الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أدْخُلَهُ، فَذَكرْتُ غَيْرَتَكَ، فقال عمر رضي الله عنه: بأبي وأمي يا رسول الله، أعليك أغار؟ ".
وفي الحديث الآخر: "يا عمر ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجِّك".
ــ
عند الترمذي قال: فأتيت على قصر مربع مشرف من ذهب الحديث. قوله: (غيرتك) هو بفتح الغين المعجمة مصدر غار الرجل على أهله غيرة وفي شرح الرسالة القشيرية للشيخ زكريا المغيرة هي سقوط الاحتمال وضيق الصدر عن الصبر وهي إن لم تكن في مباح مذمومة ولذا قال صلى الله عليه وسلم "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وإن كانت في مباح فهي ممدوحة ومطلوبة" اهـ. قوله: (بأبي وأمي) أي أنت مفدي بهما. قوله: (أعليك أغار) قال الكرماني (إن قيل) القياس أن يقال: أمنك أو بك أغار عليها (قلت) لفظ عليك ليس متعلقاً بقوله أغار بل معناه مستعلياً عليك أغار عليها مع أن القياس في ذلك ممنوع أي لأن المدار فيه على اتباع الرواية ولا محذور فيه اهـ. وقال الشيخ زكريا في تحفة القاري والحافظ السيوطي في التوشيح زاد عبد العزيز الحربي في فوائده وهل رفعني الله إلا بك وهل هداني إلا بك اهـ. قال ابن العز الحجازي وبكاء عمر محتمل أن يكون سروراً ويحتمل أن يكون تشوقاً وخشوعاً. قوله: (وفي الحديث الآخر) بفتح الخاء المعجمة أي ومن أحاديث الإباحة ما قاله صلى الله عليه وسلم في فضل عمر رضي الله عنه ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك أخرجه البخاري ومسلم من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعاً وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة. قوله: (فجاً) هو بفتح الفاء وتشديد الجيم أي طريقاً واسعاً. قوله: (إلا سلك فجاً غير فجك) قال المصنف هو على ظاهر وأن الشيطان يهرب إذا رآه وقال عياض: هو على ضرب المثل وأن عمر فارق سبل الشيطان وسلك طرق السداد فخالف فجه فج الشيطان "وفي التوشيح للسيوطي".
فائدة
وقع السؤال في هذه الأيام عن هذا الحديث مع حديث تفلت الشيطان على النبي صلى الله عليه وسلم ليقطع صلاته وهو أعظم وأجل وأجيب بأجوبة أقواها إن وقوع هذا التفلت له صلى الله عليه وسلم مرة مع الإمكان من قهره
وفي الحديث الآخر: "افْتَحْ لِعُثْمَانَ وَبَشِّرْهُ بالجَنَّةِ".
وفي الحديث الآخر قال لعلي: "أنْتَ مِنِّي وأنا مِنْكَ".
وفي الحديث الآخر قال لعلي: "أما تَرْضَى أنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ ".
ــ
وأسره لا يقتضي انحطاطاً بل فيه أعظم العلو وهو الإمكان منه مع أن من المعلوم حراسته صلى الله عليه وسلم من الشيطان بل حراسة السماء من الشياطين بسببه من يوم مولده وذلك أبلغ وأعظم من هروب الشيطان من عمر اهـ. قوله: (وفي الحديث الآخر الخ) أي ومن أحاديث الإباحة ما قال صلى الله عليه وسلم: افتح لعثمان قلت الذي عند الترمذي في حديث أبي موسى الأشعري في بعض طريقه أنه لما استأذن عليه صلى الله عليه وسلم في كل من الثلاثة قال افتح له ولعل الشيخ رواه بالمعنى وأحل الاسم الظاهر المراد في محل الضمير الثابت في الرواية أو أنه جاء ذلك في بعض طرقه والله أعلم والحديث سبق الكلام عليه فيما فيه مدح الصديق رضي الله عنه. قوله: (أنت مني وأنا منك) هذا حديث صحيح رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم فقال قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: "أنت مني الخ" أي كل منا متصل بالآخر قرباً وعلماً فمن هذه تسمى الاتصالية.
