الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما مجاهدة الكفار فتقع باليد والمال واللسان والقلب، وتكون مجاهدتهم أكبر وآكد إذا اعتدوا على حرمات المسلمين وأوطانهم ومقدساتهم إلى أن يعود الأمن إلى ديار المسلمين وتعلو كلمة الله دون أن تحد منها فتنة المفتنين وضلالة المضلين.
قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} 1.
يقول الأستاذ سيد قطب مبينًا معنى هذه الآية الكريمة: "إذا كان النص -عند نزوله- يواجه قوة المشركين في شبه الجزيرة، وهي التي تفتن الناس وتمنع أن يكون الدين لله، فإن النص عام الدلالة مستمر التوجيه، والجهاد ماض إلى يوم القيامة، ففي كل يوم تقوم قوة ظالمة تصد الناس عن الدين وتحول بينهم وبين سماع الدعوة إلى الله، والاستجابة لها عند الاقتناع والاحتفاظ بها في أمان، والجماعة المسلمة مكلفة في كل حين أن تحطم هذه القوة الظالمة وتطلق الناس أحرارًا من قهرها يستمعون ويختارون ويهتدون إلى الله"2.
1 سورة البقرة: 193.
2 في ظلال القرآن: 7/ 273.
وللجهاد سبل كثيرة يتحقق بكل واحد منها
معنى من معاني الجهاد أشير إلى أهمها:
1-
الجهاد بالنفس:
أي أن يذهب المؤمن بنفسه ويقاتل أعداء العقيدة وأعداء الدين. والجهاد بالنفس أعلى مراتب الجهاد وأعظمها قدرًا وأعلاها شأنًا، وهل يملك الإنسان أغلى من روحه فيجود بها في سبيل الله.. قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:"انتدب الله لمن خرج في سبيله -لا يخرجه إلا إيمان وتصديق برسلي- أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة أو أدخله الجنة، ولولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية، ولوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل"1.
1 صحيح البخاري 1/ 92.
2-
الجهاد بالمال:
فالمسلم القادر يجهز نفسه ويجاهد فيكون قد جمع بين فضيلتين عظيمتين الجهاد بالنفس والجهاد بالمال، وقد يكون غير قادر جسميًّا على القتال، ولكنه قادر ماليًّا فينفق من ماله لمساعدة المجاهدين بالنفس.
وفي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان المجاهد المسلم يجهز نفسه بعدة القتال وبمركب القتال وبزاد القتال، ولم تكن هناك رواتب يتناولها القادة والجند وإنما كان تطوعًا بالنفس وتطوعًا بالمال..وهذا شأن العقيدة حينما تفتقر في القلب وفي المجتمع، إنها لا تحتاج إلى أن ينفق عليها لتحمى من الأعداء وإما يتقدم القادة ويتقدم الجند متطوعين ينفقون هم عليها.
وكان كثير من الفقراء المسلمين الراغبين في الجهاد والذود عن منهج الله وراية العقيدة لا يجدون ما يزودون به أنفسهم ولا ما يتجهزون به من عدة ومركب فيلجئون إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلبون منه الوسيلة التي تحملهم إلى ميدان المعركة البعيد الذي لا يبلغ على الأقدام، فإذا لم يجدوا ذلك:{تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَاّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ} 1.
3-
المساعدة على الجهاد:
وذلك بالإسهام في كل عمل من شأنه التمكين من أسباب النصر:
ويتحقق هذا بمضاعفة الجهد في الإنتاج الحربي سواء كان ذلك بالصناعة أو الزراعة أو التجارة، وبالمساهمة في جلب المعدات الحربية أو العمل على إنتاجها وترقية مستواها لتضارع أرقى الأسلحة وأقواها.
ويتحقق الجهاد أيضًا بإعداد الجنود إعدادًا دينيًّا تربويًّا وخلقيًّا وعسكريًّا، ومن ثم تدريبهم على أحدث الأسلحة وأجودها حتى يكونوا مسلمين مجاهدين، فالتربية والخلق مطلب ديني حري أن يتحقق، والخلق قبل التدريب على حمل السلاح وقبل التحام الجيشين للقتال لأننا نحن المسلمين نقاتل من أجل عقيدة لها قيمها ولها مبادؤها ولها مثلها، وإذا أردنا أن ننتصر على قوى الشر فعلينا أن نقف
1 سورة التوبة: 92.