الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد استعملت حركة التغريب أساليب شتى لتحقيق أغراضها المنكرة، وكان أهمها أسلوبين:
1-
الحركة العلمانية.
2-
الحركة القومية.
وسأتناول بالبحث هاتين الحركتين بشيء من التفصيل مع بيان دحضهما.
العلمانية
مدخل
…
أولًا: العلمانية:
تنسب "العلمانية" على غير قياس إلى العالم أو العالمية "Secularism" وهي نظام من المبادئ والتطبيقات يرفض كل صورة من صور الإيمان الديني والعبادة الدينية، وقيام الدولة على دعائم الدين، كما يرفض كل نظام أو قيمة تنسب إلى الدين من قريب أو من بعيد.. وهي دعوة صارخة لفصل الدين عن الدولة "وأن يكون ما لله لله، وما لقيصر لقيصر" هذه صيحتها التي قصدت من ورائها عزل الدين عن مناهج الحياة وعن السياسة والحكم والقضاء1.
والعلماني "Secular" هو كل ما يتعلق بشئون الدنيا وأنظمتها بعيدًا كل البعد عن التعاليم الدينية2.
والعلمانية بهذه الدعوة قد أوجدت حكمًا ثنائيًّا، وحركة ثنائية، وتعليمًا ثنائيًّا وإعلامًا ثنائيًّا، ومنهاجًا ثنائيًّا.. فهناك سلطة الدولة التي تعمل باستقلال وانعزال كاملين عن الدين، وهناك رجال الدين الذين يحكمون في المعبد ويديرون شئونه دون أن تكون لهم كلمة في شئون الحكم والسياسة في الاقتصاد أو في إدارة الدولة، وهناك مدارس مدنية، ومدارس دينية، وهناك تعليم لا ديني وتعليم ديني وكلاهما منفصل ومستقل عن الآخر وهناك حياة دنيوية متغيرة ومتطورة وهناك حياة دينية في منأى عن التغير والتطور.
هذه الثنائية تبرز بصورة مريعة حينما يقع الطرفان بصورة نزاع، كل منهما يحاول أن يخضع الآخر، وكل منهما يريد أن يتحكم في الآخر. هذه الثنائية ظهرت بصورة شديدة وعنيفة في أوروبا، إذ كانت الكنيسة هي المسيطرة على الحياة في مختلف مجالاتها طوال القرون الوسطى، وكانت تحد كثيرًا من نشاط
1، 2 الإسلام في حل مشاكل المجتمعات الإسلامية المعاصرة: ص12.
العلماء، بل كانت تعطي لنفسها الحق في بيع سكوك الغفران وبيع مساكن في الجنة، قصور وفيلات وشقق كبيرة أو صغيرة مفروشة، تبيعها بالنقد والتقسيط.
وكانت الكنيسة والباباوية تقف موقفًا عدائيًّا من العلم والعلماء.. فقد أمرت بحرق العالم "برونو" الذي قال بوجود عوالم أخرى غير الأرض، وأخمدت أنفاس "كوبرنيكوس" لأنه قال:"إن الأرض ما هي إلا كوكب مثل غيرها من الكواكب السيارة" وأجبرت العالم "جاليلو" على أن يكذب ما سبق أن صرح به من أن الأرض تدور حول الشمس وهو راكع على ركبتيه ذليلًا خوفًا من المحاكمة.
وحينما ابتدأ الإنسان الأوروبي يكشف مجالًا آخر يرى فيه استقلاله عن الكنيسة، وهو مجال البحث الطبيعي، شعر بوجود ذاته المستقلة عن الكنيسة، فافتخر باستخدام البخار في الصناعة واعتز بقانون الجاذبية، وكلما اكتشف طاقة جديدة ابتعد عن الكنيسة شيئًا فشيئًا، حتى إذا ما أحس بالاستقلال الكامل عن سيطرتها أخذ يتهمها بالجمود وغير ذلك من الاتهامات وينال منها ومن قداستها.. وبخاصة بعدما عرف الكهرباء وفجر الذرة.
وحينذاك تصور بعض المفكرين الأوروبيين أنه يمكن القضاء على هذا النزاع بتوزيع السلطات وتقسيمها إلى طرفين: طرف يكون للدولة فيه مجال كشئون إدارة الدولة والاقتصاد والتعليم وسن القوانين ووضع الدستور.. وغير ذلك من الأمور العامة.
وطرف يكون للكنيسة فيه مجال كمراسيم الزواج وطقوس الوفاة ونظام الرهينة..
هذا الفصل أخذ اسم العلمانية. وقد مرت هذه "العلمانية" بمرحلتين:
الأولى: مرحلة العلمانية المعتدلة، اعتبر فيها الدين أمرًا شخصيًّا لا شأن للدولة فيه.
والثانية: مرحلة العلمانية المتطرفة التي طالبت بإخضاع تعاليم المسيحية إلى العقل وإلى مبادئ التجارب الطبيعية أو المخبرية.