الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأدواء التي حلت بالمسلمين:
حينما بدأ الغرب في نهضته، بدأ الشرق الإسلامي في كبوته، وكان لذلك أسباب بعضها يرجع إلى المسلمين أنفسهم، وبعضها يرجع إلى أسباب خارجة عن إرادتهم.
أما الأسباب التي ترجع إلى المسلمين أنفسهم:
فتتجلى بأن الله تعالى لم يكن مبدلا نعمه التي أنعمها على عباده حتى يبدلوا ما بأنفسهم من خير إلى شر ومن هدى إلى ضلال ومن قوة عسكرية وإدارية إلى ضعف ينتاب الجهاز العسكري والإداري، ومن قوة خلقية وتمسك بالقيم والمبادئ إلى فساد خلقي واستمتاع بالمغنيات وبالشعر الرخيص، ومن إقامة شعائر الله وتطبيق حدوده إلى التهاون في إقامة الشعائر وإلى الاستهانة بإقامة الحدود، ومن القيام بالجهاد إلى التقاعس عن هذه الفريضة والركون إلى ملذات الحياة الدنيا والاستمتاع بمباهجها.. وهكذا حصل التغيير النفسي والتبديل الذي أتى من المسلمين أنفسهم. فطبق الله سنته فيهم:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} 1، {فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} 2، {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} 3، ونسي المسلمون أن الله جعلهم خير أمة لما اتصفوا به من إقامة حدود الله، ولما عاهدوا الله عليه من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} 4، {كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} 5، {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} 6، {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} 7.
1 الأنفال: 53.
2 النحل: 112.
3 الرعد: 11.
4 فاطر: 3.
5 النحل: 81.
6 آل عمران: 104.
7 آل عمران: 110.
ويمكن أن ألخص أهم عوامل ضعف المسلمين التي ترجع إلى أنفسهم في النقاط التالية:
1-
بعد المسلمين عن كتاب الله وسنة رسوله، وركونهم إلى الملذات العاجلة المحرمة شرعا، وانتشار العادات الفاسدة، كالكهانة والسحر، وكعادة الاختلاط بين الرجال والنساء في العمل، وفي السهرات الأسرية.
2-
تعطيل حدود الله الواجب تطبيقها على من تجرأ على حرمات الله.
3-
التهاون في إقامة شعائر الله، كالتهاون في أداء الصلوات على وقتها أو في جماعة.
4-
محاولة استيراد أنظمة غريبة عن مبادئنا الإسلامية وتطبيقها في المجتمع الإسلامي بدلا من تطبيق شريعة الله، ظنًّا منهم أن هذه الأنظمة المستوردة أكثر ملاءمة للعصر الحديث.
5-
الشعور الانهزامي الذي وسوس لبعض المسلمين بأن ما عند الناس أفضل مما نملك من قيم ومثل وخلق وعلم.
6-
تقليد كثير من المسلمين للغرب والشرق غير الإسلامي بالأقوال والأعمال التي شاعت واشتدت وطأتها على المسلمين فأصبحت شريعة يحتكم إليها، كحفلات الزواج والمآتم مثلا.
7-
الفرقة التي لعبت دورا كبيرا في تمزيق أوصال الوطن الإسلامي وانفصام عرى الأمة الإسلامية، وكان للمبادئ الجوفاء المستوردة أثر كبير في هذه الفرقة، ومن أهم تلك المبادئ غير الإسلامية: المناداة بالقومية، والدعوة للوطنية، والدعوة للعلمانية، وغير ذلك مما نَهَش في جسم الأمة فقطعها إربا إربا
…
8-
التخلف عن مضمار العلم التجريبي1 الذي بلغ مرتبة لا يستهان بها في العالم
1 ومن الأمور الثابتة تاريخيا أن العرب هم البناة الأولون للعلم التجريبي، فبرز في علم الطب ابن سينا وابن رشد وفي علم الحساب والنجوم، مسلم بن أحمد، وأول من نبغ في الكيمياء جابر بن حيان، وأول من نبغ في الجبر وقدم حلولا هندسية لمعادلات من الدرجة الثانية، محمد بن موسى الخوارزمي، وأول من استنبط صناعة الزجاج من الحجارة، واخترع محاولة الطيران عباس بن فرناس، وأول من عارض نظرية إقليدس وبطلموس بشأن الأبعاد وكان على وشك أن يكتشف العدسة المكبرة ابن الهيثم، وكان الذي أنشأ حساب المثلثات الحديث البيروني وأمثال هؤلاء كثير من أعلام الفكر الإسلامي الذين كانت لهم مكانة رفيعة في العلم التجريبي في وقت كان الغرب فيه يتخبط في ظلام الجهل ويعتمد أساسا على تتبع آثارهم وترجمة مؤلفاتهم. وقد اعترف بذلك "روجر بيكون" الذي تعلم هذا المنهج في الجامعات الإسلامية في الأندلس وجاء سميه "فرنسيس بيكون" بعد ذلك ليؤكد هذا الاعتراف ويشرح هذا المنهج الذي كان أبرز دعائم النهضة الأوربية الحديثة في المجال العلمي. والقضية مستفيضة لدى الباحثين من شرقيين وغربيين. فليعلم من ذلك أن تخلف المسلمين اليوم إنما هو تخلفهم عن بعض خصائصهم الذاتية في الكشف العلمي.
غير الإسلامي، ورضي المسلمون بالاعتماد على غيرهم في هذه العلوم دون أن ينشئوا لأنفسهم مؤسسات علمية جماعية محاولة للإبداع في العلوم التجريبية والكونية. وإذا وجد من المسلمين من يصل إلى معرفة شيء من أسرار العلوم فإن العلماء غير الإسلاميين قادرون على طمس اللمسات الإسلامية، وجعل ما وصل إليه المسلم داخلا ضمن إطار معارفهم يخدم شخصيتهم، ويحقق أغراضهم.
9-
انحراف البعثات العلمية عن أغراضها الحقيقية التي بعثت من أجلها، وعدم الاستفادة من الحقائق العلمية سواء كان في مجال التسلح وصناعة الأسلحة والتدريب عليها أو في مجال التقنية العلمية، والاكتفاء بالانجراف في تيار الفساد الخلقي والاجتماعي، وهذا يعود بالوبال والخسران على المجتمع الإسلامي بعامة.
هذه هي أهم العوامل الداخلية التي أدت إلى إضعاف الروح الإسلامية في نفوس أبنائها. أما العوامل الخارجية فسيأتي الحديث عنها إن شاء الله تعالى مفصلا في موضوع التيارات المعادية للإسلام.
ولكن المسلمين بما أوتوا من عقيدة التوحيد الصافية السائغة، وبما تعهد الله سبحانه من حفظ كتابه العظيم الذي هو النبع الخالد للإسلام عقيدة ومنهج حياة، فإنهم سيتغلبون على كل قوة مادية مهما عظمت وسيحطون كل الوسائل التي توجه لطعنهم.. وسينتصرون على جميع دعاة البغي والعدوان مهما تآزرت ضدهم، بشرط أن يتحصن المسلمون بثقافتهم الإسلامية وأن يعتزوا بقيمهم ومبادئهم وأن ينقلوا تعاليم دينهم إلى الواقع العملي فيطبقوها على أنفسهم وعلى مجتمعهم.