الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب عرض الرجل بنته وغيرها ممن إليه تزويجها على أهل الفضل والخير ليتزوجوها
روينا في "صحيح البخاري" أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما توفي زوجُ بنتِه حفصةَ رضي الله عنهما قال: لقيتُ عثمان فعرضتُ عليه حفصةَ فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فقال:
ــ
باب عرض الرجل ابنته وغيرها
أي من باقي مولياته ونص على البنت لأنها مورد النص والغير مقاس عليها قياساً مساوياً والمراد جواز عرض الرجل موليته ممن إليه تزويجها (على أهل الخير) أي الدين (والفضل) أي العلم ليتزوجوها ولا نقص عليه في ذلك. قوله: (روينا في صحيح البخاري) قال في جامع الأصول وكذا أخرجه النسائي كلاهما من حديث ابن عمر وأشار إلى اختلاف في بعض ألفاظه بين راوييه وقال ابن النحوي في شرح البخاري حديث ابن عمر المذكور ذكره الحميدي وأبو مسعود في مسند أبي بكر انفرد به معمر عن الزهري من قول أبي بكر لأني علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها وذكره خلف وابن عساكر في مسند عمر لقوله: خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه ولما أخرجه الطرقي في مسند أبي بكر قال: قد أخرجت الأئمة أصحاب المسانيد هذا الحديث من عهد أحمد بن حنبل إلى زماننا في مسنده لقوله السالف إنه ذكرها اهـ. قوله: (لما توفي زوج ابنته حفصة) هو خنيس بضم الخاء المعجمة وفتح النون وسكون التحتية بعدها مهملة وقيل بفتح المعجمة وكسر النون وكان معمر بن رشد يقول: حبيش بحاء مهملة فموحدة مكسورة آخره معجمة قال الجياني روى أن معمراً كان يصحف في هذا الاسم فرد عليه خنيس فقال: لا بل هو حبيش وقد اختلف على عبد الرزاق عن معمر فروى عنه خنيس بالسين المهملة على الصواب وروى عنه خنيس أو حبيش على الشك وذكره
البخاري وجماعات على الصواب بالخاء
سأنظر في أمري، فلبثت ليالي ثم لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوَّج يومي هذا، قال عمر: فلقيتُ أبا بكر الصديق رضي الله عنه، فقلت: إن شئت أنكحتُك حفصةَ بنتَ عمر، فصمت أبو بكر رضي الله عنه
…
وذكر تمام الحديث.
ــ
المعجمة والسين المهملة وهو ابن حذافة السهمي توفي عنها
بالمدينة من جراحة أصابته ببدر وقيل غير ذلك ذكره ابن النحوي في شرح البخاري. قوله: (فقال سأنظر الخ) فيه أن من عرض عليه ما فيه الرغبة فله النظر والاختيار وعليه أن يخبر بعد بما عنده لئلا يمنعها من غيره لقول عثمان بعد ليالي قد بدا لي ألا أتزوج يومي هذا وفيه الاعتذار اقتداء بعثمان في مقالته هذه وفي بعض الروايات أن عمر شكا عثمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: "ينكح حفصة خير من عثمان وينكح عثمان خيراً من حفصة" فكان كذلك.
فائدة
النظر إذا استعمل بقي فهو بمعنى التفكر وباللام بمعنى الرأفة وبألى بمعنى الرؤية وبدون الصلة بمعنى الانتظار نحو انظرونا نقتبس من نوركم كما تقدم نقله عن الكرماني في أوائل الكتاب. قوله: (فصمت) هو بفتح الصاد المهملة والميم. قوله: (وذكر تمام الحديث) هو قوله فلم يرجع إلي شيئاً فكنت عليه أوجد مني على عثمان فلبثت ليالي ثم خطبها صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت على حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئاً فقلت: نعم فقال: إنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أني كنت علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم لقبلتها قال ابن النحوي: سبب كونه أوجد على الصديق منه على عثمان أن الصديق لم يرد عليه الجواب بل تركه على الترقب ولأنه أخصص بعمر منه بعثمان لأنه صلى الله عليه وسلم آخى بينهما فكانت موجدته عليه أكثر لثقته به وإخلاصه له وفي الحديث كتمان السر فإن أظهره الله أو أظهره صاحبه جاز للذي أسر إليه إظهاره ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم لما تزوجها أعلم أبو بكر عمر بما كان أسر إليه منه وكذلك فعلته فاطمة في مرضه صلى الله عليه وسلم حين أسر إليها أنه يموت في مرضه ذلك وأنها أول أهل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بيته لحاقاً به فكتمته حتى توفي وأسر عليه السلام إلى حفصة تحريم مارية فأخبرت حفصة عائشة بذلك ولم يكن الشارع أظهره فذم الله تعالى فعل حفصة وقبول عائشة لذلك فقال: "إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما" أي مالت وعدلت عن الحق وفي قول أبي بكر لعمر لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة لعلك وجدت علي دليل على أن الرجل إذا أتى إلى أخيه ما لا يصلح أن يؤتي إليه من سوء المعاشرة أن يعتذر إليه ويعترف وأن الرجل إذا وجب عليه الاعتذار من شيء وطمع في شيء تقوى به حجته أن يؤخر ذلك حتى يظفر ببغيته ليكون أبرأ له عند من يعتذر إليه، وفي قول عمر له نعم دليل على أن الإنسان يخبر بالحق عن نفسه وإن كان عليه في ذلك شيء والمعنى الذي أسر لأبي بكر عن عمر ما أخبر به الشارع هو أنه خشي أبو بكر أن يذكر ذلك لعمر ثم يبدو لرسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا يتزوج فيقع في قلبه منه) مثل ما وقع في قلبه من الصديق أي يحصل له انكسار خاطر وتعب نفس من إعراضه صلى الله عليه وسلم عن تزوج ابنته لأنه قد يجد في ذلك صلى الله عليه وسلم كما لا يخفى وفي قول الصديق لعمر: علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها دلالة على أنه يجوز للرجل أن يذكر لأصحابه ولمن يثق به أنه يخطب
المرأة قبل أن يظهر خطبتها وفيه أن الصديق لا يخطب امرأة علم أن صديقه يذكرها لنفسه وإن كان لم يركن إليه لما يخاف من القطيعة بينهما ولم تخف القطيعة بين غير الإخوان لأن الاتصال بينهما ضعيف غير اتصال الصداقة في الله وفي قول الصديق لو تركها تزوجتها دليل على أن الخطبة إنما تجوز بعد أن يتركها الخاطب وفيه الرخصة بتزويج من عرض صلى الله عليه وسلم فيها بخطبته أو أراد تزوجها ألا ترى قول الصديق ولو تركها لقبلتها وقد جاء في خبر آخر الرخصة في نكاح من عقد صلى الله عليه وسلم عليها ولم يدخل بها وأن الصديق كرهه ورخصه فيه عمر اهـ ملخصاً والله أعلم.