المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ما الذي تقدمه الثقافة الإسلامية للإنسان المعاصر: - أضواء على الثقافة الاسلامية

[نادية شريف العمري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: في محيط الثقافة

- ‌المبحث الأول: تعريف الثقافة

- ‌في الاستعمال اللغوي

- ‌في الاستعمال الاصطلاحي:

- ‌الفرق بين الثقافة والعلم:

- ‌العلاقة بين الثقافة والحضارة:

- ‌الثقافة الإسلامية:

- ‌الفرق بين الثقافة الإسلامية وغيرها من الثقافات:

- ‌المبحث الثاني: خصائص الثقافة الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌أولى هذه الخصائص أنها ربانية المصدر:

- ‌الخاصية الثانية: الثبات

- ‌الخاصية الثالثة: الشمول

- ‌خاصية التوازن:

- ‌خاصية الإيجابية:

- ‌خاصية الواقعية المثالية:

- ‌المبحث الثالث: أهمية دراسة الثقافة الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌الازدهار الحضاري للأمة الإسلامية:

- ‌تأثر الغرب بالثقافة الإسلامية:

- ‌الأدواء التي حلت بالمسلمين:

- ‌تفاعل المسلم مع ثقافته:

- ‌الأساسيات التي تقوم عليها الثقافة الإسلامية:

- ‌دور الثقافة الإسلامية في العصر الحديث:

- ‌ما الذي تقدمه الثقافة الإسلامية للإنسان المعاصر:

- ‌الفصل الثاني: ركائز الثقافة الإسلامية

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الإيمان والعقيدة

- ‌المبحث الثاني: التشريع ومصادره

- ‌مدخل

- ‌القرآن الكريم

- ‌مدخل

- ‌أسماء القرآن الكريم:

- ‌الآيات المكية والمدنية:

- ‌جمع القرآن الكريم:

- ‌جمع عثمان بن عفان، رضي الله عنه:

- ‌الأسلوب القرآني في الطلب والتخيير:

- ‌أساس التشريع في القرآن الكريم:

- ‌أنواع الأحكام الواردة في القرآن الكريم:

- ‌دلالة القرآن الكريم بين القطعية والظنية:

- ‌السنة الشريفة

- ‌مدخل

- ‌السنة في اللغة والاصطلاح

- ‌أقسام السنة باعتبار السند

- ‌أقسام السنة باعتبار ما يصدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌نسبة السنة المطهرة للقرآن الكريم:

- ‌مكانة السنة في التشريع:

- ‌الفصل الثالث: تحديات أمام الثقافة الإسلامية التيارات المعادية

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: النصرانية

- ‌مدخل

- ‌ الحروب الصليبية:

- ‌ التبشير:

- ‌أساليب التبشير:

- ‌تعاون التبشير واليهودية:

- ‌الاستشراق

- ‌مدخل

- ‌تاريخ الاستشراق:

- ‌خطر الاستشراق:

- ‌أمثلة من مظاهر تحامل المستشرقين:

- ‌وسائل المستشرقين لتحقيق أهدافهم:

- ‌المبحث الثاني: اليهودية

- ‌التوراة

- ‌ التلمود:

- ‌ البروتوكولات:

- ‌الجمعيات اليهودية:

- ‌موقف المسلمين من المبادئ اليهودية:

- ‌المبحث الثالث: الشيوعية

- ‌مدخل

- ‌الترابط الوثيق بين الشيوعية واليهودية:

- ‌مقومات الماركسية

- ‌مدخل

- ‌ التفسير المادي للتاريخ

- ‌إلغاء الملكية الفردية والقضاء على الأسرة

- ‌القضاء على الدين

- ‌القضاء على الأخلاقيات

- ‌الغزو الشيوعي:

- ‌المبحث الرابع: التغريب

- ‌مدخل

- ‌العلمانية

- ‌مدخل

- ‌موقف الإسلام من العلمانية:

- ‌مجالات نشر العلمانية:

- ‌العلمانية والإعلام:

- ‌القومية

- ‌مدخل

- ‌كيف دخلت القومية إلى البلاد الإسلامية:

- ‌الفصل الرابع: الجوانب العملية في الثقافة الإسلامية

- ‌توطئة

- ‌المبحث الأول: الجهاد فريضة مستمرة

- ‌مدخل

- ‌تعريف الجهاد:

