الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما يقول إذا دخل السوق
روينا في كتاب الترمذي وغيره عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ دَخَلَ السوقَ فَقَالَ: لا إلهَ إلَاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شريك لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، يُحْيِي ويُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ،
ــ
حاله) أي حال المسؤول عنه منه أو من المحبوب، فإن قلت الحديث إنما فيه دلالة على الجزء الثاني من
الترجمة ولم يورد في الباب ما يدل على الجزء الأول منها قلت هو قال على جزء الترجمة الأول بالقياس الأولوي والثاني بالنص والله أعلم والحديث سبق الكلام عليه في أبواب أذكار المريض.
باب ما يقول إذا دخل السوق
بضم المهملة مؤنث سماعي وقد ذكر كما أشار إليه الكرماني سميت بذلك لسوق البضائع إليها وقيل لقيام النَّاس فيها على سوقهم جمع ساق وقيل لتصاكك السوق فيها من الازدحام. قوله: (روينا في كتاب الترمذي الخ) قال المنذري وإسناده حسن متصل ورواته ثقات أثبات وفي أزهر بن سنان خلاف قال ابن عدي وأرجوانه لا بأس به اهـ، ورواه أحمد وابن ماجه ورواه الحاكم في المستدرك من طرق كثيرة كما سيأتي في الأصل ورواه ابن السني وإنما صرح بالترمذي وأبهم غيره لأن اللفظ له وزاد الترمذي في رواية أخرى وبنى الله له بيتاً في الجنة مكان قوله ورفع له ألف ألف درجة وهذه الزيادة عند ابن السني أيضاً كما عزاها لهما في الحصن، قال المنذري في الترغيب ورواه بهذا اللفظ ابن ماجه وابن أبي الدنيا والحاكم وصححه كلهم من رواية عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن جده ورواه الحاكم أيضاً من حديث ابن عمر مرفوعاً وقال صحيح الإسناد كذا قال وفي إسناده مسروق بن المرزبان قال أبو حاتم ليس بالقوي ووثقه غيره اهـ، وقال الترمذي عمرو بن دينار البصري ليس بالقوي في الحديث وقد تفرد عن سالم بن عبد الله بن عمر بأحاديث منها هذا الحديث
بِيَدِهِ الخَيرُ، وَهُوَ عَلَى كُل شَيءٍ قَديرٌ: كَتَبَ اللهُ لَهُ ألْفَ ألْفِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ ألْفَ ألْفِ سَيئَةٍ، وَرَفَعَ لَهُ ألْفَ ألْفِ دَرَجَةٍ" رواه الحاكم أبو عبد الله في "المستدرك
ــ
وحديث من رأى مبتلى فقال: الحمد الله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً عافاه الله من ذلك البلاء كائنا ما كان وقال ابن أبي حاتم سألت أبي عن حديث ابن عمر هذا فقال حديث منكر جداً لا يحتمل سالم هذا الحديث قال الدميري في الديباجة: هكذا هو عند الترمذي والنسائي وابن ماجه ألف ألف حسنة الخ، أي بتكرار لفظ ألف وافراده وعند ابن السني ألفاً ألف أي بتثنية ألف المضاف إلى ألف وإفراد المضاف إلى حسنة وسيئة ودرجة اهـ. قوله:(بيده الخير) أي بقدرته الخير وكذا الشر قال تعالى: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} وإنما لم يقل والشر لأن من أدب الشريعة الشريفة أنه لا يضاف إليه تعالى بالخصوص إلا الجليل، وغيره لا يضاف إليه وحده بل مع غيره فيقال: يا خالق كل شيء يا خالق الإنسان والحيوان والكلاب وهذا محمل قوله في دعاء الافتتاح في الصلاة والشر ليس إليك وسبقت فيه أوجه أخر ثم قضية هذا الخبر أن من لم يقل هذا الذكر عقب دخوله السوق لا يأتي به بعد وفي رواية لصاحب المصابيح في شرح السنة من قال: في سوق جامع يباع فيه بدل قوله: من دخل السوق فقال: وهذه الرواية تقتضي طلب ذلك وهو الأقرب لأن حكمة ترتب هذا الثواب العظيم على هذا الذكر اليسير أنه ذاكر الله تعالى في الغافلين فهو بمنزلة المجاهد مع الفارين ثم إن رفع صوته به كان فيه تذكير أولئك الغافلين حتى يقولوا مثل قوله ففي ذلك القول والنفع المتعدي ما يقتضي ذلك الثواب ثم ظاهر رواية الكتاب وشرح السنة حصول هذا الثواب لقائل هذا
