الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأرواح، وتطمئن لها الضمائر وتنشط الأجسام، وتستنير العقول. وكان كل من يعرف الإسلام ويقتنع بهذه الدعوة المثلى يذهب إلى قومه ويبشرهم بجنة عرضها السماوات والأرض إن هم نطقوا بالشهادتين إيمانًا واحتسابًا، وإن هم اطمأنوا بالتوحيد وإن صدقت قلوبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يدعو.
ودخل الناس في دين الله أفواجًا.. ولكن الشر وأعوانه والشرك وأتباعه والباطل وأهله ساءهم ظهور الحق، وسائهم أن يروا الناس مؤمنين موحدين، فأوقعوا الأذى المادي والمعنوي والعذاب بكل أصنافه وبشتى مراتبه بالنفوس الأبية الموحدة، وانتفش الضلال، وازداد المكر وظن الكفر أن الصولة والجولة له فتعمق في غوايته وتفنن في مفاسده، وكانت حربًا نكراء على المسلمين المؤمنين إذ إن وجود الإسلام والمسلمين المتمسكين به يرعب الكافرين ويخيف أعداء الدين. والله مع الذين آمنوا والذين هم محسنون، واتجهت إرادة الله سبحانه لابتلاء المؤمنين ولتمحيصهم، ولإظهار حقيقة تمسكهم بالحق وثباتهم عليه وتفانيهم في سبيله.. ففرض الجهاد بعد الهجرة إلى المدينة المنورة..
تعريف الجهاد:
عرف العلماء الجهاد لغة بأنه المشقة، فيقال: جهدت جهادًا أي بلغت المشقة. وجاهد العدو مجاهدة وجهادًا: قاتله، وجاهد في سبيل الله، وفي الحديث:"لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية"، والجهاد محاربة الأعداء وهو المبالغة واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أو فعل، والمراد بالنية إخلاص العمل لله أي إنه لم يبق بعد فتح مكة هجرة لأنها قد صارت دار إسلام وإنما هو الإخلاص في الجهاد وقتال الكفار.
والجهاد: المبالغة واستفراغ الوسع في الحرب أو اللسان أو ما أطاق من شيء. وفي حديث الحسن: لا يجهد الرجل ماله ثم يقعد يسأل الناس، قال النضر: قوله لا يجهد ماله، أي يعطيه ويفرقه جميعه ههنا وههنا وهذا في قوله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} 1.
وشرعًا هو بذل الجهد في قتال الكفار لأن الكفر بالله يعتبر من أكبر الجرائم
1 سورة البقرة: 219، انظر لسان العرب، فتح الباري: 6/ 3، نيل الأوطار للشوكاني: 7/ 220.
الشنيعة التي يرتكبها مخلوق في حق خالقه لما فيه من عقوق وجحود للفضل والجميل.
ويطلق الجهاد في الشرع أيضًا على مجاهدة النفس والشيطان والفساق، وتتحقق مجاهدة النفس بتعلم أمور الدين. لقول الله تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ} 1، ولقوله تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} 2، ولقول رسول الله:"من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين" 3، ولقوله، صلى الله عليه وسلم:"العلماء هم ورثة الأنبياء" 4، كما يتحقق بأمور الدين بالعمل وتعليمها ونشرها مصداقًا لقول الرسول، صلى الله عليه وسلم:"مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به" 5، وقال ابن عباس، رضي الله عنهما: كونوا ربانيين حلماء فقهاء. ويقال: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره.
أما مجاهدة الشيطان فإنها تتحقق بدفع ما يأتي به من الشبهات، وما يزينه من الشهوات، إذ إن الشيطان متوعد لآدم وبنيه، بقوله تعالى:{فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} 6.
وأما مجاهدة الفساق فتتحقق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبإلزامهم على الحق واتباعه، واجتناب المنكر والتبرؤ منه لقول الرسول، صلى الله عليه وسلم:"من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" وفي رواية "وليس بعد ذلك من حبة خردل من إيمان".
1 سورة محمد: 18.
2 سورة فاطر: 28.
3 فتح الباري على صحيح البخاري: 1/ 160، 164.
4 سنن أبي داود: 3641 والترمذي 2682.
5 فتح الباري بصحيح البخاري: 1/ 175.
6 سورة الأعراف: 16-17.