فائدة
هذا الحديث من مناقب علي رضي الله عنه قال السيوط في التوشيح قال أحمد والنسائي وغيرهما لم يقع في أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر مما جاء في علي وكان السببب في ذلك أنه تأخر ووقع الاختلاف في زمانه وكثر محاربوه والخارجون عليه فكان ذلك سبباً لانتشار مناقبه لكثرة من كان يرويها من الصحابة ردّاً على من خالفه وإلا فالثلاثة لهم من المناقب ما يوازيه ويزيد عليه. قوله: (وفي الحديث الآخر الخ) هو حديث صحيح رواه البخاري ومسلم والترمذي من حديث سعد ابن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف علي بن أبي طالب في غزوة تبوك فقال: يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان فقال: أما ترضى الخ وعند من ذكر في رواية أخرى زيادة في آخره غير أنه لا نبي بعدي. قوله: (أما ترضى الخ) استدل به الرافضة على استحقاق علي للخلافة دون غيره من الصحابة فإن هارون كان خليفة موسى لما ذهب إلى الميقات وأجيب بأنه لم يكن خليفة بعد موته كما تبين بل في حياته وكذا علي فإن سببب قوله ذلك ما ذكره من تخليفه في غزوة تبوك له في أهله وإنما خصه هنا
وفي الحديث الآخر قال لبلال: "سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ في الجَنَّةِ".
وفي الحديث الآخر قال لأُبي بن كعب: "لِيَهْنَأكَ العِلمُ أبا المُنْذِرِ".
ــ
بهذه الخلافة لمكان القرابة فكان استخلافه في الأهل أقوى من غيره ففيه الدليل على فضله بل باقي قرابته صلى الله عليه وسلم.
قوله: (وفي الحديث الآخر قال لبلال الخ) سبق تخريجه فيما ورد في مدح عمر رضي الله عنه وهو عند الشيخين بهذا اللفظ أخرجه البخاري في مناقب بلال معلقاً بصيغة الجزم فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة" وأسنده في باب فضل الطهور بالليل والنهار من حديث
أبي هريرة ولفظه أنه صلى الله عليه وسلم قال لبلال عند صلاة الفجر: "يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام فإني سمعت دف نعليك في الجنة" قال: ما عملت عملاً أرجى عندي من أني لم أتطهر طهراً في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب أن أصلي وهو عند مسلم من حديث أبي هريرة أيضاً كما يؤخذ من جامع الأصول وفي رواية لهما سمعت الليلة حشف نعليك بين يدي في الجنة والحديث من حديث أبي هريرة. قوله: (سمعت) أي في المنام كذا في التوشيح للسيوطي وقال الشيخ زكريا في تحفة القاري لأنه لا يدخلها أحد في اليقظة وإن كان المشهور أنه صلى الله عليه وسلم دخلها ليلة الإسراء يقظة إلا أن بلالاً لم يدخلها اهـ. قوله: (دف نعليك) الدف بفتح الدال المهملة وتشديد الفاء أي تحريكهما وقال آخرون صوت مشيك وهو الحركة أيضاً وفي الحديث فضل بلال واستحباب الصلاة عقب الطهارة وقد جاء عند أحمد ما أحدثت إلا توضأت وصليت فقال صلى الله عليه وسلم بهذا. قوله: (وفي الحديث الآخر) هو حديث صحيح رواه مسلم وأبو داود من حديث أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم" قلت: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] "فضرب في صدري وقال: ليهنك العلم أبا المنذر، وفي رواية أبي داود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبا المنذر أي آية معك من كتاب الله أعظم قلت: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]. قوله: (ليهنك العلم أبا المنذر) قال
وفي الحديث الآخر قال لعبد الله بن سلام: "أنْتَ على الإسلامِ حتى تَمُوتَ".
وفي الحديث الآخر قال للأنصاري: "ضَحِكَ اللهُ عز وجل، أوْ عَجبَ مِنْ فَعالِكُمَا".
وفي الحديث الآخر قال للأنصار:
ــ
المصنف: فيه منقبة عظيمة لأبي المنذر ودليل على كثرة علمه وفيه تبجيل العالم فضلاء أصحابه وتكنيتهم وجواز مدح الإنسان في وجهه إذا كان فيه مصلحة ولم يخف إعجاب أو نحوه لكمال نفسه ورسوخه في التقوى.
قوله: (وفي الحديث الآخر قال لعبد الله بن سلام) هو بفتح السين المهملة وتخفيف اللام سبقت ترجمته والحديث المذكور صحيح رواه الشيخان من حديث قيس بن عبادة وهو حديث طويل فيه منام رآه عبد الله بن سلام وذكره للنبي صلى الله عليه وسلم يعبره له وقال في آخره وتلك العروة عروة الوثقى وأنت على الإسلام حتى تموت وفي رواية لمسلم ولن تزال متمسكاً بها حتى تموت.
قوله: (وفي الحديث الآخر قال للأنصاري رضي الله عنه الخ) سبق تخريجه في كتاب أذكار الطعام في باب من أكرم ضيفه. قوله: (ضحك الله أو عجيب) كنايتان عن الرضا وتقدم فيه في ذلك مزيد كلام. قوله: (من فعالكما) قال في البارع الفعال بالفتح اسم الفعل كالجود والكرم وفي التهذيب الفعال بالفتح فعل الواحد في الخير خاصة يقال هو كريم الفعال وفي يستعمل في الشرر والفعال بالكسر إذا كان الفعل بين اثنين يعني أنه مصدر فاعل كقاتل قتالاً كذا في التوشيح.
قوله: (قال للأنصار الخ) الحديث صحيح رواه البخاري من حديث لأنس والأنصار اسم إسلامي لنصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما كانوا يعرفون بأولاد قيلة وبالأوس والخزرج كما تقدم في أوائل
كتاب الجهاد وفي شرح البخاري لابن النحوي لما وفد النعمان بن بشير مع قومه من الأنصار على معاوية قال للحاجب استأذن للأنصار فقال عمرو بن العاص ما هذا اللقب اخرج فناد من كان هنا من ولد عمرو بن عامر فليدخل فدخل ناس قليل ثم قال: اخرج فناد من كان هنا من أولاد قيلة أو من الأوس والخزرج فليدخل فلم يدخل أحد فقال معاوية: اخرج فقل ليدخل الأنصار فدخلوا يقدمهم النعمان يقول:
يا عمرو لا تعد الدعاء فما لنا
…
نسب نجيب به سوى الأنصار
"أَنتمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إلي".
وفي الحديث الآخر قال لأشج عبد القيس: "إن فيكَ خَصْلَتَينِ يُحِبُّهُما الله تعالى وَرَسُولُهُ: الحُلْمُ وَالأناةُ".
وكل هذه الأحاديث التي أشرت إليها في الصحيح مشهورة، فلهذا لم أُضفها، ونظائر ما ذكرناه من مدحه صلى الله عليه وسلم في الوجه كثيرة. وأما مدح الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والأئمة الذين يقتدى بهم رضي الله عنهم أجمعين فأكثر من أن تحصر، والله أعلم.
قال أبو حامد الغزالي في آخر "كتاب الزكاة" من "الإحياء": إذا تصدَّق إنسان بصدقة، فينبغي للآخذ منه أن ينظر، فإن كان الدافع ممن يحب الشكر عليها ونشرها فينبغي للآخذ أن يخفيَها لأن قضاء حقه أن لا ينصره على الظلم، وطلبه الشكر ظلم، وإن
ــ
نسب تخيره الإله لصحبه
…
اثقل به نسباً على الكفار
إن الذي يغزو ببدر منكمو
…
يوم القليب همو وقود النار
ذكره أبو الفرج الأموي اهـ. قوله: (أنتم من أحب النّاس إلي) كرر ذلك مرتين في حديث أنس قال الشيخ زكريا هو حكم على المجموع أي مجموعكم أحب إلي من مجموع غيركم فلا ينافي قوله في جواب من قال له من أحب النّاس إليك قال أبو بكر اهـ.