الذكر سراً أو جهراً وما في رواية مما يقتضي التقييد بالثاني لعله لبيان الأفضل، قال في الحرز: وهذا دليل لما اختاره السادة النقشبندية من أكابر الصوفية حيث قالوا: "الخلوة في الجلوة والعزلة في الخلطة والصوفي في كائن بائن غريب قريب"، وغير ذلك من العبارات لهم نفعنا الله بهم ومن تتبع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وعرف أخباره وأحواله وعلم أقواله وأفعاله تبين له أن هذه الطريقة هي التي اختارها صلى الله عليه وسلم بعد البعثة وبعث
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أمته على هذه الحالة: وتبعه أكابر الصحابة دون ما ابتدعه المبتدعة وإن كان مستحسناً في الجملة اهـ، وقال بعض العلماء إنما خص السوق بالذكر لأنه مكان الاشتغال عن الله تعالى وعن ذكره بالتجارة والبيع والشراء فمن ذكر الله تعالى فيه دخل في زمرة من قيل من حقهم رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وجاء أن الأسواق محل الشياطين وإن إبليس باض وفرخ كناية عن ملازمته لها ومن ثم يسن تقديم اليسرى عند دخولها واليمنى عند الخروج منها كالخلاء ثم إنه لم يلازمها إلا على كيفية تقتضي أسوة لأهلها وأنه اختار فيهم ضرب رقه عليهم ولم ينج منه إلا القليل منهم بتوفيقه تعالى لذلك الذكر أو غيره وتلك الكيفية هي أنه نصب كرسيه فيها وركز رايته وبث جنده فيها ليرغبوا أهلها في تحصيل الدنيا على أي وجه كان من تطفيف كيل أو نقص وزن أو إنفاق سلعة بحلف كاذب وتملك بعقد فاسد فهم غافلون ومن نزول العذاب بهم لذلك ليسوا بآمنين إلا من ذكر ربه وآثر قربه فإنه متعرض لرد غضبه هازم للشيطان وجنده متدارك لدفع ما اقتضاه فعلهم داخل في قوله تعالى:{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} فدفع بكلمات هذا الذكر قضايا أفعالهم، فبكلمة التوحيد ذلت قلوبهم الممتلئة بالهوى قال تعالى:{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} وبـ "وحده لا شريك له" ما رسخ فيها من حب المال الحامل على أخذه بغير حقه، وبـ {لَهُ المُلك} ما يسارعون إليه من تملك الأموال بالعقود الفاسدة وبـ {لَهُ اَلحَمْدُ} ما تمالؤوا عليه من عدم الشكر للنعم والتعرض للنقم وبـ (يُحيي وَيُميتُ} غفلتهم عن شؤم حركاتهم المؤدي دوامها إلى موت قلوبهم والرجوع عنها إلى إحيائها وبقوله:"وهو حي لا يموت" ما جهلوه ما يجب له تعالى المؤدي الجهل به إلى كون الجاهل به على مدرجة الهلاك الأبدي وبقوله: "بيده الخير" ما ضيعوه من النظر إليه حتى تحاسدوا وباعوا واشتروا على بيع وشراء بعضهم على بعض ووقعوا في العقود الفاسدة وبقوله: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ما غفلوا عنه من قدرته على أن يحل بهم عذاباً يستأصلهم من آخرهم فظهران الآتي بهذا الذكر
على الصحيحين" من طرق كثيرة، وزاد فيه بعض طرقه: "وَبَنَى لَه بَيتاً في الجنَّةِ" وفيه من الزيادة: قال الراوي: فقدمت خراسان، فأتيتُ قتيبةَ بن مسلم فقلتُ:
ــ
في السوق جدير أن يحصل له ما ذكر في الخبر من ذلك الفضل العظيم. قوله: {وزاد الحاكم فيه} أي في الحديث المذكور (في بعض طرقه وبنى له بيتاً في الجنة) قال في السلاح بعد ذكر الحديث رواه الترمذي وابن ماجه وهذا لفظ الترمذي وزاد في رواية أخرى وبني له بيتاً في الجنة رواه الحاكم من عدة طرق اهـ، وقوله: وبنى له أي بنى الله تعالى بأن يوجد لمن قال هذا الذكر بيتاً أي مكاناً عظيماً في الجنة وفيه إشعار بأن الأذكار في الدنيا تورث بناء القصور وغرس الأشجار في العقبى وإنها مهور الحور ومتجرة المتجر في الجنة وسبق حديث الجنة قيعان وغراسها سبحان الله والحمد لله الحديث. قوله: (وفيه) أي في المستدرك في بعض طرقه كما في السلاح.
