الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عزيزة كريمة تظللها راية التوحيد، ويسودها العدل والسلام، وإما موت في سبيل هذا الدين الذي رضيه الله تعالى لعباده والموت في ساحة الشرف أسمى أماني المسلم.
وبعد مضي قرنين كاملين من حروب دامية اشتد وطيسها بين كتائب الإيمان وبين جحافل الشر ارتدت الحروب الصليبية بعد أن تكسرت نصالها أما الصمود القوي، والصبر والثبات، والشجاعة والبطولة، والبذل والفداء والتضحية، وبعد أن أدركوا تمامًا أن الإيمان لا يغلب، وأن الله تعالى يحقق وعده للمؤمنين بالنصر الأكيد، إذا ما صدقوا، وإذا ما صبروا.
وقد سجل التاريخ صفحات مشرقة لسير أبطال المسلمين في هذه الحروب ما يستدعي الإجلال والإكبار لهؤلاء الرجال الذين تمسكوا بالإيمان، وقاوموا الأعداء من أجل عقيدة التوحيد.
2-
التبشير:
بعد ارتداد الحروب الصليبية منهزمة أمام قوة المسلمين، اتخذ الصليبيون وسيلة أخرى لإضعاف الروح الإسلامية في نفوس المسلمين، هذه الوسيلة هي التبشير، وذلك بعد أن أدركوا يقينًا أن الحروب بقوة السلاح المادي لا تجدي شيئًا، بل إنها تكون في كثير من الأحيان باعثًا على وحدة المسلمين وإظهار قوتهم المعنوية والمادية.
يقول "رستز":
"خابت دول أوربة في الحرب الصليبية الأولى عن طريق السيف، فأرادت أن تثير على المسلمين حربًا صليبية جديدة عن طريق التبشير، فاستخدمت لذلك الكنائس والمدارس والمستشفيات، وفرقت المبشرين في العالم، وهكذا تبنت الدولة حركة التبشير لمآربها السياسية ومطامعها الاقتصادية، ولقد استطاع "ريمون لول" في عام 1299 وعام 1300 للميلاد أن يحصل على إذن من الملك يعقوب صاحب أوغونة ليبشر في مساجد برشلونة محتميًا بالسلطة المسيحية في إسبانيا"1.
1 التبشير والاستعمار: ص115.
ويعتبر عام "1299" أول عهد الأوربيين بالتبشير كما يعتبر "ريمون لول" أول من تولى التبشير بعد أن فشلت الحروب الصليبية في مهمتها، فقد تعلم "لول" اللغة العربية، وجال في بلاد الإسلام وناقش علماء المسلمين في بلاد كثيرة1.
وإلى جانب تطواف "لول" في البلاد العربية، كانت السفن البحرية الأوروبية تطوق البلاد الإسلامية، وتفرض حولها شبكة من التجسس، فتدمر حضارتها، وتفتت ركائز قوتها.
وتسلل المبشرون إلى داخل العالم الإسلامي للقيام بمهمة التجسس، واستطلاع نقط الضعف وكشفها، وبث الأعوان، ونشر القلاقل والفتن والشبهات.
"ويأتي المبشر تحت علم الصليب كما يقول الأب شانتور يحلم بالماضي وينظر إلى المستقبل، وهو يصغى إلى الريح التي تصفر من بعيد من شواطئ رومية ومن شواطئ فرنسا، وليس من أحد يستطيع أن يمنع الريح من أن تعيد على آذاننا قولها بالأمس، وصرخة أسلافنا "الصليبيين" من قبل إن الله يريدها"2.
ولم يتهاون الصليبيون في يوم ما منذ انقضاء الحروب الصليبية وإلى الآن في توجيه مؤامراتهم، وفي تكثيف خططهم لضرب العالم الإسلامي للقضاء على كل قوة تجمعه وتشده إليها، وما زالوا يشنون غاراتهم، الغارة تلو الأخرى على البلاد الإسلامية لتجلعها منطقة خاضعة لحكمهم الاستعماري.
وعلى هذا فالتبشير ما هو إلا ستار شفاف أو واجهة مزيفة تخفي تحتها أطماعًا استعمارية تريد أن تحقق غزوًا حضاريًا. وكثيرًا ما يظهر التبشير في مناسبات شتى مرادفاً تمامًا لمعنى الاستعمار. ذلك لأن رجال الكنيسة الكاثوليكية يعتبرون التبشير بمذهبهم عملًا وطنيًّا.
1 الغارة على العالم الإسلامي ترجمة الأستاذ محب الدين الخطيب: ص 18.
2 التبشير والاستعمار: 3/ 28.
يقول "رينيه بوتيه" في كتاب "الكاردينال لافيجيري":
"إن العمل الوطني الذي قام به لافيجيري بدأ مع عمله التبشيري عندما بدأ بنشره على السوريين، تلك العطايا التي تمنحها الكنيسة الكاثوليكية أنه جعل فرنسا محبوبة لدى السوريين باسم المسيح"1.
ومن الوضوح بمكان تآزر التبشير مع الهيئات السياسية للوصول إلى أغراضه اللئيمة ونواياه الاستعمارية، وقد اقترح أحد المبشرين أن تتعاون بريطانيا مع فرنسا على سياسة السيطرة على الشواطئ، حيث يمكن وصول آلات القتال الحديثة بسهولة، ذلك لأنه رأى أن الإسلام يتزايد عدديًّا، ولم يتفق قط أن شعبًا دخل في الإسلام ثم عاد نصرانيًّا2.
وقد اعتمد المبشرون على إثارة النزعات الطائفية والقومية في صفوف المسلمين وعملوا على إحياء الحركات الشعوبية المعادية للمبدأ الإسلامي، فروجوا للقومية العربية التي تنتمي إلى فترات تاريخية مندثرة، وإلى الفرعونية التي تنتمي إلى حجارة الأهرام في مصر، وإلى الفينيقية في الساحل السوري، وإلى الآشورية في العراق.
وقد امتصت هذه الاختلافات القومية والطائفية قواهم الذاتية، إذ وجدت من يهتف بها ويغني لها، وما زال التبشير يبحث عن معول آخر يهدم به التضامن الإسلامي، وعن نزعات سياسية أخرى تفتت رابطة العالم الإسلامي وتبعثر قواه وكأن اللورد "جلاد ستون" حينما صرخ بمجلس العموم البريطاني وقد أمسك بنسخة من القرآن الكريم قائلًا "ما دام هذا القرآن موجودًا فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان" يتمثل للمبشرين دائمًا، يدعوهم لأن يحكموا خططهم ويحزموا أمرهم3.
وإن أمتنا اليوم تبحث عن حل لتتجنب مكائد التبشير وخططه، وستصل إلى حل يجعلها في أمان من يد التبشير والاستعمار بإذن الله ولو كره المشركون.
1 التبشير والاستعمار: 3/ 39.
2 التبشير والاستعمار: ص135.
3 انظر كتاب ثقافة المسلم في وجه التيارات المعاصرة: ص99.