الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم حوله النّاس، فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنَّأني، وكان كعبٌ لا ينساها لطلحة، قال كعب: فلما سلَّمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرقُ وجهه من السرور: "أبْشِرْ بخَيْرِ يَوْم مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ".
باب جواز التعجب بلفظ التسبيح والتهليل ونحوهما
ــ
قوله: (حتى دخلت المسجد) أي المسجد النبوي (فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم) إذا فيه فجائية والباء فيه زائدة ورسول الله مبتدأ والخبر محذوف أي بارز ظاهر. وقوله: (حوله النّاس) بفتح اللام من حول وتقدم لغاته في أذكار صلاة الاستسقاء والجملة في محل الحال قال ابن هشام في شرح اللمحة ومما في يخفى على الطلبة إعرابه قولك: خرجت فإذا به قائم وتقريره إن الباء زائدة والضمير مبتدأ والأصل فإذا هو موجود قائماً اهـ. قوله: (فقام طلحة بن عبيد الله) الخ قال المصنف: فيه استحباب مصافحه القادم والقيام له إكراماً والهرولة إلى لقائه بشاشة له وفرحاً. قوله: (يبرق وجهه من السرور) قال في النهاية أي يلمع ويستنير كالبرق اهـ. أي وذلك بسبب سروره بتوبة الله تعالى على كعب ففيه استحباب سرور الإِمام وكبير القوم بما يسر أصحابه وأتباعه. قوله: (أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك) أي سوى إسلامك وإنما لم يستثنه لأنه معلوم لا بد منه والله أعلم.
باب التعجب بلفظ التسبيح والتهليل ونحوهما
أي كالتكبير والحوقلة وترجم البخاري باب التكبير والتسبيح عند التعجب، أخرج البخاري في تعليقاته بصيغة الجزم عن ابن أبي ثور عن ابن عباس عن عمر قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: طلقت نساءك قال: "لا" قلت: الله أكبر وأخرج أبو داود عن غضيف بن الحارث قال: قلت لعائشة: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من الجنابة في أول الليل أم في آخره قالت: ربما اغتسل في أوله وربما اغتسل في آخره قلت: الله أكبر الحمد لله الذي جعل في الأمور سعة الحديث وفيه مثل ذلك لما أجابته بتعجيل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوتر تارة وتأخيره أخرى ولما أجابته بجهره صلى الله عليه وسلم بالقراءة
روينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن
ــ
تارة وإسراره بها أخرى، وأخرج البخاري وغيره عن ابن موسى الأشعري قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فكنا إذا علونا كبرنا فقال صلى الله عليه وسلم: "أيها النّاس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً ولكن تدعون سميعاً بصيراً" ثم أتى علي وأنا أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله فقال: "يا عبد الله بن قيس قل لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة" أو قال: "ألا أدلك على كلمة هي كنز من كنوز الجنة: لا حول ولا قوة إلا بالله" ثم التعجب استعظام زيادة في وصف الفاعل خفي سببها وخرج بها المتعجب منه عن نظائره أو قل: نظيره قاله ابن عصفور وفي كشف الأسرار لابن العماد إنما تكون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم طاعة إذا قصد بها التحية والقربة أما إذا اتخذها عادة كالبياع الذي يقولها على معاشه فإنه لا يثاب عليها لأنه يقولها للتعجب من حسن بضاعته تنفيقاً لها وقد حكى الحليمي في المنهاج: أنه يكفر بذلك اهـ، وفي الدر المنضود لابن حجر الهيتمي: كره سحنون المالكي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند التعجب وقال الحليمي: من أئمتنا لا يكره ذلك كسبحان الله ولا إله إلا الله أي لا يأتي بالنادر وغيره إلا الله فإن صلى عليه صلى الله عليه وسلم عندما يستقذر أو يضحك منه فأخشى على صاحبه فإن عرف أنه جعلها عجباً ولم يجتنبها كفر اهـ، ونظر فيه القونوي والذي يتجه إنه لا بد من الكفر من قيد زائد على