الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال "ابن قيم الجوزية" في كتابه "زاد المعاد": "إن الله تبارك وتعالى لم يأذن للمسلمين في القتال بمكة، إذ لم يكن لهم يومذاك شوكة يتمكنون بها من القتال. وإن سياق الآية يدل على أن الإذن كان بعد الهجرة وبعد إخراجهم من ديارهم فإنه سبحانه قال:{الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَاّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} وهؤلاء هم المهاجرون.
وإن الله سبحانه أمر المؤمنين بالجهاد الذي يعم الجهاد باليد والسيف والآلة وغير ذلك، ولا ريب أن الأمر بالجهاد المطلق إنما كان بعد الهجرة فأما جهاد الحجة فهو يختلف عن القتال اختلافًا بينًا، والفرق بينهما جلي وظاهر وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بجهاد الحجة في مكة المكرمة بقول الله تبارك وتعالى:{فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} 2. فهذه الآية الكريمة مكية، والمراد بالجهاد فيها جهاد التبليغ والبيان وجهاد الحجة والدليل والبرهان"3.
1 سورة الحج: 39-41.
2 سورة الفرقان: 52.
3 زاد المعاد: 2/ 65.
سبب تشريع الجهاد:
قد يظن كثير من الناس أن سبب تشريع الجهاد في الإسلام يرجع إلى اختلاف العقيدة والدين، والشريعة والمنهج مع أصل الديانات الأخرى وهذا الظن باطل وغير صحيح، إذ إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يقبل أن يهادن أهل الديانات الأخرى وأن يعيش معها معايشة سلمية.
والإسلام دين حجة وبرهان، وإحقاق للحق، دين اقتناع عقلي وتذوق
وجداني لم يكن ليلزم أحدًا على الدخول فيه إلزامًا، ولم يرغم أحدًا على قبوله؛ فكيف يتهم هذا الاتهام وهو الدين الإلهي الذي جاء ليحرر العقل والوجدان قال الله تعالى:{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} 1.
وهذا التاريخ شاهد عدل، وحكم فصل، فلنسأل التاريخ ولنسأل المؤرخين المنصفين: هل نَعِمَ أهل الديانات الأخرى بحرية التعبد وإقامة الشعائر الدينية، وحرية القول والرأي بالقَدْر الذي نعموا به في ظل الإسلام؟ كلا.. لم يعرف التاريخ دينًا عادلًا ومتسامحًا مع الديانات الأخرى كالدين الإسلامي ولم يعرف التاريخ مجتمعًا إنسانيًّا منح أهل الديانات الأخرى من الحقوق الدينية والمدنية ومن الرعاية الكاملة بالقدر الذي منحه الإسلام لهم.
ولذلك نقول بكل ثقة وبكل يقين: إن الجهاد في الإسلام إنما شرع لرد العدوان ودفع الشر وللدفاع عن النفس، وهو مبدأ لا يمكن أن يجادل فيه عاقل منصف نزيه مهما كان معتقده..
وقد واصل المشركون كيدهم اللئيم ومكرهم الخبيث وعدوانهم المتزايد على المسلمين أينما حلوا وفوق أي أرض نزلوا، وفي أي البلدان وجدوا، وإلى أي الأقطار اتجهوا يوقعون بهم شتى أنواع الأذى، ومختلف ضروب العذاب ليفتنوهم عن دينهم وليردوهم على أعقابهم وقد هموا بم لم ينالوا، هموا بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم صاحب الدعوة وحامل الرسالة، لولا أن تدخلت عناية الله وحمته من اليد الآثمة الشريرة {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} 2.
وأما تزايد ظلم قريش تطلع المؤمنون بالأمل الوثاب إلى يوم عزيز يأذن الله به بقتال الكافرين، ليجدوا طريقًا مشروعًا وسبيلًا سليمًا يرفعون به ما لحقهم من ضيم وهوان، ويردون به ما نالهم من أذى وعذاب، ويستردون ما غصب منهم من حق ومال وممتلكات..
وعلى هذا فإن الإسلام دين عزة وقوة ومنعة، وليس بدين استسلام واستكانة، ورضا بالهوان وطلب معيشة ذليلة وهو لا يرضى للمسلمين الخنوع
1 سورة البقرة: 256.
2 سورة المائدة: 67.