الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
إن الثقافة الإسلامية كفيلة بإحياء الانتماء إلى الإسلام مبدأ وشريعة وإلى الأمة الإسلامية سلوكا وخلقا.
ومن هذه الأساسيات وغيرها تستمد الثقافة الإسلامية مكانتها وأهميتها في حياة الفرد المسلم والجماعة المسلمة.
دور الثقافة الإسلامية في العصر الحديث:
إن أصول الثقافة الإسلامية حقائق كلية كبرى صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان وهي غير قابلة للتغيير، وأي دعوة تدعو إلى تغيير ولو حرف واحد منها هي دعوة باطلة مضلة، يجب القضاء عليها في مهدها، ذلك لأن هذه الأصول إنما هي كتاب الله وسنة رسوله، وما فيها من قواعد وأحكام واضحة صريحة وفي تنفيذها على النحو الذي أراده الله تحقيق لمصلحة العباد. ويتفرع عن هذه الأسس والأصول مسائل معاشية وتطبيقات سلوكية في مجالات الاجتماع والاقتصاد والسياسة، وهذه المسائل يمكن أن تتخذ أشكالا مختلفة في التطبيق، وأذكر مثالا توضيحيا على ذلك "الشورى" في الإسلام وهي من المبادئ الثابتة شرعا والمقررة في نصوص القرآن الكريم، وفي تطبيق هذا المبدأ التزام لأمر الله، ولكن أسلوب التطبيق وكيفية التنفيذ يمكن أن يختلف باختلاف الأزمان والبيئات والأعراف ذلك لأننا لا نجد نصا ملزما يبيِّن أسلوبا معينا في تنفيذ قاعدة الشورى، والذي يحدد هذا الأسلوب حسب مقتضيات العصر هو الفكر الإسلامي، أو الثقافة الإسلامية.
وعلى هذا فالثقافة الإسلامية يمكن أن تقوم بدور تطوير الأساليب والوسائل لتطبيق الأحكام الشرعية، والقواعد الثابتة التي لا تختلف باختلاف العصر والمجتمع.. وأذكر مثالا آخر يبيِّن دور الثقافة في تطوير المناهج والطرق "الربا" فإنه محرم شرعا ولعن الله المتعاملين به وكاتبه وشاهديه، وعلى هذا فكل مؤسسة وكل بنك يقوم على أساس التعامل بالربا يعتبر محرما، ولا يجوز لدولة إسلامية أن تسمح لإقامة البنوك الربوية في أرضها وديارها، ولكن هناك نظام آخر مصرفي يقوم على غير الربا كالمؤسسات المصرفية الإسلامية والتي تسمى "البنوك اللا ربوية"، ويأتي دور الثقافة الإسلامية هنا في غاية الأهمية، فهي التي تبيِّن الأسس العامة، لإنشاء مثل هذه المصارف الإسلامية، وهي التي تحدد الخدمات
المصرفية التي يمكن أن تقدمها هذه البنوك دون اللجوء إلى عملية الربا في أية جهة من اتجاهاتها1.
وهناك مثال آخر حيوي وعصري هو "عقد التأمين التجاري" وهو من العقود التي نظمتها التشريعات الوضعية، وبعد التكييف الفقهي لهذا العقد استبان أنه يهدف إلى الحصول على المال في حالة تحقق الخطر، وأن شركات التأمين تبتغي اكتساب أكبر قدر من الأرباح من جراء هذا العقد، وهو فوق هذا كله بيع نقد غير محدد بنقد بالذمة. فهو يتضمن من هذه الناحية الغرر والربا، ولهذا فإن "التأمين التجاري" غير معتبر شرعا، ولكن هناك أنواعا من التأمين تقوم على فكرة التعاون والتكافل الاجتماعي، ولا يهدف المؤمن من وراء هذا التعامل الربح، كتأمين الحكومة المعاش للموظف. وعلى العلماء من الفقهاء والمتخصصين بالاقتصاد الإسلامي وغيرهم من رجال الفكر في الإسلام أن يقوموا بوزن العقود الجديدة وسائر ضروب التعامل الطارئة المستخدمة بالمعيار الإسلامي ويبينوا للناس ما يحل وما يحرم من ذلك وما يتفق مع الأحكام وما يجافيها. وبذلك يصبح المسلمون على بينة من أمرهم، فإن العلم دين، والقضايا المستحدثة إن كانت مخالفة للشريعة فلا يجوز التعامل بها.
وبهذا الدور الذي تقوم به الثقافة الإسلامية في الوقت المعاصر، فإنها تخدم الأهداف العامة للشريعة الإسلامية في كافة ميادين الحياة.
فالثقافة الإسلامية التي تقوم بواجب بناء الإنسان المسلم، تقوم في الوقت نفسه بواجب الدفاع عن حصنه ضد التيارات المعادية، وبما أن هذه التيارات قد تتطور وتلبس أثوابا جديدة، وتتخذ شعارات لها رنينها، وتظهر بأسماء براقة، وتوجد أساليب حديثة، فإن الثقافة الإسلامية يجب أن تقدم الوسيلة الدفاعية المتطورة. وأن تستعد لكل خصم يريد أن يزيف الحقائق الإسلامية، أو يشوه
1 عقد التأمين في الفقه الإسلامي والقانون المقارن، تأليف د. عباس حسني ص5.