ذلك ربما يؤدي إليه فحوى كلامه وهو أن يذكرها عند المستقذر والمضحوك منه بقصد استقذارها أو جعلها ضحكة فيكفر حينئذٍ كما هو ظاهر وجزم البدر العيني بحرمتها كالتسبيح والتهليل عند عمل محرم أو غرض يبلغه اهـ، وللتعجب عبارات كثيرة واردة في الكتاب والسنة وكلام العرب فمن الكتاب قوله تعالى:{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} ومن السنة أحاديث الباب ومن كلام العرب قولهم لله دره فارساً وإنما لم يبوب في النحو لما عدا صيغتي ما أفعله وأفعل به لأن ما عداهما لم يدل على التعجب بالوضع بل بالقرينة كما في التصريح للشيخ خالد الأزهري. قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) وأخرجه أبو داود وكذا أخرجه الترمذي وابن ماجه
النبي صلى الله عليه وسلم لقيه وهو جُنُب، فانسلَّ فذهب فاغتسل، فتفقَّدَه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما جاء قال:"أيْنَ كنْتَ يا أبا هُرَيْرَةَ؟ " قال: يا رسول الله لقيتَني وأنا جنب فكرهت أن أُجالسَك حتى أغتسل، فقال:"سُبْحانَ الله إنّ المُؤْمِنَ لا يَنْجُسُ".
ــ
لكن ليس فيه قوله سبحان الله. قوله: (جنب) هو بضمتين لفظ يستوي فيه الواحد وغيره قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} والجنابة في الأصل البعد وسمي الشخص جنباً لأنه نهى أن يقرب الصلاة ما لم يتطهر. قوله:
(فانسل) من النسلان وهو كما في النهاية الإسراع في المشي ووجه الإتيان بضمير الغائب في هذه الأفعال كونه نقلاً لكلام أبي هريرة بالمعنى ويجوز أن يكون صدر ذلك منه بأن يجعل نفسه غائباً ويحكي عنها ومثله يسمى بالتجريد يعني جرد من نفسه شخصاً وأخبر عنه وعلى هذا يكون النقل لعينه بلفظه أيضاً أشار إليه الكرماني. قوله: (يا أبا هريرة) قال الكرماني بحذف الألف من الأب تخفيفاً. قوله: (سبحان الله) استعمل للتعجب ومعنى التعجب هنا كيف يخفى مثل هذا الظاهر عليك وفيه التسبيح عند التعجب من الشيء واستعظامه قال الخطابي في الحديث دليل على جواز تأخير الاغتسال عن أول وقت وجوبه قال ابن بطال هذا يدل على أن النجاسة إذا لم تكن عيناً في الأجسام فإن المؤمن حينئذٍ طاهر لما المؤمن عليه من التطهر والنظافة لأعضائه بخلاف ما عليه المشرك من ترك التحفظ من النجاسة والقذر فحملت كل طائفة على خلقها وعادتها قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} تغليباً للحال وقد قيل في الآية: إنه ليس بمعنى نجاسة الأعضاء بل بمعنى نجاسة الأفعال والكراهة لهم وإبعادهم عما قدس الله تعالى من بقعة أو كتاب أو رجل صالح ولا خلاف بين الفقهاء في طهارة عرق الجنب قيل: لما أباح الله نكاح نساء أهل الكتاب ومعلوم أن عرقهن لا يسلم منه من ضاجعهن ولا غسل عليه من الكتابية إلا كما عليه من المسلمة دل على أن ابن آدم ليس بنجس في ذاته ما لم تعرض له نجاسة تحل به قال المصنف: هذا الحديث أصل عظيم في طهارة المسلم حياً وميتاً أما الحي
وروينا في "صحيحيهما" عن عائشة رضي الله عنها، أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من الحيض، فأمرها كيف تغتسل قال: "خُذِي
ــ
فطاهر وأما الميت ففيه خلاف والصحيح من قولي الشافعي أنه طاهر وأما الكافر فحكمه في الطهارة حكم المسلم وأما قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} فالمراد نجاسة الاعتقاد لا نجاسة أعضائهم وإذا ثبتت طهارة الآدمي مسلماً كان أو كافراً فعرقه ودمعه ولعابه طاهرة سواء كان محدثاً أو جنباً أو حائضاً وفي الحديث استحباب احترام أهل الفضل وإن يوقرهم جليسهم ومصاحبهم فيكون على أكمل الهيئات وأحسن الصفات وقد استحبَّ العلماء لطالب العلم أن يحس حاله عند مجالسة شيخه فيكون متطهراً متنظفاً بإزالة الشعور المأمور بإزالتها وقص الأظفار وإزالة الروائح المكروهة وغير ذلك وفي الحديث من الآداب أن العالم إذا رأى من تابعه أمراً يخاف عليه فيه خلاف الصواب سأله عنه وقال له: صوابه وبين له حكمه.
