الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبحان الله، إنما سمعت شيئاً فأحببت أنَ أتثبَّت".
وروينا في "الصحيحين" في حديث عبد الله بن سلام الطويل لما قيل: إنك من أهل الجنة، قال: سبحان الله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لم يعلم
…
وذكر الحديث.
باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ــ
قائل هذا الكلام هو أبي ذر بن كعب رضي الله عنه كما صرح به في الحديث في رواية مسلم وإن كان في العبارة ما يوهم أنه أبو موسى. قوله: (سبحان الله) وجه التعجب إنكاره على أبي حيث أنكر عليه التثبت في الأمر وقصد عمر مما فعله مع أبي موسى زجر من لا خلاق له من المبتدعة والمنافقين ونحوهم من القول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل فإن من وقعت له قضية وضع فيها حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم فأراد سد الباب خوفاً من غير أبي موسى لا شكاً في رواية أبي موسى فإنه عند عمر أجل من أن يظن به أن يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقل بل أراد زجر غيره بطريقة فإن من دون أبي موسى إذا رأى هذه القضية أو بلغته وكان في قلبه مرض وأراد وضع حديث خاف من مثل قضية أبي موسى فامتنع من وضع الحديث والمسارعة إلى الرواية بغير يقين ومما يدل على أن هذا مراده قوله: سبحان الله الخ، أشار إليه المصنف في شرح مسلم. قوله:(وروينا في الصحيحين) أي من حديث قيس بن عبادة بضم المهملة وخفة الموحدة. قوله: (سبحان الله ما ينبغي الخ) قال المصنف: هذا إنكار من ابن سلام حيث قطعوا له بالجنة فيحمل على أنهم بلغهم حديث سعد بن أبي وقاص ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحي يمشي إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام رواه مسلم وهو لم يسمع ذلك ويحتمل أنه كره الثناء عليه بذلك تواضعاً وإيثاراً للخمول وكراهة الشهرة اهـ.
باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
المعروف يشمل الواجب والمندوب والمباح والمنكر المحرم ومنه تعاطى ما منع الشرع
هذا الباب أهمُّ الأبواب، أو من أهمها لكثرة النصوص الواردة فيه،
ــ
منه من عبادة فاسدة أو عقد كذلك وهل المنكر يشمل المكروه فيه كلام يأتي للبيضاوي. قوله: (أهم الأبواب) إذ هو معظم الشريعة التي هي أمر بمعروف أو نهي عن منكر. قوله: (أو من أهمها) فأهم الأبواب الإيمان بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم وما يتعلق بذلك ومعرفة العلم العيني والقيام بالفرض العيني. قوله: (لكثرة النصوص) أي من الكتاب والسنة وسيأتي بعضها. قوله: (الواردة فيه) أي في طلبه
وإيجابه قال المصنف: وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة وهو أيضاً من النصيحة التي هي الدين ولم يخالف في ذلك إلا بعض الرافضة ولا يعتد بخلافهم كما قال أبو المعالي إمام الحرمين لا يكترث بخلافهم في هذا فقد أجمع المسلمون عليه قبل أن ينبغ هؤلاء ووجوبه بالشرع لا بالعقل ثم هو فرض كفاية تارة فإذا قام به بعض النّاس سقط عن الباقين وإذا تركه الجميع إثم كل من يتمكن منه بلا عذر ولا خوف وفرض عين أخرى كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو ولا يتمكن من إزالته إلا هو قال العلماء: ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه بل يجب عليه فعله فإن الذكرى تنفع