الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: التشريع ومصادره
مدخل
…
المبحث الثاني: الشريعة الإسلامية ومصادرها
المعنى اللغوي لكلمة الشريعة:
الشرع مصدر شرع بالتخفيف، والتشريع مصدر شرع بالتشديد، والشريعة في الاستعمال اللغوي مورد الماء الذي يقصد للشرب، ثم استعملها العرب في الطريقة المستقيمة، وذلك باعتبار أن مورد الماء سبيل الحياة السلامة للأبدان. وكذلك الشأن في الطريقة المستقيمة التي تهدي الناس إلى الخير، ففيها حياة النفوس وري العقول.
المعنى الاصطلاحي للشريعة:
يراد "بالشريعة" كل ما شرعه الله للمسلمين من دين سواء أكان بالقرآن الكريم نفسه، أم بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم فالشريعة على هذا تشمل أصول الدين: أي ما يتعلق بتوحيد الله تبارك وتعالى وأسمائه وصفاته وكل ما يتعلق بالدار الآخرة وغير ذلك مما يدخل في بحوث علم التوحيد. كما تشمل كل ما يرجع إلى تهذيب النفس، والتحلي بالأخلاق الفاضلة مما يتصل بالعلم والأخلاق.
وبالإضافة إلى ذلك فإن الشريعة تشمل أحكام الله لكل عمل من أعمال العباد من حل أو حرمة أو ندب أو إباحة أو كراهية وهو ما يعرف باسم الفقه.
فالشريعة في الاصطلاح: هي كل ما شرعه الله تعالى لعباده من الأحكام التي جاء بها نبي من الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- سواء كانت متعلقة بكيفية عمل من الأعمال وتسمى فرعية وعملية، وقد دون لها علم الفقه، أو بكيفية الاعتقاد وتسمى أصولية واعتقادية، ودون لها علم الكلام.
الفرق بين الشريعة والفقه:
وقد فرق علماء الأصول بين كلمة الشريعة والفقه، فجعلوا الشريعة مرادفة للدين، وليست قاصرة على الفقه وحده إذ إنه لا يتعرض لموضوع الاعتقاد.
وقد عرفت اللغة العربية كلمة "الشريعة" قبل كلمة "الفقه" بزمن طويل، ذلك لأننا نجد مادة "شرع" ومشتقاتها قد وردت في آيات كثيرة من كتاب الله العزيز الحميد. كقوله جل من قائل:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} 1.
أما كلمة "الفقه" فإنها لم تأخذ معناها الاصطلاحي إلا بعد مضي صدر من الإسلام. يقول ابن خلدون في مقدمته:
"الفقه معرفة أحكام الله تعالى في أفعال المكلفين بالوجوب والحظر والندب والكراهة والإباحة، وهي متلقاة من الكتاب والسنة. ومن نصبه الشارع لمعرفتها من الأدلة، فإذا استخرجت الأحكام من تلك الأدلة قيل لها "فقه"2. الفقه الإسلامي ومصادره:
إن الفقه الإسلامي جزء من الشريعة، وقد اعتاد العلماء أن يطلقوا عليه اسم التشريع الإسلامي.
والفقه في اللغة معناه الفهم. وفي الاصطلاح: استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية.
ولم ينشأ التشريع الإسلامي كاملًا مرة واحدة، بل تدرج في مراحل النمو والنضج إلى أن بلغ قمة الكمال.
ولم ينتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى إلا بعد أن استكمل التشريع أصوله الأساسية التي استوى عليها قائمًا شامخًا كالطود العظيم.
ولم يبق للعلماء بعد عهد النبوة المجيد إلا الرجوع إلى ما تم في حياته صلى الله عليه وسلم.
1 سورة الجاثية: 18.
2 المقدمة: 1/ 65.
واستلهام ما أوحى الله إليه من كتاب وسنة، ثم التفريع والتطبيق حسب الظروف والأزمان والأحوال والمصالح.
مصادر التشريع:
قد دل سبحانه وتعالى على ما شرعه من الأحكام بأدلة عديدة، فبعضها دل عليه بنصوص القرآن، وبعضها دل عليه بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير. وبعضها دل عليه بطريق أشير إليه. أو بوضع أمارة على الحكم المطلوب في الواقعة.