قوله: (وروينا في صحيحيهما الخ) وأخرجه أبو داود والنسائي. قوله: (إن امرأة) جاء في رواية الصحيحين ومن ذكر معهما زيادة قوله من الأنصار قال العراقي في مبهماته قال الخطيب: هي أسماء بنت يزيد بن السكن خطيبة النساء وكذا قال غيره وفي رواية صحيح مسلم أن أسماء وهي بنت شكل أي بفتح الشين والكاف وقيل بإسكان الكاف فيجوز أن القصة جرت للمرأتين وقال ابن بشكوال: هي أسماء بنت شكل قال ابن طاهر كذا ذكرها مسلم في صحيحه والصواب أسماء بنت يزيد بن السكن قلت: نقل الشيخ تقي الدين السبكي في شرح المنهاج عن شيخه الحافظ عبد المؤمن بن خلف الدمياطي إن أسماء بنت شكل نسبة إلى جدها وتصحيف في اسمه اهـ، وقال السيوطي في الديباج
على صحيح مسلم بن الحجاج ذكر الخطيب وغيره إن اسم السائلة أسماء بنت يزيد بن السكن وجزم به جماعة منهم الشرف الدمياطي وقال: إن الذي في مسلم تصحيف قال ابن حجر وهو رد للرواية الثابتة بغير دليل قال: ويحتمل أن يكون شكل لقباً لأسماء اهـ. قوله: (قال: خذي
فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ فَتَطَهَّري بها"، قالت: كيف أتطهر بها؟ قال: "تَطَهّري بها"، قالت: كَيفَ؟ قال: "سُبْحانَ الله تَطَهَّري، فاجتذبتُها إليَّ" فقلت: تتبَّعي أثر الدم".