المؤمنين وعليه الأمر والنهي لا القبول كما قال عز وجل: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} ، ثم لا يشترط في الآمر والناهي أن يكون كامل الحال ممتثلاً ما يأمر به مجتنباً ما ينهي عنه بل عليه الأمر وإن كان مخلاً بما أمر به والنهي وإن كان متلبساً بما ينهى عنه فإنه يجب عليه شيئان أن يأمر نفسه وينهاها ويأمر غيره وينهاه فإذا دخل بأحدهما كيف يباح له الإخلال بالآخر ولا يختص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأصحاب الولايات بل ذلك جائز لآحاد المسلمين قال إمام الحرمين والدليل عليه إجماع المسلمين فإن غير الولاة في الصدر الأول والعصر الذي يليه كانوا يأمرون الولاة بالمعروف وينهونهم عن المنكر مع تقرير المسلمين إياهم
لعِظَم موقعه، وشدة الاهتمام به، وكثرة تساهل أكثر النّاس فيه، ولا يمكن استقصاء ما فيه هنا، لكن لا نخل بشيء
من أصوله، وقد صنف العلماء فيه
ــ
وترك توبيخهم على التشاغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نعم شرط الآمر والناهي أن يكون عالماً بما يأمر به وينهى عنه فكل أحد أهل للأمر بالواجبات الظاهرة كالصلاة والصوم والنهي عن المنكرات كذلك كشرب الخمر والزنى إذ جميع المسلمين علماء بذلك أما دقائق الأفعال والأقوال وما يتعلق بالاجتهاد فلا مدخل فيه للعوام وليس لهم إنكاره بل ذلك للعلماء ثم الإنكار إنما يكون فيما أجمع عليه أما المختلف فيه فلا إنكار إلا إن كان الفاعل يعتقد تحريمه أو أراد المنكر النصيحة إلى الخروج عن الخلاف كما أشار إليه المصنف في شرح مسلم اهـ، ملخصاً منه. قوله:(ولعظم موقعه) إذ به يحصل انتظام أمر الدارين. قوله: (وشدة الاهتمام به) أي شرعاً لعظم ثمرته. قوله: (ولكثرة تساهل النّاس فيه) أتى باللام في المعطوفات إشارة إلى أن كل واحد منها علة للاهتمام بهذا الباب وإنه أهم أو من أهم الأبواب، قال المصنف في شرح مسلم: واعلم أن هذا الباب أي باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد ضيع أكثره من أزمان متطاولة ولم يبق منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جداً وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله بعقابه فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم وينبغي للمعتني بالآخرة أن يعتني بهذا الباب فإن نفعه عظيم لا سيما وقد ذهب معظمه ويخلص نيته ولا يهابن من ينكر عليه لارتفاع منزلته فإن الله تعالى قال: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} ولا يتاركه أيضاً لصداقته ومحبته وطلب الجاه عنده ودوام المنزلة لديه فإن صداقته توجب له حقاً ومن حقه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته وينقذه من مضاره وصديق الإنسان من يفعل به ذلك اهـ. قوله: (ولا يمكن استقصاء ما فيه) أي لا يمكن في هذا الكتاب استقصاء أي طلب أقصى ما فيه من النصوص الطالبة له ومن حسن ثمراته. قوله: (لكن لا
يخل بشيء من أصوله) إذ ما لا يدرك كله لا يترك كله وقليل الخير كثير قال الشاعر:
متفرَّقات، وقد جمعت قطعةً منه في أوائل "شرح صحيح مسلم" ونبَّهتُ فيه على مهمّات لا يستغنى عن معرفتها، قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ
ــ
افعل الخير ما استطعت وإن
…
كان قليلاً فلن تطيق لكله
ومتى تفعل الكثير من الخيـ
…
ـر إذا كنت تاركاً لأقله
وهذا أحسن من قول محمود الوراق.
