الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما يقوله عند عقد النكاح
يستحبُّ أن يخطب بين يدي العقد خُطبة تشتمل على ما ذكرناه في الباب الذي قبل هذا، وتكون أطول من تلك، وسواء خطب العاقد أو غيره.
وأفضلها ما روينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرها بالأسانيد الصحيحة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
ــ
باب ما يقوله عند عقد النكاح
قوله: (بين يدي العقد) أي يجعل العقد المتصل به. قوله: (خطبة) هي بضم الخاء. قوله: (تشتمل على ما ذكرناه) أي من الحمد والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم والتشهد. قوله: (وتكون أطول من تلك) أي تكون الخطبة عند عقد النكاح أطول منها عند الخطبة لأن هذا القصد والخطبة وسيلة لهذا ومن ثم كانت الخطبة هنا آكد. قوله: (وسواء خطب العاقد أو غيره) أي غير العاقد يخطب والولي أو وكيله يوجب النكاح وذلك لأن القصد من الخطبة عود البركة على عقد النكاح وهي حاصلة بالإتيان بذلك سواء كان من العاقد أو غيره.
قوله: (وأفضلها ما رويناه في سنن أبي داود الخ) قال في السلاح ورواه الحاكم في المستدرك وأبو عوانة في مسنده الصحيح زاد أبو داود في طريق آخر بعد قوله ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً وزاد أيضاً عن الزهري مرسلاً ونسأل الله ربنا أن يجعلنا ممن يطيعه ويطيع رسوله ويتبع رضوانه ويجتنب سخطه فإنما نحن به وله اهـ. وزاد الحافظ فيمن أخرجه ذكر النسائي وزاد القاريء في الحرز وأخرجه الدارمي وما ذكره عن زيادة أبي داود عن الزهري الخ لم أره في باب خطبة النكاح من سننه والطريق الثانية للحديث التي أشار إليها صاحب السلاح فيها عمران هو أبو داود القطان وقد ضعفه النسائي ويحيى بن معين ثم الثلاثة الذين عزا الشيخ تخريج الحديث لهم وكذا النسائي اتفقوا على إخراجه من حديث أبي الأحوص عن عبد الله وزاد أبو بكر فأخرجه
خُطبة الحاجة: "الحَمْدُ لِلهِ نَسْتَعِينُهُ
ــ
عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله قال الحافظ وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه فالمراد من الجمع في كلام الشيخ ما فوق الواحد بالنسبة لهذا الحديث عند من ذكر بها اللفظ وإن وقع فيه عندهم اختلاف كما ستجيء الإشارة إليه فهو اختلاف يسير وفي أوله عنه ابن ماجه من هذا الوجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الخير وخواتيمه فعلمنا خطبة الصلاة أي التشهد فذكره وخطبة الحاجة وروى عند أبي داود أيضاً من طريق أبي عياض عن ابن مسعود وفيه زيادة ما تقدم نقله في كلام صاحب السلاح وباقي الحديث بنحوه وأخرجه الحاكم من