قلت: هذا لفظ إحدى روايات البخاري، وباقيها وروايات مسلم بمعناه، والفِرصة بكسر الفاء وبالصاد
ــ
فرصة الخ) قال الكرماني: هو بيان لأمرها، فإن قلت: كيف يكون بياناً للاغتسال وهو إيصال الماء إلى جميع البشرة لا أخذ الفرصة قلت: السؤال لم يكن عن نفس الاغتسال لأنه معلوم لكل أحد بل عما كان مختصاً بغسل الحيض فلذا أجاب به أو الجملة حالية لا بيانية قلت: ويقوي هذا قوله في إحدى روايات مسلم قال: تأخذ إحداكن ماءها وسدرها فتطهر فتحسن الطهور فتصب على رأسها فتدلكه دلكاً شديداً حتى تبلغ شؤون رأسها ثم تصب عليها الماء ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها قالت: أسماء كيف نتطهر بها قال: سبحان الله تطهري بها قالت عائشة: كأنها تخفي ذلك تتبعي بها أثر الدم. قوله: (سبحان الله) المراد بها في مثل هذا الموضع التعجب كما تقدم ومعنى التعجب هنا: كيف يخفى مثل هذا الظاهر الذي لا يحتاج الإنسان إلى فهمه إلى ذكر قال المصنف: فيه جواز التسبيح عند التعجب وكذا عند التنبيه على الشيء والتذكير به. قوله: (فاجتذبتها) وفي بعض نسخ البخاري فاجتبذتها بتقديم الموحدة على المعجمة وهو مقول عائشة رضي الله عنها. قوله: (تتبعي) أمر للواحدة من التتبع وهو المراد من تطهيري قال المصنف: وجمهور العلماء قالوا: تعني بقولها أثر الدم الفرج وقال المحاملي من الشافعية في كتابه المقنع بضم الميم إنه يستحب أن تطيب جميع المواضع التي أصابها الدم وهذا الذي قاله. غريب لا أعرفه لغيره اهـ، لكن ظاهر الحديث حجة له قال الكرماني: وفي الحديث جواز تفسير كلام الرئيس بحضوره وفيه ورود الأمر لغير الإيجاب. قوله: (وباقيها وروايات مسلم بمعناه) روايات مرفوع عطفاً على باقيها ففي رواية لهما خذي فرصة ممسكة فتوضئ ثلاثاً ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استحيا وأعرض بوجهه وتقدمت رواية لمسلم. قوله: (والفرصة بكسر الفاء وبالصاد
المهملة: القطعة، والمسك بكسر الميم: وهو الطيب المعروف، وقيل الميم مفتوحة، والمراد الجلد، وقيل أقوال كثيرة، والمراد أنها تأخذ قليلاً من مسك فتجعله في قطنة أو صوفة أو خرقة أو نحوها فتجعله في الفرج لتطيب المحلّ وتزيل الرائحة
ــ
المهملة القطعة أي من قطن أو صوف تفرص أي تقطع قال في النهاية وحكى أبو داود في رواية عن بعضهم قرصة بالقاف والصاد المهملة أي شيئاً يسيراً من القرصة بطرف الأصبعين وحكى بعضهم عن ابن قتيبة قرضة بالقاف والضاد المعجمة أي قطعة من القرض القطع قلت: ضعف في شرح مسلم قول ابن قتيبة وصوب ما في الأصل من أنه فرصة بالفاء والصاد المهملة. قوله: (والمسك بكسر الميم الطيب المعروف) قال المصنف في شرح مسلم: هذا هو الصحيح الذي رواه المحققون وعليه الفقهاء وغيرهم من أهل العلوم اهـ، وأشار الكرماني إلى أن تقدير الحديث عليه خذي قطعة من نحو قطن مطيبة من مسك. قوله:(وقيل الميم مفتوحة) قال القاضي عياض: فتح الميم هي رواية الأكثرين أي والسين ساكنة على الوجهين وقول ابن ياطيس: إن الجلد بفتح أوله جميعاً خطأ صريح وجهل قبيح
باتفاق أهل اللغة قاله المصنف في التهذيب وتقدير الحديث على هذا الوجه خذي فرصة من جلد عليه صوف قاله ابن بطال لا أرى التفسير بالمشموم بالجلد وبالذي عليه الصوف صحيحاً إذ ما كان منهن من يستطيع أن يمتهن بالمسك هذا الامتهان ولا يعلم في الصوف معنى يخصه به دون القطن ونحوه والذي عندي فيه أن النّاس يقولون للحائض: احملي معك كذا يريدون عالجي به قبلك أو امسكي معك كذا يكنون به فيكون أحسن من الإفصاح اهـ. قال المصنف: والصحيح أن الرواية بكسر الميم وإنه الطيب المعروف. قوله: (إنها) الحائض ومثلها النفساء لأنها في معنى الحائض. قول: (ليطيب) بضم التحتية الأولى وكسر الثانية المخففة بدليل ويزيل الرائحة بضم
الكريهة، وقيل: إن المطلوب منه إسراع علوق الولد وهو ضعيف، والله أعلم.