- ‌وللجهاد سبل كثيرة يتحقق بكل واحد منها

- ‌تاريخ تشريع الجهاد في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌سبب تشريع الجهاد:

- ‌مراحل تشريع الجهاد:

- ‌فضل الجهاد

- ‌مدخل

- ‌أجر المجاهدين:

- ‌من هو الشهيد:

- ‌مبحث شروط المجاهدين في الإسلام

- ‌حكم الجهاد

- ‌مدخل

- ‌أدلة وجوب الجهاد:

- ‌الإعداد للجهاد

- ‌مدخل

- ‌إعداد معنوي

- ‌إعداد مادي

- ‌أخلاق المسلمين في القتال:

- ‌ومن مظاهر رأفة الإسلام في الحرب:

- ‌المعاهدات في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌الشروط التي يجب تحققها في المعاهدة

- ‌الوفاء بالمعاهدات:

- ‌المبحث الثاني: التضامن الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌أسباب انقسام الأمة الإسلامية:

- ‌تاريخ الدعوة إلى التضامن الإسلامي:

- ‌أول مجتمع قام على أساس التضامن:

- ‌أسس التضامن الإسلامي

- ‌مدخل

- ‌ الأخوة الإيمانية:

- ‌ التكافل الاجتماعي:

- ‌ الشورى:

- ‌ العدل:

- ‌الخلافة وأثرها على وحدة الأمة الإسلامية:

- ‌واجب المسلمين لتحقيق التضامن الإسلامي:

- ‌دواعي التضامن الإسلامي:

- ‌الفهرس

الفصل: ‌ما الذي تقدمه الثقافة الإسلامية للإنسان المعاصر:

تكامل ونقاء التصور الإسلامي المنسجم1.

حينما حاول الشيوعيون نشر مبادئهم الهدامة في الشرق الإسلامي استعملوا كلمة "الاشتراكية" لتحل محل الشيوعية ظنًّا منهم أن استعمال تعبير مغاير يخفي نواياهم ومكائدهم يحقق لهم أغراضهم الخبيثة في البلاد الإسلامية، ولكن الاشتراكية لم تحقق لهم النجاح المنشود؛ حتى في أخص مجال يدعون إليه وهو النظام الاقتصادي وملكية الدولة لوسائل الإنتاج، فلجئوا إلى استعمال تعبير آخر متطور ومخالف للأول وهو "اليسارية" زاعمين أن هذا المبدأ يمثل الأسلوب الثوري المعارض في أي بلد وجد، وليس له علاقة في رفض دين التوحيد، وإشاعة الإباحية والفوضوية الخلقية والاجتماعية.. وهكذا فإن التيارات المعادية للفكر الإسلامي تلبس كل يوم لباسا جديدا، وتتخذ أسلوبا متغيرا، وهي في حقيقة أمرها تهدف إلى طعن المسلمين في ديارهم، وفي عقيدتهم وفي أخلاقهم، كما تهدف إلى تشويه البناء الإسلامي الكامل.

ولهذا فإن الثقافة الإسلامية يجب أن تتخذ الوسائل المتغيرة المتطورة التي تتناسب مع كل عصر وتتلاءم مع كل بيئة، لتحمي الإنسان المسلم، ولتحمي العقيدة الإسلامية، ولترد كيد الأعداء2.

والثقافة الإسلامية زاد ضروري لكل مسلم يريد أن يعيش حياة إسلامية في ظل عقيدة التوحيد، وهي سلاح قوي بيد كل مسلم يملك العزم الإيماني والإرادة القوية ليواجه تحديات العصر، ويتغلب عليها. قال تعالى:{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} 3، فخير زاد للإنسان المسلم الواعي ثقافة إسلامية تحصن عقله ونفسه وأسرته، ليتقدم في ركب الحياة ويعايش أحداث العصر.

1 ثقافة المسلم في وجه التيارات المعاصرة د. عبد الحليم عويس ص25.

2 المصدر السابق.

3 سورة البقرة: 197.

ص: 52

‌ما الذي تقدمه الثقافة الإسلامية للإنسان المعاصر:

لقد وصلت الإنسانية اليوم في الجانب العلمي إلى كنوز ضخمة من كنوز المعرفة والتقنية "Tec hnology" ولكنها لم تصل إلى الأمن والاطمئنان الذاتي

ص: 52

في الجانب الإيماني الروحي بل ما زالت تحس بالفراغ الداخلي الذي يولد قلقا نفسيا رهيبا، واضطرابا روحيا مريرا.

