الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسمة الدولة الناهضة، في ظله يطمئن الناس على أموالهم وأعراضهم وأنفسهم ويسعدون بحياة تتيح الفرص لذوي المواهب والقدرات والكفاءات والعدل قوة يهب الأمة القدرة لأن تكون مهيبة الجانب عزيزة السلطان أمام الدول الصديقة والمعادية.
وقد حث القرآن الكريم على إقامة العدل في الأمور جميعها لتبقى الأمة عزتها ومنعتها، ولتحفظ بكيانها وشخصيتها النقية التقية الطاهرة، فأمر المسلم أن يلتزم بالعدل بقوله وفعله وأن يلتزم به مع قريبه وأمه وأخيه، ومع البعيد: الصاحب أو الجار، مع المحب ومع العدو، مع الغني ومع الفقير، في شئونه الخاصة والعامة، وأمر بالعدل في العهود والمواثيق وفي أداء الأمانة والإدلاء بالشهادة.
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} 1.
وقال جل من قائل: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} 2.
1 سورة النحل: 90.
2 المائدة: 8.
3 سورة الشورى: 15.
الخلافة وأثرها على وحدة الأمة الإسلامية:
انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى وقد ترك في الأمة شيئين ما إن تمسكت بهما لن تضل بعده، وهما كتاب الله تبارك وتعالى وسنته صلى الله عليه وسلم. وتولى شئون المسلمين بعد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعم الناس في ظل الخلافة بالسعادة الدنيوية والراحة النفسية، ولو وازنا بين أوضاع المسلمين في حكم الخلافة الإسلامية وأوضاعهم بعد زوال الخلافة لوجدنا الفرق شاسعا والبون واسعا، من حيث الوفاة والأمن والعزة
والسيادة ووحدة الصف واتفاق الكلمة، واحترام العلم وإجلال المفكر والأخذ برأي الفقيه، وتقدير الناس وإكرام الضيف وتقبل النصح والإرشاد، والقياد على حدود الله، وعقد راية الجهاد. والتقدم الحضاري في المجال الاقتصادي والعمراني والتعليمي والمدني والسياسي.. ففي ظل الخلافة نعم الناس برغد العيش والتكافل الاجتماعي والأدبي والمالي، وجمع الكلمة واتخاذ الموقف الموحد إزاء الأخطار الخارجية.
"
…
حكام المسلمون، آمنوا بالله واليوم الآخر، وحافظوا على كتاب الله وسنة رسوله، ووقفوا عند حدودها والتزموا بأحكامهما، حضروا المساجد مع الرعية، وفتحوا لهم الأبواب
…
يتقبلون المحاسبة والإنكار، كان الجهاد في سبيل الله رائدهم، لم يتخلوا عنه في أحلك الظروف التي مرت بهم، لأنهم آمنوا بقول الصديق رضي الله عنه "ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا" لذلك كثرت الفتوحات الإسلامية في زمانهم وكانوا قادة الفتح الإسلامي.."1.
تعريف الخلافة:
الخلافة في اللغة مصدر "خلف". يقال: خلفه خلافة، أي كان خليفته وبقي بعده، والخليفة السلطان الأعظم، والجمع خلائف وخلفاء"2 فالخلافة موضوعة في الأصل لكون الشخص خلفا لغيره، ومن ثم سمي من يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في تنفيذ الأحكام الشرعية وإدارة الحكم وقيادة الجيش خليفة، ويسمى أيضا "إماما" تشبيها بإمام الصلاة في الاقتداء به واتباعه. ولهذا يقال: "الإمامة الكبرى".
وعلى هذا فالخليفة من يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمة الإسلامية، ويقال له:"خليفة" بإطلاق اللفظ، من غير قيد، ويقال له:"خليفة رسول الله". واختلف في صحة تسميته خليفة الله، فأجازه بعض علماء الفقه اقتباسا من الخلافة العامة التي هي للآدميين المشار إليها بقوله تعالى:{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} 3 وقوله سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ
1 الإسلام بين العلماء والحاكم للأستاذ عبد العزيز البدري: ص15.
2 لسان العرب.
3 سورة البقرة: 30.
بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} 1 ومنع الجمهور منه. وقد نهى أبو بكر الصديق رضي الله عنه عنه لما دعي به، وقال: "لست خليفة الله ولكني خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم والاستخلاف إنما هو في حق الغائب، وليس في حق الحاضر2.
أما الخلافة في الاصطلاح: فهي رياسة عامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي ذلك يقول ابن خلدون: "والخلافة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها. إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشرع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين والدنيا"3.
وذهب السلف الصالح إلى أن أساس كل حكم في الإسلام الخلافة، وإن منزلة الخليفة من الأمة كمنزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم من المؤمنين له عليهم الولاية العامة والطاعة التامة، وله حق القيام على دينهم فيقيم فيهم حدوده وينفذ زمام الأمة، وكل ولاية مستمدة منه، وكل خطة دينية أو دنيوية متفرعة عن منصبه. فهو الحاكم الزمني والروحي للمسلمين4.
وعلى هذا فالخليفة هو الذي يتولى شئون المسلمين ويحكم بشريعة الله ويطبق أنظمة الإسلام في كافة مجالات الحياة الدنيا، اجتماعية كانت أو اقتصادية، أو تعليمية أو سياسية داخلية أو خارجية، وليس معنى قولنا "بيده زمام الأمة" أنه يحكم في الأمة حسبما يمليه عليه هواه أو تأمره به نفسه، كلا! بل إنه ملزم بتطبيق الدستور الإسلامي وهو مسئول أمام الناس عن مدى تطبيق النظام الإسلامي.
والخلافة صورة أصلية وتعبير صادق لجمع كلمة المسلمين وتوحيد أنظمتهم الدنيوية وسياستهم الخارجية، وهي عنوان على اتحاد وضعهم وقوتهم المعنوية والمادية. وهناك أدلة كثيرة تدعو إلى جمع المسلمين في كافة بلادهم وجميع
1 سورة الأنعام: 165. وانظر سورة فاطر: 39.
2 مقدمة ابن خلدون: ص166.
3 مقدمة ابن خلدون: ص166.
4 تاريخ الإسلام د. حسن إبراهيم: ص63.