وروينا في "صحيح مسلم" عن أنس رضي الله عنه "أن أخت الرُّبَيِّعِ
ــ
التحتية. قوله: (وقيل إن المطلوب الخ) حكى الماوردي القولين المذكورين في المسألة وجهين للأصحاب قال الصنف والصحيح المختار الأول قال الماوردي فإن قلنا بالأول ففقدت المسك استعملت ما يخلفه في طيب الرائحة وإن قلنا بالثاني استعملت ما قام مقامه في ذلك من القسط والأظفار وشبههما قال المصنف وقول من قال: إن المراد الإسراع في العلوق ضعيف أو باطل فإنه على مقتضى قوله: ينبغي أن يخص به ذات الزوج الحاضر الذي يتوقع جماعة في الحال وهذا شيء لم يصل إليه أحد بعمله وإطلاق الأحاديث ترد على من التزمه بل الصواب إن المراد تطييب المحل وإزالة الرائحة الكريهة وإن ذلك مستحب لكل مغتسلة من الحيض والنفاس سواء ذات الزوج وغيرها فإن لم تجد مسكاً فتستعمل أي طيب فإن لم تجد طيباً استحبَّ لها استعمال طين ونحوه مما يزيل الكراهة نص عليه أصحابنا فإن لم تفعل شيئاً فالماء كاف لكنها إن تركت التطيب مع التمكن منه كره لها وإلا فلا كراهة في حقها اهـ، ثم محل استحباب التطيب لغير نحو محرمة ومحدة أما الأولى فيحرم عليها الطيب مطلقاً والآخرة تأخذ نحو قسط وأظفار والله أعلم.
قوله: (وروينا في صحيح مسلم أوخ) وكذا رواه البخاري وأبو داود والنسائي كما في جامع الأصول ونبه الشيخ على سبب عزو الحديث لمسلم مع أنه في الصحيحين إن مسلماً انفرد بذكر التعجب بقوله: سبحان الله ورواية البخاري إنها كسرت ثنية جارية ورواية مسلم في الجرح وفي رواية البخاري فقال أنس بن النضر وفي رواية مسلم فقالت أم الربيع. قوله: (إن أخت الربيع) بضم الراء وفتح الموحدة وتشديد التحتية -وكذا ضبط الربيع الجارحة على رواية البخاري- كذا في رواية مسلم إن الجاني أخت الربيع ورواية البخاري إن الجاني الربيع وبما ذكر في هذه القولة وما قبلها علم إن بين روايتي البخاري ومسلم اختلافاً
أمَّ حارثة جرحت إنساناً، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: القصاصَ القصاصَ، فقالت أمُّ الربيِّع: يا رسول الله أتقتصُّ من فلانة، واللهِ لا يُقْتَصُّ منها! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سُبْحانَ اللهِ يا أُم الرُّبَيع القِصَاصُ كتابُ اللهِ".
