الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومحيط مادي "تكتيكي" وسلاحي..
إعداد معنوي
…
الإعداد الروحي:
مهما ارتقى السلاح وتفننت مظاهره وقوي أثره واشتدت هيبته، فإن الإنسان الذي يصنع هذا السلاح والذي يوجه هذا الخطر والذي يدفع هذه القوة، له المكانة الكبرى بل والأولى في المعركة، ذلك لأن فيه القوة المعنوية الصامدة، وفيه العقل الواعي المخطط، المنظم، وفيه اليد الفاعلة الموجهة المنفذة، فإذا كان هذا الإنسان الذي يحمل السلاح يعيش في جهل فكري وروحي وفي تلبد ذهني وفي ضلال تربوي فماذا يفعل السلاح، وإذا كان الإنسان جبانًا يهاب المنايا فما الذي تفيده القوة التي يمتلكها، وإذا كان لا يعلم كيف يستعمل السلاح فماذا تغنيه الأسلحة.. ومن هنا نشأت أهمية إعداد الجندي.. الإنسان الذي يحمل السلاح بيده، ويخطط للمعركة بذهنه، ويثبت في ساحة الشرف إيمانًا بما عند الله من جزاء وثواب..
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهتم بالمقاتلين ويتولاهم بالإعداد المستمر والتهيئة الكاملة لخوض معارك الجهاد في كل حين ومهما كانت الظروف عصيبة شديدة..
وللإعداد الروحي مظاهر أهمها غرس الفضائل النفسية كالشجاعة والإقدام والتقوى وطاعة القائد..
1-
الشجاعة والإقدام:
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يربي رجاله على الشجاعة والإقدام وكان هو صلى الله عليه وسلم أشجع الناس وأجود الناس، يروي أنس رضي الله عنه قال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس. ولقد فزع أهل المدينة فكان النبي صلى الله عليه وسلم أسبقهم على فرس وقال وجدناه بحرًا"1.
وروي أن عمرو بن ميمون الأودي قال: "كان سعد يعلم بنيه2 هؤلاء
1 البحر: واسع الجري فتح الباري: 6/ 35.
2 ذكر محمد بن سعد في الطبقات أولاد سعد فذكر من الذكور أربعة عشر نفسًا، ومن الإناث سبع عشرة "فتح الباري: 6/ 36".
الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ منهن دبر الصلاة: "اللهم إني أعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر"1.
وروي أن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل 2 والجبن والهرم وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات وأعوذ بك من عذاب القبر".
قال الله تبارك وتعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 3..
وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 4.
وفي أول عهد الإسلام كان لزامًا على المسلم أن يثبت أمام عشرة من الأعداء، ثم خفف الحكم فأصبح على المسلم أن يثبت أمام اثنين، وعلى هذا المعنى يدل قول الله تبارك وتعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ} 6، {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} 7.
وقال سبحانه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا
1 المصدر السابق.
2 الفرق بين العجز والكسل: إن الكسل ترك الشيء مع القدرة على الأخذ في عمله، والعجز عدم القدرة.
3 آل عمران: 139.
4 سورة الأنفال: 45.
5 سورة الأنفال: 15-16.
6، 7 سورة الأنفال: 65-66.
مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} 1.
وقد عقد الإمام البخاري في صحيحه بابًا سماه "باب البيعة في الحرب أن لا يفروا وقال بعضهم: على الموت" وذكر فيه عددًا من الأحاديث التي تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ البيعة من الصحابة على الثبات في الجهاد، منها حديث نافع عن ابن عمر قال:"رجعنا من العام المقبل، فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها. كانت رحمة من الله، فسألنا نافعًا على أي شيء بايعهم، على الموت؟ قال: لا بل بايعهم على الصبر"2.
وحديث سلمة رضي الله عنه قال: "بايعت النبي صلى الله عليه وسلم ثم عدلت إلى ظل شجرة، فلما خف الناس قال: يابن الأكوع ألا تبايع؟ قال: قلت: قد بايعت يا رسول الله، قال: وأيضًا. فبايعته الثانية، فقلت له، يا أبا مسلم، على أي شيء كنتم تبايعون يومئذ؟ قال على الموت"3.
