الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: اليهودية
التوراة
…
الأول: التوراة:
جاء في دائرة المعارف البريطانية: "التوراة ليست كتابًا واحدًا ولكنها تتكون من مجموعة من الكتب، استغرق تأليفها قرونًا عديدة. وإنها لم تكتب بلغة واحدة ولكنها كتبت بالعبرية ثم استكملت باللغة الآرامية. وضمت آخر كتبها باللغة الإغريقية، وقد اشترك في كتابتها رجال لهم قدر من العلم وآخرون حظهم من المعرفة ضئيل"1.
وهناك من يرى أن التوراة الأولى كتبت باللغة المصرية القديمة، لأن موسى عليه السلام كان يتحدث الهيروغليفية.
والتوراة تبين تعاليم الديانة اليهودية.
وقد اعتبر بعض اليهود أن اليهودية ديانة وضعية "شأنها شأن جميع الديانات التي انتشرت في المنطقة خلال العهد الوثني وعلى رأس أصحاب هذا الرأي "سيجموند فرويد" الذي ذكر في كتابه "موسى والوحدانية" بأن موسى كان زميلًا لأخناتون في المعهد العالي للدراسات اللاهوتية في مدينة هليوبوليس، وقد انتهت أبحاث ذلك المعهد إلى وجود خالق للكون هو الله. وبأن هناك بعثًا
1 أضواء على الصهيونية: ص31.
وجزاء"1.
وهناك من يرد سبب تحريف التوراة إلى أنها جمعت خلال فترات طويلة تمتد إلى ثمانية قرون.
وقد أصبح معروفًا لدى كافة العقلاء وهو ما نجزم به نحن المسلمين ذلك لما ملئت به التوراة من تناقضات وتُرَّهات وخرافات لا تليق بالوحي الكريم ولا برسالة السماء ورسل الله2.
وقد صورت التوراة الله -سبحانه عما يقولون- إلهًا خاصًّا ببني إسرائيل لا يحب سواهم. فالله في التوراة -إله خاص- لا يحب إلا بني إسرائيل، وأما سائر الناس فأغنام وأقل من أن يأبه بهم الرب.
والأنبياء في التوراة يفعلون الفاحشة التي يتنزه عنها الإنسان العاقل سليم الفطرة، فضلًا عن صالح المؤمنين فضلًا عن النبي المعصوم.
{وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} 3.
وتدعي التوراة المحرفة أن السحر قادر على تغيير صورة الإنسان إلى حمار مثلًا أو العكس.
فهل يمكن أن يكون هذا كتابًا إلهيًّا مقدسًا جاء لتعريف البشرية بالله ولهدايتهم إلى الطريق المستقيم؟
هل يمكن أن يكون كتابًا مقدسًا من يقول: "يستحق القتل كل "الجوييم" -غير اليهودي- حتى ذوو الفضل منهم" ويقول: "من قتل غير يهودي فقد قدم قربانًا للرب".
ولنأخذ بعض النماذج لنصوص التوراة، نناقشها مناقشة علمية منطقية، لعله يستبان على ضوئها مدى بشاعة التصحيف والتحريف التي وصلت إلى التوراة فغيرتها عن موضوعها وهدفها تغييرًا كاملًا.
1 أضواء على الصهيونية: ص31.
2 الفصل لابن حزم: 1/ 224.
3 المجادلة: 2.
1-
بنو إسرائيل في التوراة:
تقول التوراة عن بني إسرائيل:
"عاد بنو إسرائيل يعملون الشر في عيني الرب وعبدوا البعليم
…
والعشتاروت
…
وآلهة آدام.. وآلهة صيدوم
…
وآلهة موآب
…
وآلهة بني عمون آلهة الفلسطينيين
…
وتركوا الرب ولم يعبدوه".
"يقول الرب: أتسرقون وتقتلون وتزنون وتحلفون كذبًا وتبخرون للبعل وتسيرون وراء آلهة أخرى"1.
2-
الغريزة الجنسية في التوراة:
هناك أناشيد في التوراة تمزج بين الجنس والدين تأثرًا بالعقائد الوثنية التي كانت منتشرة حينذاك في المنطقة.
جاء في الإصحاح الثالث: "في الليل.. على الفراش.. طلبت من تحبه نفسي.. طلبته فما وجدته..
إني أقوم وأطوف في المدينة، في الأسواق، في الشوارع أطلب من تحبه نفسي.. طلبته فما وجدته..
وجدني الحرس الطائف في المدينة. فقلت أرأيتم من تحبه نفسي؟ فما جاورتهم إلا قليلًا حتى وجدت من تحبه نفسي فأمسكته..
أحلفكن يا بنات أورشليم بالظباء وبأيائل الحقل ألا توقظن ولا تنبهن الحبيب حتى يشاء"2.