قلت:
ــ
كثيراً وجعلهما الحميدي في الجمع بين الصحيحين حديثاً واحداً وقد أخرجه في المتفق عليه قال في جامع الأصول: كان كل واحد من روايتي البخاري ومسلم منفرد لما ذكر من الاختلاف في الجاني وفي الجناية وفي القاتل اهـ، وفي شرح مسلم بعد بيان اختلاف روايتي
الصحيحين في اسم الجارح واسم القائل أهي أم الربيع بفتح الراء وكسر الموحدة أو أنس بن النضر قال العلماء المعروف في الروايات رواية البخاري وقد ذكرها من طرقه الصحيحة كما ذكرنا عنه وكذا رواه أصحاب كتب السنن قلت: يحتمل أنهما قضيتان اهـ، أقول في صحيح البخاري في كتاب الديات في باب القصاص بين الرجال والنساء في الجراحات تعليقاً مجزوماً به وجرحت أخت الربيع إنساناً فقال صلى الله عليه وسلم "القصاص". قال الشيخ زكريا في تحفة القارئ صوب بعضهم حذف أخت ليوافق ما مر في البقرة وبعضهم أنهما قضيتان اهـ. قوله:(أم حارثة) أي ابن سارقة الذي استشهد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر فأتت أمه النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أخبرني عن حارثة فإن كان في الجنة صبرت واحتسبت وإن كان غير ذلك اجتهدت في البكاء فقال: إنها جنان وإنه أصاب الفردوس الأعلى لكن الذي في أسد الغابة إن أم حارثة هي الربيع بصيغة التصغير بنت النضر وهو الموافق لما سبق عن البخاري ثم نقل فيه القول بأنها أخت الربيع وأنها أم حارثة. قوله: (القصاص القصاص) بنصبهما أي أدوا القصاص وسلموه لمستحقه. قوله: (فقالت أم الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة وتقدم إن الذي في البخاري إن قائل ذلك أنس بن النضر. قوله: (لا والله لا يقتص منها) قال المصنف: ليس معناه رد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بل المراد به الرغبة إلى مستحق القصاص أن يعفوا وإلى النبي صلى الله عليه وسلم في الشفاعة إليهم في العفو وإنما حلفت ثقة بهم أن لا يحنثوها أو ثقة بفضل الله ولطفه بها أن لا يحنها بل يلهمهم العفو. قوله: (كتاب الله القصاص) أي حكم كتاب الله وجوب القصاص وفي الحديث استحباب
أصل الحديث في "الصحيحين"، ولكن هذا المذكور لفظ مسلم، وهو غرضنا هنا، والرُّبَيِّعِ بضم الراء وفتح الباء الموحدة وكسر الياء المشددة.
وروينا في "صحيح مسلم" عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما في حديثه الطويل، في قصة المرأة التي أسرت، فانفلتت وركبت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، ونذرت إن نجَّاها الله
تعالى لتنحرنَّها، فجاءت، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"سُبْحانَ الله بِئْسَ ما جَزَتْها".
وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في حديث الاستئذان أنه قال لعمر رضي الله عنه
…
الحديث، وفي آخره، "يا ابْنَ الخَطَّاب لا تَكونَنَّ عَذاباً على أصْحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:
ــ
العفو عن القصاص واستحباب الشفاعة في العفو وإن فيه الخيرة في القصاص والدية إلى مستحقه لا المستحق عليه وفيه إثبات القصاص بين الرجل والمرأة. قوله: (أصل الحديث الخ) تقدم ما بين روايتي الصحيحين من الاختلاف. قوله: (وهو غرضنا هنا) لأن فيه الإتيان بسبحان الله في التعجب، أي كيف يخفى مثل هذا الحكم الظاهر عليك. قوله:(والربيع الخ) أي التي وقع منها الجناية كما هو عند البخاري أو الربيع المضاف إليها أخت في أخت الربيع أما الربيع الذي أضيف إلى أم فبفتح الراء كما تقدم وقد بينه هكذا المصنف في شرح مسلم.
قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) وأخرجه أبو داود وأخرج الترمذي منه طرفاً يسيراً كذا في جامع مع الأصول. قوله: (في المرأة التي أسرت) قال في الحديث: وأسرت امرأة من الأنصار الحديث قال المصنف: هي امرأة أبي ذر رضي الله عنهما. قوله: (وركبت نافة النبي صلى الله عليه وسلم) هي العضباء كما
صرح به في الرواية. قوله: (سبحان الله) وجه التعجب قبح المجازاة كما صرح به بقوله: بئسما جزتها الخ. قوله: (وروينا في صحيح مسلم) وأصل الحديث في البخاري والترمذي لكن ليس فيه عندهما قول عمر: سبحان الله إنما سمعت شيئاً الخ. قوله: (وفي آخره يا بن الخطاب لا تكونن عذاباً الخ)