لو رأيت الصغير من عمل الخيـ
…
ـر ثواباً عجبت من كبره
أو رأيت الحقير من عمل الشر
…
جزاء أشفقت من حذره
قوله: (متفرقات) أي فبعضها في الأمر بالجمعة ونحو ذلك من المعروف وبعضها في النهي عن التعرض للصحابة رضي الله عنهم بسوء وبعضها في النهي عن الابتداع ونحو ذلك من المنكرات. قوله: (وقد جمعت قطعة صالحة الخ) قد لخصنا منها مهمها فيما سبق ومما بقي منه قوله: ينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يرفق ليكون أقرب إلى تحصيل المطلوب ففد قال إمامنا الشافعي: من وعظ أخاه سراً فقد نصحه وزانه ومن وعظه جهراً فقد فضحه وشانه ومما يتساهل أكثر النّاس فيه من هذا الباب ما إذا رأى إنساناً يبيع متاعاً معيباً ونحوه فإنهم لا ينكرون ذلك ولا يعرفون المشتري بعينه وهذا خطأ ظاهر وقد نص العلماء على أنه يجب على من علم ذلك أن ينكر على البائع وأن يعلم به المشتري اهـ. قوله: (ولتكن منكم أمة) من للتبعيض لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفاية ولأنه لا يصلح له كل أحد كما علم مما تقدم قال البيضاوي: إذ المتصدي له شرط لا يشترك فيها جميع الأمة كالعلم بالأحكام ومراتب الاحتساب وكيفية إقامتها والتمكن من القيام بها خاطب الجميع وطلب فعل بعضهم ليدل على إنه واجب على الكل حتى لو تركوه رأساً أثموا جميعاً ولكن يسقط أي الوجوب بفعل بعضهم وكذا كل ما هو فرض كفاية أو للتبيين بمعنى كونوا أمة تأمرون قال في لباب التفاسير فيلزم الجميع الدعاء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أي كونوا كلكم آمرين بالمعروف
أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104] وقال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، وقال تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)} [التوبة: 71]
وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71] وقال تعالى: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة: 79] والآيات بمعنى ما ذكرته مشهورة.
ــ
ناهين عن المنكر. قوله: (يدعون إلى الخير) عام للدعاء إلى ما فيه صلاح ديني ودنيوي وعطف الأمر بالمعروف وما بعده عليه عطف الخاص على العام إيذاناً بفضله قال القاضي البيضاوي: والأمر بالمعروف يكون واجباً ومندوباً على حسب ما يأمر به والنهي عن المنكر واجب كله لأن جميع ما أنكره الشرع حرام اهـ. وقال الشيخ زكريا في حاشيته عليه قوله والنهي عن المنكر واجب كله ليس كذلك إذ المكروه منكر يندب تركه ولا يجب اهـ. قوله: (وأولئك هم المفلحون) أي مخصوصون بكمال الفلاح روى عنه صلى الله عليه وسلم سئل من خير النّاس قال: آمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأتقاهم لله وأوصلهم قال الحافظ في تخريج أحاديث الكشاف أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني والبيهقي في الشعب. قوله: ({خُذِ الْعَفْوَ} الآية) تقدم السلام على شيء مما يتعلق بها
في باب الإعراض عن الجاهلين. قوله: (والمؤمنون والمؤمنات الخ) لما عدد مثالب المنافقين ذكر بعدها مناقب المؤمنين وبضدها تتميز الأشياء. قوله: (بعضهم أولياء بعض) أي يتولون ويتناصرون حتى إن الرجل يخرج إلى الجهاد وامرأته تهيئ أسبابه ويخرجن النساء مع الرجل فيداوين الجرحى ويعالجن المرضى ويصلحن الطعام ويحملن الماء قيل: ذكر في المنافقين بعضهم من بعض ولم يقل بعضهم أولياء بعض لأن المؤمنين يتوالون ويتناصرون على الدين الحق والكفار لهم دين باطل يتوالون عليه أما المنافقون فليس لهم دين يظهرونه ويمكنهم التوالي عليه لكن بعضهم على صفة بعض. قوله: ({كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة: 79] الآية) قال في النهر: ظاهره التفاعل بمعنى الاشتراك أي لا ينهي بعضهم بعضاً وذلك إنهم جمعوا بين فعل المنكر والتجاهر به وعدم النهي عنه والمعصية إذا فعلت وقدرت على العبد ينبغي أن يستتر بها، في الحديث من بلي منكم بشيء من هذه القاذورات فليستتر فإذا فعلت جهاراً وتواطؤوا
وروينا في "صحيح مسلم" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ رَأى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
ــ
على عدم الإنكار كان ذلك تحريضاً على فعلها وسبباً مثيراً لإفشائها كثيراً اهـ.
قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) ورواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة كما في الجامع الصغير. قوله: (عن أبي سعيد الخ) قال: حين لم يلتفت مروان بن الحكم لرجل أنكر عليه لما عزم على تقديم خطبة العيد على صلاته: أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ. قوله: (من رأى منكم) خطاب لكل من يتأتى توجيه الخطاب إليه كما في ولو ترى إذ وقفوا على النار ورأى يجوز أن يكون من رؤية البصر فليس عليه إنكار ما علمه ولم يره أو من رؤية البصيرة فهو أعم مما أبصره أو علمه لتناوله إياهما. وقوله: (فليغيره) أي يزله ويبدله بغيره وهو المعروف إذ لا واسطة بينهما إذ المعروف كما تقدم ما عرفه الشرع من واجب أو مندوب أو مباح والمنكر ما أنكره الشرع وأباه فيجب تغييره إن كان حراماً دفعاً لمفسدة المنكر ويكون التعبير بالمعروف لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أمر بمعروف فليكن أمره فيه بمعروف" ثم ظاهر الأمر بتغييره يقتضي وجوبه مطلقاً قدر أو لم يقدر والتحقيق وجوبه مع القدرة عليه وإلا منّ على نفسه ولم تعارض مصلحة الإنكار مفسدة راجحة أو مساوية وإلا فهو معذور والمكلف به غيره وظاهره أيضاً أنه لا يتوقف على إذن الإِمام أو نائبه وسبق أول الباب عن إمام الحرمين نقل إجماع المسلمين عليه نعم خص من ذلك من خاف من ترك إذنه مفسدة بانحرافه عليه بأنه افتيات عليه فيجب استئذانه في تغييره دفعاً للمفسدة وخص عمومه في الأشخاص بغير المكلف كالصبي والمجنون إذ لا قدرة على تغييره بخلاف المكلف القادر عليه والتغيير باليد لمن قدر عليه أبلغ في إزالة المنكر كإراقة الخمر وتفكيك آلة اللهو. قوله: (فبلسانه) أي
فليغيره بلسانه
فَبِقَلْبِهِ، وذَلِكَ أضْعَفُ الإيمَانِ".
وروينا في كتاب الترمذي عن حذيفة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والَذي نَفْسِي بيَدِهِ لتَأْمُرُنَّ بالمَعْرُوف، ولتَنْهَونَّ عَنِ المُنْكَرِ،
ــ
كأن يصيح عليهم فيتركوه أو يسلط عليهم من يغيره. قوله: (فبقلبه) أي فليكرهه بقلبه وينوي أنه لو قدر على تغييره لغيره لأن الإنسان يجب عليه إيجاب عين كراهة ما كرهه الله تعالى وهذا تدريج في التغيير بحسب الاستطاعة الأبلغ فالأبلغ كقوله لعمران بن الحصن: صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب وعكسه قول الفقهاء في دفع الصائل يتنزل من الكلام إلى العصا إلى السيف ونحوه الأسهل فالأسهل. قوله: (وذلك أضعف الإيمان) أي كراهيته بالقلب أقل الإيمان ثمرة إذ لا يحصل بها زوال مفسدة المنكر المطلوب زواله فهو قاصر بخلافه باليد واللسان فإنه متعد لأنه كراهة وإزالة وفي رواية زيادة ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل أي ليس وراء هذه المرتبة مرتبة أخرى لأنه إذا لم يكرهه بقلبه فقد رضي به وذلك ليس من شأن أهل الإيمان وهذا يقتضي أن تغييره من الإيمان وقد مر أنه مؤول بأنه من آثاره وثمراته لا من حقيقته أي وذلك أضعف الإيمان وثمراته. قوله: (لتأمرن) بضم الراء والفاعل محذوف ضمير الجماعة المخاطبين. قوله: (ولتنهون) بفتح اللام والفوقية وسكون النون وفتح الهاء وضم الواو وتشديد النون وأصله لتنهوون فتحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً ثم حذفت فالتقى ساكنان الواو ونون التوكيد المدغمة ولا يمكن حذف إحداهما فحركت الواو بحركة تجانسها وهي الضمة ولم تقلب ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها لأن الحركة عارضة وما سلكته من أن المحذوف الألف المنقلبة من الواو والباقي واو الضمير حركت لدفع التقاء الساكنين أولى مما سلكه القلقشندي في قوله صلى الله عليه وسلم: "لتسون صفوفكم أو
أَوْ ليُوشكَنَّ الله تعالى يَبْعَثُ عَلَيكُمْ عِقَاباً منْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ" قَالَ الترْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
ــ
ليخالفن الله بين قلوبكم وهو إن الأصل لتسوون كما جاء كذلك في رواية ثم حذفت إحدى الواوين تخفيفاً وأبقيت الضمة على الواو قبلها دالة عليها لما فيه من جعل المحذوف ضمير الفاعل والأصل عدم حذفه ولا يعدل إلى الحكم به إلا عند تعذره نعم يقر به إنه عليه مناسب لتأمرن في كون المحذوف في كل منهما ضمير الرفع وأبقيت الضمة لتدل عليه. قوله: (أو ليوشكن الله) أي إن لم تأمر بالمعروف وتنهوا عن المنكر و"أو" للتقسيم يعني أحد الأمرين لازم لا يخلوا الحال عنه وابن مالك يعبر عنه بالتفريق المجرد قال العاقولي في شرح المصابيح: والذي نفسي بيده الخ، القسم واقع على أن أحد هذين الأمرين كائن لا محالة إما أمرهم بالمعروف أو بعث العذاب عليهم ثم إذا دعوا الله لا يستجيب لهم والله إن أحد الأمرين كائن إما ليكن منكم الأمر بالمعروف أو ليكن إنزال عذاب عظيم من عند الله ثم بعد ذلك ليكن منكم الدعاء ومنه تعالى عدم إجابتكم اهـ، وهذا الحديث فيه استعمال مضارع أو شك ومثله قول الشاعر:
يوشك من فر من منيته
…
في بعض غراته يوافيها
قوله: (ثم تدعونه) كذا في نسخة من الترمذي بإثبات واو الجماعة والنون خفيفة نون الرفع ووقع في المشكاة ثم لتدعنه بلام جواب القسم وحذف واو الضمير وإبقاء الضمة دالة عليه ويؤخذ من هذا الحديث وأمثاله ما صرح به في الزواجر من أن ترك النهي عن المنكر من غير عذر من الكبائر ونقله عن صاحب العدة وسيأتي نقله في أوائل باب الغيبة في كلام الأذرعي. قوله: (قال الترمذي حديث حسن) وجه الحكم بحسنه
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذه الصفحة انتقلت في المطبوعة إلى ص 233
وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بأسانيد صحيحة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا أيها النّاس، إنكم تقرؤون هذه الآية:
ــ
الاختلاف في حال عبد الله الأنصاري وهو ابن عبد الرحمن الأشهلي فوثقه عبد الله بن عبد الصمد بن أبي خداش الأسدي الموصلي عن المعافى
وابن عيينة في آخرين وضعفه أبو حاتم لكن اعتضد بشواهد وتوابعه من أحاديث الباب وباقي رجاله رجال الصحيح والله أعلم.
