الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقطارهم تحت قيادة موحدة، من هذه الأدلة قوله صلى الله عليه وسلم:"يد الله مع الجماعة"، "من فارق الجماعة فاقتلوه" قول الله تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} 1.
1 سورة الحجرات: 9.
واجب المسلمين لتحقيق التضامن الإسلامي:
لقد أدرك العالم الإسلامي أن السبب في تخلفه عن ركب التقدم الحضاري، والعلم "التكنولوجي"، إنما يرجع إلى الاستعمار الذي امتص القوى الوطنية، والأنشطة العقلية، والطاقات الجسمية التي كانت تعمل بدأب وإخلاص في سبيل استقلال البلاد، هذا الاستعمار الذي خيم بثقله وقسوته وجبروته على الوطن الإسلامي أمدا طويلا، استغل فيها خيرات البلاد واستخدمها في سبيل نهضته الحديثة وتقدمه الصناعي وعمرانه الشاهق ومصانعه المشادة.. وإذا كان المستعمر قد أدخل بعض التحسينات على الجوانب العمرانية في البلاد المستعمرة فقد قصرها على المدن التي يسكنها هو نفسه.
وقد أدرك العالم الإسلامي أيضا الجهود الشيوعية المكثفة التي عملت منذ ظهور ثورتها على إقامة دولة إسرائيل في فلسطين "قلب الوطن الإسلامي". ففي أكتوبر عام 1917م أي في نفس الشهر الذي وقع فيه الانقلاب الشيوعي أعلنت الحكومة السوفيتية تأييدها لإقامة ما سموه "حق اليهود في فلسطين" وقد سبق وعدهم هذا وعد بلفور1 وهناك منافع متبادلة بين السوفييت والصهيونية تظهر بوضع الخطط وفي تنفيذها رويدا رويدا ضد فلسطين والعرب والمسلمين، وفي تقدير السوفييت أن انتشار الماركسية في البلاد العربية معناه زوال "سور التفاهم" بين اليهود والعرب، وهم يضعون مسئولية سوء التفاهم هذا على عاتق "الرجعية" العربية التي ترفض أنصاف الحلول فيما يتعلق بالحق الإسلامي والعربي في فلسطين وغيرها.
"فالرجعية العربية تحول دون وحدة "القوى التقدمية" في منطقة الشرق
1 التضامن الإسلامي للأستاذ محيي الدين القابسي: ص110.
الأوسط، والقوى التقدمية في تعريف السوفييت هي القوى الماركسية بصرف النظر عن قوميتها "عربية أو يهودية" والدعوة القومية هي -في نظرها- دعوة بورجوازية تعذيها الإمبريالية، والدعوة الدينية هي دعة رجعية، ومتى زالت هذه "الأفكار" أمكن لليهود كما يصرح السوفييت علنا أن يعيشوا بسلام على الأرض المغتصبة في ظل الوطن الأم للاشتراكية العالمية الماركسية اللينينية"1.
وإزاء هذا الواقع الذي لا يخفى على أحد لا بد من توحيد كلمة المسلمين وجمع أفكارهم وقلوبهم على الدين، ففيه وحده نستطيع أن نرجع كما كنا أمة عزيزة بدينها قوية بتأييد الله لها، مستبشرة بنصر الله.
والمسلمون أفرادا وشعوبا مدعوون لإيجاد الأسباب التي من شأنها أن تحقق التضامن الإسلامي، ولعل هذه الأسباب تنحصر في دائرتين الدائرة الأولى: عمل من داخل الجماعات الإسلامية ليبث الوعي الديني ويوقد جذوة الإيمان في القلوب ويبعث القوة في العزائم.
الدائرة الثانية: عمل من قادة المسلمين لاستقطاب وحدة الصف الإسلامي وتعزيز قوة ترهب عدو الله وتقف في وجه البغي والعدوان.
أما العمل الداخلي فيتجلى في الدعوة إلى الإصلاح، إصلاح نفسي ذاتي من داخل الفرد وأعماقه، وإبعاده عن كل ما يورث الخمول والدعة والركون إلى متاع الحياة الدنيا وزينتها. وإصلاح في علاقة المؤمن مع أخيه المؤمن ليشاركه أفراحه وآماله وأتراحه وآلامه وقد تصحح مفهومه نحو العبادة التي كادت تتحول إلى عادات خالية من معنى الخشوع والخضوع لله تعالى، والعمل على توسيع مدلولها، لتشمل كل نشاط إنساني، مهما كانت صبغة هذا النشاط، ومهما كان شأنه.
يقول الأستاذ سيد قطب: "جعل بعض الناس يفهمون أنهم يملكون أن يكونوا مسلمين إذا هم أعدوا نشاط العبادات وفق أحكام الإسلام بينما هم يزاولون كل نشاط من أنشطة المعاملات وفق منهج آخر لا يتلقونه من الله، ولكن من إله آخر، هو الذي يشرع لهم في شئون الحياة ما لم يأذن به الله، وهذا وهم كبير،
1 التضامن الإسلامي محيي الدين القابسي: ص112-113.
فالإسلام وحدة لا تنفصم وكل من يفصمه إلى شطرين على هذا النحو، فإنما يخرج من هذه الوحدة أو بتعبير آخر يخرج من هذا الدين. وهذه هي الحقيقة الكبيرة التي يجب أن يلقي باله إليها كل مسلم يريد أن يحقق إسلامه ويريد في الوقت ذاته أن يحقق غاية وجوده الإنساني"1.