وعلى هذا فقد ملئت التوراة بقصص الجنس والأخلاقيات المنحطة البذيئة، حتى إنه يبدو لمن يقرأ أية نسخة للتوراة أن الذين أضافوا إليها ما أضافوا من زيادات ما أنزل الله بها من سلطان، كانوا متأثرين إلى حد كبير بالجنس.
1 عن كتاب أضواء على الصهيونية: ص35.
2 أضواء على اليهودية للأستاذ مصطفى السعدني: ص50.
وبالأساطير اليونانية التي تدور حول تصوير العلاقة بين المرأة والرجل على أنها غرائز ونزعات جنسية فقط.
3-
الجاسوسية في التوراة:
وتتحدث التوراة عن الجاسوسية على أوسع مدى وتعتبرها من الأعمال الدينية الشريفة لأنها مقتبسة من أنبيائهم، كما يتصورها العقل اليهودي الهابط في بؤرة الفساد والضلال. يقول أحد النصوص الواردة في سفر يشوع:"وقال يشوع للرجلين اللذين نجسا الأرض، ادخلا بيت المرأة وكلا ما لها كما حلفتما لها.. وأحرقوا المدينة. بالنار مع كل ما فيها"1.
وهكذا فإن الخيال اليهودي الغارق في البعد عن الحقيقة والمنطق يتصور أن النبي يدعو إلى الجاسوسية وإلى إحراق المدينة بكل ما فيها من ممتلكات وأموال، وبكل من فيها من أناس.. ولهذا فإن التجسس على الناس وتلقط الأخبار وبيعها يعتبر لديهم من الأعمال المقدسة التي يجب أن يتوارثوها أبًا عن جد، وأن يربحوا من ورائها الأموال الطائلة كما يربحون من المتاجرة بأنفس البضاعة وأندرها.
وقد فطن القادة الكبار منذ العصور القديمة إلى هذه النزعة المتأصلة في نفوس اليهود، فاستخدموهم للجاسوسية في حالة عزمهم على غزو بلد من البلدان، ومن الذين استخدمهم لهذا الغرض الإسكندر الأكبر.
وللجاسوسية لدى اليهود حافزان: أحدهما حافظ ديني. فهم يعتقدون أن سرقة الأخبار وإذاعتها مطلب ديني فيه تحقيق لأمر التوراة، والآخر مادي دنيوي، وهم حريصون كل الحرص على سلب الأموال وأخذها بحق وبغير حق من أيدي الناس واحتكارها في أيديهم.
ولليهود اليوم دور خطير في وكالات الأنباء والمخابرات العالمية، فلا يكاد يوجد جهاز للمخابرات في الكتلة الشرقية أو الغربية في العالم الرأسمالي أو الاشتراكي إلا ولليهودية فيه النصيب الأكبر. حتى إن جهاز المخابرات الأمريكية يكاد يكون كتلة يهودية قائمة بذاتها، قلبًا وقالبًا، سياسة وتوجيهًا وتخطيطًا.
1 من كتاب أضواء على الصهيونية: ص50.
تتحرك حركة واحدة وتسير في اتجاه يخدم المصالح اليهودية في كل الدول، وهذا ما دعى أحد المسئولين للقول إن السياسة الأمريكية في حقيقتها ما هي إلا تنفيذ حرفي لبروتوكولات صهيون.
4-
التعصب للجنسية اليهودية:
تشير التوراة التي في أيدي اليهود إلى التعصب لجنسهم وتجعل منهم شعبًا متميزًا عن سائر الأجناس، وتطالبهم بالانفصال عن شعوب الأرض.
ففي أحد الأسفار النصوص التالية:
"ودخلوا في قسم وحلف أن يسيروا في شريعة الله التي أعطيت على يد موسى وأن يحفظوا ويعملوا جميع وصايا الرب وأحكامه وفرائضه، وألا نعطي بناتنا لشعوب الأرض، ولا نأخذ بناتها لبنينا"1.
وهذا يدل على أن التمييز العنصري قد استمد وجوده من التوراة المحرفة وأن أول شعب دعا للتمايز بين الأجناس والأقوام هم اليهود، بل إنهم يوغلون في التفريق بين الشعوب فيعتبرون أن سائر الأجناس غير اليهودية رجس ونجس.
5-
تعارض التوراة مع المنطق:
ومع الحقائق العلمية الثابتة، من ذلك مثلًا ما جاء في سفر التكوين عن نشأة اللغات:
"وكانت الأرض كلها لسانًا واحدًا ولغة واحدة، وحدث في ارتحالهم شرقًا أنهم وجدوا بقعة في الأرض "شنعار" وسكنوا هناك.. وقال بعضهم لبعض هلم نصنع لبنًا ونشويه شيًّا فكان لهم اللبن مكان الحجر، وكان لهم الجمر مكان الطين وقالوا هلم نبني لأنفسنا مدينة وبرجًا رأسه في السماء ونصنع لأنفسنا اسمًا لئلا نتبدد على وجه الأرض فنزل الرب لينظر المدينة والبرج الذين كان بنو آدم يبنوهما، وقال الرب هو ذا شعب واحد ولسان واحد لجميعهم، وهذا ابتداؤهم بالعمل.. والآن لا يمتنع عليهم كل ما ينوون أن يعملوه، هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم حتى لا
1 سفر نحيا "انظر أضواء على الصهيونية: ص57".
