الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السنة في اللغة والاصطلاح
…
السنة في اللغة:
الطريقة، والسيرة، حميدة كانت أو ذميمة، والجمع سنن، مثل غرفة غرف.
ويقال: سننت السكين سنًّا "من باب قتل": أحددته، وسننت الماء على الوجه: صببته صبًّا سهلًا، والسنن: الوجه من الأرض، وفيه لغات، أجودها بفتحتين.
ويقال: تنح عن سنن الطريق وعن سنن الخيل أي عن طريقها1، وسن الإبل ساقها سريعًا، وسن الغنم: أرسله في الرعي أو أحسن القيام عليه، حتى كأنه صقله.
وسن الأمر بيَّنه، وسن الشيء صوره، وسن الماء صبه، وسن الطريقة سار عليها2.
فالكلمة موضوعة في اللغة للاستعمال المادي والمعنوي، وتعرف بالقرينة.
قال الله تبارك وتعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَان َعَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} 3.
وقال جل شأنه: {سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا} 4.
وقال عز من قائل: {فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ} 5.
وقال عز جلاله: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} 6.
قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من
1 المصباح المنير: 1/ 312.
2 القاموس المحيط: 4/ 236-237.
3 سورة آل عمران: 137.
4 سورة الإسراء: 77.
5 سورة الأنفال: 38.
6 سورة الأحزاب: 62.
عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" 1.
السنة في صدر الإسلام ولسان الشرع:
وقد اقتبسها علماء الإسلام من القرآن واللغة واستعملوها في معنى أخص من المعنى اللغوي، وهي بحسب استعمالهم الطريقة المعتادة في العمل بالدين، أو بعبارة أخرى في الصورة العملية التي بها طبق النبي، عليه الصلاة والسلام وأصحابه رضي الله عنهم أمر القرآن الكريم على حسب ما تبين لهم من دلالة القرآن ومقاصده.
ويقرب منها في المعنى: كلمات السبيل، الصراط، الطريقة، الطريق المستقيم.
قال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} 2.
وقال عز شأنه: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 3. وقال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} 4.
وقال جل وعلا: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} 5.
وقال تبارك اسمه: {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} 6، وقال جلت قدرته:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ} 7.
1 رواه مسلم في صحيحه.
2 سورة النساء: 115.
3 سورة يونس: 25.
4 سورة الأحزاب: 21.
5 سورة الجن: 16.
6 سورة الأحقاف: 30.
7 سورة الأنعام: 153.
وبهذا المعنى عرفت كلمة السنة في صدر الإسلام، وقد وردت مقترنة بالكتاب في وصايا الرسول في قوله عليه الصلاة والسلام:"تركت فيكم أمرين لن تضلوا بعدي ما تمسكتم بهما، كتاب الله وسنة رسوله"1.
والسنة المقرونة بالكتاب والتي يكون التمسك بها كالتمسك بالكتاب في الوقاية من الضلال، ليست إلا الطريقة العملية المطردة التي نقلت عن الرسول عليه الصلاة والسلام نقلًا متواترًا عمليًّا معروفًا عند الكافة، ومن الوصايا بها على هذا المعنى ما ورد في أحاديث رسول الله، عليه الصلاة والسلام:"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي"2. وقوله عليه الصلاة والسلام: "من رغب عن سنتي فليس مني" 3.
ومنه قوله عليه الصلاة والسلام في المجوس: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" 4، أي اسلكوا في معاملتهم الطريقة التي اتبعت مع أهل الكتاب، وهذا في الجزية خاصة.
ويقابل كلمة "سنة" على هذا الاصطلاح كلمة "بدعة" التي فسرها النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهورد"5. ويقرب منها في هذا المعنى كلمة "سبيل"الواردة في عبارتي سبيل المفسدين، وسبيل المجرمين، الواردتين في قوله سبحانه: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} 6، وقوله عز شأنه: {وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} 7.
السنة في اصطلاح الفقهاء:
أما السنة في اصطلاح الفقهاء فقد أخذت معنىجديدًا، إذ إنها أخذت تطلق على ما يقابل الواجب من العبادات، وهو الصفة الشرعية للفعل المطلوب
1، 2 الترغيب والترهيب ج1 ص60.
3 نيل الأوطار ج6 ص113.
4 الجامع الصغير للسيوطي ج2 ص30.
5 انظر مشكاة المصابيح ج3 ص810.
6 سورة الأنعام: 55.
7 سورة الأعراف: 142.
طلبًا غير جازم بحيث يثاب المرء على فعله ولا يعاقب على تركه، وهي بهذا الإطلاق ترادف المندوب، وتقابل الواجب والمحرم والمكروه والمباح1.
قال عضد الدين: وهي عند الفقهاء النافلة في العبادات2.
وفي فقه الحنفية: "ما واظب على فعله مع ترك ما بلا عذر"3، فقالوا مع ترك ما بلا عذر ليخرج الواجب الذي ليس لتركه رخصة بلا عذر، وعقب ابن أمير الحاج على هذا التعريف بقوله: ولا يخفى عدم شموله لجميع المسنونات.
ثم إن الفعل الذي لم يواظب الرسول عليه الصلاة والسلام على فعله ينقسم إلى مندوب ومستحب، وإن لم يفعله بعدما رغب فيه4.
في اصطلاح الأصوليين:
السنة عند علماء الأصول هي ما صدر عن الرسول عليه الصلاة والسلام غير القرآن من قول أو فعل أو تقرير5.
وقيد محمد أمين أفعال الرسول عليه الصلاة والسلام بأنها مما ليس من الأمور الطبيعية6. ثم إن من علماء الأصول -كالبيضاوي- من لم يذكر التقرير لدخوله في الفعل7. لأنه كف عن الإتيان والكف فعل.
وقيل: القول فعل أيضًا، فلو تكره من التعريف لكان جائزًا، اللهم إلا أن يقال: اشتهر إطلاق الفعل مقابلًا له فيجب ذكره دفعًا لتوهم الاقتصار عليه8.
ووسع الحنفية رحمهم الله دائرة السنة في الاصطلاح الشرعي، فأدخلوا فيها سنة الصحابة بعد رسول الله _صلى الله عليه وسلم9- واستدلوا على ذلك بقوله، صلى الله عليه وسلم: "عليكم
1 تيسير التحرير لمحمد أمين: 3/ 19-20 بتصرف.
2-
شرح مختصر ابن الحاجب ج1 ص22.
3 التحرير للكمال بن الهمام.
4 التقرير والتحبير لابن أمير الحاج ج2 ص223.
5 مختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 1/ 222.
6 تيسير التحرير: 3/ 19.
7 المنهاج للبيضاوي مع شرح الأسنوي 2/ 194.
8 التقرير والتحبير لابن أمير الحاج 2/ 222.
9 كشف الأسرار شرح أصول البزدوي ج2 ص 679، أصول السرخسي 1/ 113.