الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الغرب أو أن يأخذ من غير حضارته، وإذا أخذ شيئا منها فبمنتهى الحذر والتأني، لأن الأفكار الأسطورية دخلت إلى أذهان الغربيين وأثرت بمناهجهم الفكرية، عن عمد منهم أو عن غفلة.
يقول الأستاذ سيد قطب، رحمه الله تعالى:"إن التصورات الأوربية التي مكنت فيها تلك التصورات الأسطورية المختلفة، ودخلت في صميمها، بل دخلت في مناهج تفكيرها.. إن هذه التصورات الأوربية وما قام عليها من مناهج التفكير، وما نتج منها من مذاهب وأفكار، كلها تصطدم -اصطداما ظاهرا أو خفيا- مع التصور الإسلامي ومناهج الفكر الإسلامية، وإن أي استعارة من تلك التصورات أو مناهج التفكير أو نتاجها من المذاهب والأفكار، تحمل في صميمها عداء طبيعيا للتصور الإسلامي وللفكر الإسلامي، ولا تصلح بتاتا للاقتباس منها أو الاستعانة بها، بل هي كالسم الذي يتلف الأنسجة ويؤذي الأعضاء، ويقتل في النهاية إذا كثر المقدار"1.
1 خصائص التصور الإسلامي للأستاذ سيد قطب. ص170.
خاصية الإيجابية:
تمتاز الثقافة الإسلامية بأنها "إيجابية" ذلك لأن الإنسان، في مدلول الثقافة الإسلامية يعبد الله السميع البصير الخالق الرازق الفعال لما يريد
…
له الأسماء الحسنى والصفات العليا، وكل أسمائه وصفاته سبحانه وتعالى كاملة الإيجابية والفاعلية.
قال جل من قائل: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 1، وقال سبحانه:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً} 2.
وقال: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ
1 الأعراف: 54.
2 فاطر: 44.
تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} 1.
والثقافة الإسلامية "إيجابية" لأنها تلزم الإنسان بالعمل حسب طاقاته وإمكاناته ومواهبه، وتحذر بشدة من التواكل والتخاذل والتباطؤ والتكاسل
…
ولهذا فهي لا ترضى للمسلم أن يكون كسولا يعيش على هامش الحياة دون أن يؤثر في الكون تأثيرا فاعلا إيجابيا، بل يجب أن يؤثر في المحيط حوله، وأن يؤثر في الناس، وأن يؤثر في دنياه ودنيا غيره
…
وأن يكون إيجابيا في عقيدته متفاعلا معها، مدركا لمعانيها يحيا بكل عنصر من عناصرها، ينبض قلبه بحبها، ويسارع ليتمثل كل ركن من أركانها، فيجسده واقعا يرقى به نحو الأكمل والأفضل دائما، ويعايشه إحساسا ومشاعر وحيوية وجمالا وبهاء
…
كما يكون إيجابيا في دعوته إلى الله على بصيرة وهدى. إيجابيا في مسارعته لأداء العبادات والفرائض.
ولهذا فليس المسلم في عرف الثقافة الإسلامية ذلك الإنسان السلبي الذي يعيش بعيدا عن أحداث الحياة وقضاياها، لا يهمه في دنيا المسلمين أمر ولا يهزه خطب ولا يثيره حدث ولا تحرك وجدانه قضية. ويقنع بركيعات يركعها نافلة في ليل أو نهار، أو أذكار يؤديها منعزلا عن حياة الجماعة الإسلامية
…
وإنما هو ذلك الإنسان المسلم الإيجابي في عقيدته، الإيجابي في دعوته، المهتم بأمر المسلمين وشئونهم، الذي يسعى جاهدا لتغيير كل واقع لا يخضع لحكم الله ولا يدين بدين الحق، وهو الذي يتمكن من أن يغير نفوس الآخرين الذين رضوا بالحياة الدنيا عن الآخرة، فانحصرت اهتماماتهم في أهواء عابرة، ونسوا أنفسهم وضيعوا فرائض الله وتهاونوا في أداء العبادات وتقاعسوا عن أداء الحقوق إلى أصحابها، وأهل الحق عليهم.
إن المسلم لا يهدأ له بال ولا يرتاح له ضمير، ولا تقر له عين ولا تطمئن له نفس حتى يرى راية الإسلام عالية خفاقة، وحتى يحس إحساسا حقيقيا أن القرآن الكريم يحكم ضمير الفرد، ويحكم تصرفات المسلمين ويحكم واقع المجتمع المسلم.
1 آل عمران: 26-27.
هذا هو المسلم في عرف الثقافة الإسلامية، وهذا ما تثيره الثقافة الإسلامية في نفسية المسلم من أحاسيس ومشاعر، إنه ليس إنسانا سلبيا يحسن إن وجد الناس قد أحسنوا، ويسيء إن وجد الناس قد أساءوا، كلا إنما هو إنسان يعمل في محيط هدفه ومبدئه وقيمه، وقد حدد الرسول صلى الله عليه وسلم معالم شخصية الفرد المسلم بقوله:"لا تكونوا إمعة تقولوا إن أحسن الناس أحسنا وإن أساءوا أسأنا، بل وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تسيئوا".
قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} 1.
وقال سبحانه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} 3.
فهذه الآيات الكريمة وغيرها كثير تبين سمة الإيجابية التي يجب أن يتصف بها المسلم، لأنها ميزة مهمة من مزايا ثقافته الإسلامية، وما اتصفت به الثقافة يجب أن يبرز إلى الوجود ويتمثل في واقع الحياة سلوكا بناء وقولا مؤثرا وعاطفة بليغة وخلقا فعالا، وقوة حقيقية وطاقة معمرة تصون الحقوق، وتعطي المحروم، وتأخذ على يد الظالم، وتمنع الطغيان.
والثقافة الإسلامية بخاصتها الإيجابية تشعر الفرد بأنه مكلف وأن عليه أن يبذل قصارى جهده. وهو مع ذلك مزود بالاستعدادات والمواهب والإمكانات، وأن الله سبحانه وتعالى سيعينه على عمله واجتهاده، يسدد خطاه، ويؤيده بنصره، وقد أبان له طريق الخير ووجهه نحوه، وأوضح له طريق الشر وأمره
1 الحجرات: 15.
2 النور: 55.
3 آل عمران: 110.