وحديث شعبة عن حميد قال: سمعت أنسًا رضي الله عنه يقول: كان الأنصار يوم الخندق تقول:
نحن الذين بايعوا محمدًا
…
على الجهاد ما حيينا أبدًا
فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فأكرم الأنصار والمهاجرة"4.
وكان الخلفاء الراشدون يعقدون الألوية للأمراء ويوصونهم بالصبر والثبات ولزوم الحق والشجاعة. وها هو ذا عمر ابن الخطاب يوصي القادة وهو يعقد اللواء:
"بسم الله، وعلى عون الله، امضوا بتأييد الله، وما النصر إلا من عند الله ولزوم الحق والصبر، فقاتلوا في سبيل الله من كفر بالله، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، ولا تجبنوا عند اللقاء، ولا تمثلوا عند القدرة، ولا تسرفوا عند
1 سورة آل عمران: 142.
2 فتح الباري بصحيح البخاري: 6/ 117.
3 المصدر السابق.
4 فتح الباري: 6/ 117.
الظهور، ولا تقتلوا هرمًا ولا امرأة ولا وليدًا"1.
وكان للجيش الإسلامي نداءات خاصة، يصدرها القادة للجند، فكانوا إذا تهيئوا للقتال نادى القادة:"النفير، النفير" وهي علامة الاستعداد للهجوم. وإذا أرادوا ركوب الخيل نادوا "الخيل..الخيل" وإذا أرادوا أن يترجلوا نادوا "الأرض الأرض".
والنداء الغالب الذي يبعث في النفس الحماس والإقدام هو نداء "الله أكبر، الله أكبر" وكان الزبير بن العوام يقول وهو مقدم على القتال: "إني أهب نفسي لله وأرجو أن يفتح الله بذلك على المسلمين"2.
وقال سعد بن أبي وقاص لرجاله:
"إذا سمعتم التكبير فشدوا شسوع نعالكم، فإذا كبرت الثانية فتهيئوا، فإذا كبرت الثالثة فشدوا النواجز على الأضراس واحملوا"3.
2-
التقوى:
كانت التقوى طابعًا مميزًا للجيش الإسلامي ولا غرو ففيها تسمو النفس وتترفع عن الصغائر وتتعالى عن المطالب القريبة، وبها تزداد العزيمة وتقوى الشكيمة وتشتد الإرادة، وتلتهب الحماسة. وهي الطريق الممهد للسعادة القلبية، والرباط المتين بين الجندي في ساحة الشرف وبين الله رب العباد الذي بيده النصر يهبه لمن يشاء، ولا يضيع أجر المحسنين.
وكان صلى الله عليه وسلم: "إذا أمَّر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا"4.
وقد بعث أبو بكر -رضي الله تعالى عنه- إلى خالد بن الوليد سيف الله المسلول على الأعداء رسالة توصية يقول فيها:
1 فن إدارة المعركة في الحروب الإسلامية: ص25.
2 المصدر السابق: ص26.
3 نفس المصدر: ص27.
4 انظر صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير: 3/ 1357.
"يا خالد عليك بتقوى الله وإيثاره على من سواه، والجهاد في سبيله والرفق بمن معك من رعيتك، فإن معك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل السابقة من المهاجرين والأنصار، فشاورهم فيما نزل بك، ثم لا تخالفهم"1.
ولعل أوضح ما يصور حرص المسلمين على نقاوة الجيش وطهارته، وإيمانهم بأن الصلة وثيقة بين تقوى الله والنصر على الأعداء، رسالة ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص.. جاء فيها: "أما بعد يا سعد فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو وأقوى المكيدة في الحرب وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسًا من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم يكن لنا بهم قوة، لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم، فإذا استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا، فاعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم، ولا تعملوا بمعاصي الله، وأنتم في سبيل الله، واسألوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه العون على عدوكم، أسأل الله تعالى ذلك لنا ولكم.