طريق من طريقه وليس فيه ذكر الآيات كما قال الحافظ في تخريج أحاديث الرافعي قال: روى الحديث البيهقي عن شقيق بتمامه وروى الحديث موقوفاً على ابن مسعود رواه كذلك عنه أبو داود والنسائي من حديث وأصل الأحدب عن شقيق عن ابن مسعود اهـ. وبه تبين إبقاء الجمع في الأسانيد في كلام المصنف على حقيقته والله أعلم. قوله: (خطبة الحاجة) أي خطبة النكاح. قوله: (إن الحمد لله) قال في الحرز بكسر النون لالتقاء الساكنين فهي أن المخففة من المثقلة كقوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10] على ما نقله ميرك عن الطيبي وقال البيضاوي هي مخففة من المثقلة وقريء بها وبنصب الحمد وفي نسخة صحيحة بتشديد النون ونصب الحمد قال ابن الجزري يروى بتشديد النون وتخفيفها والمعنى فيهما واحد اهـ. قال الحنفي نصب الحمد مع تشديد النون واجب ورفعه مع التخفيف قال في الحرز مفهومه أنه لا يجوز غيرهما وليس كذلك بل يصح فيه أربعة أوجه النصب مع التشديد ووجهه ظاهر والرفع مع التشديد على الحكاية قلت أو على أن إن إن كانت همزتها مكسورة بمعنى نعم وقد ذكره كذلك السهيلي في الروض وكذا يجوز مع التخفيف وجهان قال ابن الجزري في تصحيح المصابيح ويجوز تخفيف أن وتشديدها ومع التخفيف يجوز رفع الحمد ونصبه رويناه بذلك اهـ. ثم هو هكذا عند أبي داود الذي أورده الشيخ بلفظه وعند الترمذي وحذفها لابن ماجه وفي نسخة منه إثباتها أيضاً. قوله: (نستعينه) هكذا هو عند الترمذي وعند أبن داود وابن ماجه بزيادة تحمده قبل نستعينه أي نستعينه
وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنا، مَنْ يَهْدِ الله فَلا مُضِل لهُ، ومَنْ يُضلِل فلَا هادِيَ له، وأشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلا الَلَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمداً عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا
ــ
على أداء حمده وعلى سائر الأمور الدينية والدنيوية. قوله: (ونستغفره) أي من التقصير في أداء حمده وسائر ما يجب علينا فعله له. قوله: (من شرور أنفسنا) أي الأخلاق الدنية. قوله: (وسيئات أعمالنا) أي الأعمال الردية. قوله: (من يهده الله فلا مضل له) أي من أراد الباري هدايته وتعلقت به عنايته فلا سبيل لإضلاله. قوله: (ومن يضلل فلا هادي له) أي من يضلله الله ويخذله لعدم تعلق إرادة الباريء سبحانه به الهداية فلا هادي له قال تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} وفي الإتيان بضمير المفعول في جانب الهداية وتركه في جانب الضلالة نكتة تشير إلى العناية. قوله: (وأشهد أن لا إله إلا الله الخ) قال ابن الجزري قوله: نستعينه الخ هو بالنون في الثلاثة الأفعال أي نحن نستعينه الخ وبالهمز في قوله: أشهد فيهما لأنه صلى الله عليه وسلم لا يشهد ولا يخبر عن غيره إنما يشهد ويخبر عن نفسه اهـ. قال الحنفي: وفيه بحث إذ لا تفاوت بين كل من الأفعال الثلاثة والشهادة فما ذكره في وجه إفراد أشهد ليس على ما ينبغي والأولى أن يقال كما قيل الضمير المستكن في الأفعال والثلاثة للمتكلم ومن معه من أصحابه الحاضرين والغائبين ويجوز أن يكون قولاً من اللسان البشري وخصص الشهادة بالإفراد إشارة إلى أن وجوب الشهادة على حدة ففيه إشارة إلى التفرقة أولاً وإلى الجمع ثانياً قال في الحرز وهذا مراد ابن الجزري فتدبر قلت وفي دلالة عبارته على كون ذلك مراده ما لا يخفى من البعد ثم إنه ثبت عند الأنصاري أحد رواة أبي
داود زيادة قوله وحده لا شريك له. قوله: (يا أيها النّاس) قال البيضاوي خطاب يعم بني آدم.