ذلك لأن الإنسان الغربي حينما وجد أن المنهاج التجريبي مفيد، في مجال العلوم الطبيعية، امتلكه الغرور والعجب، وأراد أن يتخذ الواقعية المنطقية منهاجا له في مجال الفكر والروحانيات، فاعتمد على الحواس كوسيلة من وسائل المعرفة، فما لمسه ورآه آمن به وما غاب عن بصره ولمسه وسمعه أنكره وجحده.

ولم يقف في يوم ما ليفكر في أن عالم الروحانيات يختلف اختلافا شاسعا عن عالم المادة، وما يقع تحت الحواس من العوالم الكونية، لا تدركه الحواس في عالم ما وراء المادة، وما وراء الطبيعة.

وكان هذا الجهل في تفهم عالم الروحانيات أثرا من آثار الثقافة الغربية وسببا في شقاء الإنسان الغربي.. ونشأ عن هذه الثقافة أن انقطعت الصلة بين القيم الخلقية، والآفاق الإيمانية من جهة وبين الإنسان من جهة ثانية، ومن ثم فإن حياته قد تحولت إلى مادة يدور في فلكها، وإلى أرقام حسابية يلهث من أجل تحصيل أكبر رقم حسابي.. أما الإيمان بوحدانية الإله، أما تحكيم القيم والمثل في حياته العملية والعاطفية، فهذا لا وجود له عند الإنسان الغربي المعاصر.. ونتج عن عدم إيمانه بالروحانيات قلق نفسي أحسه الفرد الغربي داخل كيانه، وشعور بالضياع أخذ ينتابه صباح مساء، كما أحس بالاضطراب بين واقعه الذي يغرق بالمادة والعبث واللهو وبين نداءات فطرية خفيفة بين الحين والآخر تدعوه للالتزام بشيء من القيم والمثل في حياته..

وإذا نظرنا إلى هذا الإنسان من زاوية الثورات التي قام بها ضد الظلم والاستبداد فإننا نجد أنه قد وضع نفسه تحت شعارات جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع.

وفي هذا التيه الذي يتخبط فيه الإنسان المعاصر غير المسلم حاول أن يتقمص شخصيات مختلفة لعلها توصله إلى شاطئ الأمان، وتمنحه سعادة ضائعة، وراحة نفسية مفقودة.. فتقمص الشخصية العلمية التي حددها هكسلي "Huxley"، ثم الشخصية الجنسية التي رسمها "فرويد" ثم شخصية الرجل

ص: 53

الاقتصادي التي وصفها "ماركس".. وفي جميع هذه المحاولات لم يتحقق للفرد الغربي ما يريد، ولم يصل إلى السعادة الحقيقية ولا إلى الاطمئنان النفسي، بل على خلاف ذلك زادته هذه المحاولات وتلك الثقافات حيرة وقلقا وضياعا1.

وعلى هذا يمكننا أن نقول: إن الثقافة الغربية قد أورثت الإنسان الغربي الانحراف الخلقي والضياع الذاتي، والخواء الإيماني والفراغ الروحي.. وهذا ما يؤدي إلى عذاب نفسي داخلي يحس فيه الفرد في أعماقه، فيختل التوازن في شعوره ومداركه، التوازن الذي يجب أن يتحقق بين الواقع المادي للحياة وبين القيم التي يؤمن بها، ولكن الإنسان الغربي يفقد هذا التوازن بين الواقع المادي الذي يعيشه وبين القيم التي تخلى عنها حتى اندثرت في طيات النسيان، وغدت الحياة كلها في تصوره لذة عاجلة ومتعة عابرة.. ولم يبق أي أثر للقيم الروحية وللتصور الفكري.. وهكذا فقد شوهت الثقافة الغربية معالم الإنسانية لدى الفرد الغربي2.

وكذلك وحَذْوُك الفشل بالفشل فإن الثقافة الشيوعية شوهت معالم الفرد الشيوعي ومسخت كيانه وجعلته نقطة تدور في دائرة فراغية حتى إذا ما تحسس نفسه وجدها أشلاء متهافتة متناثرة.. هذه الثقافة تفقد الإنسان ذاتيته وتقضي على مستقبله، وتجعله يلهث وراء سراب، فلم يصب من الدنيا حظًّا جديرا بالكدح، ولا يأمل في غد مشرق، ولا في آخرة تعوضه ما فاته في دنياه3.