ومن الملاحظ أن هناك فئة من المسلمين فصلت الدين عن الدنيا فظنت -خطأ أو غباء- أنها إذا أدت بعض الشعائر الدينية أصبحت مسلمة، ولو تعاملت بالربا ولو انتهكت أعراض المسلمين ولو استولت على أموالهم غصبا وزورا وعدوانا. وهناك فئة أخرى تعتبر نفسها مسلمة إذا صلت أو صامت، وقد تبيح لنفسها أن تخرج عن آداب الإسلام وأخلاقه وعاداته الاجتماعية، فلا تحظر من اختلاط الرجال بالنساء، ولا تحترس من ميوعة الشباب، ولا من ارتكاب بعض المعاصي التي قد تخرجها، من ربقة الإسلام وعهده.
وهناك أناس كثيرون وأسر إسلامية فهمت أن العبادة عبارة عن أداء ركعات محدودة في أوقات معينة، فإذا أدتها، وخرجت من محرابها نسيت الغاية المثلى التي شرعت من أجلها العبادة، ونسيت أن الحياة بأسرها محرابا للعبادة وأن الإنسان في عبادة حتى ولو كان في حالة بيع أو شراء أو زراعة أو عمارة أو تطبيب أو مداواة للأدواء..
هذه الجماعات كلها لم تفهم معنى الإسلام حقيقة الفهم، ولم تدرك معنى العبادة الإدراك الكامل، ولم يتكون في باطنها الوازع الديني، والخوف من الرقابة الإلهية. أجل هذه الجماعات لم تتربَ التربية الإسلامية اللازمة، ولم تتعلم العلم الإسلامي ولم تتخلق بالأخلاق الإيمانية، ولم تخضع نفسها لشريعة الله ولمنهج الله، أو إنها ربيت بأيد غير نظيفة من الأغراض المنكرة والنوايا الخبيثة من استشراق وتبشير، وقد ينحو الاستعمار منحى تشويه الحقائق الإسلامية فيقلب الصورة رأسا على عقب، ويبدل المفاهيم، ثم يوصل هذه المفاهيم المغيرة والحقائق المتلاعب في صورتها إلى أبناء المسلمين عن طريق مدراسهم وجامعاتهم الأوروبية والأمريكية أو التبشيرية في الديار الإسلامية.
1 فقه الدعوة: 60-67.
هذه الفئات موجودة في المجتمعات الإسلامية فعلا وهي تحتاج إلى نصح وإرشاد وتوجيه وتعليم، تحتاج إلى نصح وإرشاد وتوجيه وتعليم، تحتاج إلى دعاة أقضت مضجعهم الأحوال غير الطبيعية للمسلمين فباتوا يخططون خطط الخير ويفكرون في سبل إعادة المشاعر الدينية إلى النفوس والأحاسيس الإسلامية إلى القلوب، وفضلا عن هذا فهم يسعون لإنقاذ الأفكار والعقول من شبهات الاستشراق ويعملون على عرض الإسلام أبيض نقيا كما أراده الله تعالى وكما بلغه عنه رسوله الكريم محمد الأمين صلى الله عليه وسلم.
إن فكرة التضامن لا تتحقق إلا إذا اتحدت مشاعر الأفراد على أساس عقدي روحي دائم لا يتغير بتغير الظروف والأحوال والمصالح، وهذه المشاعر لا يمكن أن تلتقي على مجرد العصبية أو الجنسية أو المنافع الاقتصادية فقط، لأنها عوامل غير ثابتة وغير صالحة لأن تبنى عليها وحدة إسلامية إنسانية، وما كان هذا شأنه فهو غير قادر على الاستمرار في توحيد الشعوب، والأمة التي يجمع بين أفرادها الحق لا يمكن أن يفرق بينها الباطل. وقد جمعت عقيدة التوحيد بين المسلمين جميعا بغض النظر عن أجناسهم وألوانهم وأوطانهم وعصبياتهم وهذه العقيدة نفسها قادرة اليوم على أن تجمع بين المسلمين وأن تؤلف بين قلوبهم وأن توحد مقاصدهم وأهدافهم.
وأما العامل الخارجي فيتجلى بأن تتمثل حكومات البلاد الإسلامية الإسلام بمعناه الحقيقي عقيدة ونظام حياة ونظام حكم. ومن الخطأ البالغ أن تفصل أية حكومة بين التصور الاعتقادي وبين نظام الحكم والأنظمة الاجتماعيةن ذلك لأن الإسلام يختلف اختلافا كليا عن سائر المعتقدات وسائر الأديان التي عبثت بها الأيدي وغيرت من خط مجراها تغيرا جوهريا، وقد بقي الإسلام الدين الوحيد الموثوق فيه الذي سلم -بفضل الله وحفظه- من الأيدي الآثمة والأفكار المضللة، وهو الدين الذي ينبع منه كل تصور لكل نواحي الحياة وجوانبها. وحينما يكون الشعب مسلما بأنه لا يرضى بغير دين الله حكما ولا بغير شرع الله شرعا، والانفصام بين التصور الاعتقادي والنظام الاجتماعي والسياسي لا يفيد إلا التمزق الفكري والاجتماعي، وإنه يوقع فئات المجتمع بربكة أيما ربكة وحيرة أيما حيرة.
وقد آن للمسلمين أن يعرفوا الطريق السوي الذي يجب أن يسلكوه، والغاية