الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومرة هو خروف الله، ومرة هو "في الله" ومرة هو في تلاميذه وتلاميذه فيه، ومرة هو علم الله وقدرته، ومرة لا يحكم على أحد ولا ينفذ إرادته، ومرة هو نبي وغلام الله، ومرة أسلمه الله إلى أعدائه، ومرة قد انعزل الله له عن الملك، وتولاه هو، وصار يولي أصحابه خطة التحريم والتحليل في السموات والأرض، ومرة يجوع ويطلب ما يأكل، ويعرق من الخوف، ويفشل فيركب حمارة ويؤخذ ويلطم وجهه ويضرب رأسه بالقصبة، ويميته الشرطة، ويصلب بين سارقين، ومات ودفن، ثم قام بعد الموت فلم يكن له من هم بعد أن قام إلا طلب ما يأكل، ثم انطلق إلى شغله"1.
ومع ذلك -فنحن المسلمين- ندعو الناس إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة، ونقول لأهل الكتاب:
لكن النصارى، منذ ظهور الإسلام، اتخذوا الموقف المعادي للمسلمين، وأعلنوها حربًا طاحنة، واستعانوا بكل قوى البغي والعدوان، واستعملوا أسلحة مادية فتاكة وأخرى فكرية، وتتمثل الأولى بالحروب الصليبية والثانية بالتبشير.
وسأعرض هذين الموضوعين، وغيرهما مما يعتبر أداة من أدوات الصليبية لتضليل الرأي الإنساني العالمي، ولبث الدعايات الباطلة ضد المسلمين، ولإشاعة الشبهات ضد الإسلام نفسه.
1 الفصل: 2/ 69.
2 سورة آل عمران: 64.
1-
الحروب الصليبية:
يخطئ كثير من الباحثين خطأ جسيمًا حينما يرجعون الحروب الصليبية إلى أسباب اقتصادية. والحقيقة التي لا مراء فيها أن الهدف الأساسي من هذه الحروب ضرب المسلمين في ديارهم والاعتداء على حرماتهم واستغلال خيرات
بلادهم، وامتلاك منابع الثروة الطبيعية في أوطانهم
…
والدليل على ما نقول: اشتراك رجال الكنيسة من القسيسين والرهبان في هذه الحروب اشتراكًا فعالًا، وحماستهم الشديدة لإثارة روح الحقد والنقمة ضد المسلمين، واستماتتهم في سبيل رفع يد المسلمين عن البلاد التي دانت لهم، ودخل أهلها في دين الله طائعين راغبين. وقد كانوا يفصحون عن نواياهم الخبيثة في إبعاد سلطان المسلمين عن الأقطار المفتوحة، وبسط سلطة الكاثوليك. ولم يمنعهم الحياء والأدب وحسن المعاملة التي لمسوها من المسلمين أن يعبروا عن لؤمهم الخبيث، ويعلنوا عن إرادتهم في استئصال شأفة أمة محمد "قاتلهم الله أنى يؤفكون".
يذكر التاريخ أن الحملة الصليبية* عند دخولها بيت المقدس في 15 يوليو عام 1099م الموافق 3 رمضان عام 493هـ. قد ذبحت أكثر من سبعين ألف مسلم حتى سبحت الخيل إلى صدورها في الدماء. وفي أنطاكية قتلوا أكثر من مائة ألف مسلم1.
فالأمر إذن جد خطير، إنه حقد الشر على الحق، والرذيلة على الفضيلة، وعداوة الشرك للتوحيد، وخصومة الضلال للهدى.
وقد صمدت الأمة الإسلامية في وجه هذه الحروب الوحشية التي سلبت ونهبت، وقتلت وفتكت، وتيقظ الإيمان في قلوب المسلمين، واتقدت شعلة الحماسة الدينية في نفوسهم، وتجلت البطولة في أسمى صورها، فإما حياة
* الحروب الصليبية: لقد بدأت الحروب الصليبية منذ منتصف القرن الحادي عشر واستمرت حتى نهاية القرن الثالث أي ما يقرب من مائتين وخمسة وعشرين عامًا. في ثماني حملات من الحملات المدججة بالعدد والمعدات.
ويصف كاهن مدينة لوبوي ريموند داجيل سلوك الصليبيين حينما دخلوا على القدس فيقول:
حدث ما هو عجيب بين العرب عندما استولى قومنا على أسوار القدس وبروجها، فقطعت رءوس بعضهم فكان هذا أقل ما أصابهم، وبقرت بطون بعضهم فكانوا يضطرون إلى القذف بأنفسهم من أعلى الأسوار، وحرق بعضهم في النار فكان ذلك بعد عذاب طويل، وكان لا يرى في شوارع القدس وميادينها سوى أكداس من رءوس العرب وأيديهم وأرجلهم، فلا يمر المرء إلا على جثث قتلاهم، ولكن كل هذا لم يكن سوى بعض ما نالوه. "حضارة العرب د. غوستاف لوبون ترجمة عادل زعيتر، ط/ الثانية عام 1948 ص402".
وروى الكاهن نفسه خبر ذبح عشرة آلاف مسلم في مسجد عمر -رضي الله تعالى عنه- فقال:
"لقد أفرط قومنا في سفك الدماء في هيكل سليمان فكانت جثث القتلى تعوم في الساحة هنا وهناك، وكانت الأيدي والأذرع المبتورة تسبح كأنها تريد أن تتصل بجثث غريبة عنها فإذا ما اتصلت ذراع بجسم لم يعرف أصلها، وكان الجنود الذين أحدثوا تلك الملحمة لا يطيقون رائحة البخار المنبعثة من ذلك إلا بمشقة".
1 حاضر العالم الإسلامي تأليف لوثروب ستودارد ترجمة نويهض. ج1 ص60.