وهكذا رأينا كيف تتهاوى جميع الثقافات المعاصرة، وتتساقط حاملة عنوان الإخفاق والخذلان، دون أن تحقق للإنسان المعاصر أدنى راحة وأدنى أمن، وهنا يأتي دور الثقافة الإسلامية لإنقاذ البشرية مما تعانيه من قلق وحيرة واضطرابات نفسية.

فالثقافة الإسلامية هي الدواء وهي العلاج للآلام الحقيقية التي يعانيها الإنسان المعاصر -غربيا كان أو شرقيا، رأسماليا كان أو شيوعيا..

1 خصائص التصور الإسلامي لسيد قطب. ص82.

2، 3 من تفسير ظلال القرآن. المجلد الثاني ص250.

ص: 54

يقول "C.Wright Mills""إن زماننا لهو زمان القلق وعدم الاهتمام واللا مبالاة بصورة لا تسمح للعقل أن يفعل مفعوله الهادئ، ولا تسمح للحياء أو الشعور الرقيق النبيل أن يفعل مثله"1.

ويقول البروفسور "Z.Bouman": "مهما تختلف محاولات الإصلاح بين كونها جسورة أو خجولة، بعيدة المرمى أو حذرة فإنها جميعا تتفق على أن الأفكار الموجهة للحضارة أو الثقافة الجديدة، "المنشودة" يجب ألا يبحث عنها في الأشكال العادية أو المألوفة فإن المطلوب عمله ضرورة: لهو شيء أبعد مدى بكثير من مجرد إعادة تشكيل أو إعادة تنظيم للآراء السائدة"1.

وهكذا فإن الكتاب والمفكرين الغربيين يدركون تماما الاضطراب الفكري والقلق النفسي الذي وصل إليه الإنسان المعاصر الغربي، وهذا الاضطراب ناتج عما حشر في الفكر الغربي من زيف، وما زين له من باطل، وناتج أيضا عن انحراف الإنسان نفسه عن الفطرة السليمة حتى أصبح الوصول إلى الحقيقة أمرا متعذرا صعبا يحتاج إلى ثقافة جديدة تختلف عما عرفه الغربيون والشرقيون من ثقافات مألوفة قاصرة عن إيجاد السلام النفسي والاطمئنان إلى حياة سعيدة..

وهذه الثقافة التي تخيلها "بومان" والتي قال عنها: إنها أبعد بكثير من إعادة تشكيل وإعادة تنظيم للآراء السائدة.. ما هي إلا الثقافة الإسلامية، لكنه ما استطاع أن يصل إلى تحديد اسمها لأنه لم يتلق الصورة الحية الصادقة عن ثقافتنا الإسلامية.. أجل إنها هي وحدها التي تنقذ الإنسانية مما تعانيه من قلق وحيرة، وهي وحدها البديلة للآراء السائدة في أوربا وأمريكا وفي البلاد الخاضعة للأنظمة الشيوعية.

يقول الكسيس كاريل في كتابه "الإنسان.. ذلك المجهول": "إن الحضارة العصرية تجد نفسها في موقف صعب لأنها لا تلائمنا. فقد أنشئت دون أية معرفة بطبيعتنا الحقيقية، إذ إنها تولدت من خيالات الاكتشافات العملية، وشهوات الناس وأوهامهم، ونظرياتهم ورغباتهم، وعلى الرغم من أنها أنشئت

1 مجلة المسلم المعاصر - عدد "16" بحث عن الدعوة للالتزام خالد إسحاق.

ص: 55

بمجهوداتنا إلا أنها غير صالحة بالنسبة لحجمنا وشكلنا"1.

إن مصير الإنسان في تلك الحضارة مصير مؤلم يتخبط فيه، ونهاية مفجعة تتمثل في حلول انتحارية ومشكلات معقدة وتصرفات شاذة وتطورات مفسدة.. وكانت المذاهب الهدامة والقوانين الوضعية قد حفزت الكثير من مفكري الغرب العقلاء إلى الدعوة بحرارة لإيجاد ديانة أو البحث عنها، لكون فيها خلاص الناس ويتحقق بها الهناء الذي يتوق إليه الناس في هذا العصر.