قوله: (من الزيادة) أي على ما في رواية الترمذي. قوله: (فقال الراوي) هو محمد بن واسع. قوله: (خراسان) بضم المعجمة وبالراء والسين المهملتين محلة بالعجم. قوله: (وأتيت قتيبة بن مسلم) بضم القاف وفتح الفوقية وسكون التحتية بعدها موحدة وآخره هاء ومسلم بلفظ فاعل الإسلام وهو باهلي كان أمير خراسان وليها عشرين سنة وكان بطلاً شجاعاً هزم الكفار غير مرة وافتتح عدة مدائن ولي خراسان أيام عبد الملك بن مروان من جهة الحجاج الثقفي لأنه كان أمير العراقين وكل من وليهما كانت خراسان مضافة إليه وكان قبلها على الري وولي خراسان بعد يزيد بن المهلب وكان والده مسلم كبير القدر عند يزيد بن معاوية فلما مات الوليد بن عبد الملك سنة ست وتسعين وتولى الأمر أخوه سليمان وكان يكره قتيبة خاف قتيبة على نفسه وخلع بيعة سليمان وخرج عليه وأظهر الخلاف فلم يوافقه على ذلك أكثر النّاس فخرج عليه طائفة من جنده بفرغانة وقتلوه في آخر ذي الحجة سنة ست وتسعين وقيل: سنة سبع وتسعين وفيه يقول جرير:
ندمتم على قتل الأعز بن مسلم
…
وأنتم إذا لقيتم الله أندم
لقد كنتمو في غزوة وغنيمة
…
وأنتم لمن لاقيتم اليوم مغنم
على أنه أفضى إلى حور جنة
…
وتطبق بالبلوى عليكم جهنم
أتيتك بهدية فحدَّثته بالحديث، فكان قتيبة بن مسلم يركب في موكبه حتى يأتيَ السوق فيقولها ثم ينصرف. ورواه الحاكم أيضاً من رواية ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الحاكم: وفي الباب عن جابر، وأبي هريرة، وبريدة الأسلمي، وأنس، قال: وأقربها من شرائط هذا الكتاب حديث بريدة بغير هذا اللفظ.
فرواه بإسناده عن بريدة قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل السوق قال: "بسْم الله، اللَّهُم إني أسألُكَ خَيرَ هَذِهِ السوق وَخَيرَ ما فِيها، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّها وشَرَّ ما فِيهَا، اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ أنْ أُصِيبَ فِيها يَمِيناً فاجِرَةً أوْ صَفْقَةً خَاسِرَةً".
ــ
قوله: (موكبه) بفتح الميم وسكون الواو وكسر الكاف وبالموحدة وفي النهاية الموكب جماعة ركاب يسيرون برفق وهم أيضاً القوم الركوب للزينة والتنزه اهـ، والمراد في أبهته وحشمه. قوله:(فيقولها) أي عقب وصوله (ثم ينصرف) بعد ذلك إذ لا غرض له سوى ذلك وهذا نظير ما سبق عن ابن عمر من أنه كان يدخل السوق ثم يرجع إلى منزله من غير بيع ولا شراء وغرضه أداء السلام وإشاعته. قوله: (وأقربها) أي الطرق لهذا الحديث (من شرائط هذا الباب) أي شرائطه التي بنى عليها الحاكم كتابه المستدرك من الصحة على شرط الشيخين أو أحدهما. قوله: (فرواه) أي روى حديث بريدة الحاكم وكذا روى حديثه ابن السني أيضاً. قوله: (بسم الله) أي أدخلها. قوله: (خير هذه السوق) أي ذاتها أو مكانها. قوله: (وخير ما فيها) أي مما ينتفع به من الأمور الدنيوية ويستعان به على القيام بوظائف العبودية وللوسائل حكم المقاصد. قوله: (شرها) أي في ذاتها أو مكانها لكونه مكان إبليس كما سبق بيانه. قوله: (وشر ما فيها) أي مما يشغل عن ذكر الرب سبحانه أو مخالفة من غش وخيانة أو ارتكاب عقد فاسد وأمثال ذلك. قوله: (يميناً فاجرة) أي حلفاً كاذباً. قوله: (أو صفقة
خاسرة) أي عقداً فيه خسارة دنيوية أو دينية وذكرهما تخصيص بعد تعميم لكونهما أهم ووقوعهما أغلب قال ابن الجزري وقوله: صفقة أي بيعة ومنه ألهاهم الصفق بالأسواق أي التبايع اهـ، وألهاه عن كذا شغله كما في النهاية ومنه ألهاكم التكاثر.