الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} 1، وبين سبحانه أن من أهم أواصر الأخوة الدعاء لهم بظهر الغيب، فقال:{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا} 2.
وقال صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله"3.
إن آصرة هذه الأخوة تعلو كل آصرة وتفوق كل رابطة، بل إن رابطة النسب تهوي منهارة لا شأن لها ولا حول ولا قوة أمام هذه الرابطة الشامخة، قال تعالى:{لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} 4.
ومن القواعد الفقهية المستنبطة من وحي القرآن والسنة المطهرة أن المسلم لا يرث الكافر، وأن الكافر لا يرث المسلم، ولو كان أباه أو أخاه أو ابنه، فهل بعد الأخوة الإيمانية من صلة أو قرابة؟ إن الأخوة الإيمانية رابطة قوية جديرة أن توحد بين النفوس وأن تؤلف بين القلوب، وكانت هذه الرابطة الجامع الوحيد الذي يجمع أبناء المسلمين في عهد النبوة الخالد، وكان المجتمع آنذاك يشعر بحرارة هذه الرابطة وبقوتها وأثرها على النفس الإنسانية وعلى المجتمع، فكان المجتمع كله رجاله ونساؤه وشبابه جسدا واحدا إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
1 سورة آل عمران: 103.
2 سورة الحشر: 10.
3 رواه مسلم.
4 سورة المجادلة: 22.
2-
التكافل الاجتماعي:
التكافل الاجتماعي أساس قوي من أسس بقاء الأمة كريمة عزيزة، وهو قانون مهم يدل على رقي التجمع الإنساني وسمو غاياته، ورفعة أهدافه، ونبل مقاصده.
وللتكافل جانبان: جانب مادي وآخر معنوي.
أما الجانب المادي فيتمثل بالمعونة المالية التي تقدم إلى الفقراء وذوي الحاجة والغارمين، كما تتمثل بإغاثة الملهوف وتفريج كربة المكروب، وإطعام الجائع، والعطف على البائس، وإقالة ذوب العثرات، وإعانة صاحب العيال والمقل، وقد دعا القرآن الكريم في آيات كثيرة العدد إلى بذل المال، وجعل الإنفاق على الفقراء والمساكين فريضة مقارنة للصلاة، وركنا من أركان الإسلام وحق للفقير في مال الغني، وكما حض على بذل الزيادة عن الزكاة وسماها الصدقة، وهو فضلا عن هذا وذاك حث على السخاء والجود وإقراء الضيف وبذل الفضل لذوي الحاجة، وإكرام القريب والجار ذر القربى، والجار البعيد، وأن يعود من له فضل من الملبس والمأكل والمركب على من لا فضل عنده.
وقد أطلق القرآن الكريم على الإنفاق في وجوه البر أسماء متعددة: "الزكاة، الإنفاق، الصدقة، الإحسان، الحق، في سبيل الله" وجعل من أجمل ثمار الإنفاق توطيد أواصر المحبة بين الغني والفقير، وإشاعة الأمن في المجتمع، فالغني آمن على ماله، والفقير لا يعدم قوته وقوت عياله، ومن ثمار الإنفاق أيضا أن الفقير يتطلع إلى تحسين وضعه وحاله فيسعى جاهدا في مواطن الكسب لرفع مستواه المالي وليصبح في مصاف الأغنياء لينعم على غيره، ويشعر بحلاوة اليد العليا وبلذة البذل والسخاء1.
الجانب المعنوي من التكافل الاجتماعي يتمثل في تعاون المسلمين لإحقاق الحق وإقامة العدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما يتمثل بالإرشاد والتوجيه وتمحيض النصح، والمشاركة الوجدانية بين فئات المسلمين وباختصار فإنه عبارة عن الشعور بالمسئولية الجماعية، وإن كل فرد يمكن أن يتحمل مع الآخرين تبعاتهم وأن يعينهم على أداء واجباتهم.
وقد جعل الإسلام هذا النوع من التكافل فريضة على كل مسلم فقال جل من قائل: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ
1 الإسلام عقيدة وشريعة للشيخ شلتوت: ص456.
الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 1 وقال سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} 2 وقال أشرف المرسلين وأكرم الخلق صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة"، قالوا لمن يا رسول الله، قال:"لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" 3 وقال عليه الصلاة والسلام: "المؤمن مرآة المؤمن"4.
وقد كان المسلمون يتكافلون فيما بينهم، فيعلم عالمهم جاهلهم، ويرشد كبيرهم صغيرهم، ويوجه ذو الخبرة قليل الدربة والدراية، ويجل الصغير الشيخ المسن، وينصح المحكوم الحاكم والجندي القائد، والمغمور المشهور، والمرءوس الرئيس.. ويتقبلها الحاكم والقائد والرئيس بنفس طيبة راضية، لا يرى في ذلك غضاضة أو إنقاصا من قدره بل يراه نصحا وتوجيها وإعانة على إقامة العدل وإقرارا للحق..
وما زال المسلمون بهذا التكافل الذي يشعر بوحدة صفهم وجمع كلمتهم حتى دب الخلاف فيما بينهم، وتبدلت المفاهيم في أذهان كثير منهم، وأقبلوا على الدنيا ومتاعها، وشغلوا عن واجبهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خوفا على مركزهم الوظيفي أو الاجتماعي. وهكذا تخلى كثير من المسلمين عن وجوب التعاون على إحقاق الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونظرت كل جماعة منهم على أنها وحدة مستقلة عن الأخرى لا ينظمهم عقد ولا يجمعهم رابطة، وهذه هي الآية الكبرى في تبعثر وحدة المسلمين وتشتيت شملهم، وتمزيق كيانهم.
والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلَاّ قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} 5.
1 سورة آل عمران: 104.
2 سورة التوبة: 71.
3 رواه البخاري والترمذي والنسائي والدارمي.
4 رواه أبو داود.
5 سورة هود: 116.