وأشير هنا إلى أقوال الذين بحثوا بإمعان وأوصلتهم نزاهة بحثهم -رغم أنهم من الأعداء- إلى أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يستطيع أن ينقذ الإنسانية المعذبة التي تسير نحو الهاوية.

يقول "برناردشو": "إنه لن ينتعش العالم من كبوته إلا إذا أخذ بتعاليم الديانة الإسلامية، ولا بد من هذه النتيجة من نحو قرنين من الزمان"2.

ويقول "جواكيم راي يولف": "إننا إذا طالعنا مبادئ الإسلام ودرسنا قواعده بنظر عميق وبصيرة نافذة تجلت لنا حقيقة ناصعة وهي أن المسلمين المعاصرين قد بعدوا عن هذه المبادئ السامية بعدا شاسعا، وإن ظهرت فيهم روح قوية ذات عزيمة ثابتة توجههم للتمسك بركائز الإسلام، فإن قوتهم ستبلغ عنان السماء، ويكونون باعتبار الأخلاق والعلم والاجتماع منارة العالم كله. ولا يهمني الآن خطورة سياسة الإسلام، بل أود أن أبحث ناحية من نواحيه المختلفة عله يتأمل فيها أحد من الأوروبيين، إن هذه الأحكام والشرائع تتعلق بما فرضه القرآن الكريم على معتنقيه من التمسك بمبادئ الحق والخير وأوضح مثال على ذلك المحافظة على الصحة الجسمية العامة وبذلك أستطيع أن أقول: إن القرآن يمتاز بهذا الاعتبار امتيازا بارزا عن الكتب السماوية بتأكيد، بالانسجام الكامل والوضوح التام وهذا ما يوجب على الأمم الأوروبية التي تدعي الثقافة والحضارة أن

1 نقلا عن: مجلة حضارة الإسلام السنة العشرون العدد الثاني مقال بعنوان هذا الدين جمال وكمال للأستاذ محمد إبراهيم بخات.

2 كتاب "قالوا في الإسلام" ص35.

ص: 56

تغبط المسلمين، إن فضائل التعاليم الإسلامية بارزة بروز الشمس وخاصة أسسها.. وثمة سؤال يأتي في هذا السياق، وهو: لماذا حاد المسلمون عن طريق الإسلام وانصرفوا عن التعاليم القرآنية ونبذوها وراء ظهورهم"1.

ذلك قول حق على لسان غير المسلم يشهد أن المستقبل للإسلام، لأنه الدين الوحيد الذي يواكب الحضارة، بل يحقق الحضارة الصحيحة.

ويقول المؤرخ "ولز": كل دين لا يسير مع المدنية في كل طور من أطوارها فاضرب به عرض الحائط ولا تبال به لأن الدين الذي لا يسير مع المدنية جنبا إلى جنب لهو شر مستطير على أصحابه يجرهم إلى الهلاك، وإن الديانة الحقة التي وجدتها تسير مع المدنية أنَّى سارت هي الديانة الإسلامية، وإذا أراد الإنسان أن يعرف شيئا من هذا فليقرأ القرآن الكريم، وما فيه من نظريات علمية وقوانين وأنظمة لربط المجتمع فهو كتاب ديني علمي اجتماعي، تهذيبي، خلقي، تاريخي.. وإذا طلب مني أحد أن أحدد له الإسلام فسأقول له: الإسلام هو المدنية، وهل في استطاعة إنسان أن يأتي بدور من الأدوار التي ظهر فيها الإسلام مغايرا للمدنية والتقدم"2.

فهذه شهادة ناطقة بالحق معبرة بصدق عن روعة الإسلام وحضارته المعطاءة، وهذه شهادة تنم عن حقائق جلية تؤيدها وقائع الحضارة الغربية المفلسة من القيم العليا والمثل السامية الموافقة للفطرة الإنسانية.

وعلى هذا فإن الثقافة الإسلامية هي وحدها التي تحقق الرخاء والهناء للإنسان المعاصر بما تملك من مصادر أصلية حقيقية تعطي تصورا متكاملا وشاملا عن الحياة، فهي تحدد علاقة الإنسان بربه، وعلاقة الإنسان بالكون، كما تحقق الانسجام في علاقات الكائنات، وتجعلها جميعا بما فيها الطبيعة مخلوقة لله الذي تفرد بالربوبية والألوهية.