قوله: (وروينا في سنن أبي داود الخ) هذا أحد ألفاظ روايات أبي داود وفي أخرى له ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب وفي أخرى له ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي وهم أكثر ممن يعمله ولفظ رواية الترمذي وابن ماجه أن النّاس إذا رأوا منكراً فلم يغيروا يوشك أن يعمهم الله بعقابه كما أشار إلى ذلك في المشكاة وبه يعلم إن عزو الحديث لتخريج من عدا أبا داود أريد به رواية أصل المعنى لا بخصوص هذا المبنى ثم راجعت كتاب الترمذي فرأيته رواه بلفظ الكتاب المعزو لأبي داود ومن معه وابن ماجه فرأيته كما في المشكاة. قوله: (بالأسانيد الصحيحة) فيه إن مدار سنده عند الترمذي وابن ماجه على إسماعيل بن أبي خالد فسنده واحد نعم الطرق إلى إسماعيل متعددة فيصح إطلاق الجمع في الأسانيد بهذا الاعتبار لكن سبق عن الحافظ تعقب الشيخ في قوله في مثل ذلك بالأسانيد المتعددة بما من ثم رجاله رجال الصحيح إلا إسماعيل بن أبي خالد فروى عنه هو وابن ماجه وقد ضعف كما في الكاشف للذهبي ولم يصحح الترمذي الحديث ولا حسنه نعم حكى اختلافاً على إسماعيل في رفع الحديث ووقفه فقال: هكذا روى غير هذا الحديث عن إسماعيل نحو حديث يزيد أي موقوفاً ورفعه بعضهم عن إسماعيل ووقفه بعضهم والله أعلم. كقوله: (وتقرءون) وفي نسخة لتقرءون بلام الزيادة التأكيد والنون مخففة على كلا النسختين وكأنه احتيج للتأكيد لاقتضاء المقام ذلك أو من مخاطبة غير المنكر بخطاب المنكر لكون حاله كالمنكر كما يقال كتارك الصلاة العالم بفرضيتها إن
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنّ النَّاسَ إذَا رأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا على يَدَيهِ أوْشَكَ أنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ".
ــ
الصلاة لواجبة. قوله: ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} الخ) بيان للآية أو بدل منها فهو في محل نصب أو خبر مبتدأ محذوف أي هي فهو في محل رفع. قوله: (وإني سمعت الخ) قال العاقولي: الفاء فيه فصيحة تدل على محذوف كأنه قال: إنكم تقرءون هذه الآية وتجرون على عمومها وليس كذلك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أيها النّاس الخ" وهذا عام في حق جميع النّاس فيجب العمل به. قوله: (فلم يأخذوا على يديه) أي بمنعه من الظلم في النهاية يقال: أخذت على يد فلان إذا منعته عما يريد أن يفعله كأنك أمسكت يده اهـ. وقوله: (أو شك) أي قرب قال ابن جر في الزواجر: ومن أقبح البدع أن بعض الجهلة إذا أمر بمعروف أو نهى عن منكر قال: قال تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} وما علم الجاهل بقول أبي بكر إن من فعل ذلك ازداد إثم معصيته بإثم تفسيره القرآن برأيه أي وهو من الكبائر وإنما معنى الآية: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قاله ابن المسيب وفيها أقوال أخر اهـ. قال الإِمام الواحدي في تفسيره الوسيط خاف الصديق أن يتأول النّاس الآية غير متأولها فتدعوهم إلى ترك الأمر بالمعروف فأراد أن يعلمهم إنها ليست كذلك وإنه لو كان وجهها ذلك ما تكلم رسول
الله صلى الله عليه وسلم بخلافها والذي أذن الله في الإمساك عن تغييره من المنكر الشرك الذي ينطق به المعاهد من أجل أنهم أهل ملل يتدينون بها ثم إن قد صولحوا على أن شرط لهم ذلك فأما الفسق والعصيان والريب من أهل الإسلام فلا يدخل في الآية ويدل على صحة هذه الجملة حديث ابن عباس وهو حينئذٍ ضرير ذكر الصديق فقال رحمه الله قعد على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم مد يده فوضعها على المجلس الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس من منبره ثم قال: سمعت الحبيب وهو جالس في هذا المجلس إذا
وروينا في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
ــ
تأول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] فسرها وكان تفسيره لها أن قال: نعم ليس من قوم عمل فيهم بمنكر وسن فيهم بقبيح فلم يغيروه أو لم ينكروه إلا وحق على الله أن يعمهم بالعقوبة جميعاً ثم لا يستجاب لهم ثم أدخل إصبعيه في أذنيه فقال: إلا أكن سمعتها من الحبيب فصمتا قال الواحدي بعد تخريجه ولابن مسعود رضي الله عنه طريق أخرى في هذه الآية وأخرج عنه أنه قال: لم يجيء تأويل هذه الآية بعد إذ القرآن حين نزل كان منه أي مضى تأويلها قبل أن ينزل ومنه أي وقع تأويلها على عهده صلى الله عليه وسلم ومنه أي وقع تأويلها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنين ومنه أي يقع تأويلها عند الساعة فما دامت قلوبكم واحدة ولم تلبسوا شيعاً ولم يذق بعضكم بأس بعض فمروا وانهوا فإذا اختلفت القلوب والأهواء وألبستم شيعاً وذاق بعضكم بأس بعض فليأمر كل امرئ نفسه قال الواحدي: يدل على صحة ما ذهب إليه ابن مسعود في تأويل هذه الآية حديث أبي ثعلبة الخشني قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال: "نعم بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً وديناً مؤثراً وإعجاب كل ذي رأى برأيه ورأيت الأمر لا يدان لك فعليك نفسك ودع أمر العوام" الحديث اهـ، بتلخيص.