وترفق بالمسلمين في سيرهم ولا تجشمهم سيرًا يتعبهم، ولا تقصر بهم عن منزل يرفق بهم حتى يبلغوا عدوهم، والسفر لم ينقص قوتهم فإنهم سائرون إلى عدو مقيم حامي الأنفس والكراع.. وأقم بمن معك في كل جمعة يومًا وليلة حى تكون لهم راحة يحيون بها أنفسهم ويرمون أسلحتهم وأمتعتهم، ونح منازلهم عن قرى أهل الصلح فلا يدخلها من أصحابك إلا من تثق بدينه"2.
وللتقوى مظاهر، أهمها: الصلاة، والتوجه إلى الله بالدعاء.
أ- الصلاة في الحرب:
إن من الأسباب النفسية التي تؤثر في الدفع نحو النصر اللجوء إلى الله بالصلاة والاستعانة بالصبر فالصلاة واحة المؤمن وراحة باله، بها يجد الأنس
1 فن إدارة المعركة في الحروب الإسلامية للأستاذ محمد فرج: ص29.
2 فن المعركة، من سلسلة البحوث الإسلامية: ص32.
واللذة الروحية التي تفوق كل لذة وكل أنس، وبواسطتها يستمد العون من الله تبارك وتعالى القائل:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَاّ عَلَى الْخَاشِعِينَ، الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} 1.
والصلاة في الحرب اسمها صلاة الخوف ولها صفتان:
الصفة الأولى: في حالة اشتداد الخوف وازدياد الوطأة على المسلمين بحيث لا يتمكنون من أدائها على صفتها العادية جماعة، فيصلونها كيفما كانوا وحيثما كانوا متجهين أو غير متجهين على الراحلة أو مترجلين قائمين أو قاعدين بالجسم أو بالطرف.
والصفة الثانية: في حالة المرابطة، وتؤدى جماعة على النحو الآتي:
يقسم المقاتلون إلى قسمين، قسم يبقى مواجهًا للعدو، وقسم يصلي مع الإمام نصف الصلاة الأول، فإذا كانت الصلاة ركعتين يبقى الإمام قائمًا إثر الركعة الأولى ويتم الذين صلوا معه لأنفسهم الركعة الثانية ثم ينصرفون ليحلوا محل إخوانهم في مواجهة العدو وتجيء الطائفة الأخرى فيصلي بهم الإمام الركعة الباقية، ثم يثبت في مكانه وتتم هذه الطائفة الركعة الثانية بحيث يسلم بها الإمام.
أما إذا كانت الصلاة ثلاثية أو رباعية فالفاصل بين الطائفة الأولى والثانية يكون عند التشهد.
قال الله تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا، فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ
1 سورة البقرة: 45-46.
فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} 1.
ب- التوجه إلى الله تعالى والإكثار من الدعاء:
ومن آداب المؤمنين في الحرب كثرة توجههم إلى الله تعالى، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الدعاء ويقول:"اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أجول وبك أصول وبك أقاتل"2.
وفي وسط المعركة يتوجه إلى الله تعالى بالدعاء طالبًا النصر والعون: "اللهم منزل الكتاب مجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم"3.
وإذا رجع من المعركة يقول: "الله أكبر "ثلاثًا" آيبون إن شاء الله تائبون عابدون حامدون لربنا ساجدون، صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده"4.
وقد اعتاد بعض الصحابة أن يقصدوا المسجد إثر الإياب من الجهاد قبل الدخول إلى بيوتهم حيث يصلون ركعتين5 شكرًا لله تبارك وتعالى على ما ولاهم من نعمة الجهاد واتباعًا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان يصلي في المسجد ركعتين إثر قدومه من السفر6.
3-
توطيد العلاقة بين القائد والجنود:
لقد حرص الإسلام على وجود صلة دائمة بين القائد وأفراد الجيش، وهذه الصلة تقوم أساسًا على الاحترام المتبادل والتقدير. ومن أهم مسئوليات القائد المحافظة على سلامة الجند، وألا يحملهم من الأمر ما ينوء به كاهلهم وألا يكلفهم ما لا يطيقون، وألا يجعل بينه وبينهم حاجزًا بل ينبغي أن يتصل بهم ويتقرب إليهم، ويأخذ رأيهم في دراسة الخطط الحربية وأن يتصرف بحكمة في
1 النساء الآية: 102-103.