قوله: (من نفس واحدة) هي آدم. قوله: (وخلق منها زوجها) أي خلق من تلك النفس حواء خلقت من ضلع من أضلاعه والعطف إما على خلقكم أي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها أمكم حواء أو على محذوف تقديره من نفس واحدة خلقها وخلق منها زوجها وهو تقرير
وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
ــ
لخلقهم من نفس واحدة. قوله: (وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء) هذا بيان لكيفية تولدهم منها والمعنى ونشر من تلك النفس والروح المخلوقة منها بنين وبنات كثيرة واكتفى بوصف الرجال بالكثرة عن وصف النساء بها لأن الحكمة تقتضي أن يكن أكثر وقيل الاكتفاء بوصفهم بالكثرة للتنبيه على فضلهم وذكر كثيراً حملاً على معنى الجمع ورتب الأمر بالتقوى على هذه القصة لما فيها من الدلالة على القدرة القاهرة التي من حقها أن تخشى والنعمة الباهرة التي توجب طاعة موليها وقوله: واتقوا تأكيد لما سبق أو يقدر في أحدهما مخالفته وفي الآخر عقابه. قوله: (الذي تساءلون به) أي يسأل بعضكم بعضاً فيقول أسألك به ثم قريء بتخفيف السين على حذف إحدى التاءين وبتشديدها على إدغام التاء الثانية في السين. قوله: (والأرحام) بالنصب عطفاً على محل الجار والمجرور كقولك مررت يزيد وعمراً أو على الله أي اتقوا الله والأرحام فصلوها ولا تقطعوها وقرأ حمزة بالجر عطفاً على الضمير وهو ضعيف لما فيه من العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار والمراد منه قولهم أسألك بالله وبالرحم وقريء بالرفع على أنه مبتدأ محذوف الخبر تقديره والأرحام كذلك أي مما يتقي أو مما يتساءل به وقد نبه الله سبحانه إذ قرن الأرحام باسمه الكريم على أن صليها بمكان منه. قوله: (رقيباً) أي حافظاً مطلعاً ثم ما ذكر من الآية على سياق التلاوة هو ما في نسخة من الأذكار وكذا هو في الحصن وعزا تخريجه للأربعة والحاكم وأبي عوانة والظاهر أنه في الأذكار من تغيير الكتاب فإن الشيخ ذكر آخراً أن الحديث يورده بلفظ أبي داود في بعض رواياته والذي في أبي داود {وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1] وكذا هو عند البيهقي في السنن الكبير وشكل عليه ابن الصلاح وشكل كثير من نسخ الأذكار كذلك وفي نسخة من أبي داود بحذف يأيها الذين ءامنوا وعند الترمذي اتقوا الله والتلاوة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} إلى آخر الآية كما شرحنا والله أعلم ويوجد في بعض النسخ بزيادة الجلالة بعد قوله: يضلل وهو من الكتاب لأنه ليس كذلك عند أبي
اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [أل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71] هذا لفظ إحدى روايات أبي داود وفي رواية له أخرى بعد قوله: ورسوله
ــ
داود الذي لفظه رواية الكتاب. قوله: (اتقوا الله حق تقاته) أي حق تقواه وهو استفراغ الوسع في القيام بالمأمورات واجتناب المحارم لقوله تعالى: {فَاَتَّقُوُا اللهَ مَا أستَطَعتُم} فهي مبنية لها كما قال المصنف والقول بنسخها لها ضعيف كما تقدم بيانه في أول الكتاب في فصل ينبغي لمن بلغه شيء أن يعمل به الخ وأما ما رواه الحاكم عن ابن مسعود مرفوعاً وصححه المحدثون في تفسير قوله: فاتقوا الله حق تقاته هو أن يطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر ويذكر فلا ينسى فمبني على كماله وقيل أن ينزه
الطاعة عن الالتفات إليها وتوقع المجازاة عليها. قوله: (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) أي لا تكونن على حال سوى الإسلام إذا أدرككم الموت فهو في الحقيقة أمر بدوام الإسلام فإن النهي عن المقيد بحال أو غيرها قد يتوجه النهي بالذات نحو القيد تارة والمقيد أخرى وقد توجه نحو المجموع وكذا النفي ذكره البيضاوي وقيل معناه وأنتم متزوجون لأن التزوج بالحلال من كمال الإسلام وتمام الأحوال قلت: واشتهر نقل هذا القول الأخير عن ابن عباس قال السيوطي في التحيير وهو من النقل الذي لم يصح والله أعلم. قوله: (قولاً سديداً) أي صدقاً وصواباً. قوله: (يصلح لكم أعمالكم) قال ابن عباس يتقبل حسناتكم وقال مقاتل يزكي أَعمالكم. قوله: (ومن يطع الله ورسوله) أي فيما يأمران به. قوله: (فاز فوزاً عظيماً) أي نال كل الخير وظفر به قال أصحابنا كان القفال يقول بعد هذه الخطبة أما بعد فإن الأمور كلها بيد الله يقضي فيها ما يشاء ويحكم ما يريد لا مؤخر لما قدم ولا مقدم لما أخر ولا يجتمع اثنان ولا يفترقان إلا بقضاء وقدر وكتاب الله قد سبق وإن مما قضى الله وقدر أن خطب فلان ابن فلان فلانة على صداق كذا أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم أجمعين. قوله: (وفي رواية أخرى) أي رواية لأبي داود وتقدم أنه رواها من طريق أبي
"أرْسَلَهُ بالحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً بَينَ يَدَي السَّاعة، مَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِما
ــ
عياض عن ابن مسعود. قوله: (أرسله بالحق) أي بالقرآن أو متلبساً بالحق أي بالصدق. قوله: (بشيراً) أي مبشراً للمطيعين بالجنة. قوله: (ونذيراً) أي منذر العصاة بالنار. قوله: (بين يدي الساعة) أي إمامها وقبل وقوعها. قوله: (فقد رشد) بفتح الشين على ما في النسخ المصححة ويجوز كسره ففي القاموس رشد كنصر وفرح رشداً ورشداً ورشاداً اهتدى قال ابن الجزري رشد بفتح الشين ويجوز كسرها يقال رشد يرشد أي كعلم يعلم ورشد بالفتح يرشد بالضم من الرشد وهو الهداية ضد الغى. قوله: (ومن يعصمها) قال في السلاح قوله في هذه الرواية ومن يعصهما يعارضه ما رواه مسلم وأبو داود والنسائي عن عدي بن حاتم أن رجلاً خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بئس الخطيب أنت قل: ومن يعص الله ورسوله فقد غوى" وأعل طريق أبي داود هذه بأن فيها عمران وقد تقدم أنه ضعيف اهـ. وقال ابن الجزري قال القاضي عياض وجماعة من العلماء إنما أنكر يعني النبي صلى الله عليه وسلم عليه تشريكه في الضمير المقتضي للتسوية وأمره بالعطف تعظيماً الله تعالى بتقديم اسمه كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر لا يقل أحدكم ما شاء الله وشاء فلان ولكن ما شاء الله ثم فلان اهـ. وسيأتي لهذا الحديث مزيد في الكتاب قال المصنف الصواب أن سبب النهي أن الخطب شأنها البسط والإيضاح واجتناب الإشارات وقول الأولين يضعف بأشياء منها أن مثل هذا الضمير قد كثر في الأحاديث الصحيحة في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وغيره من الأحاديث وإنما ثنى هنا الضمير لأنه ليس خطبة وعظ وإنما هو تعليم حكم وكلما قل لفظه كان أقرب إلى حفظه بخلاف خطبة الوعظ فإنه ليس المراد
حفظها وإنما يراد الاتعاظ بها قال ومما يؤيد هذا ما ثبت في سنن أبي داود بإسناد صحيح عن ابن مسعود قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة فذكره وفيه ومن يعصهما فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً قال في الحرز والذي وقع في سنن أبي داود من حديث ابن
فإنَّهُ لا يَضُرُّ إلا نَفْسَهُ، وَلا يَضُرُّ الله شَيئاً" قال الترمذي: حديث حسن.
قال أصحابنا: ويستحب أن يقول مع هذا: أزوِّجك على ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. وأقل هذه الخطبة: الحَمْدُ لِلهِ، والصَّلاةُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصي بِتَقْوى الله. والله أعلم.
واعلم أن هذه الخطبة سُنَّة، لو لم يأت بشيء منها صح النكاح باتفاق العلماء.