قوله: (وروينا في سنن أبي داود والترمذي الخ) قال السخاوي في المقاصد الحسنة: أخرجه أبو داود في الملاحم من حديث أبي سعيد مرفوعاً وزاد في آخره أو أمير جائر رواه الترمذي في الفتن من جامعه بلفظ إن من أعظم الجهاد وذكره بدون أو أمير جائر وقال: إنه حسن غريب وهو عند ابن ماجه في الفتن أيضاً بلفظ أبي داود أفضل الجهاد كلمة عدل الخ ولم يذكر فيه أو أمير جائر وأخرجه ابن ماجه أيضاً من حديث أبي أمامة قال: عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل عند الجمرة الأولى فقال: يا رسول الله أي الجهاد أفضل؟ فسكت عنه فلما رمى الجمرة الثانية سأله فسكت عنه فلما رمى جمرة العقبة ووضع رجله في
"أفْضَلُ الجهادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطانٍ جائِرٍ". قال الترمذي: حديث حسن.
قلت: والأحاديث في الباب أشهر من أن تذكر، وهذه الآية الكريمة مما يَغترُّ بها كثير من الجاهلين ويحملونها على غير وجهها، بل الصواب في معناها: أنكم إذا فعلتم ما أُمرتم به فلا يضركم ضلالة من ضل. ومن جملة ما أُمروا به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والآية قريبة المعنى من قوله تعالى:{وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} [العنكبوت: 18].
واعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن
ــ
الغرز ليركب قال: أين السائل؟ قال: أنا يا رسول الله قال: كلمة حق عند سلطان جائر اهـ، وقال في الجامع الصغير وأخرجه ابن ماجه لكن قال كلمة حق يدل قوله: كلمة عدل وأخرجه باللفظ الذي عند ابن ماجه أحمد والطبراني في الكبير والبيهقي في الشعب عن أبي أمامة وأخرجه ابن عبد البر في التمهيد من حديث أبي أمامة وفي الدرر المنتثرة للسيوطي حديث أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر البيهقي في الشعب من حديث أبي أمامة بسند لين وله شاهد من مرسل طارق بن شهاب قلت: والحديث عند أبي داود والترمذي من حديث أبي سعيد أي بنحوه اهـ. قوله: (أفضل الجهاد الخ) قال الخطابي: إنما صار ذلك أفضل الجهاد لأن من جاهد العدو كانّ
متردداً بين رجاء وخوف لا يدري هل يغلب أو يغلب وصاحب السلطان مقهور في يده فإذا قال الحق وأمر بالمعروف فقد تعرض للتلف وأهدف نفسه للهلاك فصار أفضل أنواع الجهاد من أجل علبة الخوف. قوله: (على خلاف وجهها) أي من إن الإنسان إذا قام بالطاعة بنفسه لا يضره فعل غيره للضلال من فعل المنكر ومنه ترك الواجب. قوله: (والصواب الخ) أي فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من جملة ما هو على الإنسان وكلف به فإذا قام بهما ولم يسمع منه فقد أتى بالواجب الذي عليه ولا يضره وضلال غيره بعد السماع فهي كما قال الشيخ قريبة المعنى من قوله عز وجل: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} وقريب منه قوله تعالى: