الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى:
وسَمْعَك صُنْ عن سماع القبيح
…
كَصَوْنِ اللسان عن النُّطْقِ به
فإنك عند سماع القبيح
…
شريكٌ لقائله فانتبه
باب بيان ما يدفع به الغيبة عن نفسه
اعلم أن هذا الباب له أدلة كثيرة في الكتاب والسُّنَّة، ولكني أقتصر
ــ
كلام كعب بن زهير:
فالسامع الذم شريك له
…
ومعظم المأكول كالآكل
باب بيان ما يدفع به الغيبة عن نفسه
أي العلاج الذي تندفع به نفسه عن اغتياب الغير قال في الزواجر يتعين معرفة علاج الغيبة، وهو إما إجمالي بأن تعلم أنك قد تعرضت بها لسخط الله تعالى وعقوبته كما دلت عليه الآيات والأخبار أيضاً فهي تحبط حسناتك لما في خبر مسلم في المفلس من أنه تؤخذ حسناته إلى أن تفنى فإن بقي عليك شيء وقع عليك من سيئات خصمك ومعلوم إن من زادت حسناته كان من أهل الجمعة أو سيئاته كان من أهل النار فإن استويا فمن أهل الأعراف فاحذر أن تكون الغيبة سبباً لفناء حسناتك وزيادة سيئاتك فتكون من أهل النار على أنه روى ما النار في اليبس بأسرع من الغيبة في حسنات العبد ومن آمن بتلك الأخبار فطم نفسه عن الغيبة فطماً كلياً خوفاً من عقابها المترتب عليها في الأخبار، ومما ينفعك أيضاً أنك تتدبر في عيوب نفسك وتجتهد في الطهارة منها لتدخل تحت ما روى عنه من قوله صلى الله عليه وسلم:"طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب النّاس ويستحي من دم غيره بما هو متلبس به أو بنظيره" فإن كان أمراً خلقياً فالذم له ذم للخالق إذ من ذم صنعة ذم صانعها قال رجل لحكيم: يا قبيح الوجه قال: ما كان خلق وجهي إلي فأحسنه فإن لم تجد عيباً فأشكر الله إذ تفضل عليك بالنزاهة عن العيوب فلا تسم نفسك بأعظمها، وينفعك أيضاً أن تعلم أن تأذى غيرك بالغيبة كتأذيك بها فكيف ترضى تؤذي غيرك بما تتأذى به، وإما تفصيلي بأن تنظر في باعثها فتقطعه من أصله إذ علاج العلة إنما يكون بقطع سببها كأن تستحضر في الغضب أحد أسبابها أنك إذا أمضيت غضبك فيه بغيبته أمضى الله غضبه
منه على الإشارة إلى أحرف، فمن كان موفقاً انزجر بها، ومن لم يكن كذلك فلا ينزجر بمجلدات.
وعمدة الباب أن يعرِض على نفسه ما ذكرناه من النصوص في تحريم الغيبة، ثم يفكر في قول الله تعالى:{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]، وقوله تعالى:{وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15].
وما ذكرناه من الحديث الصحيح "إنّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ الله تَعالى ما يُلْقِيَ لَها بالاً يَهْوِي بِهَا في جَهَنَّمَ" وغير ذلك مما قدمناه في "باب حفظ اللسان" و"باب الغيبة"، ويضمّ إلى ذلك
ــ
فيك لاستخفافك بنهجه وجرأتك على وعيده وفي الحديث إن في جهنم باباً لا يدخله إلا من شفى غيظه بمعصية الله تعالى، وفي الموافقة أنك إذا أرضيت المخاليق بغضب الله عاجلك بعقوبته إذ لا أغير من الله، وفي الحسد أنك جمعت بين خسارتي الدنيا بحسدك له على نعمته وكونك معذباً بالجسد والآخرة لأنك نصرته بإهداء حسناتك إليه أو طرح سيئاته عليك فصرت صديقه وعدو نفسك فجمعت إلى خبث حسدك جهل حماقتك، وفي الاستهزاء أنك إذا أخزيت غيرك عند النّاس فقد أخزيت نفسك عند الله وشتان ما بينهما اهـ. قوله:(فمن كان موفقاً) بأن أراد الله به الخير في المال (انزجر) لحلول باعث الانزجار في قلبه بمشيئة الله ومعونته قال تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} . قوله: (ومن لم يكن كذلك) أي موفقاً (فلا ينزجر) وإن أوضحت له الزواجر واتضحت عنده الآيات والدلائل قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} وقال الأستاذ أبو الحسن الشاذلي العلوم في الصدور كالدراهم في الأيدي إن شاء نفعك بها وإن شاء منعك نفعها وقال الشاعر:
لا تنتهي الأنفس عن غيها
…
ما لم يكن منها لها زاجر
قوله: (من النصوص) أي القرآن والسنة سواء كان نصاً فيها نحو ولا يغتب بعضكم بعض ونحوه أو بطريق العموم لها نحو ما يلفظ من قول: إلا لديه رقيب عتيد وقد تقدم الكلام على ما يتعلق بالآية في أول كتاب حفظ اللسان. قوله: (وتحسبونه هيناً) أي ذنباً صغيراً (وهو عند الله عظيم) أي من الكبائر. قوله: (ويضم إلى ذلك)
ذلك قولهم: الله معي، الله شاهدي، الله ناظر إلي.
وعن الحسن البصري رحمه الله أن رجلاً قال له: إنك تغتابني، فقال: ما بلغ قدرُك عندي أن أحكِّمْك في حسناتي.
وروينا عن ابن المبارك رحمه الله قال: لو كنت مغتاباً أحداً لاغتبت والديَّ لأنهما أحق بحسناتي.
ــ
أي النصوص المحرمة للغيبة من الكتاب والسنة إما بالخصوص لها أو بالعموم لها ولغيرها. قوله: (قولهم الله معي الخ) في ترجمة سهل بن عبد الله التستري من الرسالة القشيرية بسنده إلى سهل قال: قال لي خالي محمد بن سواد يوماً وكان عمري إذ ذاك ثلاث سنين ألا تذكر الله الذي خلقك فقلت: كيف أذكره قال: قل بقلبك عند تقلبك في ثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك لسانك: الله معي الله ناظر إلي الله شاهدي فقلت ذلك ليالي ثم أعلمته قال: قل في كل ليلة سبع مرات فقلت ذلك ثم أعلمته قال: قل في كل ليلة إحدى عشرة مرة فقلت فوقع في قلبي حلاوة فلما كان بعد سنة قال لي خالي: احفظ ما علمتك ودم عليه إلى أن تدخل القبر فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة فلم أزل على ذلك سنين فوجدت لها حلاوة في سري ثم قال لي خالي يوماً أي منبهاً على فائدة تلك الكلمات وترقياً من المبني إلى المعنى يا سهل من كان الله معه وهو ناظر إليه وشاهده أيعصيه -أي وجوابه لا فإن من استشعر من الله ذلك لم يعصه- إياك والمعصية وساق بقية القصة فقوله: إياك والمعصية وتنبيهه على سبب تركها والمعصية شاملة لأنواع العصيان باللسان أو الجنان أو الأركان. قوله: (وعن الحسن البصري الخ) فيه تنبيه على أن الغيبة لا تصدر من كاملي العقول لما فيها من تحكيم الخصم في حسنات الإنسان وفي الرسالة قيل للحسن البصري إن فلاناً اغتابك فبعث إليه طبق حلوى وقال: بلغني أنك أهديت إلي حسناتك فكافأتك قال الشيخ زكريا هذا من أحسن التأديب والإرشاد إلى ترك الغيبة فإنه نبهه بذلك على أنه أهدى إليه أحسن ما عنده مما ينفع في الآخرة فكافأه على ذلك من طيبات الدنيا وهي الحلوى. قوله: (وروينا عن ابن المبارك الخ) وإنما كان والده أحق بحسناته لانتفاعهما به وفيه الزجر عن الغيبة وأنها تضر في الدنيا والآخرة وتحكم المغتاب في حسنات من اغتابه.