قوله: (وفي الحديث الآخر قال لأشج عبد القيس) هو حديث صحيح مروي في الصحيحين من حديث ابن عباس وأشج عبد القيس اسمه المنذر بن عائذ بالذال المعجمة القصري هذا هو الصحيح الذي قاله ابن عبد البر والأكثرون أو الكثيرون وقال الكلبي المنذر بن الحارث بن زياد بن عصر بن عوف وقيل اسمه المنذر بن عامر وقيل المنذر بن عبيد وقيل اسمه عائذ بن المنذر وقيل عبد الله بن عوف كذا في شرح مسلم للمصنف. قوله: (الحلم) هو العقل (والأناة) قال في القاموس الأناة كقناة الحلم والوقار وقال المصنف هو التثبت وترك العجلة وهي مقصورة. قوله: (فينبغي للآخذ أن يخفيها) أي معاملة له بنقيض قصده لينصره على نفسه من ظلمها له وطلبها ما فيه هلاكه من الظلم.
قوله: (وإن
علم من حاله أنه لا يحب الشكر ولا يقصده فينبغي أن يشكرَه ويظهر صدقته. وقال سفيان الثوري رحمه الله: من عرف نفسه لم يضره مدح النّاس. قال أبو حامد الغزالي بعد أن ذكر ما سبق في أول الباب:
فدقائق هذه المعاني ينبغي أن يلحظها من يراعي قلبه، فإن أعمال الجوارح مع إهمال هذه الدقائق ضحكة للشيطان لكثرة التعب وقلة النفع، ومثل هذا العلم هذا الذي يقال: إن تعلُّمَ مسألةٍ منه أفضلُ من عبادة سنة،
ــ
علم من حاله أنه لا يحب الشكر الخ) أي وذلك لحديث لا يشكر الله من لا يشكر النّاس وخرج من عمومه القسم الأول لما ذكر فيه. قوله: (من عرف نفسه الخ) أي من نور الله بصيرته فعرفه
نفسه وأوصافها من الذلة والفقر والضعف والعجز لم يضره مدح النّاس فيوقعه في إعجاب ونحوه لأنه يعلم أنه عاجز ضعيف لا يقدر على جلب محمدة ولا رفع مذمة وإن ما أثنى به عليه من الله فضلاً ومنه فيكون سبباً لزيادة رجوعه إلى ربه وخروجه عن نفسه والله أعلم. قوله: (فدقائق هذه المعاني) أي خشية العجب والفتنة والسلامة من ذلك ينبغي للمادح أن يتأمل فيها وينظر بعين بصيرته حال الممدوح فيها فيعامله بما يليق به. قوله: (ومثل هذا العلم هو الذي يقال الخ)"قال الأستاذ الكبير أبو الحسن الشاذلي" من لم يدخل في طريقنا هذه مات وهو مصر على الكبائر لأن القوم رضي الله عنهم لما رزقهم الله من نور اليقين عرفوا معايب النفس وغرورها فاحترزوا من ذلك وأخذوا أنفسهم بالجد والإخلاص في الطاعة ففازوا بما فازوا به نفع الله بهم.
قال عمي الشيخ العارف بالله تعالى أحمد بن علان البكري الصديقي النقشبندي سلمه الله تعالى: ليس هذا الكلام من الشيخ أبي الحسن على سبيل المبالغة بل هو على حقيقته لأن من لم يهذب نفسه بما ذكروه لا يؤمن عليه أن يطرقه العجب في عمله ويخشى عليه الهلاك بذلك قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاث منجيات وثلاث مهلكات" إلى أن قال وأما المهلكات فهوى متبع وشح مطاع وإعجاب المرء بنفسه وهي أشدهن، ثم قال العم: فيا أخي فأي عامل يعمل ويسلم من العجب الذي هو من المهلكات بل هو أشدهن إلا من عصمه الله ومن