2 سنن أبي داود: 2/ 40.
3 فتح الباري: 6/ 156 باب لا تمنوا لقاء العدو، صحيح مسلم: 3/ 1363.
4 فتح الباري: 6/ 192.
5 طبقات ابن سعد: 2/ 192، فتح الباري: 6/ 193.
6 فتح الباري: 6/ 193.
كل الأمور التي تتصل بهم.. وهو بهذا الفعل يحوز على ثقتهم فيلتزم الجنود بقراراته، ويندفعون وراءه وهم مطمئنون إلى حكمته وقدرته.
والجنود ملزمون بالولاء لقائدهم فيستجيبون له ويطيعونه، ويعملون وفق رأيه، وينفذون أوامره كاملة لا يخالفونه ولا ينشقون عنه وهم بهذا الولاء يكونون موضع ثقته1.
وطاعة الجنود للقائد مبدأ عسكري أساسي، به ينتظم مسار المعركة، وعليه تتوقف النتائج المهمة والحاسمة في تحديد دلائل النصر..
ولهذا فقد أشار الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديثه إلى التزام السمع والطاعة. فقال صلى الله عليه وسلم: "السمع والطاعة حق، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة"2.
وقال عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله. ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني. وإنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به فإن أمر بتقوى الله وعدل فإن له بذلك أجرًا، وإن قال بغيره فإن عليه منه" 3 ولقد جاء في بيعة الأنصار ليلة العقبة: "على السمع والطاعة في اليسر والعسر والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا وعلى أن لا ننازع الأمر أهله وعلى أن نقول الحق أينما كنا. لا نخاف في الله لومة لائم"4. وقال عليه الصلاة والسلام: "من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له" 5.
وقد تعلم المسلمون من معركة أحد درسًا لا ينسى، لقد أدركوا تمامًا أن ميزان المعركة يختل اختلالًَا كاملًا إذا تهاونوا في تنفيذ أمر القائد، أو شغلهم
1 فن المعركة: ص86.
2 فتح الباري: 6/ 115.
3 فتح الباري: 6/ 116.
4 صحيح مسلم: 3/ 1470.
5 صحيح مسلم: 3/ 1478.
شاغل عن التنفيذ الحرفي لمطالب القيادة، فقد ذاقوا مرارة الهزيمة بسبب مخالفتهم لأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم ولم تكن تلك المخالفة متعمدة، كلا وإنما تسرعوا في تقدير النتيجة، وقطاف الثمرة قبل أوان نضجها، حيث صف الرماة على جبل وأمَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم عبد الله بن جبير وأصدر لهم أمره:"إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم وإن رأيتمونا هزمنا القوم، وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم"1.
وقاتل المسلمون بحماسة وشجاعة وبأس وإقدام حتى إذا ما استبان انهزام المشركين من ميدان القتال تاركين المتاع والغنائم نزل الرماة عن أمكانهم ظانين أن الهزيمة القاضية قد اجتاحت صفوف المشركين، ولن تقوم لهم بعد الآن قائمة وبهذا النزول ترك الرماة أماكنهم خالية، بينما ظهور المسلمين غير محاطة بقوة عسكرية والثغور مفتوحة قريبة المنال سهلة العبور أمام العدو المتربص وكان لخسارة المسلمين في هذه المعركة أثر كبير في نفوسهم ودرس بالغ في ضمائرهم حيث غرست فيهم وجوب الالتزام بأوامر القائد وتنفيذها بحذافيرها.
ولقد تلقى خالد بن الوليد رضي الله عنه نبأ عزله عن قيادة الجيش من الخليفة عمر -نضر الله وجهه- بروح إسلامية عالية وإيمان عميق. كان ذلك في معركة اليرموك، وكان القتال على أشده، فلم يشأ أن يعلن هذا النبأ على الملأ بل صبر حتى انتصر المسلمون، ثم دعا أبا عبيدة ابن الجراح وسلمه القيادة تنفيذًا لأمر الخليفة، ثم قال لحامل البريد الذي جاءه بأمر العزل:
"بلغ أمير المؤمنين أن من حقه أن يعزلني عن القيادة، ولكنه لا يملك أن يجردني من سيفي فسأظل حاملًا هذا السيف في خدمة أمتي"2.
