة من أتباعه لو دعاه باسمه.

قوله: (هذا قبر أبي رغال) تقدم حديثه في كتاب الجنائز وتكنيته لأنه لا يعرف إلا بها، وكنية أبي طالب أشهر من اسمه بل لا يعرف اسمه إلا بعض العلماء. قوله:(إذا وجد الشرط الذي ذكرناه في الترجمة) أي من كون ذلك الإنسان لا يعرف إلا بكنيته أو يعرف باسمه لكن يترتب على ذكره به فتنة قال الحافظ في الفتح وقد تعقب كلامه بأنه لا حصر فيما ذكره بل قصة عبد الله بن أبي في ذكره بكنيته دون اسمه وهو باسمه أشهر ليس لخوف فتنة فإن الذي ذكر عنده كان قوياً في الإسلام فلا يخشى معه أن لو ذكر باسمه أن يجر بذلك إلى فتنة وإنما هو محمول على التأليف كما جزم به ابن بطال فقال: فيه جواز تكنية المشرك على وجه التأليف إما رجاء إسلامه أو لتحصل منفعة منه اهـ، وأقول قوله: فلا يخشى أن يجر بذلك إلى فتنة إن أراد من المذكور عندهم فمسلم وإن أراد مطلقاً فممنوع كما أشار إليه المصنف بقوله دفعاً لما يحصل من الفتنة من أتباعه لو دعاه باسمه فظاهر أنه لا مانع أن يكون لكل من دفع الفتنة كما قال المصنف وللتأليف

ص: 157

فإن لم يوجد، لم يزد على الاسم.

كما رويناه في "صحيحيهما" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب: "مِنْ مُحَمدٍ عَبْدِ الله وَرَسُولِهِ إلى هِرَقْلَ" فسماه باسمه، ولم يُكنِّه

ــ

كما قال ابن بطال.

قوله: (كما رويناه في صحيحيهما) أي من حديث ابن عباس عن أبي سفيان بن حرب. قوله: (كتب) أي أمر بالكتابة من غير خلاف في هذا الحديث فيما رأيت بخلافه في قصة الحديبية في قوله فكتب محمد بن عبد الله فالخلاف في أنه أمر بالكتابة أو كتب بنفسه ثمة شهير. قوله: (من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل) قال المصنف في شرح مسلم فيه أن السنة في المكاتبة والمراسلة بين النّاس أن يبدأ الكاتب بنفسه فيقول: من زيد إلى عمرو وهذه مسألة مختلف فيها قال الإِمام أبو جعفر النحاس في كتابه صناعة الكتاب قال أكثر العلماء يستحب أن يبدأ فيه بنفسه كما ذكرنا ثم روى فيه أحاديث وآثاراً قال وهذا هو الصحيح عند أكثر العلماء لأنه إجماع الصحابة قال: وسواء في هذا تصدير الكتاب والعنوان قال: ورخص جماعة في أن يبدأ بالمكتوب إليه فيقول في التصدير والعنوان إلى فلان من فلان ثم روى بإسناده إلى زيد بن ثابت كتب إلى معاوية فبدأ باسم معاوية وعن محمد ابن الحنفية وبكر بن عبد الله وأيوب السختياني أنه لا بأس بذلك وأما العنوان فالصواب أن يكتب عليه إلى فلان ولا يكتب لفلان لأنه إليه لا له إلا على مجاز قال: وهذا هو الصواب الذي عليه أكثر العلماء والصحابة والتابعين اهـ. وما حكاه النحاس من إجماع الصحابة على تقديم اسم المكتوب إليه نازعه في الإجماع الحافظ ابن حجر بأن فيه الخلاف بين الصحابة قلت: وممن نقل عنه خلاف ذلك زيد بن ثابت كما نقله النحاس نفسه وهرقل بكسر الهاء وفتح الراء وسكون القاف اسم لذلك المكتوب إليه وهو اسم أعجمي. قوله: (عظيم الروم) قال الحافظ في الفتح وما استشهد به النووي من الكتاب إلى هرقل فقد وقع في نفس الكتاب ذكره بعظيم الروم وذلك مشعر بالتعظيم والتلقيب لغير العرب كالكنى

للعرب وقد قال النووي في محل آخر إذا كتب إلى مشرك وكتب فيه سلاماً أو نحوه فينبغي أن يكتب كما كتب به النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل فذكر الكتاب وفيه عظيم الروم وهذا ظاهره التناقض وقد جمع في نكت له على الأذكار بأن قوله عظيم الروم صفة

ص: 158

ولا لَقَّبه بلقب ملك الروم وهو قيصر، ونظائر هذا كثيرة، وقد أمرنا بالإغلاظ عليهم، فلا ينبغي أن نكنِّيَهم ولا نُرَقِّقَ لهم عبارةً، ولا نُلينَ لهم قولاً، ولا نُظْهِرَ لهم ودّاً ولا مؤالفة.

ــ

لازمة لهرقل لأنه عظيمهم فاكتفى به صلى الله عليه وسلم عن قوله: "ملك الروم" فإنه لو كتبها لتمسك بها هرقل في أنه أقره على المملكة قال: ولا يرد مثل ذلك في قوله تعالى حكايته عن صاحب مصر وقال: الملك لأنه حكاية عن أمر مضى وانقضى بخلاف هرقل اهـ، وينبغي أن يضم إليه أن ذكر عظيم الروم والعدول عن ملك الروم حيث كان لا بد من صفة تميزه عند الاقتصار على اسمه لأن من تسمى بهرقل كثير فقيل: عظيم الروم ليتميز عمن تسمى بهرقل وعلى هذا فلا يحتج به على جواز الكنية لكل مشرك بلا تقييد والله أعلم انتهى كلام الفتح. قوله: (ولا لقبه بلقب ملك الروم وهو قيصر) أي بفتح القاف وسكون التحتية وفتح المهملة وهذا لقب لكل من ملك الروم وكسرى بكسر الكاف وفتحها لقب لمن ملك الفرس والمقوقس لقب لمن ملك القبط والعزيز لمن ملك مصر والنجاشي لمن ملك الحبشة وتبع لمن ملك اليمن وسبق في كتاب أذكار الجنائز لهذا مزيد فراجعه قال المصنف في شرح مسلم في كتابه صلى الله عليه وسلم التوقي في المكاتبة واستعمال الورع فيها فلا يفرط ولا يفرط فلهذا قال هرقل عظيم الروم ولم يقل ملك الروم لأنه لا ملك له ولا لغيره لحكم دين الإسلام ولا سلطان لأحد إلا لمن ولاه صلى الله عليه وسلم أو ولاه من أذن له صلى الله عليه وسلم بشرطه وإنما تنفذ تصرفات الكفار للضرورة ولم يقل هرقل فقط بل أتى بنوع من الملاطفة فقال: عظيم الروم وقد أمر الله تعالى بإلانة القول لمن يدعى إلى الإسلام فقال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} وقال تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} وغير ذلك فقول الشيخ هنا ولا يلين لهم قولاً محله ما إذا لم يكن ذلك للدعاء للإسلام أو لم ينجع ذلك فيهم فيشدد عليهم ويعاملون بنقيضة حالهم والله أعلم وقد أشار في كتاب السلام إلى نحو ذلك فقال: قال أبو سعيد: لو أراد تحية ذمي فعلها بنحو هداك الله لا أنعم الله صباحك قلت: وهذا الذي قاله أبو سعيد

ص: 159