الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على قاعدة صلبة من الإيمان والتقوى والخلق فإننا بهذه المثل نستطيع أن ننتصر، والله سبحانه ينجز وعده للمتقين الذين يحيون بالعقيدة ومن أجلها، أما أولئك الذين يتركون العبادات ويفعلون المنكرات ويرتكبون ما حرم الله ففيم يريدون أن يجاهدوا.. فهؤلاء فاسقون يجب جهادهم أولًا.. وهم في حقيقة الأمر ليسوا جنودًا للإسلام وإنما هم جنود للأهواء والشهوات. إن الجندي المسلم هو الذي يحمل المصحف بيد ويحمل السلاح باليد الثانية، هذا المجاهد حقًّا وهذا الذي وعده الله بإحدى الحسنيين إما النصر وإما الجنة..
ويتحقق الجهاد بالتبرع بالدم كما يتحقق بالتبرع بالمال سواء بسواء ويتحقق أيضًا بحراسة أجهزة الدولة العامة من تخريب العدو، وبالتصدي لدعايات العدو وإشاعات المنافقين والمغرضين ومن ثم كشفها والرد عليها بالكلمة الواضحة.
ويتحقق الجهاد بالعمل البناء لإقامة التضامن الإسلامي وتكتيل جهود المسلمين وتوطيد أواصر المحبة بينهم وتوجيه قواهم المادية والمعنوية لمقاومة العدو المتربص بالمسلمين الدوائر.
وعلى المؤمنين أن يحفظوا أسرار المجاهدين كي لا تتسرب إلى العدو.. وأن يعملوا على رعاية أسر المقاتلين والشهداء أي نوع من أنواع الحماية والإحسان تصديقًا لقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم:"من جهز غازيًا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيًا في سبيل الله بخير فقد غزا" 1، و"إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدخل بيتًا بالمدينة غير بيت أم سليم، إلا على أزواجه" فقيل له في ذلك فقال: " إ ني أرحمها قتل أخوها معي"2.
1 فتح الباري: 6/ 48 وما بعدها.
2 المصدر السابق.
تاريخ تشريع الجهاد في الإسلام
مدخل
…
تاريخ تشريع الجهاد في الإسلام:
قال ابن كثير في تفسيره:
"وإنما شرع الله تعالى الجهاد في الوقت الأليق به، لأن المسلمين كانوا بمكة أقل عددًا، وكان المشركون أكثر عدة وعددًا، فلو أمر المسلمون، وهم أقل من العشر -بقتال الباقين لشق عليهم ذلك..
فلما بغى المشركون وأخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم وهموا بقتله، وشردوا أصحابه شذر مذر فذهبت منهم طائفة إلى الحبشة وآخرون إلى المدينة، فلما استقروا بالمدينة ووافاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمعوا عليه وقاموا بنصره وصارت لهم دار إسلام ومعقلًَا يلجئون إليه شرع الله جهاد الأعداء"1.
ويرى بعض المفكرين الإسلاميين أن هناك حكمة أخرى من وراء تأخير تشريع الجهاد إلى ما بعد الهجرة وهي أن الإسلام يحرص كل الحرص على تربية نفوس المؤمنين كي يصبحوا أهلًا لتحمل الأمانة وأهلًا للدفاع عن العقيدة فأصل فيهم الفضائل وبذر فيهم بذور الصبر والمصابرة والثبات والمجاهدة، واحتمال المكاره2 وأعدهم إعدادًا جعل منهم نماذج فريدة للشجاعة والثبات والنضج والوعي، يهابهم المشركون ويحتسبون منهم، ويخافون من مواجهتهم رغم قلة عددهم.. والإيمان يفعل الأعاجيب ويورث في النفس البشرية شحنة عادية من الطاقة المتدفقة ورصيدًا هائلًا من القوة الفاعلة الدافعة.. فإذا ما تفجرت منطلقة لا تدع أمامها باطلًا قائمًا ولا شركًا مشرئبًا ولا فسادًا ناهضًا إنها قوة العقيدة والإيمان إذا تأصلت في النفس الإنسانية. حولتها مخلوقًا آخر، مخلوقًا قويًّا شجاعًا لا يهاب في الله أحدًا ولا يأخذه من أجل الله ضعف ولا خور ولا مداهنة ولا ملاينة إذ ليس في العقيدة مجال للمداهنة أو الملاينة، فإما أن يسود الخير والعدل وإما أن تتآخى قوى الخير وتتآزر جموع المؤمنين وتقضي على الباطل من جذوره ومن أصوله.. ولا تترك له مطمعًا في العودة أو منفذًا للصولة والجولة.
وقد اتفقت كلمة علماء المسلمين على أن الجهاد إنما شرع بعد الهجرة حيث واصل المشركون عدوانهم على المؤمنين وذلك بتعذيب من بقي منهم بمكة وملاحقة من هاجر إلى المدينة، وبحبك المؤامرات للقضاء على الدعوة في مهدها وحبس الرسول صاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم وإزاء هذا العدوان المرير المتواصل وأمام تجاوز قريش لحدود العقل والمنطق في إيقاعها الضرر تلو الضرر بالمسلمين المؤمنين البررة الأتقياء أَذِنَ الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بالقتال ردًّا للعدوان وتثبيتًا لدعائم الدولة الإسلامية.
1 تفسير ابن كثير: 3/ 225. بتصرف يسير، ط. دار إحياء الكتب العربية.
2 الإسلام والحرب ومصادره.