والثقافة الإسلامية تهب الإنسانية حياة روحية سعيدة لا تستلزم الهروب إلى الصومعة أو إلى الدير، ولكنها تدعو إلى أداء الطاعة والعبادة مع الجماعة.

1 عن مقالة له نشرت بالمجلة الألمانية "دي هايف" ترجمها نشار أحمد الأعظمي ونشرها بجريدة الرائد بالعددين 23، 24 السنة "15"، تحت عنوان "شهادة الأقوام على صدق الإسلام".

2 كتاب "الإسلام أبدًا" ص 22، 23 منقول عن مجلة حضارة الإسلام عدد "2" السنة العشرون.

ص: 57

والثقافة الإسلامية تربأ بالإنسان أن يندفع وراء أطماع قريبة أو جشع مادي كما أنها لا تفسح مجالا لحصول منازعات وخصومات وصراعات من أجل جر مكاسب مادية أكبر كما تصنع الثقافة المادية.

وفوق هذا كله فإن الثقافة الإسلامية تتيح لكافة المسلمين المؤمنين حياة راقية تتدرج في مدارج الكمال والتقدم العلمي لكي يبقى المسلم محافظا على التوازن بين الحياة الفردية والحياة الجماعية، بين المادة والروح، بين الدنيا والدين.

والثقافة الإسلامية هي وحدها التي تلبي الحاجات المعقولة، وتحقق الرغبات الضرورية للجنس البشري، وهي في الوقت ذاته تمنع من الانحراف الخلقي، أو الانهيار النفسي، أو الجنوح السلوكي بما تتضمنه من توجيهات ربانية وإرشادات إلهية في القيام بالتكاليف التي تهدف إلى رفع الإنسان في سلم الارتقاء الذاتي والروحي والفكري والعاطفي، بحيث يصبح المسلم المثقف ثقافة إسلامية قوة خير موجهة تألف وتؤلف وتؤدي واجبها راضية وتأخذ حقها قانعة.. وهنا تكمن عظمة الثقافة الإسلامية التي تتمثل في إقامة مجتمع صالح يعيش أفراده بأخلاقية حقيقية بين أخذ وعطاء، وأمر بمعروف ونهي عن المنكر، وإقرار للحق ورفع للظلم، وترفع عن الرذائل والدنايا وتجنب للخبث والفحش.. وبهذا تتجلى مثالية الإنسان وواقعيته فهو يأخذ من الطيبات بحدود ما أحل الله، ويبتعد عن كل خلق ذميم أو قول بذيء أو فعل مشين، كما تتجلى شخصية المسلم المتميزة. وشخصيته الجماعية المرتبطة بالجماعة الإسلامية المتماسكة بها، المتعاونة معها، الراعية لتحقيق مصالح غيرها.. كما ترعى تحقيق مصالحها تماما وهكذا تبقى الذات الإنسانية في إطار الثقافة الإسلامية في المستويين الفردي والاجتماعي عاملة ومؤثرة بتوازن والتزام.

وهذا العطاء الذي تغدقه الثقافة الإسلامية على الإنسان المسلم عطاء متفرد متميز، لم تصل إليه أية ثقافة شرقية أو غربية.

والثقافة الإسلامية تقدم الكثير والكثير للبشرية، إنها إنسانية العطاء.. "وإن المجتمعات الصناعية المتقدمة منهجيا وتجريبيا وماديا، كالمجتمعات

ص: 58

الأوروبية والأمريكية تجد في الثقافة الإسلامية مكانا، وتجد من يأخذ بيدها في هذا المكان، فيرقى بها في المرتقى الصاعد إلى القمة العالية الرفيعة، تلك القمة التي حققها الإسلام في فترة حية من فترات التاريخ الإنساني"1.

وقبل كل شيء فإن الثقافة الإسلامية وحدها هي التي تحرر البشر من عبودية البشر، لأنها تستمد تصورها ومبادئها، وموازينها وقيمها، وشرائعها وقوانينها، وأوضاعها وتقاليدها من الله سبحانه، فإذا أوجبت طاعة التشريع فإنما هي طاعة الله وحده، وإذا أمرت بتنفيذ نظام فإنما تأمر بالخضوع لله رب العالمين.. وحده لا شريك له.

1 تفسير الظلال لسيد قطب. المجلد الثالث ص 150.

ص: 59