وهذه المصادر يعبر عنها تارة بأدلة الأحكام ومرة بأصول الأحكام وأخرى بمصادر الاجتهاد. وكلها كلمات مترادفة معناها واحد، وقد عرف الأصوليون الدليل بأنه ما يستفاد منه حكم شرعي عملي على سبيل القطع، وأما ما يستفاد منه الحكم على سبيل الظن فهو أمارة وليس دليلًا، لكن المشهور في اصطلاحهم أن الدليل هو ما يستفاد منه حكم شرعي عملي مطلقًا، سواء أكان على سبيل القطع أم على سبيل الظن.
والأدلة الشرعية التي تستفاد منها الأحكام ترجع إلى أربعة هي: القرآن، والسنة، والإجماع، والقياس، وهذه الأدلة الأربعة اتفق جمهور العلماء على الاستدلال بها في الجملة، واتفقوا على أنها مرتبة في الاستدلال بها هذا الترتيب: القرآن فالسنة فالإجماع فالقياس. أي أنه إذا وقعت واقعة نظر في القرآن أولًَا، فإن وجد فيه الحكم أمضى، وإن لم يوجد فيها الحكم نظر في السنة، فإن وجد فيه الحكم أمضى، وإن لم يوجد فيها الحكم نظر في إجماع المجتهدين في عصر من العصور، فإن وجد فيه الحكم أمضى، وإن لم يوجد اجتهد في الوصول إلى حكم الواقعة بالقياس على ما ورد النص بحكمه.
والبرهان على الاستدلال بها هو قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} 1.
1 سورة النساء: 59.
فالأمر بطاعة الله وطاعة رسوله أمر باتباع القرآن والسنة، والأمر بطاعة أولي الأمر من المسلمين، أو باتباع ما اتفقت عليه كلمة المجتهدين من الأحكام، لأنهم أولو الأمر التشريعي من المسلمين. والأمر برد الوقائع المتنازع فيها إلى الله والرسول أمر باتباع القياس حيث لا نص ولا إجماع، لأن القياس فيه رد المتنازع فيه إلى الله وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه إلحاق واقعة لم يرد نص بحكمها بواقعة ورد النص بحكمها لتساوي الواقعتين في علة الحكم. فالآية الكريمة تدل على اتباع هذه الأربعة.
وأما الدليل على ترتيبها في الاستدلال بها، فهو ما رواه البغوي:"عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن قال: "كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ " قال: أقضي بكتاب الله. قال: "فإن لم تجد في كتاب الله؟ " قال: فبسنة رسول الله. قال: "فإن لم تجد في سنة رسول الله؟ " قال: أجتهد رأيي ولا آلو "أي لا أقصر في اجتهادي" فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال: "الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي الله ورسوله"1.
وما رواه البغوي عن ميمون بن مهران قال: كان أبو بكر إذا ورد عليه الخصوم نظر في كتاب الله، فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به، وإن لم يكن في الكتاب، وعلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر سنة قضى بها، فإن أعياه أن يجد في سنة رسول الله، جمع رءوس الناس وخيارهم فاستشارهم، فإن أجمع رأيهم على أمر قضى به، وكذلك كان يفعل عمر، وأقرهما على هذا كبار الصحابة ورءوس المسلمين، ولم يعرف بينهم مخالف في هذا الترتيب.
وتوجد أدلة أخرى عدا هذه الأدلة الأربعة لم يتفق جمهور المسلمين على الاستدلال بها، بل منهم من استدل بها على الحكم الشرعي، ومنهم من أنكر الاستدلال بها. وأشهر هذه الأدلة المختلف فيها: الاستحسان، والمصلحة المرسلة والعرف.. وهي في الواقع داخلة ضمنًا في المصادر الأربعة الأساسية، فالاستحسان قياس خفي، والمصلحة مرعية، والعرف معتبر.
وإليك الكلام عن المصادر المتفق عليها بقدر الحاجة إليها وأما المختلف
1 رواه أبو داود في كتاب الأقضية.