ــ
مسعود أن الرجل قال: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما وقطع الكلام فقال: قم واذهب فبئس الخطيب أنت فعلى هذا إنما رد صلى الله عليه وسلم عليه وأنكر من حيث إنه سوى بين من أطاع الله ورسوله وبين من عصاهما وعلى هذا حمل الحديث الحافظ أبو عمرو الداني وغيره من العلماء اهـ. ثم قوله ومن يعصهما جوابه محذوف أي ومن يعصهما فقد ضل وغوى. قوله: (فإنه) أي العاصي. قوله: (لا يضر) أي بالعصيان (إلا نفسه) لأن وباله عليها. قوله: (ولا يضر الله شيئاً) أي لأنه منزه عن ذلك وجملة فإنه الخ تعليل للجواب المقدر فتدبر. قوله: (قال الترمذي حديث حسن الخ) لا منافاة بين قول الشيخ أولاً رويناه بالأسانيد الصحيحة الخ ونقله عن الترمذي تحسينه لأن المتن قد يتخلف عن حكم السند لما يعرض للمتن من شذوذ أو علة ولعل منه في المتن ورود قوله {يا أيها الذين آمنوا اتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} إذ هو مخالف للتلاوة والله أعلم. قوله: (ويستحب أن يقول مع هذا الخ) أي يقوله قبل العقد أيضاً فإن شرطه في نفس العقد لم يبطل لأن القصد منه الموعظة ولأنه شرط يوافق مقتضى العقد والشرع. قوله: (من إمساك بمعروف الخ) بيان لما أراد الله به والإمساك بالمعروف حسن العشرة والقيام بواجب الزوجة والتسريح بإحسان السراح الجميل الذي علمهم إياه نقله في النهر عن الكشاف. قوله: (وأقل هذه الخطبة الخ) إذ القصد عود بركة الحمد والصلاة على عقد النكاح وإنما أتى بالوصية بالتقوى اهتماماً بشأنها وإعلاماً بأنه لا ينبغي الغفلة عنها في شأن كما ذكروا نظيره في استحباب الخطبة يومي العيد بأنهما يوما لهو فأمر بالخطبة فيهما لتكون مذكرة للإنسان مقبلة به على المطلوب منه في كل آن وهو التقوى فلا يلهيه وظيفة
وحكي عن داود الظاهري رحمه الله أنه قال: لا يصحُّ، ولكن العلماءُ المحققون لا يعدُّون خلاف داود خلافاً معتبراً، ولا ينخرق الإجماع
ــ
اليوم وشأنه عما طلبه منه ربه والله أعلم. قوله: (وحكى عن داود الظاهري الخ) وكذا حكي عن أحمد في رواية عنه أن الخطبة واجبة. قوله: (ولكن المحققون لا يعدون خلاف داود خلافاً معتبراً) قال المصنف في التهذيب اختلف العلماء هل يعتبر قوله في الإجماع فقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني اختلف أهل الحق في نفاة القياس يعني داود وشبهه فقال الجمهور أنهم لا يبلغون رتبة الاجتهاد ولا يجوز تقليدهم القضاء وهذا ينفي الاعتداد به في الإجماع ونقل الأستاذ أبو منصور البغدادي من أصحابنا عن أبي علي بن أبي هريرة وطائفة من الشافعيين أنه لا اعتبار بخلاف داود
وسائر نفاة القياس في الفروع ويعتبر خلافهم في الأصول وقال إمام الحرمين الذي ذهب إليه أهل التحقيق أن منكري القياس لا يعدون من علماء الأمة وجملة الشريعة لأنهم معاندون مباهتون فيما ثبت استفاضة وتواتراً لأن معظم الشريعة صادرة عن الاجتهاد ولا تفي النصوص بعشر معشارها وهؤلاء ملتحقون بالعوام وقال الشيخ ابن الصلاح بعد أن ذكر ما ذكرته أو معظمه قال الذي اختاره الأستاذ أبو منصور وذكر أنه الصحيح من المذهب أنه يعتبر خلاف داود قال الشيخ وهذا الذي استقر عليه الأمر كما هو الأغلب الأعرف من صنيع الأئمة المتأخرين الذين أوردوا مذهب داود في مصنفاتهم المشهوررة كالشيخ أبي حامد والمحاملي وشبههم فلولا اعتدادهم به لما ذكروا مذهبه في مصنفاتهم قال الشيخ والذي أجيب به بعد الاستخارة أن داود يعتبر قوله ويعتد به في الإجماع إلا فيما خالف فيه القياس الجلي وما أجمع عليه القياسيون من أنواعه أو بناه على أصوله التي قام الدليل القاطع على بطلانها فاتفاق من سواه على خلافه إجماع منعقد وقوله المخالف حينئذٍ خارج الإجماع ثم مثل الشيخ لذلك ثم قال فخلافه في هذا وشبهه غير معتد به لأنه مبني على ما يقطع ببطلانه والاجتهاد على خلاف الدليل القاطع مردود ينقض حكم الحاكم به قال الشيخ وهذا الذي اخترته ميل لي أن منصب الاجتهاد متجز ويكون الشخص مجتهداً في نوع دون نوع قال:
بمخالفته، والله أعلم.