وعاش خالد جنديًّا بسيطًا تحت إمرة أبي عبيدة يتلقى منه الأوامر وينفذها.. وحاول بعض الذين يثيرون الخصومات في صفوف الأمة أن يثيروا خالدًا حتى يمتنع عن الامتثال لأمر الخليفة، ولكن إيمانه كان أكبر من أن يجعله يواجه الخليفة في حق يملكه، وأن يخالفه في وقت يواجه فيه المسلمون
1 فتح الباري: 6/ 162.
2 تاريخ الطبري: 2/ 27.
أعداءهم. وبقي خالد جنديًّا توجهه قوة الإيمان التي تسمو بصاحبها إلى آفاق علوية لا يحسب فيها حسابًا للمناصب ولا للاعتبارات الدنيوية ولا يعرف فيها الغل ولا الضغينة إنه الإيمان وإنه الإسلام الخالد الذي لا يزول..
4-
التوكل على الله والثقة بالنفس:
يأتي في مقدمة العوامل التي يترتب عليها نجاح المعركة "التوكل على الله والثقة بالنفس" ولذلك حرص الإسلام الحرص كله على غرس هذا المبدأ في نفوس الجنود.
والإنسان المتوكل على الله تعالى الواثق بنفسه يملك طاقة روحية لا نفاذ لها، يستطيع أن يوجهها إلى نصرة الحق والدفاع عنه، وهي دون شك أمضى من الأسلحة المادية وهي الضمان الأكيد لنيل النصر، ولذلك فإن الإعداد الروحي في الإسلام يسير جنبًا إلى جنب مع الإعداد المادي.
والمسلمون لم يخوضوا معركة ولم يواجهوا أعداء إلا من أجل إحقاق الحق وإزهاق الباطل، وكم لاقوا في سبيل ذلك من مشقات وكم قامت في طريقهم من عقبات فلم يلينوا ولم تنفذ طاقتهم الروحية ولم يفقدوا الثقة بالنفس.
قال الله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} 1.
وقال جل من قائل: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 2.
وقال عز من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 3.
وتحدثنا كتب السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر استقبل القبلة واتجه بكل قواه النفسية والروحية إلى الله العلي الأعلى، وجعل ينشده ما وعده وأخذ يردد:
1 من سورة الأحزاب: 23.
2 من سورة آل عمران: 139.
3 من سورة آل عمران: 200.
4-
التوكل على الله والثقة بالنفس:
يأتي في مقدمة العوامل التي يترتب عليها نجاح المعركة "التوكل على الله والثقة بالنفس" ولذلك حرص الإسلام الحرص كله على غرس هذا المبدأ في نفوس الجنود.
والإنسان المتوكل على الله تعالى الواثق بنفسه يملك طاقة روحية لا نفاذ لها، يستطيع أن يوجهها إلى نصرة الحق والدفاع عنه، وهي دون شك أمضى من الأسلحة المادية وهي الضمان الأكيد لنيل النصر، ولذلك فإن الإعداد الروحي في الإسلام يسير جنبًا إلى جنب مع الإعداد المادي.
والمسلمون لم يخوضوا معركة ولم يواجهوا أعداء إلا من أجل إحقاق الحق وإزهاق الباطل، وكم لاقوا في سبيل ذلك من مشقات وكم قامت في طريقهم من عقبات فلم يلينوا ولم تنفذ طاقتهم الروحية ولم يفقدوا الثقة بالنفس.
قال الله تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} 1.
وقال جل من قائل: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 2.
وقال عز من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 3.
وتحدثنا كتب السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر استقبل القبلة واتجه بكل قواه النفسية والروحية إلى الله العلي الأعلى، وجعل ينشده ما وعده وأخذ يردد:
1 من سورة الأحزاب: 23.
2 من سورة آل عمران: 139.
3 من سورة آل عمران: 200.