يسمع بعضهم لسان بعض فبددهم الرب من هناك على وجه الأرض، فكفوا عن بنيان المدينة لذلك دعي اسمها بابل، لأن الرب هناك بلبل لسان كل الأرض، ومن هنا بددهم الرب على وجه الأرض"1.
فهذا التفسير لنشأة اللغات لا يتفق مع الحقائق العلمية لتطور اللغات وأخذها وضعها الثابت لها.
ومن هنا يتضح وضوحًا كاملًا لكل ذي بصيرة ونظر التحريف الشديد الذي عبث في التوراة فطمس معالم التوحيد فيها، وأطفأ نور الهداية منها وأخرج للناس كتابًا يثير الضحك والسخرية، والاشمئزاز والكراهية من أولئك الذين سولت لهم أنفسهم أن يشتروا بآيات الله ثمنًا قليلًا، وأن يقولوا زورًا وبهتانًا:"هذا من عند الله وما هو من عند الله". قال الله تبارك وتعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} 2.
وقال جل من قائل: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} 3.
كيف تم التحريف:
إننا نؤمن أن الله تبارك وتعالى قد خاطب موسى عليه السلام وأنزل عليه التوراة فيها هدى ونور ليحكم أصحابها بما ورد فيها من شريعة، ولكننا ننكر أن تكون التوراة التي في أيدي اليهود اليوم هي التوراة الموحى بها من عند الله تعالى وذلك لأسباب جوهرية أصلية، منها ما رأينا من مقالات يتندى من تدانيها حبين الإنسانية خجلًا وحياء، هذا من جهة الموضوع. أما من جهة الأسلوب والصياغة، فإن كل من يطلع على التوراة ويقرأ ما فيها يدرك تمامًا اختلافات شديدة في الأسلوب والتعابير فضلًا عن تناقض الأفكار وتضارب نصوصها بعضها بعضًا.. وأن هذا الاختلاف والتناقض ما كان ينبغي أن يصدر عن إنسان حصيف
1 أضواء على الصهيونية: ص52.
2 سورة البقرة: 79.
3 سورة البقرة: 59.
متزن فضلًا عن نبي مصطفى، فكيف ينسب إلى الله، تعالى الله عما يقول الكافرون علوًّا كبيرًا.
ولكن ما السبب في هذا التغيير والتبديل؟
يذكر علماء تاريخ الأديان أن التوراة قد كتبت بلغات متعددة منها الهيروغليفية "الفرعونية القديمة" ومنها العبرية، والآرامية والإغريقية.. وإن كتابًا يكتب بهذه اللغات المختلفة، ثم يترجم في وقت لم تكن الترجمة ميسرة، ولا التعليم واسع النطاق منتشرًا بين الناس ولا الطباعة معروفة، ولا المخلصون القائمون به وعليه موجودين، ولا العهد بين موسى عليه السلام وكتابة التوراة قريبًا، بل إنه لم يكتب إلا بعد مرور ستمائة سنة على وفاة موسى عليه السلام.. كل هذه العوامل كفيلة بأن تؤكد حصول التحريف والتصحيف بل التبديل والتغيير.
ويذكر علماء تاريخ الأديان أن ملك بابل "بختنصر" قد حاصر القدس وخربها وأحرق هيكل سليمان بكل ما فيه حتى ألواح التوراة. ويؤيدون قولهم بما ورد في التوراة: "في الشهر الخامس في سابع الشهر، وهي السنة التاسعة عشرة للملك "بختنصر" ملك بابل، جاء "نبوزرادان" رئيس الشرطة "عبد ملك بابل" إلى أورشليم وأحرق بيت الرب بيت الملك وكل بيوت أورشليم وأحرق بيوت العظماء أحرقها بالنار"1.
وعلى هذا فلم يبق لليهود توراة يتمسكون بها ويرجعون إليها، ولم يجدوا جَدًّا واحدًا حافظًَا للتوراة يرجعون إليه ليذكرهم بما ورد في كتابهم الذي أحرق، واختفت بإحراقه كل نسخة وكل أثر لما روي عن النبي موسى عليه السلام.
وقد سبي اليهود وليس في أيديهم مرجع واحد يحفظ عليهم دينهم، فمما لا شك فيه أن يتأثروا بالديانات الوثنية المنتشرة آنذاك، كالديانة الفارسية والبابلية، فشربوا من عقيدتها وأخلاقها
…
وبعد حين من الدهر خطر على بالهم أن يكتبوا كتابًا يحفظ عليهم عنصرهم اليهودي، فكتبوا "التلمود" وقد أملى عليهم هذا
1 من كتاب أضواء على الصهيونية: ص57.