الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبالإضافة إلى هذا فإن نزول القرآن بشكل متدرج كان يهدف إلى التدرج في الأحكام لئلا تنزل دفعة واحدة فيكون فيها الحرج والمشقة على الناس، ولذلك فإن الأحكام التي تنزل كانت تتناسب مع الأحداث الجارية فتعرض لنا، مبينة حكمها موضحة ما غمض منها، مرشدة للطريق السوي. وقد ابتدأ نزول القرآن -على أصح الروايات- ليلة السابع عشر من رمضان للسنة الحادية والأربعين من ميلاد الرسول الكريم في غار حراء حيث كان يتعبد به..
أول آية نزلت قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} .
وآخر ما نزل منه قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} 1.
1 سورة البقرة: 281.
الآيات المكية والمدنية:
لقد نزل القرآن الكريم في مرحلتين تاريخيتين: الأولى: المرحلة المكية وهي ما قبل هجرة المسلمين والرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة. والثانية: المرحلة المدنية. وهي مرحلة ما بعد الهجرة المباركة. فما نزل من القرآن الكريم في المرحلة الأولى يسمى بالآيات المكية. وما نزل بعد الهجرة يسمى بالآيات المدنية.
ولم ترتب آيات القرآن الكريم حسب النزول الزمني، وإنما على ترتيب خاص يرجع إلى الوحي الذي أشار على الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الترتيب لحكمة بالغة لا تدركها العقول البشرية، ولهذا نرى تداخلًا بين الآيات المكية والمدنية.
وليس لأي إنسان مهما بلغ في مراتب التقى والورع أن يبدل هذا الترتيب، لأننا تلقيناه متواترًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيفًا على أمر الوحي، وسنبلغه إلى الذين من بعدنا بهذا الترتيب لأننا أمة متبعة غير مبتدعة.
وقد قامت محاولات تبشيرية استشراقية لتغيير ترتيب القرآن الكريم ظنًّا منهم أنهم يستطيعون أن يرتبوه حسب النزول التاريخي، ولكن هذه المحاولات
باءت بالفشل الذريع وبالخطأ الجسيم لعدم اعتمادهم على روايات صحيحة موثوقة. فضلًا عن أن كل حركة استشراقية وغيرها من الحركات التي تهدف إلى تبديل الترتيب القرآني لا تخلو من دس وطعن، وليست نزيهة عن الأغراض الخبيثة والنوايا اللئيمة التي تحاول بشتى الوسائل إثارة الفتن والشبهات حول المصادر الشرعية للإسلام، وعلى المسلمين أن يكونوا دائمًا على حذر من كل فكر غربي ومن كل رأي مستورد.
والآيات المكية تختلف عن الآيات المدنية أسلوبًا وموضوعًا والاختلاف في الأسلوب يؤكد مسألة الإعجاز القرآني ويبرزه، أما اختلاف الموضوع فيرجع إلى طبيعة التطور المرحلي والتاريخي، كما يرجع للظروف والأحداث والمناسبات التي مرت بها الدعوة الإسلامية.
فالموضوع الذي تعالجه الآيات المكية في بداية الدعوة حيث كان الجهد موجهًا لتثبيت العقيدة الصحيحة في نفوس المؤمنين، وغرس مبادئ الأخلاق الكريمة في الضمائر والأفئدة، يختلف عن موضوع الآيات المدنية حيث اتسعت آفاق الحياة وكثرت المعاملات وتعددت الأمور التي تحتاج إلى تنظيم وتقنين.
ومن الخصائص الأسلوبية للآيات المكية أنها ذات نبرة خاصة، وإيقاع مؤثر يتمثل في ألفاظ قوية، وجمل مختصرة وصور معبرة، وأمثال موضحة ومشاهد حية، وأما الخصائص الموضوعية لهذه الآيات فقد كانت تتناول قضايا الخالق والخلق والجنة والنار والدنيا والآخرة والموت والبعث، وعالم الغيب والشهادة والملائكة والجان.. لهذا فقد كانت هذه الآيات تستخدم أسلوب المناقشة والحوار، والمجادلة وتدعيم الحقائق بالأدلة العلمية والبراهين الفكرية والقسم. وما أشبه ذلك.. كل هذا للوصول إلى مبادئ الإيمان بالله تعالى، وباليوم الآخر، ومناقشة المشركين ودحض معتقداتهم وتسفيه عقولهم والدعوة إلى الأخلاق القويمة والاستقامة في السلوك والصدق في القول.
أما الآيات المدنية فتتميز بالأسلوب التشريعي الهادئ، والسور الطويلة، والموضوعات التي تتناول قضايا جديدة يعيش في ظلها المسلمون في المدينة المنورة ويحتاجون إليها كالقتال والحرب، والسلم والغنائم، والمعاملات والبيوع والزواج والطلاق، والنفقات والإرث والوصية. ومسائل الحكم