وأما الزوج، فالمذهب المختار أنه لا يخطب بشيء، بل إذا قال له الولي: زوَّجتك فلانة، يقول متصلاً به: قبلت تزويجها، وإن شاء قال: قبلت نكاحها، فلو قال: الحمد الله، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم قَبِلْتُ، صحَّ النكاح، ولم يضر هذا الكلام بين الإيجاب والقبول، لأنه فصل يسير له تعلُّق بالعقد وقال بعض أصحابنا: يبطل به النكاح،
ــ
ولا فرق في ذلك بين زمن داود وما بعده فإن المذاهب لا تموت بموت أصحابها اهـ. ملخصاً وفي الطبقات الكبرى لابن السبكي بعد نقله عن ابن الصلاح أن داود لا ينكر القياس الجلي ما لفظه هو رأي ابن الصلاح وسماعي من الشيخ الإِمام الوالد أن الذي صح عنده عن داود أنه لا ينكر القياس الجلي وإن نقل إنكاره عنه ناقلون قال: وإنما ينكر الخفي فقط قلت وقفت لداود على رسالة وهي دالة على عظيم معرفته بالجدل وكبير صناعته في المناظرة ولم أجد فيها لفظة تدل على أنه يقول بشيء من القياس بل ظاهر كلامه إنكاره جملة وإن لم يصرح بذلك قال: والرسالة عندي بأصل صحيح قديم اعتقده كتبت في حدود سنة ثلاثمائة أو قبلها بكثير ثم نقل كلاماً آخر لداود في رسالة أخر قال: وهذا يؤيد منقول الوالد وهو قريب من نقل الآمدي فالذي أراد الاعتبار بخلاف داود نعم للظاهرية مسائل لا يعتد بخلافهم فيما لا من حيث إن داود ليس أهلاً للنظر بل من حيث خرقه فيها إجماعاً هدمه وعذره أنه لم يبلغه أو دليلاً واضحاً جداً اهـ.
قوله: (وأما الزوج فالمذهب الخ) ومثله وكيله. قوله: (قبلت تزويجها) أو قبلت هذا النكاح أو التزويج. قوله: (ولم يضر هذا الكلام بين الإيجاب والقبول الخ) بهذا يرد قول بعضهم بأن الخطبة بين الإيجاب والقبول غير مستحبة فيتجه القول بأن تخلل القول مبطل كما صححه السبكي تبعاً للماوردي لأنها غير مشروعة حينئذٍ فأشبهت الكلام الأجنبي اهـ. والمعتمد القول الأول لما أشار إليه الشيخ من أن ذلك يسير وله تعلق بالعقد لعود بركته عليه ولذا قيل باستحبابه فلم يكن مبطلاً فإن طال الفاصل بينهما لم يصح النكاح جزماً لإشعاره بالأعراض وكونه مقدمة للقبول لا يستدعي اغتفار